الاستنطاق القرآني في نهج الإمام علي (ع)
غفل
الكثير منا عن آلية قراءة القرآن، في الوقت الذي وضع لنا الإمام علي (ع) طريقة مهمة
في قراءتنا المعرفية الصحيحة للنص القرآني، حيث يقول: "ذَلِكَ
الْقُرْآنُ فَاسْتَنْطِقُوهُ وَلَنْ يَنْطِقَ لَكُمْ، ولَكِنْ أُخْبِرُكُمْ
عَنْهُ: إِنَّ فِيهِ عِلْمَ مَا مَضَى وَعِلْمَ مَا يَأْتِي إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ، وَحُكْمَ مَا بَيْنَكُمْ" (نهج البلاغة: الخطبة 158، الكافي: ج 1 ص 61).
فالقرآن
الكريم أوسع وأعمق وأبعد غورًا من أن يُفهم حقَّ الفهم دفعةً واحدةً، بل ستظل هناك
دائمًا، مهما طال الزمان، أبعادٌ تحتاج إلى من يحاول ارتيادها واكتشاف ما فيها من
أسرار.
لقد أنزل الله سبحانه وتعالى على
قلب رسوله محمد (ص) كتابًا كاملًا موضحًا لكل أمر يحتاج إلى تبيان {وَنَزَّلْنَا
عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى
لِلْمُسْلِمِين} (النحل: 89)، فإذا امتلكنا الوعي بالمنهج والطريقة الصحيحة
والمناسبة لاستنطاقه والاستهداء به أصبنا هدف القراءة، وإلا ستظل هذه الحقائق المدرجة
بين دفتيه مجرد افتراضات.
وهذا متوقف على تعريفنا للقرآن والغاية
من الهداية الشاملة فيه، ومتوقف -أيضًا- على تعريفنا للقرآن بأنه منهج للحياة،
مرتبط بالحياة وبالحركة الذهنية والعملية فيها.
ولكنَّ الأسف كل الأسف أنَّ المسلمين
لا يرون أنَّ دينهم ومعارفهم وإيمانهم صحيح إلا من خلال كتب التراث التي كتبها
رجال عبر التاريخ، خلال اربعة عشر قرنًا.
وللمفسّر الكبير العلامة الطباطبائي (ت 1402ﻫ) كلامًا ضافيًا ومهمًا:
"اقبال عموم
المسلمين على الحديث والمحدِّثين بأكثر مما تستلزمه الحاجة الحقيقية. وقد كان من
الطبيعي أن يكون من بين هؤلاء المحدِّثين مجموعة من الباحثين عن الجاه والمنفعة
دفَعهم إقبال الناس المتزايد على الحديث للطمع في كسب مزايا اجتماعية، فأخذوا
يهيئون الحديث من أيّ مصدر كان -دونما تمحيص- وبأي مفهوم اتفق، أو أنهم بادروا إلى
وضع الحديث تبعًا لميول المتنفِّذين ومقاصدهم في ذلك الوقت، مما أدّى إلى شيوع
الوضع...
لقد
دسّت بين الحديث مجموعة من الأحاديث الموضوعة أو الضعيفة وأصبحت في عداد الحديث
المقبول، مما أدّى إلى أن تنفذ إلى المعارف والحقائق الإسلامية مجموعة من
الخرافات، بعد أن كان رسول الله (ص) قد توفّر على ابانتها والتحذير منها.
مثل
هذه الأحاديث المندسّة يمكن تلمسها في أبواب الحديث المختلفة، وعلى الأخص في
التفسير، وتأريخ الأنبياء وتأريخ الأمم السابقة، وباب الغزوات ووقائع صدر الإسلام.
والحق؛ أننا نجد قصصًا وأمورًا أخرى بين الحديث، لا يستطيع العقل السليم أن
يقبلها..." (الشيعة، للعلامة الطباطبائي: ص 77-78).
