الأحد، 15 أبريل 2018


**المستضعف ما له وما عليه**


المستضعف هو الذي لا يهتدي إلى الإيمان سبيلاً؛ لعدم استطاعته، ومن لم تصل الدعوة إليه.

أي: مَنْ لم يتمكن من الإيمان إما لضعف العقل. وإما لعدم اطلاعه على اختلاف النّاس في المذاهب.

قال الله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا}(النساء: 97-99).

وكأنَّ الآيات تتحدث عن فريقين من المستضعفين:

الفريق الأول: الذين عندهم قدرة على التخلص ممن هم في من استضعاف، بحيث يملكون العقل الواعي بحيث يشملهم السؤال المباشر: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا}، ولكنهم لم يفعلوا ذلك {فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً}.

الفريق الثاني: الذين ليس لهم قدرة على التخلص من الاستضعاف بحيث {لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا}. فهؤلاء من المستضعفين -أيضاًبدليل الاستثناء المذكور قبله؛ أي: مستثنون من القسم الأول {فَأُولَئِكَ عَسَىاللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا}.. فهم أقرب للعفو والمغفرة. وفي نص آخر: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}(براءة: 106).

وقد ورداستحباب أن يدعوللميت إذا كان مستضعفاً بدعاء خاص: "اللهماغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم" (الروضة البهيةفي شرح اللمعة الدمشقية:ج 1 ص 138).

وقد جاءت النصوص عن أئمة أهل البيت (ع) على هدي ما جاء به القرآن الكريم..

من هم المستضعفون:


جاء في الصحيح عن زرارة بن أعين، عن أبي جعفر الباقر (ع)، قال: "الْمُسْتَضْعَفُونَ: الَّذِينَ{لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا}"قَالَ: "لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً إِلَى الْإِيمَانِ، وَلَا يَكْفُرُونَ؛ الصِّبْيَانُ وَأَشْبَاهُ عُقُولِ الصِّبْيَانِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ" (الكافي: ج 2 ص 404 الحديث 2).

وفي الصحيح عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله الصادق (ع): "مَنْ عَرَفَ اخْتِلَافَ النَّاسِ فَلَيْسَ بِمُسْتَضْعَفٍ"(الكافي: ج 2 ص 405 الحديث 7).


وسأل علي بن سويد الإمام موسى الكاظم (ع): عن الضعفاء؟ فقال (ع): "فالضعيف من لم يرفع إليه حجة، ولم يعرف الاختلاف، فإذا عرف الاختلاف فليس بضعيف"(الكافي: ج 8ص 124).

فالمستضعف هو الشخص المعذور، والذي لا يستحق العقاب؛ وذلك لقبح إدانة مَن لم تقم عليه الحجة، أو مَن كان قاطعاً بصحة معتقده ولا يخطر في باله صحة الدين الجديد، شريطة أن لا يجحد ما لم يقتنع به؛ لأنَّ عدم الاقتناع بشيء لا يبرر نفيه، كما أنَّ عدم الوجدان لا يدخل على عدم الوجود..

فلا مبرر -منطقياً وعقلياً- لمن لم يقتنع بإمامة أهل البيت (ع) أن يجحدها وينفيها، فهم وإن لم يقتنعوا بخلافتهم ولكنهم لا ينكرون إمامتهم في الدين والعلم، وفي الحديث عن الإمام الصادق (ع): "لَوْ أَنَّ الْعِبَادَ إِذَا جَهِلُوا وَقَفُوا وَلَمْ يَجْحَدُوا لَمْ يَكْفُرُوا"(الكافي: ج 2 ص 388)، وفي صحيحة أبي بصير قال (ع): "إِنَّمَا يَكْفُرُ إِذَا جَحَدَ" (الكافي: ج 2 ص 399).

