مواقف فكرية في حياة الإمام الحسن العسكري
في هذا اللقاء نريد أن نطلَّ على مواقف فكرية من حياة
الإمام العسكري (ع)، والذي انتقل إلى جوار ربّه في يوم الجمعة لثمان ليالٍ خلون من
شهر ربيع الأول سنة ستين ومائتين، وكان من أصغر الأئمة (ع) عمراً، فقد كان عمره
ثمانية وعشرين سنة يوم وافاه الأجل.
يقول الجاحظ: "ومن الذين يعدُّ من قريش أو من
غيرهم ما بعد الطالبيين في نسق واحد كل واحد منهم عالم زاهد، ناسك، شجاع، جواد،
طاهر، ذاكر، فمنهم خلفاء ومنهم مرشحون: ابن، ابن، ابن، ابن، ... هكذا إلى عشرة، وهم
الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي،
وهذا لم يتفق لبيت من بيوت العرب ولا العجم" (آثار الجاحظ: ص 235).
* كلماته في التوحيد:
نحاول -هنا- إثارة بعض
الكلمات التي وردت عن الإمام الحسن العسكري (ع) في شؤون العقيدة والتفسير والأخلاق؛
لأنَّ علاقتنا بالأئمة (ع) كما ذكرنا في أكثر من مناسبة، هي علاقة السير على
منهاجهم والانفتاح على علمهم، والتحرك بمسؤولية في الواقع.
ففي باب التوحيد، هناك عدة
أحاديث في جانب العقيدة بالله سبحانه وتعالى، حيث كان الجدل يدور في المراحل التي
عاش فيها الأئمة من أهل البيت (ع) منذ عهد الإمام الباقر (ع) حتى عهد الإمام
العسكري (ع) في صفات الله، فكان بعضهم يتحدّث عن أنَّ الله جسم، والبعض يتحدث عنه
على أنه صورة وما إلى ذلك، وكان الأئمة (ع) يتبعون في توجيه الناس منهجاً يعتمد
لغة القرآن بأسلوبه ومفرداته في العقيدة، ليوجّهوا الناس إلى الأخذ في عناوينهم الكبرى
في العقيدة من خلال القرآن الكريم؛ لأنَّ التعقيدات الفلسفية قد تردّ الشبهات،
ولكنها لا تستطيع أن تبني العقيدة.
عن يعقوب بن إسحاق، قال:
كتبت إلى أبي محمد (ع) أسأله: كيف يعبد العبد ربّه وهو لا يراه؟
فكتب (ع): "يا أبا يوسف، جلَّ سيدي ومولاي والمنعم
عليَّ وعلى آبائي أن يُرى –{لا تدركه
الأبصار وهو يدرك الأبصار} {ليس كمثله
شيء}-".
قال: وسألته: هل رأى رسول
الله (ص) ربه؟
فكتب (ع): "إنَّ الله تبارك وتعالى أرى رسوله بقلبه
من نور عظمته ما أحبّ" (الكافي: ج 1 ص 95).
فلقد رأى رسول الله (ص)
ربّه، ولكنّه لم يره بالعين الباصرة، بل بعين قلبه؛ لأنّ القلوب تبصر من الحقائق
ما لا تستطيع العيون أن تبصره {فَإِنَّهَا لَا
تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}.
فمشكلة بعض الناس أنهم يملكون العيون المفتوحة والقلوب العمياء، والخطورة كلُّ
الخطورة أن يكون القلب أعمى.
وعن الكليني عن سهل، قال:
كتبت إلى أبي محمد (ع) سنة خمس وخمسين ومائتين: قد اختلف يا سيدي أصحابنا في
التوحيد -(وهذا
يدلّ على أن الجدل الكلامي في التوحيد كان يدور حتى في أوساط أتباع أهل البيت (ع))-، فمنهم من
يقول هو جسم، ومنهم من يقول: هو صورة، فإن رأيت يا سيدي أن تعلِّمني من ذلك ما أقف
عليه ولا أجوزه؟
فكتب بخطّه (ع): "سألت عن التوحيد، وهذا منكم معزول، الله واحد أحد
لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، خالق وليس بمخلوق، يخلق تبارك وتعالى ما
يشاء من الأجسام وغير ذلك وليس بجسم، ويصوِّر ما يشاء وليس بصورة، جلّ ثناؤه
وتقدست أسماؤه أن يكون له شبه، هو لا غيره وليس كمثله شيء وهو السميع البصير"
(الكافي: ج
1 ص 103).