إنهم لم يحاولوا قط فهم القرآن إلا
من خلال كتب التراث بأحاديث نُسبت للرسول الكريم (ص) ظُلمًا، وكأنهم يقولون بأنَّ
الله سبحانه وتعالى أنزل لعباده مجموعة من الطلاسم، بالرغم من قول الله تعالى: {وَنَزَّلْنَا
عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى
لِلْمُسْلِمِين} (النحل: 89).
فالاستنطاق -كما نادى به أمير المؤمنين (ع)- بمعنى (المساءلة)، أن تسأله فينطق، وأن تجعل عقلك ووعيك ندًا للنص المكتوب، وإلا فما قيمة هذا الاستنطاق؟!، فكتاب الله _كما يقول الإمام علي (ع)-: "نَاطِقٌ لَا يَعْيَا لِسَانُهُ، وَبَيْتٌ لَا تُهْدَمُ أَرْكَانُهُ وَعِزٌّ لَا تُهْزَمُ أَعْوَانُهُ" (نهج البلاغة: الخطبة 133).
فدور هذا الكتاب الكريم -بحسب نص الشهيد الكبير السيد محمد باقر الصدر- "دور المستنطق، دور
الحوار، يكون دور المفسر دورًا إيجابيًا ايضًا، دور المحاور، دور من يطرح المشاكل،
من يطرح الأسئلة، من يطرح الاستفهامات على ضوء تلك الحصيلة البشرية على ضوء تلك
التجربة الثقافية التي استطاع الحصول عليها ثم يتلقى من خلال عملية الاستنطاق، من
خلال عملية الحوار مع أشرف كتاب يتلقى الأجوبة من ثنايا الآيات المتفرقة"(أنظر: المدرسة القرآنية،
للشهيد محمد باقر الصدر: ص 66)..
وهناك الكثير من الأحاديث عن أهل
البيت (ع) يرشدون فيها الأمة إلى استنطاق القرآن، كما في حديث علي (ع): "كِتَابُ اللَّهِ تُبْصِرُونَ بِهِ وَتَنْطِقُونَ بِهِ
وَتَسْمَعُونَ بِهِ وَيَنْطِقُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَيَشْهَدُ بَعْضُهُ عَلَى
بَعْضٍ وَلَا يَخْتَلِفُ فِي اللَّهِ وَلَا يُخَالِفُ بِصَاحِبِهِ عَنِ اللَّه"
(نهج البلاغة: الخطبة
133، والشيعة في الإسلام، للعلامة
الطباطبائي: ص 75).
لقد
أُريد لنا أن نهتم بهذا الكتاب الكريم، وأن نتعامل معه، باعتباره نصًا يحتوي على أخلاق
وقصص وأحكام وغيرها، بعيدًا عن خصوصية مكان نزوله وزمانه.
فالوحي
ليس شكلًا للفظ أو النص بل هو منظومة تتشكل معها كلُّ واقع الإنسان وتاريخه ومجتمعه
ومعارفه الطويلة.. وكأنَّ قراءتنا لا تستقيم إلا بقراءتنا الجادة للوجود.. أي ينبثق لدينا فهمٌ
للوحي وفهمٌ للكون؛ بحيث يمضي الإنسان على بصيرة في هذه الدنيا، فعينٌ منه على
الوحي الهادي، وأخرى على هذا الكون المُسخَّر.
فالقراءة
استنطاقٌ؛ بمعنى ولادة من جديد، لا يسكن في جهة خاصة أو زمان خاص، فديمومة قراءة الكتاب
فيها دلالة واضحة على الإصرار أن تكون القراءة ولادة متجددة باستمرار.
وكلما
كانت قراءتك للكتاب متحفزة ومتيقظة، فإنها حينئذ تحيل على معنى الولادة من جديد؛ أي
أن نستقبل البذرة، وأن نلفظها ميلادًا جديدًا؛ وهذا ما نفقده في قراءتنا للقرآن
الكريم تلاوة وتفسيرًا.