مناط العذر واسع:


لقد كان هدي الإمام علي (ع) ساطعاً كالشمس، ومع ذلك عميت عنه أبصار الخوارج الذين لم يكونوا -أو بعضهم على الأقل- من ذوي النوايا السيئة بقدر ما كانوا مضلَّلين، كما تُنبئ بذلك كلمة الإمام علي (ع) الخالدة في شأنهم: "لَا تُقَاتِلُوا الْخَوَارِجَ بَعْدِي فَلَيْسَ مَنْ طَلَبَ الْحَقَّ فَأَخْطَأَهُ كَمَنْ طَلَبَ الْبَاطِلَ فَأَدْرَكَهُ"(نهج البلاغة: خطبة 61؛ علل الشرائع: ص 18). فأمير المؤمنين كان يحكم بإسلام الخوارج رغم إنكارهم لإمامته وخروجهم عليه بعد وقعة التحكيم.

ويؤكده الحديث عن إسماعيل الْجُعْفِي، قال: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (ع) عَنِ الدِّينِ الَّذِي لَا يَسَعُ الْعِبَادَ جَهْلُهُ، فَقَالَ: "الدِّينُ وَاسِعٌ، وَلَكِنَّ الْخَوَارِجَ ضَيَّقُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنْ جَهْلِهِمْ". قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَأُحَدِّثُكَ بِدِينِيَ الَّذِي أَنَا عَلَيْهِ؟ فَقَالَ: "بَلَى"قُلْتُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَالْإِقْرَارُ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَأَتَوَلَّاكُمْ، وَأَبْرَأُ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَمَنْ رَكِبَ رِقَابَكُمْ وَتَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ، وَظَلَمَكُمْ حَقَّكُمْ، فَقَالَ: "مَا جَهِلْتَ شَيْئاً، هُوَ -وَاللهِ- الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ". قُلْتُ: فَهَلْ سَلِمَ أَحَدٌ لَا يَعْرِفُ هَذَا الْأَمْرَ؟ فَقَالَ: "لَا، إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ"، قُلْتُ: مَنْ هُمْ؟ قَالَ: "نِسَاؤُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ"، ثُمَّ قَالَ:"أَرَأَيْتَ أُمَّ أَيْمَنَ؟ فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَا كَانَتْ تَعْرِفُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ"(الكافي: ج 2 ص 405 الحديث 6).

وقوله (ع): "الدِّينُ وَاسِعٌ"يراد به أنّه لا يتحقق الخروج من دين الإسلام بقليل من العقائد والأعمال كما هو مذهب الخوارج، حيث حكموا بكفر مرتكب المعاصي وخاضوا في المسائل الدقيقة فجعلوها من أجزاء الإيمان.

واستثناء المستضعفين في كلام الإمام الباقر (ع) إنما هو ناظر إلى قول الله سبحانه وتعالى: {... فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً  فَأُولَئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُورًا}(النساء: 97-99).

إشكال وجوابه:

رب قائل يقول: إنّ دائرة المستضعف -كما يستفاد من الآية والروايات- أضيق مما ذكر بكثير، فهو لا يشمل إلا ذوي القدرات العقلية المتواضعة من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً كما في الحديث الصحيح عن زُرَارَة المتقدم. وأما مَن كان ذا قدرة على التمييز ولديه معرفة باختلاف الأديان وتعددها فلا يكون مستضعفاً ولا يتناوله حكمه، وقد ورد في الحديث الصحيح عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله (ع):"مَنْ عَرَفَ اخْتِلَافَ النَّاسِ فَلَيْسَ بِمُسْتَضْعَفٍ"(الكافي: ج 2 ص 405 الحديث 7). وفي ذلك إشارة واضحة إلى ربط الاستضعاف بالمستوى الثقافي والعقلي.