لقد
أراد الإمام العسكري (ع) أن لا يستغرق السائل في الجدل الكلامي والتعقيدات
الفلسفية فيما يتعلق بالحديث عن الله سبحانه وتعالى، ولهذا أرشده إلى كتاب الله
فيما أنزله من آيات، فهو أعرف بنفسه من مخلوقاته كلها؛ لأنَّ المخلوق لا يستطيع أن
يعرف من ربّه إلا ما عرَّفه ربه، يقول جدّه زين العابدين في دعائه: "بِكَ عَرَفْتُكَ وَاَنْتَ دَلَلْتَني
عَلَيْكَ، وَدَعَوْتَني إِلَيْكَ، وَلَوْلا اَنْتَ لَمْ أَدْرِ ما أَنْتَ".
وقد جاء عن المسعودي في
(إثبات الوصية) بإسناده عن أبي هاشم الجعفري، قال: سأل محمد بن صالح الأرمني أبا -محمد
الحسن العسكر- (ع) عن قول الله تعالى: {يَمْحُوا
اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}.
فقال (ع): "هل يمحو إلا ما كان، وهل يثبت إلا ما لم يكن"..
فقلت: هذا خلاف ما يقول
هشام القوطي إنّه لا يعلم الشيء حتى يكون. (فالله سبحانه وتعالى -حسب
هذا القول- إنما يعلم الأشياء بعد أن تتكون، والإمام (ع) يقول إنَّ الله يعلم
بالأشياء قبل وجودها).
فنظر إليّ (أي الإمام
العسكري) شزراً، فقال: "تعالى
الجبّار العالم بالشيء قبل كونه، الخالق إذ لا مخلوق، والربّ إذ لا مربوب، والقادر
قبل المقدور عليه<.
فقلت: أشهد أنّك وليّ الله
وحجّته والقائم بقسطه وأنك على منهاج أمير المؤمنين. (إثبات الوصية: ص 341).
لقد أكَّد له الإمام
العسكري (ع) أنَّ المخلوقين يحتاجون إلى معرفة الأشياء في صورتها الوجودية، أما
الله سبحانه فهو الذي يخلق الوجود؛ فهو يعرف ما يريد أن يخلقه قبل أن يخلقه.
* ملاحقة الأفكار
المنحرفة:
هناك قصة ينقلها ابن
شهرآشوب في كتابه (المناقب): عن أبي القاسم الكوفي في كتاب (التبديل) تدلّ على أنّ
الإمام العسكري (ع) كان يلاحق التطور الثقافي في مواجهة الفكر الإسلامي، بحيث كان
يلاحق المفكرين في زمانه وخصوصاً الذين يعملون على تهديم الأسس العقدية والثقافية
للإسلام، وكان منهم فيلسوف العرب (يعقوب ابن إسحاق الكندي)..
يروي ابن شهرآشوب عن
الكندي أنه: أخذ في تأليف تناقض القرآن وشغل نفسه بذلك، وتفرّد به في منـزله، وإنَّ
بعض تلامذته دخل يوماً على الحسن العسكري، فقال له أبو محمد (ع): "أما فيكم رجل رشيد يردع أستاذكم الكندي
عمّا أخذ فيه من تشاغله بالقرآن؟".
فقال التلميذ: نحن من
تلامذته، كيف يجوز منّا الاعتراض عليه في هذا أو في غيره؟!
فقال له أبو محمد (ع): "أتؤدي إليه ما ألقيه إليك؟".
قال: نعم.
قال: "فصر إليه، وتلطّف في مؤانسته ومعونته
على ما هو بسبيله، فإذا وقعت الأنسة في ذلك، فقل: قد حضرني مسألة أسألك عنها، فإنه
يستدعي ذلك، فقل له: إن أتاك هذا المتكلّم بالقرآن (أي
الذي يوحي لك بهذه الأفكار)، هل يجوز أن يكون مراده بما تكلّم به
غير المعاني التي قد ظننت أنّك قد ذهبت إليها؟ فإنّه سيقول: إنه من الجائز، لأنّه
رجل يفهم إذا سمع، فإذا أوجب ذلك فقل له: فما يدريك، لعلّه قد أراد غير الذي ذهبت
أنت إليه فيكون واضعاً لغير معانيه".