فقارئ
القرآن لا بدَّ أن يملك وعيًا فلسفيًا؛ لكي يتناول هذا النص
العظيم المؤسِّس، وأن يلمَّ بما أحاط به من حوافي النصوص التي واجهت هذا النص
الكبير؛ لأنَّ القرآن الكريم "ظَاهِرُهُ
أَنِيقٌ، وَبَاطِنُهُ عَمِيقٌ، لَا تَفْنَى عَجَائِبُهُ، وَلَا تَنْقَضِي
غَرَائِبُهُ، وَلَا تُكْشَفُ الظُّلُمَاتُ إِلَّا بِهِ" (نهج البلاغة: الخطبة 18).
ومفرق الطريق بين إعجاز القرآن وتيسُّر
فهمه إنّما هو القراءة والتلاوة بمعناها الواسع، والتدبر والتفكر المتواصل فيه.
لذلك كان الرسول (ص) يحث المسلمين دومًا على ملازمة قراءته وتدبره فـ"لَا
خَيْرَ فِي قِرَاءَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَدَبُّرٌ"،
واستعمال كلّ قوى الإدراك وكلّ طاقات الوعي الإنساني لمحاولة فهم هذا النص.
فليس
معناه "وحيًا" أنه يخلو من عمق إنساني غارق في القدم، إذن لماذا قدَّم لنا
تلك القصص، وتلك الأقوال التي جاءت على لسان تلك الحقبة الخالدة في حياة وفكر
الإنسان القديم، وليس بمستغرب لو فتشنا القرآن لوجدنا رؤى فلسفية بشرية.. فليس
بالضرورة أن يكون وحيًا أن لا يكون شاملاً ومستوعبًا لمعارف الإنسان الذي عاش قبل
مجيء النبي محمد بن عبد الله (ص).
فكونه {كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ}، ليس معناه أنه لم
يحتوي على نصوص بشرية صدقت في قولها وفكرها ومعارفها، وهذا هو سر اعجاز هذا الوحي
أنه لم يغمط حقائق كبرى حققها الإنسان ضاعت في عالم المجهول والنسيان قبل نزول
الكتاب العظيم.
نعم، لقد استوعب الكتاب الكريم صحف
إبراهيم وموسى وداود وعيسى (ع)، وحِكَم لقمان الحكيم، وتشريعات حمورابي (ت 1750
ق.م) ...، كما تحدث عن الإنسان وخلقه ونشأته، ووصف بإبهار ما في الكون من قمر وشمس
ونجوم وفلك وتوازن، لقد استوعب كل الكتب التي نعلمها أو التي لا نعلمها.
وما يهم القارئ الحقيقي للكتاب الكريم
هو أن ينسلخ القارئ عن المعجم اللفظي ويترقى به إلى الأبعاد الأنثروبولوجية، لكي تتسق
المعاني بعيدًا عن تأثير الزمان والمكان، وتأخذ بما يتناسب والواقع، وهذا ما
نستوحيه من قول الإمام علي (ع) بتعبيره: "فَاسْتَنْطِقُوهُ
وَلَنْ يَنْطِقَ لَكُمْ" فهو استنطاق للنص الذي
لا ينطق بنفسه وإنما هو موكول للمتأمل فيه بروية وعمق ومعرفة، ولا يمكن استنطاقه
إلا بالعبور والرقي من مجرد التدبر إلى الاستنطاق الذي يتوقف على تنزل القرآن من
السر إلى الواقع الإنساني في تاريخه المعرفي الكبير وأن ينطق بمكنونه؛ فمثلًا عندما ننظر -مثلًا-
في كلمة {تَضِلَّ} الواردة في شهادة
المرأة مقابل شهادة الرجل، نرى أنَّ القرآن علَّل ذلك في قوله: {أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} (البقرة: 282)، فقد اختار المفسِّرون
"الضّلال" بناءً على نقص العقل عند المرأة!!
بينما كلمة >ضلَّت< تعني
أنها بعيدة أو أنّها غير موجودة أو أننا بحثنا عنها ولم نجدها، وهذا بطبيعة الحال
مرتبط بالواقع في الزواج العربي آنذاك، وقد كان في كثير من الأحيان زواجًا خارج
القبيلة، فالمرأة يمكن أن تضل بعد أن يتزوج بها إنسان من المدينة المنورة -مثلًا-
ويذهب بها إلى العراق أو إلى الشام... وعندما نلتمس رجوعها للشهادة مرة ثانية فلا
نجدها، فنقول بأنها >ضلَّت< أي ابتعدت ولم تعد موجودة.. ومنها ما هو مفسَّر
في قوله تعالى في سورة الضحى {وَوَجَدَكَ
ضَالًّا فَهَدَى}.