ولنا أن نعلق على ذلك: بأنَّ هذه الروايات ناظرة إلى الآية الشريفة، ولو سلمنا أنَّ هذه الروايات تفسيرية وليست مصداقية، لكن يبقى: أنَّ الآية كالروايات لا مفهوم لها يدل على نفي العفو عن غير المستضعف، وحيث إنَّ الدليل قائم على عدم مؤاخذة الجاهل القاصر فيكون مشمولاً لحكم الآية وإن لم يكن داخلاً في موضوعها ومنطوقها.
إنَّ أكثر الناس ممن لا يؤمنون بالحقائق الدينية المتشعبة قاصرون إلا في معرفة الله سبحانه، فإنَّ الجاهل بوجوده تعالى أو وحدانيته مقصِّر لا قاصر -غالباً-؛ لأنَّ معرفته تعالى وكذا توحيده -على نحو الإجمال دون تفاصيل التوحيد- من الأمور الفطرية، كما أنَّ التأمل في السماوات والأرض وما فيهما من أسرار ونظم تهدي إلى الإيمان به تعالى والإقرار بوحدانيته، أما فيما عدا ذلك من العقائد كالنبوة والإمامة والمعاد فإنَّ وجود الجاهل القاصر بشأنها كثير.

وهذا ما أشار له الإمام الخميني بشأن الكافر أيضاً، فقال: "إنَّ أكثرهم -إلا ما قلَّ وندر- جهَّال قاصرون لا مقصرون. أمّا عوامهم فظاهر لعدم انقداح خلاف ما هم عليه من المذاهب في أذهانهم، بل هل قاطعون بصحة مذهبهم وبطلان ساير المذاهب، نظير عوام المسلمين، فكما أنَّ عوامنا عالمون بصحة مذهبهم وبطلان ساير المذاهب من غير انقداح خلافٍ في أذهانهم لأجل التلقين والنشوء في محيط الإسلام، كذلك عوامهم من غير فرقٍ بينهما من هذه الجهة، والقاطع معذور في متابعة قطعه ولا يكون عاصياً أو آثماً ولا تصح عقوبته في متابعته.... وبالجملة: إنَّ الكفار كجهّال المسلمين منهم قاصر وهم الغالب، ومنهم مقصِّر... والكفار معاقبون على الأصول والفروع لكن مع قيام الحجة عليهم لا مطلقاً، فكما أنَّ كون المسلمين معاقبين على الفروع ليس معناه أنهم معاقبون عليها سواء كانوا قاصرين أم مقصِّرين، كذلك الكفار طابق النعل بالنعل بحكم العقل وأصول العدلية"(المكاسب المحرمة: ج 1 ص 133-134).

مراتب المستضعفين:

نعم، رغم نجاة هؤلاء المستضعفين، فإنهم بحسب بعض الروايات ليسوا سواء في مراتب الجنة؛ ففي الصحيح عن جميل بن دراج قال: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ (ع): إِنِّي رُبَّمَا ذَكَرْتُ هَؤُلَاءِ الْمُسْتَضْعَفِينَ، فَأَقُولُ: نَحْنُ وَهُمْ فِي مَنَازِلِ الْجَنَّةِ؟! فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (ع): "لَا يَفْعَلُ اللهُ ذَلِكَ بِكُمْ أَبَداً"(الكافي: ج 2 ص 387).

وقد أجاز أئمة أهل البيت الدعاء للوالدين وإن كانا على خلاف مذهبهم: ففي صحيحة مُعَمَّرِ بْنِ خَلَّادٍ، قال: قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا (ع): أَدْعُو لِوَالِدَيَّ إِذَا كَانَا لَا يَعْرِفَانِ الْحَقَّ؟ قَالَ: "ادْعُ لَهُمَا، وَتَصَدَّقْ عَنْهُمَا، وَإِنْ كَانَا حَيَّيْنِ لَا يَعْرِفَانِ الْحَقَّ فَدَارِهِمَا؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ (ص) قَالَ: إِنَّ اللهَ بَعَثَنِي بِالرَّحْمَةِ، لَا بِالْعُقُوقِ"(الكافي: ج 2 ص 166).

وعلّق الشيخ المجلسي على هذا الحديث فقال: "يدل على جواز الدعاء والتصدق للوالدين المخالفين للحق بعد موتهما، والمداراة معهما في حياتهما؛ (بحار الأنوار: ج 71 ص 47؛ مرآة العقول: ج 8 ص 417).

