السبت، 10 يونيو 2017

تجليات رمضانية - 11 ..


الصوم مرتبط بنشر مكارم الأخلاق بين الناس يقول الرسول الأكرم (ص): "أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ حَسَّنَ مِنْكُمْ فِي هَذَا الشَّهْرِ خُلُقَهُ كَانَ لَهُ جَوَازاً عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الْأَقْدَامُ، وَمَنْ خَفَّفَ فِي هَذَا الشَّهْرِ عَمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ خَفَّفَ اللهُ عَلَيْهِ حِسَابَهُ، وَمَنْ كَفَّ فِيهِ شَرَّهُ كَفَّ اللهُ عَنْهُ غَضَبَهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ، وَمَنْ أَكْرَمَ فِيهِ يَتِيماً أَكْرَمَهُ اللهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ، وَمَنْ وَصَلَ فِيهِ رَحِمَهُ وَصَلَهُ اللهُ بِرَحْمَتِهِ يَوْمَ يَلْقَاهُ، وَمَنْ قَطَعَ فِيهِ رَحِمَهُ قَطَعَ اللهُ عَنْهُ رَحْمَتَهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ".

لو رجعنا إلى مقاصد دعوة الرسول الكريم (ص) لأدركنا بعد رسالته التي تستهدف بناء عقل أخلاقي في المجتمع المسلم.

وما نراه في رمضان من سلوك الصائمين، ندرك عدم انعكاس روحانيته على الناس، في سلوكهم العام، مما يجعلنا نؤكد على أننا من غير الممكن -اليوم- أن ننمي الحس الخلقي لدى الناس من غير أطر ومؤسسات تخصص جهودها لنشر الفضيلة والأخلاق الإسلامية.

وما نصرفه من ملايين طائلة في بناء المساجد والحسينيات لا يتناسب مع محصلة الأخلاق في البيت والشارع والأماكن العامة عند شرائح مجتمعنا..

إنها محصلة مخيبة للآمال بكل المقاييس. فمعظم الخطط التنموية في مجتمعنا لا تعكس أي اهتمام بالمسائل الروحية والأخلاقية. بل نلاحظ في الآونة الأخيرة أنَّ المسائل الروحية والأخلاقية أصبحت موارد استرزاق واستغلال عند البعض من فئات المجتمع. يقول الرسول الكريم (ص): "لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له".

وحين يصاب مجتمع بالشلل الأخلاقي فإنه يفقد السيطرة على مواجهة الانتكاسات في مجالات الحياة المختلفة.

علينا أن نعيد انتاج رمضان بشكل يليق بأخلاقية الإسلام وروحانيته وعالميته.

ولنستذكر المعين الأخلاقي من القرآن الكريم:

-      {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}..

-      {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}..

-      {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا}..

-      {لَا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا عَلِيمًا}..

-      {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ}..

-     {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ * يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}..

الجمعة، 9 يونيو 2017


شاوروهنّ وخالفوهن

يتشدق كثير من أصحاب الفكر الذكوري بحديث باطل لا أصل له، منسوب لرسول الله (ص): "شاوروهنّ وخالفوهن".. مما يزيد تعميق الإشكال بين المرأة والرجل، وخاصة أنّ هناك عنواناً أساسياً يشكل العمود الفقري للحياة الزوجية، ألا وهو (طاعة المرأة)...

 لكي يبقى التساؤل الكبير عند العديد من النساء، لماذا لا يطرح عنوان: (طاعة الرجل)؟ وكأنّ عنوان طاعة المرأة أصبح منشأ لتوهم أنَّ للرجل الحرية المطلقة في اتخاذ القرارات.

والحقيقة التي لا ينبغي خفاؤها، أنَّ اهتمام الأديان بالمرأة بلغ مبلغاً عظيماً، وحسبنا دليلاً ما ورد في وصية الإمام علي (ع) لولده الحسن (ع): "الله.. الله في النساء، وفيما ملكت أيمانكم. فإنّ آخر ما تكلم به نبيكم أن قال: أوصيكم بالضعيفين النساء، وما ملكت أيمانكم".

ولا يخفى على أحد أنَّ أهم قضايا الإنسان هي ما يوصي به في ختام حياته، فكيف إذا كانت الوصية الخاتمة هي من فم النبي الأكرم (ص)؟!!.