وحينئذ لا يمكن أن يكون هذا الحكم
يجري على المرأة الآن بنفس الأسلوب الذي كان سائدًا في تلك العصور، وخاصة مع تقدم
العلم وشموله للمرأة والرجل على حد سواء.
من هنا
نقول: لقد كان الوحي المحمدي زلزالًا على الأرض، أخرج لهم أثقال المعرفة الكبرى
التي طمست والتي لم تطمس، فكانت كما قال الكتاب الكريم: {يَوْمَئِذٍ
تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ
رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} (الزلزلة: 4-5).
إذن،
إعجاز هذا الكتاب في استيعاب شخص واحد اسمه محمد (ص) لمعلومات العالم، أليس في ذلك
قيمة للاستنطاق الفكري والدلالي لهذا القرآن الكريم..
وهذا هو سر كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع): "ذَلِكَ
الْقُرْآنُ فَاسْتَنْطِقُوهُ وَلَنْ يَنْطِقَ لَكُمْ، ولَكِنْ أُخْبِرُكُمْ
عَنْهُ: إِنَّ فِيهِ عِلْمَ مَا مَضَى وَعِلْمَ مَا يَأْتِي إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ، وَحُكْمَ مَا بَيْنَكُمْ"(نهج البلاغة: الخطبة 158)، حيث لم ينكر الإمام أنَّ هذا
القرآن يشتمل على علم من مضى.
إنَّ
هذا الاستنطاق - كما يقول الإمام علي (ع) - دعوة دائمة للتساؤل والنظر والبحث، وتفعيل
للعقل، وهذه هي القراءة الصحيحة المفقودة.
ولكن
قد يقرأ البعض تعبيرًا غريبًا في وصف القرآن، على لسان أئمة أهل البيت (ع)، وهو (كتاب
الله الصامت)!!. حيث يقول الإمام علي (ع): "هذا كتاب الله الصامت، وأنا كتاب الله الناطق" (الإرشاد للمفيد: ص
144).
فقد
يتوهم المتوهم أنَّ الإمام (ع) يريد أنَّ هذا القرآن لا يمكن الوقوف على تفسيره أو
تدبره إلا بواسطة الإمام نفسه، وهذا منطق غريب في الفهم ليس يصدق على كتاب الله
الكريم الذي بعثه هداية لمن تأمل فيه وتدبر.
فالقرآن
الكريم (صامت) لمن لم يحسن أدوات تدبره وتأمله، وهو (ناطق)
لمن يحسن استنطاقه ويميط اللثام عن حقائقه الكبرى، وتقرير سنن الله في الحياة، وأن
ينطق بعضه ببعض ويفسِّر بعضه بعضًا.
وهذا
ما وضحه علي (ع) حيث يقول: "فَالقُرْآنُ
آمِرٌ زَاجِرٌ، وَصَامِتٌ نَاطِقٌ، حُجّةُ اللهِ على خَلْقِهِ، أَخَذَ عليهم
مِيثَاقّهُ، وارْتَهَنَ عليْهِ أَنْفُسَهُمْ، أَتَمَّ نُورَهُ وَأَكْمَلَ بِهِ
دِينَهُ" (نهج السعادة: ج 9 ص 363)،
ويقول أيضًا: "واعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَنْ تَعْرِفُوا الرُّشْدَ حَتى
تَعْرِفُوا الذِي تَرَكَهُ، وَلَنْ تأخُذُوا بِمِيثَاقِ الكِتَابِ حَتَّى
تَعْرِفُوا الذِي نَقَضَهُ، وَلَنْ تَمَسَّكُوا بِهِ حَتَّى تَعْرِفُوا الذِي
نَبَذَهُ، فَالْتَمِسُوا ذلِكَ مِنْ عِنْدِ أَهْلِهِ، فَإِنَّهُمْ عَيْشُ
العِلْمِ، وَمَوْتُ الجَهْلِ، هُمُ الذِينَ يُخْبِرُكُمْ حُكْمُهُمْ عَنْ
عِلْمِهِمْ، وَصَمْتُهُمْ عَنْ مَنْطِقِهِمْ وَظَاهِرُهُمْ عَنْ بَاطِنِهِمْ، لا
يُخَالِفُونَ الدِّينَ ولا يَخْتَلِفُونَ فيهِ، فَهُوَ بَيْنَهُمْ شَاهِدُ
صَادِقٌ، وَصَامِتٌ نَاطِقٌ" (نهج البلاغة: الخطبة 147).