ومع أنَّ أئمة أهل البيت (ع) يوجهون شيعتهم إلى الرحمة في القول والفعل مع المخالفين، إلا أنه في كل زمان يوجد أفراد من الشيعة ممن لا ينصاعون إلى تلك الوصايا والتوجيهات الرحيمة، وما ذلك إلا لجهلهم وعصبيتهم.

ولذا تظهر لنا بعض رواياتنا أنّ هناك صراعاً داخلياً بين أئمة أهل البيت وبين بعض أتباعهم، فهذا زرارة بن أعين وبعض أخوته يدخلون على الإمام الباقر (ع)، والرواية حسنة أو صحيحة سنداً، فكانوا يجاهرون بعصبيتهم فيقولون للإمام (ع): مَنْ وَافَقَنَا مِنْ عَلَوِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ، تَوَلَّيْنَاهُ؛ وَمَنْ خَالَفَنَا مِنْ عَلَوِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ، بَرِئْنَا مِنْهُ.
فقال له الإمام (ع): "يَا زُرَارَةُ، قَوْلُ اللهِ أَصْدَقُ مِنْ قَوْلِكَ، فَأَيْنَ الَّذِينَ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا}؟ أَيْنَ الْمُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ؟ أَيْنَ الَّذِينَ {خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً}؟ أَيْنَ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ؟ أَيْنَ الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ؟" (الكافي: ج 2 ص 365).

وهذا الخطاب يظهر لنا تسامح أئمتنا مع من خالفهم، فلم يكفروهم ولم يتبرؤوا منهم، ولم يخرجوهم من دين أو ملة، في حين يظهر تعصب الكثير ممن يتشدقون أنهم أتباع لأهل البيت؛ فيسوقون من خالفهم سوقاً واحداً بلا ورع ولا دين.


فإذا لم يقم الدليل عند إنسان على وجوب الإمامة فكيف يُكبّ على منخريه في النار؟! والحال أنَّ القاعدة المسلمة تقول: "قبح العقاب بلا بيان" فبعض الناس لم يصله بيان قط.

الجمعة، 9 مارس 2018

** حق الحرية في الإسلام في منهج الإمام علي **


جعل الإسلام "الحرية" حقاً من الحقوق الطبيعية للإنسان، فلا قيمة لحياة الإنسان من دون حرية، وحين يفقد المرء حريته، يموت داخلياً، وإن كان في الظاهر يعيش ويأكل ويشرب، ويعمل ويسعى في الأرض.

ولقد بلغ من تعظيم الإسلام لشأن "الحرية" أن جعل السبيل إلى إدراك وجود الله تعالى هو العقل الحر، الذي لا ينتظر الإيمان بوجوده بتأثير قوى خارجية، كالخوارق والمعجزات ونحوها قال تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ} - {... أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} - {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} - {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ...}.

فالإنسان مستقل فيما يملكه ويقدر عليه؛ لا يفرض عليه أحدٌ سيطرته، بل يأتي هذه الأمور، راضياً غير مجبر، مختاراً غير مُكْرَه.

وهذه الحرية من أعظم ما آمن به الإسلام، ففي الصحيح عن عبد الله بن سنان، قال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ -جعفر الصادق (ع)- يَقُولُ: كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) يَقُولُ: "إِنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ أَحْرَارٌ، إِلَّا مَنْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِه بِالْعُبُودِيَّةِ وهُوَ مُدْرِكٌ، مِنْ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ" (‏الكافي: ج ٦ ص ١٩٥).
وقال: "أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ آدَمَ لَمْ يَلِدْ عَبْداً ولَا أَمَةً وإِنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ أَحْرَارٌ" (‏الكافي: ج ٨ ص ٦٩).

وعندما نقرأ وثيقة حقوق الإنسان، تقول: "إنّ جميع البشر مولودون أحراراً، ومتساوون في الكرامة والحقوق. وقد وهبوا العقل والضمير، وعليهم أن يعملوا تجاه بعضهم بعضاً بروح الأخوة".