هنا علم الإمام (ع) التلميذ
كيف يناقش أستاذه الكندي: أن يدخل أولاً قلبه ليستطيع أن يدخل عقله، وهذا أسلوب من
أساليب الحوار في القرآن، وهو أنك إذا أردت أن تدخل في حوار فكري مع شخص آخر تختلف
معه لتقنعه بما أنت فيه، أو لتناقشه فيما هو فيه، فعليك أولاً أن تفتح قلبه
بالكلمة الحلوة والإطلالة الحلوة والأسلوب الحلو، لا أن تكفّره وتزندقه وتجهّله: {وجادلهم بالتي هي أحسن} {وَقُلْ
لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.
فصار التلميذ إلى أستاذه الكندي،
وتلطّف إلى أن ألقى إليه هذه المسألة، فقال له الكندي: أعد عليّ، فأعاد عليه،
فتفكّر في نفسه ورأى أنّ ذلك محتملٌ في اللغة وسائغٌ في النظر .. (فاللغة
العربية مرنة متحرّكة، فقد يفهم بعض الناس الكلام على أنه الحقيقة وهو من المجاز،
وقد يفهم أن المراد هو المعنى اللغوي والمقصود هو المعنى الكنائي).
فقال الكندي: أقسمت عليك
إلا أخبرتني من أين لك؟
فقال: إنه شيء عرض بقلبي
فأوردته عليك.
فقال: كلاّ ما مثلك من
اهتدى إلى هذا، ولا من بلغ هذه المنـزلة، فعرّفني من أين لك هذا؟
فقال: أمرني به أبو محمد
(ع).
فقال الكندي: الآن جئت به،
وما كان ليخرج مثل هذا الأمر إلا من ذلك البيت ـ الذي زقّ أهله العلم زقاً، والذين
يعيشون صفاء الحقيقة واستقامة التفكير والجدل من أجل الوصول إلى الحقيقة ـ ثم إنه
دعا بالنار وأحرق جميع ما كان ألّفه" (المناقب: ج 3 ص 459).
وهناك حديث آخر أيضاً
يحاول الإمام (ع) أن يردّ فيه بعض الشبهات.
عن الشيخ الكليني بإسناده
عن إسحاق بن محمد النخعي، قال: سأل الفهفكي أبا محمد (ع) السؤال المطروح دائماً {لِلذَّكَرِ
مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}. فلماذا جعل الله المرأة الطرف الضعيف وأنقص
من حقها وجعل الرجل الطرف القوي وجعل له الحظّ الأوفر؟!
قال: ما بال المرأة
المسكينة الضعيفة تأخذ سهماً واحداً ويأخذ الرجل سهمين؟!
فقال أبو محمد (ع): "إنّ المرأة ليس عليها جهاد، ولا نفقة للمرأة، ولا عليها
معقلة" (الكافي: ج 7 ص 114).
إذن أساس
المسألة كما في إجابة الإمام (ع):
أولاً: المرأة ليس
عليها جهاد، بينما الرجل عليه جهاد، وكان الرجل في الجهاد يأخذ سلاحه، فلم تكن
الدولة تعطي المقاتل سلاحاً بل يشتريه ويحمل معه مؤونته وراحلته.
ثانياً: لا يجب على
المرأة أن تنفق على الرجل ولا على أولادها، بل الرجل هو الذي ينفق عليها.
ثالثاً: إذا قتل شخص
إنساناً خطأ فإنَّ الدية تتحملها العاقلة وهي الرجال من الأقرباء، أما النساء فلا
يدفعن الدية، فالله عندما أعطى الرجل أعطاه بمقدار ما أخذ منه، فقد حمّله مسؤولية
الجهاد ونفقة العائلة ونفقة الزوجة، وجعله مشاركاً في الدية التي تكون على
العائلة، أما المرأة فإنه لم يلزمها بذلك، ومعنى ذلك أنّ حصة المرأة أصبحت أكثر من
حصة الرجل.