 إنّ مبدأ طاعة المرأة لا يعني أنّها مغفّلة وقاصرة، وأنّ عليها أن تنقاد للرجل لأجل قصورها وغفلتها؛ لأنَّ هذا خلاف الهدف من خلق المرأة، فالتكامل المطلوب لا يتحقق إلا من خلال تطبيق ولاية المؤمنين والمؤمنات بعضهم لبعض؛ عملاً بقوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}.

الخميس، 8 يونيو 2017

تجليات رمضانية - 10 ..


هذا الشهر المبارك مرتبط بتلاوة القرآن والتدبر فيه؛ يقول الرسول الكريم: "وَمَنْ تَلَا فِيهِ آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ خَتَمَ الْقُرْآنَ فِي غَيْرِهِ مِنَ الشُّهُورِ".

فعلينا أن نركز على الإنجازات الصغيرة، ولا نهتم بالكم الكثير؛ فلم يُمدح الكم الكثير في أيِّ موضعٍ في القرآن. وركز على المضمون الفكري باعتباره شيئاً قابلاً للنمو والتعديل.


فتدبرك في بضع آيات من كتاب الله طيلة شهر رمضان، سيكون أثرها أكبر على وعيك وقلبك. فهو كتاب جاء ليكون مستنبطاً لمن قرأه.

يقول الإمام علي (ع): "ذَلِكَ الْقُرْآنُ فَاسْتَنْطِقُوهُ، ولَنْ يَنْطِق، ولَكِنْ أُخْبِرُكُمْ عَنْهُ: أَلا إِنَّ فِيهِ عِلْمَ مَا يَأْتِي، والحَدِيثَ عَنِ الْمَاضِي، ودَوَاءَ دَائِكُمْ، ونَظْمَ مَا بَيْنَـكُمْ". والتعبير بالاستنطاق، هو أروع تعبير عن عملية التدبر بوصفها حواراً متجدداً مع القرآن الكريم بقصد الحصول على الإجابة القرآنية عليها في واقعنا الآن.

الاثنين، 5 يونيو 2017

تجليات رمضانية - 9 ..


يأتي رمضان ويأتي معه ثقافة الصمت، والتعقيب المتداول على ألسنة الصائمين (اللهم إني صائم)، ولكنَّ العيون تتلهف لأكبر قدر ممكن من مشاهدة المحطات التلفزيونية.

وفي هذا الشهر الكريم تتعطل كلُّ أنواع النقد بحجة الصيام المزعوم، وكأنَّ الرقابة الإلهية الصارمة تزيد في هذا الشهر أكثر من غيرها في بقية الشهور.

وعندما تريد أن تتكلم عن ظاهرة سلبية في مجتمع خاص كأنك خرجت عن جادة الإسلام، والمقولات تلاحقك: هذه غيبة. هذه نميمة. هذا تعدي.

بصراحة شديدة، حوَّلنا شهر رمضان من وسيلة إلى غاية، وفقد معه تدريب النفس على الخير والجمال والحب.. فالنقد -مثلاً- ليس مختصا ببيان العيوب والمثالب فحسب، وإنما هو بيان لمساحات الخير والجمال أيضاً.

الغاية من الصوم في هذا الشهر الكريم هو الوصول إلى التقوى، {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، نحن بحاجة أن نؤمن إيماناً حقيقياً بالعقل، والعدل، والمساواة، والكرامة، والرحمة، والتعارُف، والخير العام... الخ؛ لكي نصل إلى التقوى.

الإيمان المنافق هو أن تقرأ القرآن وتصلي النوافل وتصوم في هذا الشهر الفضيل... ولكنك تسفك الدماء، وتأكل المال بالباطل، وتقذف الناس بالباطل...

يقول الإمام علي (ع): "فَبِالْإِيمَانِ يُسْتَدَلُّ عَلَى الصَّالِحَاتِ، وَبِالصَّالِحَاتِ يُسْتَدَلُّ عَلَى الْإِيمَانِ، وَبِالْإِيمَانِ يُعْمَرُ الْعِلْمُ، وَبِالْعِلْمِ يُرْهَبُ الْمَوْتُ، وَبِالْمَوْتِ تُخْتَمُ الدُّنْيَا، وَبِالدُّنْيَا تُحْرَزُ الْآخِرَةُ، وَبِالْقِيَامَةِ تُزْلَفُ الْجَنَّةُ وَتُبَرَّزُ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ".