وهذا النص يؤكد على ناحيتين مهمتين ترتبطان بالحرية حقاً وواجباً:

1.   أنّ الحرية تُولد مع الإنسان، ويُولد معها التساوي في الكرامة.
2.   ضرورة التعامل مع الناس بروح الأخوة كواجب لصيانة هذه الحرية وحفظها عن التعدي على الآخرين.

ومن المفاخر أن تجد هذين المضمونين مؤكدَّين بلسان الإمام علي (ع) في أكثر من موضع من نهجه الخالد فيقول: "لَا تَكُنْ عَبْدَ غَيْرِكَ وَقَدْ جَعَلَكَ اللهُ حُرّاً".

فهو (ع) يقول: الحرية خُلقت فيك منذ خلقك الله، وهي هبة الله فلا تبددها بالخضوع والعبودية لغيرك. فأن تكون حرّاً هو أن تملك إرادتك في داخل كيانك حتى لو كنت في زنزانة، أمّا إذا كنت لا تملك إرادتك فأنت عبدٌ حتى لو كنت في رحاب الصحراء، فقضية الحرية ليست قضية جسد يمكن أن يتحرك كما يشاء أو لا، بل هي قضية إرادة تتصلّب وتقوى وتركز الموقف حتى لو كانت الدنيا تضغط عليها.

وفي التأكيد على الناحية الثانية يقول (ع) في وصيته لولده الإمام الحسن: "يَا بُنَيَّ، اجْعَلْ نَفْسَكَ مِيزَاناً فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ غَيْرِكَ، فَأَحْبِبْ لِغَيْرِكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَاكْرَهْ لَهُ مَا تَكْرَهُ لَهَا، وَلَا تَظْلِمْ كَمَا لَا تُحِبُّ أَنْ تُظْلَمَ، وَأَحْسِنْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْكَ، وَاسْتَقْبِحْ مِنْ نَفْسِكَ مَا تَسْتَقْبِحُهُ مِنْ غَيْرِكَ، وَارْضَ مِنَ النَّاسِ بِمَا تَرْضَاهُ لَهُمْ مِنْ نَفْسِكَ".

وهذا النص يتفوق على جوهر ما ورد في نص وثيقة الحقوق بالزام الشخص بمعاملة غيره معاملة النفس، وهي مرحلة أأكد من مرحلة الأخوة وأهم.

وقد وضع الإمام علي (ع) لذلك مخططات، منها:

أ. "عَاتِبْ أَخَاكَ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ، وَارْدُدْ شَرَّهُ بِالْإِنْعَامِ عَلَيْهِ". أي اجعل مكان عتابه بالقول والفعل، الإحسان إليه والإنعام في حقّه، فإنّهما أنفع في دفع شرّه عنك، وعطف جانبه إليك. قال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذا الَّذي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيُّ حَميمٌ}.
ب. "ازْجُرِ الْمُسِيءَ بِثَوَابِ الْمُحْسِنِ". أي إذا كافأت المحسن على إحسانه أقلع المسيء عن إساءته طلباً للمكافأة. وأخذ هذا المعنى إبراهيم بن العباس الصولي فقال: إذا كان للمحسن من الثواب ما ينفعه، وللمسيء من العقاب ما يقمعه، بذل المحسن ما عنده رغبة، وانقاد المسيء للحق رهبة.

لقد استوعب شعور الإمام (ع) بالحرية المطلقة جملة مشاعره، فكان حراً حتى في شعوره بالعبودية لخالقه، فهو لا يعبده إلا عبادة الأحرار، وذلك قوله: "إِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللهَ رَغْبَةً فَتِلْكَ عِبَادَةُ التُّجَّارِ، وَإِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللهَ رَهْبَةً فَتِلْكَ عِبَادَةُ الْعَبِيدِ، وَإِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللهَ شُكْراً فَتِلْكَ عِبَادَةُ الْأَحْرَارِ".

وأهم شِعب الحريات شعبتان: حرية الدين والعقيدة، وحرية التعبير عن الرأي.