وكأنّ الإمام (ع) يريد أن
يقول له: ليست المسألة هي أنه كم أعطاك، لكن كم أخذ منك، فمن الرابح في الطرفين في
المحصّلة؟ إنّ المرأة إذا تزوجت تأخذ مهراً وتأخذ النفقة، فلا تنفق من مالها، ثم
إنَّ نفقة الأولاد على الرجل أيضاً، فمالها يبقى ثابتاً لا يتحرّك.
* موقف الشيعة من
الأئمة (ع):
هناك
مشكلة، وهي أنَّ بعض الأحاديث الواردة تدل على أنّ بعض الناس كان يشكك بالإمام (ع)،
كما كان يحدث في حياة أكثر من إمام، حيث كانوا يقفون على بعض الأئمة ولا يتعدونهم
إلى غيرهم، وقد سمّوا بـ(الواقفة).. وقد كتب إليه الشيعة في ذلك.
فكتب (ع): "إنما خاطب الله العاقل، والناس فيَّ على طبقات:
الطبقة
الأولى: المستبصر على سبيل نجاة، متمسّك بالحق متعلّق بفرع الأصل غير شاكّ
ولا مرتاب لا يجد عني ملجأ.. (أي هناك من يعيش البصيرة في عقله وقلبه
وروحه من أجل أن ينجو عندما يقف بين يدي الله، ويحاول أن ينطلق على أساس الحجة
والبرهان وهو يبحث عنهما، فإذا التقى بهما في عمق بصيرته انفتح على نتائج الحقيقة.
وعندما تطبق عليه الدروب فإنه يلجأ إليَّ؛ لأنه يعرف أنَّ الحقيقة عندي، وأن الهدى
هنا).
الطبقة الثانية: لم
تأخذ الحق من أهله.. (يعني أنها أخذت العلم ممّن لا يملك العلم أو ممن
لا يملك مسؤوليته، وهذا هو حال الكثير من الناس ممن قد تجده يتزيّى بزيِّ العلماء
ولكنّه لا يملك تقوى العلم، ولا يملك عمقه، ولا يملك الطريقة والموقع الذي ينفتح
فيه على العلم).
الطبقة
الثالثة: لم تأخذ الحقّ من أهله فهم كراكب البحر يموج عند
موجه ويسكن عند السكون. فهؤلاء هم الضائعون.
الطبقة
الرابعة: استحوذ عليهم الشيطان، شأنهم الرد على أهل الحق،
ودفع الحق بالباطل حسداً من عند أنفسهم، فدع من ذهب يميناً وشمالاً، فإنّ الراعي
إذا أراد أن يجمع غنمه جمعها بأهون سعي، وإياك والإذاعة، وطلب الرياسة، فإنهما
يدعوان إلى الهلكة" (تحف العقول: ص 361).
وخرج في بعض توقيعاته عند
اختلاف قوم من شيعته في أمره ـ وانظروا كيف كان الإمام (ع) يعيش المرارة من الذين
يحيطون به أو ممن يحسبون من أتباع أهل البيت (ع): "ما
مُني أحدٌ من آبائي بمثل ما مُنيت به من شكّ هذه العصابة فيَّ، فإن كان هذا الأمر
أمراً اعتقدتموه ودنتم به إلى وقت ثم ينقطع فللشك موضع، وإن كان متصلاً ما اتصلت
أمور الله فما معنى هذا الشك" (تحف العقول: ص 362)؛ لأنه شك لا
ينطلق من قاعدة علمية.
وقال لشيعته وهو يوصيهم: "وأوصيكم بتقوى الله، والورع في دينكم، والاجتهاد لله،
وصدق الحديث، وأداء الأمانة إلى من ائتمنكم من برّ أو فاجر، وطول السجود وحسن
الجوار، فبهذا جاء محمد(ص)، صلّوا في عشائرهم، واشهدوا جنائزهم، وعودوا مرضاهم،
وأدّوا حقوقهم، فإنّ الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق في حديثه، وأدّى الأمانة،
وحسّن خلقه مع الناس، قيل هذا شيعي فيسرّني ذلك. اتقوا الله وكونوا زيناً، ولا
تكونوا شيناً، جرّوا إلينا كلّ مودة، وادفعوا عنا كلّ قبيح، فإنه ما قيل فينا من
حسن فنحن أهله، وما قيل فينا من سوء فما نحن كذلك، لنا حق في كتاب الله، وقرابة من
رسول الله، وتطهير من الله لا يدعيه أحد غيرنا إلاّ كذّاب".