فإذا حصلت التقوى حينئذ {فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.

الأحد، 4 يونيو 2017

تجليات رمضانية - 8 ..

علينا أن نعي أنَّ الصوم المرفوض هو الصوم الشكلي المظهري الغير نابع من أعماق القلب، فهذا صوم يمارسه الإنسان كعادة وليست عبادة.



وحذر الرسول محمد (ص) من هذا الصوم قائلاً: "لو صليتم حتى تكونوا كالحنايا، وصمتم حتى تكونوا كالأوتار، لم يقبل الله منكم إلاّ بورع"..



وكذلك حذر السيد المسيح (ع) من هذا الصوم فقال: "ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين، فإنّهم يغيّرون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين. الحقَّ أقول لكم إنهم قد استوفوا أَجْرَهم" (متى: إصحاح 6 آية 16 - 19).



فالصوم المقبول الذي اختاره الله لنفسه أن يكون في فَكِّ قيود الشر وحلِّ عقد نير الذل والاستعباد وإطلاق سراح المتضايقين وتحطيم كل نير، ويتجلى في:



1-           الورع عن محارم الله: ففي خطبة الرسول الأكرم (ص) قال: "أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله".


2-           عفة اللسان وغض البصر: سمع رسول الله (ص) امرأ ة تسبّ جارية لها وهي صائمة، فدعا رسول الله (ص) بطعام، فقال لها: "كلي". فقالت: إنّي صائمة! فقال (ص): "كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك، إنّ الصوم ليس من الطعام والشراب فقط".


3-           حفظ الجوارح عن القبائح: يقول الإمام الصادق (ع): "إذا أصبحت صائماً فليصم سمعك وبصرك من الحرام، وجارحتك وجميع أعضائك من القبيح، ودع عنك الهذي وأذى الخادم، وليكن عليك وقار الصائم، والزم ما استطعت من الصمت والسكوت إلاّ عن ذكر الله، ولا تجعل يوم صومك كيوم فطرك...".



وقد جاء في سفر أشعياء في حديثه عن الصوم المقبول: "أَلَيْسَ الصَّوْمُ الَّذِي أَخْتَارُهُ يَكُونُ فِي فَكِّ قُيُودِ الشَّرِّ، وَحَلِّ عُقَدِ النِّيرِ، وَإِطْلاَقِ سَرَاحِ المُتَضَايِقِينَ، وَتَحْطِيمِ كُلِّ نِيرٍ؟ أَلاَ يَكُونُ فِي مُشَاطَرَةِ خُبْزِكَ مَعَ الجَائِعِ، وَإِيْوَاءِ الفَقِيرِ المُتَشَرِّدِ فِي بَيْتِكَ. وَكُسْوَةِ العُرْيَانِ الَّذِي تَلْتَقِيهِ، وَعَدَمِ التَّغَاضِي عَنْ قَرِيبِكَ البَائِسِ؟"(التوراة: سفر أشعياء 58 الاصحاح 6 ـ 8).



فالصوم المختار هو الصوم الناتج من القلب المُسلِّم لله والخاضع والمطيع لمشيئته سبحانه، والممتلئ بالثمر الصالح والسلوك المستقيم، فأساس الأمر أنَّ الله ينظر إلى القلب وليس إلى المظاهر الخارجية، فهو ينظر إلى الداخل وليس إلى الخارج.. يقول الرسول الأكرم (ص): "إنّ الله تبارك وتعالى لا ينظر إلى صوركم، ولا إلى أقوالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".

الجمعة، 2 يونيو 2017

تجليات رمضانية - 7 ..


الإنسان الذي يعيش -دائماً- إلى جوار الطعام والشراب، واللذائذ المتنوعة، لا يكاد يحسّ بقيمة الجوع والعطش، وهو كمثل الشجر المنزلي الذي يعيش إلى جوار جدول ماء وفير، ما إن ينقطع عنه الماء يوماً حتى تشعر بذبوله واصفراره..

وأما الشجرة التي تنبت في الصحراء، فهي شجرة قوية تقاوم الحياة. وكما يصفها الإمام علي (ع): "أَلَا وإِنَّ الشَّجَرَةَ الْبَرِّيَّةَ أَصْلَبُ عُوداً، والرَّوَاتِعَ الْخَضِرَةَ أَرَقُّ جُلُوداً".