الشعبة الأولى: حرية الدين والعقيدة:

وهي من أهم أسس الإسلام ومبادئه، {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}؛ فهذه الآية تلزم المسلمين على عدم إكراه الناس على اعتناق الإسلام لأنَّ الإكراه يحمل معه ابتداء حكم البطلان استناداً لهذه الآية التي ذكرناها. فعندما تصر الجماعات الإسلامية على اعتناق كافة الناس ضمن إداريات حدودها، الدين الإسلامي فهي لا تطبق الإسلام كدعوة وهداية جاء به رسول الله (ص)، وإنما تطبق "الإسلام السياسي" الذي تحاول فرض سيطرته على الناس كافة واستغلالهم وسلب خيراتهم باسمه.
وهناك آية أخرى تعبر عن فكر واضح ورصين ضمن قاعدة حرية المعتقد: {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} أعطى الله حرية الجحود والكفر للناس إن شاءت ذلك ضمن قناعاتها الفكرية.

فهو باستطاعته هدايتها وإيمانها وان لم تؤمن فهو غني عنها؛ {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}.. فالله تعالى بمحض عدالته ورحمته يأمر رسوله بعدم إكراه الناس على الإيمان؛ فالإيمان محصور بذات الله وقناعات الناس.

فلماذا إذن تصر الجماعات الإسلامية على محاربة الناس وقتلهم وترهيبهم ضمن دوافع دينية مع وجود هذه الآيات التي تدعو الى حرية المعتقد والإيمان وهي لا تتماشى مع أفكارهم وإعمالهم المشينة؟!

لقد كان للإمام علي (ع) اليد الطولى في نشر هذا مبدأ الحرية والمحبة: "وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، وَالْمَحَبَّةَ لَهُمْ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ، وَلَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ؛ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ".

الشعبة الثانية: حرية التعبير عن الرأي:

كثيراً ما يصاحب الحديث عن الحرية، الحديث عن مصطلح الحق، فربما فضّل البعض استخدام مفردة الحق للدلالة على الحرية، وبالعكس، وبعضهم استخدم كليهما في الحديث وأراد منهما معنى واحداً، ولشدة تقارب المفردتين من حيث انطباق مفهومهما على مصاديق مشتركة، اعتبرت احداهما مرادفة للأخرى من حيث المعنى الخارجي، وان اختلفتا في رسم الحروف، وربما يصعب التفريق بين الكلمتين كلما جرى الحديث عن الحرية أو عن الحق، نظراً لوجود ارتباط وثيق بين الحرية والحق، بغض النظر عن نوع الحقوق ما دامت على ارتباط مباشر بحرية الإنسان (الحقوق والحريات السياسية في الشريعة الإسلامية: ص ٣٧-٣٨).

فحرية التعبير عن الأفكار والمعتقدات والمشاعر بكل أشكال التعبير الإنسانية والمألوفة من جملة الحريّات التي كفلها الإسلام، فالإنسان ليس جماداً، بل هو كائن حي متحرك ينفعل بما حوله ويضج كيانه بالحاجة إلى الإفصاح عن مكنوناته والتعبير عنها، ولم يعمل الإسلام -كتشريع- على كمّ الأفواه وإسكات الأنفاس وقتل روح الإبداع.

ولهذا رأينا في تاريخنا الإسلامي الكثير من المبدعين على مستوى الأدب والفن والموسيقى، كما رأينا الكثير من الجماعات التي كانت تعبر عن رأيها المضاد للفكر الإسلامي بكل صراحة، من دون أن يُمارس الإسلام عليها أي ضغط، بل على العكس، حيث وجدنا أنّ القران الكريم هو الذي نقل لنا كل إشكالات هؤلاء حول شخصية الرسول (ص) بأنه "ساحر" و "كذّاب" و "شاعر" و "كاهن"، وكذلك تشكيكهم بمسألة المعاد، وفي كثير من مفاهيم الدين وأحكامه.

ولكن نظام الحريّات في الإسلام يتميز بأنه يقوم على رؤية خاصة للكون والحياة، ترتكز على الإيمان بالغيب، والإيمان بيوم الحساب، الأمر الذي يجعل الحرية تتحرك في هذا الإطار، فالإسلام لا يشجع على مقولة "الحرية لأجل الحرية"، بل يرى الحرية لا بد منها لحركة التطور والإبداع الإنسانيين، وكذلك لحركة التاريخ، الأمر الذي يفرض أن تتحرك حرية التعبير في هذا النسق الإنساني العام لتكون حرية مسؤولة هادفة وليست حرية عابثة أو لاهية.