إنَّ هذه الوصية الثمينة، تمثل
الخط الإسلامي في عالم العبادة وفي عالم السلوك الاجتماعي الذي يجعل الإنسان في
مجتمعه خيراً لكلِّ مجتمعه، سواء مع الناس الذين يلتقي معهم في المذهب والفكر، أو
مع الذين يختلف معهم.
وهكذا أن يكون الإنسان
زيناً لمن ينتمي إليهم ولا يكون شيناً على من ينتمي إليهم، وذلك هو نهج رسول الله
(ص) {وإنّك لعلى خلق عظيم}. {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ
كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}.
ثم يقول (ع): "أكثروا ذكر الله، وتلاوة القرآن، والصلاة على النبي، فإنَّ
الصلاة على رسول الله عشر حسنات. احفظوا ما وصّيتكم به، وأستودعكم الله وأقرأ
عليكم السلام" (تحف العقول: ص 362).
ونحن بدورنا نقول لك: وعليك
السلام أيها الإمام البرّ التقي.
وقال
في نهاية المطاف عن الذين يستهينون ببعض الذنوب: "من الذنوب التي لا تغفر: قول
الرجل ليتني لا أؤاخذ إلا بهذا".
وقال (ع): "إياكم
ومحقرات الذنوب، فإنها تجتمع حتى تكون كباراً".
ثم قال (ع): "الإشراك
في الناس أخفى من دبيب النمل على المسح الأسود في الليلة المظلمة" لأنّ
الكثير من الناس قد يشركون بالله وهم لا يشعرون، عندما ينفتحون على رضا الناس
عليهم بعيداً عن رضا الله عنهم، ولذلك فهم يقصدون الناس بالعمل ليرفعوا درجتهم
عندهم ولا يقصدون الله ليتقربوا به إليه.
وقد
جاء في سيرة الإمام (ع) أنه عندما مرض أرسلت إليه السلطة الكثير من الأطباء
لمعالجته والبقاء إلى جانبه، حتى إذا قبضه الله إلى جواره أرسل الخليفة إلى
العلماء والقضاة لينظروا إليه وليشهدوا أنه مات حتف أنفه حتى لا تتهم الخلافة
بقتله.
ويذكر المؤرخون أنه عندما
أعلنت وفاته ضجّت سامراء ضجة واحدة، وانطلق كلّ الناس في تشييعه، وأرسل الخليفة
إلى بيته من يفحص هل له ولد، ويفحص جواريه هل أنّ إحداهن حامل، لأنهم كانوا يريدون
أن يطمئنوا لانقطاع الإمامة، ولكنّ الله عز وجل أخفى وليّه بالطريقة التي حفظ بها
هذا الولي الذي ينتظره العالم كلّه ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً
وجوراً، وصلى الله على الإمام الحسن العسكري (ع) وعلى آبائه (ع) وعلى ولده (ع) حجة
الله في الأرض، سائلين الله أن ينفعنا ببركته وبركة آبائه، وأن يرزقنا شفاعتهم (
يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون* إلا من أتى الله بقلبٍ سليم ) [الشعراء:88ـ89].
وهذه هي بعض آثار الإمام
العسكري(ع) التي نريد أن ننفتح عليها لنـزداد علماً من علمه، ووعياً مما يعطينا من
عناصر الوعي، وقد كنت ولا أزال أقول لكم لا تقتصروا في علاقاتكم بالأئمة من أهل
البيت (ع) على جانب المأساة، ولكن انطلقوا إلى جانب العلم الذي علّموه والهدي الذي
أراد لنا الاهتداء به، والنهج الذي نسير عليه "أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا
أمرنا". أن نتعلّم علومهم وأن ننهج نهجهم، وأن نطلق سيرتهم كلها للعالم كله،
ولا سيما العالم المعاصر، ليعرف من هم أهل البيت(ع)، لأنّ الكثيرين حتى ممن ينتمي
إلى أهل البيت(ع) لا يعرفون من هم أهل البيت(ع) علماً وروحانية وحركة ومنهجاً.