ولو كان القرآن صامتًا، بشكل كلي،
لتوجب علينا الرجوع إلى الأئمة دائمًا، فيما الأئمة (ع) يأمروننا بالرجوع إلى
القرآن في تقييم الروايات. وهل يعقل أن يكون (الصامت) {تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى
لِلْمُسْلِمِين} (النحل: 89)، ولو كان صامتًا فما الذي يمكن أن يقدمه لي؟! إنَّ
القرآن نفسه يقول: {هَذَا بَيَانٌ
لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ} (آل عمران: 138)، وهل الشيء الصامت يكون
بيانًا؟!
+++++++++
>إِنَّا لَمْ نُحَكِّمِ الرِّجَالَ وَإِنَّمَا حَكَّمْنَا
الْقُرْآنَ هَذَا الْقُرْآنُ إِنَّمَا هُوَ خَطٌّ مَسْطُورٌ بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ
لَا يَنْطِقُ بِلِسَانٍ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَرْجُمَانٍ وَإِنَّمَا يَنْطِقُ
عَنْهُ الرِّجَالُ< (نهج البلاغة: الخطبة 125).
>وَكِتَابُ اللَّهِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ نَاطِقٌ لَا يَعْيَا
لِسَانُهُ وَبَيْتٌ لَا تُهْدَمُ أَرْكَانُهُ وَعِزٌّ لَا تُهْزَمُ أَعْوَانُهُ<
(نهج
البلاغة: الخطبة 133).
>يَعْطِفُ الْهَوَى عَلَى الْهُدَى إِذَا
عَطَفُوا الْهُدَى عَلَى الْهَوَى وَيَعْطِفُ الرَّأْيَ عَلَى الْقُرْآنِ إِذَا
عَطَفُوا الْقُرْآنَ عَلَى الرَّأْيِ< (نهج البلاغة: الخطبة 138).
>وَعَلَيْكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنَّهُ الْحَبْلُ
الْمَتِينُ وَالنُّورُ الْمُبِينُ وَالشِّفَاءُ النَّافِعُ وَالرِّيُّ النَّاقِعُ
وَالْعِصْمَةُ لِلْمُتَمَسِّكِ وَالنَّجَاةُ لِلْمُتَعَلِّقِ لَا يَعْوَجُّ
فَيُقَامَ وَلَا يَزِيغُ فَيُسْتَعْتَبَ وَلَا تُخْلِقُهُ كَثْرَةُ الرَّدِّ
وَوُلُوجُ السَّمْعِ< (نهج البلاغة: الخطبة 156).
>واعْلَمُوا
أَنَّكُمْ لَنْ تَعْرِفُوا الرُّشْدَ حَتى تَعْرِفُوا الذِي تَرَكَهُ، وَلَنْ
تأخُذُوا بِمِيثَاقِ الكِتَابِ حَتَّى تَعْرِفُوا الذِي نَقَضَهُ، وَلَنْ
تَمَسَّكُوا بِهِ حَتَّى تَعْرِفُوا الذِي نَبَذَهُ، فَالْتَمِسُوا ذلِكَ مِنْ
عِنْدِ أَهْلِهِ، فَإِنَّهُمْ عَيْشُ العِلْمِ، وَمَوْتُ الجَهْلِ، هُمُ الذِينَ
يُخْبِرُكُمْ حُكْمُهُمْ عَنْ عِلْمِهِمْ، وَصَمْتُهُمْ عَنْ مَنْطِقِهِمْ
وَظَاهِرُهُمْ عَنْ بَاطِنِهِمْ، لا يُخَالِفُونَ الدِّينَ ولا يَخْتَلِفُونَ
فيهِ، فَهُوَ بَيْنَهُمْ شَاهِدُ صَادِقٌ، وَصَامِتٌ نَاطِقٌ< (نهج البلاغة: الخطبة 147).