ووفق هذا السياق الإنساني، فإنّ حرية التعبير هي قيمة أساسية في منظومة القيم الإنسانية، ولا تختصر كل القيم، فهناك كرامة الإنسان وحرمته، ومن الخطأ غير المبرّر أن نعمل على مصادرة كرامات الناس وحرماتهم تحت عنوان حرية التعبير. وإذا كان نظام الحريات في الإسلام يرتكز على الإيمان بالله سبحانه، فمن الطبيعي ألا يصل مستوى الحرية إلى الخروج على هذا النظام بالتجديف على الله وكتبه ورسله.

وعلى ضوء ما تقدم، فليس من المستغرب أن يكون لحرية التعبير بعض الضوابط التي تفرضها المصالح النوعية والعامة:

1.        أهم هذه الضوابط ألا تقتحم حرية التعبير المناطق الخاصة بالإنسان في ما يرتبط بخصوصياته وأسراره. فهذه منطقة محرمة على الآخر لا يجوز له، بحجة حرية الإعلام والصحافة، أن يجتاح هذه المنطقة ليكشف أسرار الناس ويفضحها على الملأ.
2.        وهو يرتبط بالعامل الأخلاقي، حيث لا يجوز أن تصل حرية التعبير والنشر إلى حدّ المس بالأخلاق العامة وإفساد المجتمع بشبابه وأطفاله ونسائه من خلال الأساليب الرخيصة في مسألة الجنس التجاري وغيرها.
3.        أن تتحرك الحرية في نطاق المسؤولية الوطنية أو القومية، حيث لا يجوز للإعلامي أو الكاتب أن يفضح الأسرار العسكرية لبلده بحجة حرية الصحافة، لا بل إنّ ذلك يدخل في نطاق الخيانة العظمى، وقد تسالمت الدول على معاقبة من يقوم بذلك.

ولذلك، نؤكد على الذين ينطلقون في مسألة حرية التعبير كعنوان غير قابل للنقاش، أنّ عليهم أن يتعرفوا على خصوصيات الشعوب حتى لا يدخلوا في مجالات الإساءة للآخرين، وإذا كان الاعتداء على الأرض أو على كيان هذه الدولة أو تلك يمثل خيانةً عظمى، فإنّ المسّ بالأنبياء جميعاً وبرسول الله (ص) في نظر المسلمين يتجاوز في خطورته الاعتداء على الأرض والأوطان، لأنّ الأنبياء يمثّلون دور المخلِّص للبشر والملهم لهم، ودور العامل على إخراجهم من الظلمات إلى النور.

وقد شعرنا بمستوى الخطورة الكبيرة عندما توضّحت الأهداف التي اختبأت خلف عنوان حرية التعبير في ما هي الممارسات الغربية، حيث تصبح الحرية مقدسةً في كل ما يتناول الإسلام والنبي محمد (ص) بالإساءة والعدوان، بينما يلاحق كل من يعمل على كشف الحقائق في المسألة اليهودية، كما في مسألة المحرقة التي حوكم فيها المؤرخ البريطاني في الأيام الفائتة كما حوكم قبله المفكر الفرنسي المسلم روجيه غارودي وغيره، كما رأينا كيف أنّ عمدة لندن يُعاقب لأنه وصف أحد الصحافيين كحارس نازي"(‏ العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، ندوة مفهوم الحرية في الإسلام، بيروت، 7 صفر 1427ﻫ، 8  آذار 2006م).

ويأتي في الأهمية حرية إبداء الفكر أو الرأي بمختلف أساليب الابراز، سواء في المجتمعات العامة أم الخاصة، وافقت الحكم القائم أم صادمته.