>وَاعْلَمُوا أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هُوَ النَّاصِحُ الَّذِي
لَا يَغُشُّ وَالْهَادِي الَّذِي لَا يُضِلُّ وَالْمُحَدِّثُ الَّذِي لَا يَكْذِبُ
وَمَا جَالَسَ هَذَا الْقُرْآنَ أَحَدٌ إِلَّا قَامَ عَنْهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ
نُقْصَانٍ زِيَادَةٍ فِي هُدًى أَوْ نُقْصَانٍ مِنْ عَمًى وَاعْلَمُوا أَنَّهُ
لَيْسَ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ الْقُرْآنِ مِنْ فَاقَةٍ وَلَا لِأَحَدٍ قَبْلَ
الْقُرْآنِ مِنْ غِنًى فَاسْتَشْفُوهُ مِنْ أَدْوَائِكُمْ وَاسْتَعِينُوا بِهِ
عَلَى لَأْوَائِكُمْ فَإِنَّ فِيهِ شِفَاءً مِنْ أَكْبَرِ الدَّاءِ وَهُوَ الْكُفْرُ
وَالنِّفَاقُ وَالْغَيُّ وَالضَّلَالُ فَاسْأَلُوا اللَّهَ بِهِ وَتَوَجَّهُوا
إِلَيْهِ بِحُبِّهِ وَلَا تَسْأَلُوا بِهِ خَلْقَهُ إِنَّهُ مَا تَوَجَّهَ
الْعِبَادُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمِثْلِهِ وَاعْلَمُوا أَنَّهُ شَافِعٌ
مُشَفَّعٌ وَقَائِلٌ مُصَدَّقٌ وَأَنَّهُ مَنْ شَفَعَ لَهُ الْقُرْآنُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ شُفِّعَ فِيهِ وَمَنْ مَحَلَ بِهِ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
صُدِّقَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُنَادِي مُنَادٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ
كُلَّ حَارِثٍ مُبْتَلًى فِي حَرْثِهِ وَعَاقِبَةِ عَمَلِهِ غَيْرَ حَرَثَةِ
الْقُرْآنِ فَكُونُوا مِنْ حَرَثَتِهِ وَأَتْبَاعِهِ وَاسْتَدِلُّوهُ عَلَى
رَبِّكُمْ وَاسْتَنْصِحُوهُ عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَاتَّهِمُوا عَلَيْهِ آرَاءَكُمْ
وَاسْتَغِشُّوا فِيهِ أَهْوَاءَكُمْ< (نهج البلاغة: الخطبة 176).
>ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ نُورًا لَا تُطْفَأُ
مَصَابِيحُهُ وَ سِرَاجًا لَا يَخْبُو تَوَقُّدُهُ وَ بَحْرًا لَا يُدْرَكُ
قَعْرُهُ وَ مِنْهَاجًا لَا يُضِلُّ نَهْجُهُ وَ شُعَاعًا لَا يُظْلِمُ ضَوْءُهُ
وَ فُرْقَانًا لَا يُخْمَدُ بُرْهَانُهُ وَ تِبْيَانًا لَا تُهْدَمُ أَرْكَانُهُ
وَ شِفَاءً لَا تُخْشَى أَسْقَامُهُ وَ عِزًّا لَا تُهْزَمُ أَنْصَارُهُ وَ حَقًّا
لَا تُخْذَلُ أَعْوَانُهُ فَهُوَ مَعْدِنُ الْإِيمَانِ وَ بُحْبُوحَتُهُ وَ
يَنَابِيعُ الْعِلْمِ وَ بُحُورُهُ وَ رِيَاضُ الْعَدْلِ وَ غُدْرَانُهُ وَ
أَثَافِيُّ الْإِسْلَامِ وَ بُنْيَانُهُ وَ أَوْدِيَةُ الْحَقِّ وَ غِيطَانُهُ وَ
بَحْرٌ لَا يَنْزِفُهُ الْمُسْتَنْزِفُونَ وَ عُيُونٌ لَا يُنْضِبُهَا
الْمَاتِحُونَ وَ مَنَاهِلُ لَا يَغِيضُهَا الْوَارِدُونَ وَ مَنَازِلُ لَا يَضِلُّ نَهْجَهَا
الْمُسَافِرُونَ وَ أَعْلَامٌ لَا يَعْمَى عَنْهَا السَّائِرُونَ وَ آكَامٌ لَا
يَجُوزُ عَنْهَا الْقَاصِدُونَ جَعَلَهُ اللَّهُ رِيًّا لِعَطَشِ الْعُلَمَاءِ وَ
رَبِيعًا لِقُلُوبِ الْفُقَهَاءِ وَ مَحَاجَّ لِطُرُقِ الصُّلَحَاءِ وَ دَوَاءً
لَيْسَ بَعْدَهُ دَاءٌ وَ نُورًا لَيْسَ مَعَهُ ظُلْمَةٌ وَ حَبْلًا وَثِيقًا
عُرْوَتُهُ وَ مَعْقِلًا مَنِيعًا ذِرْوَتُهُ وَ عِزًّا لِمَنْ تَوَلَّاهُ وَ
سِلْمًا لِمَنْ دَخَلَهُ وَ هُدًى لِمَنِ ائْتَمَّ بِهِ وَ عُذْرًا لِمَنِ
انْتَحَلَهُ وَ بُرْهَانًا لِمَنْ تَكَلَّمَ بِهِ وَ شَاهِدًا لِمَنْ خَاصَمَ بِهِ
وَ فَلْجًا لِمَنْ حَاجَّ بِهِ وَ حَامِلًا لِمَنْ حَمَلَهُ وَ مَطِيَّةً لِمَنْ
أَعْمَلَهُ وَ آيَةً لِمَنْ تَوَسَّمَ وَ جُنَّةً لِمَنِ اسْتَلْأَمَ وَ عِلْمًا
لِمَنْ وَعَى وَ حَدِيثًا لِمَنْ رَوَى وَ حُكْمًا لِمَنْ قَضَى< (نهج البلاغة: الخطبة 198).
>وَتَمَسَّكْ بِحَبْلِ الْقُرْآنِ وَاسْتَنْصِحْهُ وَأَحِلَّ
حَلَالَهُ وَحَرِّمْ حَرَامَهُ وَصَدِّقْ بِمَا سَلَفَ مِنَ الْحَقِّ وَاعْتَبِرْ
بِمَا مَضَى مِنَ الدُّنْيَا لِمَا بَقِيَ مِنْهَا فَإِنَّ بَعْضَهَا يُشْبِهُ
بَعْضًا وَآخِرَهَا لَاحِقٌ بِأَوَّلِهَا وَكُلُّهَا حَائِلٌ مُفَارِقٌ< (نهج البلاغة: الكتاب 69).
>فَإِنَّ الْقُرْآنَ حَمَّالٌ ذُو وُجُوهٍ< (نهج البلاغة: الكتاب 77).
>وَفِي الْقُرْآنِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا
بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ< (نهج البلاغة: الحكمة 313).
>فَالقُرْآنُ
آمِرٌ زَاجِرٌ، وَصَامِتٌ نَاطِقٌ، حُجّةُ اللهِ على خَلْقِهِ، أَخَذَ عليهم
مِيثَاقّهُ، وارْتَهَنَ عليْهِ أَنْفُسَهُمْ، أَتَمَّ نُورَهُ وَأَكْمَلَ بِهِ
دِينَهُ< (نهج السعادة: ج 9 ص 363).