وقد قدِّر للإمام علي (ع) أن يمارس هذه الحرية محكوماً وحاكماً، فحينما دعي (ع) إلى البيعة بعد رسول الله (ص)، وهو يؤمن بأنّ الخلافة حق من حقوقه، جعلها له رسول الله بمشهد من عامة المسلمين يوم (غدير خم)؛ لم يجد (ع) بداً من إعلان معارضته للوضع القائم بالامتناع عن البيعة، واستعمال حقه في حرية المعارضة على أتمه.

وحين شاهد -وهو يشعر بمدى مسؤولية ما يقوم به- بعض الانتهازيين حاولوا الاستفادة من معارضته بإحداث ثورة داخلية لقلب نظام الحكم، واعلانها حرباً على الإسلام نفسه، وأنّ إصراره على استعمال حقه في المعارضة سيكون عوناً لهم على ذلك، أعلن (ع) تجميد هذا الحق، وسارع إلى البيعة لإحباط المؤامرة في مهدها، وهو بعد مصر على أنّ الحق له، فها هو يشرح لأهل الكوفة الأسباب التي دعته إلى البيعة مع ما عُرف به من المعارضة: "فَلَمَّا مَضَى (ص) تَنَازَعَ الْمُسْلِمُونَ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ. فَوَاللهِ مَا كَانَ يُلْقَى فِي رُوعِي، وَلَا يَخْطُرُ بِبَالِي أَنَّ الْعَرَبَ تُزْعِجُ هَذَا الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ (ص) عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَلَا أَنَّهُمْ مُنَحُّوهُ عَنِّي مِنْ بَعْدِهِ! فَمَا رَاعَنِي إِلَّا انْثِيَالُ النَّاسِ عَلَى فُلَانٍ يُبَايِعُونَهُ، فَأَمْسَكْتُ يَدِي حَتَّى رَأَيْتُ رَاجِعَةَ النَّاسِ قَدْ رَجَعَتْ عَنِ الْإسلام، يَدْعُونَ إلى مَحْقِ دَيْنِ مُحَمَّدٍ (ص) فَخَشِيتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرِ الْإسلام وَأَهْلَهُ أَنْ أَرَى فِيهِ ثَلْماً أَوْ هَدْماً تَكُونُ الْمُصِيبَةُ بِهِ عَلَيَّ أَعْظَمَ مِنْ فَوْتِ وِلَايَتِكُمُ...".

وكان موقفه من الخوارج -وهم أشد معارضيه، وأكثرهم إيماناً بمبدئهم- من أروع المواقف، وأكثرها تعبيراً عن صيانته لهذا الحق، فقد أباح لهم أن يسلكوا مختلف الأساليب للتعبير عن آرائهم، وكانوا يعايشونه في البلد، فتكلموا، وخطبوا، وتجمهروا، وجادلوا، وقد تجاوزوا حدود الأدب حين قال قائلهم أنه: "لن يأتم به، ولن يشهد معه صلاة، ولن يأتمر بما يأمر، ولن يكون عليه سلطان".

ومع كل ذلك فلم يعرض الإمام (ع) لهم بسوء، بل كان يجادلهم بنفسه تارة، وبابن عمه عبد الله بن عباس أخرى، حتى إذا خرجوا من الكوفة بمحض اختيارهم، وشكّلوا من أنفسهم عصابة تتعرض إلى الآخرين بالقوة لحملهم على اعتناق مبدئهم، وكان ما كان منهم من إقلاق للرأي العام، وتهديد الأمن، والتعدي على الأبرياء، أمثال قتلهم لعبد الله بن خباب، وبقر بطن زوجته الحامل، خرج إليهم الإمام لتأديبهم، ومع ذلك لم يقاتلهم حتى قام بمحاولاته السلمية التي أرجعت كثيراً منهم إلى الطاعة والاعتراف بالخطأ.

وكموقفه من حرية المعارضة وقف من حرية السكن والتنقل، فلم يعرض لها بحد، ولم يسمع عنه أنه فرض إقامة جبرية على أحد، أو منع أحداً من التنقل من بلد إلى بلد.


محرم 1447 في الصحافة الكويتية