ويقول (ع)، في الصوم: "فَرَضَ اللهُ... الصِّيَامَ ابْتِلَاءً لإِخْلَاصِ الْخَلْقِ". فالصوم أشبه بدورة تدرِّب الصائم على ضبط الشهوات والسيطرة عليها لمدة شهر كل عام؛ ليتعلم الإنسان فيه بعضاً من قوة الإرادة، وصلابة العزيمة، والسيطرة على الدوافع والانفعالات في سلوكه العام في الحياة.

وفي الحديث القدسي "الصَّوْمُ لِي وأَنَا أَجْزِي عَلَيْه"، لنعي أنَّ هذه الفترة التدريبية ستكون في حضرته سبحانه تعالى، أي أنّه يراقبك وأنت تتدرب، والذي يتدرب أمام الله، فمن الطبيعي أن يكون تدريبه مركزاً.

فبمقدار عمق النيّة وتدريب الجوانح والجوارح على حكومة العقل وحاكميته، يتحقق تحرير العقل من طغيان الغرائز فيربو الإخلاص ويتراكم، وتتعمق أبعاده.. وقد جاءت آية الصيام بتلك الإشارة الرائعة: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، ومن الطبيعي أنَّ التقوى تحتاج إلى إرادة إيمانية، فيتمرن الصائم على ضبط النفس، وترك الشهوات المحرمة، والصبر عنها، فقد جاء في الحديث: "الصيام نصف الصبر"..

إنَّ جهادنا الروحي مرتبط بالصوم بشكل وثيق؛ فهو يلجم الجسد الجامح أن يشرد بعيداً عن الطريق السوي.. فالصوم بالنسبة للشهوات كالماء بالنسبة للنار، وهي الوسيلة لحفظ العفة.

وأنت في لحظات قراءتك وتدبرك لآيات الله في قصة آدم وحواء، عليك أن تقف على أنَّ السبب الرئيس في كسر وصية الله، هو ضعف الإرادة من خلال انتصار الشيطان على الإنسان.

وقد وضع العالم الألماني جيهاردت كتاباً في تقوية الإرادة جعل أساسه الصوم، وذهب فيه إلى أنّ الصوم هو الوسيلة الفعّالة لتحقيق سلطان الروح على الجسد، فيعيش الإنسان مالكاً زمام نفسه لا أسير ميوله المادية.

الخميس، 1 يونيو 2017

تجليات رمضانية - 6 ..


في الحديث القدسي: "الصَّوْمُ لِي وأَنَا أَجْزِي عَلَيْه"، فلا رقيب على الصائم إلا ربه، وفي ذلك تربية النفس على الخشية من الله تعالى في السر والعلن، وتلك الخشية تحقّق معنى الخوف منه سبحانه وتعالى؛ والخوف متعلق بالإدراك، وفاقد الإدراك هو من لا يخاف.. يقول الإمام علي (ع): " إنَّ أقربكم اليوم من الله أشدكم منه خوفاً".

ومتى تفاعل هذا المعنى في صومك فإنك -أيها الصائم- تترفع عن الشهوات استحياء من الله سبحانه. وإذا ما استبدت الأهواء بنفسك كنت سريع التذكر قريب الرجوع بالتوبة {إنّ الذِينَ اتقَوا إذَا مَسهُم طَائِف مِنَ الشيطَانِ تَذَكرُوا فَإذَا هُم مُبصِرُونَ}.

وفي كل ذلك تربية لضمير الإنسان، فيصبح الإنسان ملتزماً بوازع من ضميره، من غير حاجة إلى رقابة أحد عليه. بل يتجلى عنده خوف من أن تنقطع علاقته بالله التي تحرص عليها.


قال طاووس اليماني: رأيت رجلاً يصلي في المسجد الحرام تحت الميزاب يدعو ويبكي في دعائه، فجئته حين فرغ من الصلاة، فإذا هو علي بن الحسين (ع)، فقلت: يا ابن رسول الله رأيتك على حالة كذا، ولك ثلاثة أرجو أن تؤمنك من الخوف، أحدها: إنك ابن رسول الله، والثاني: شفاعة جدك، والثالث: رحمة الله.
فقال (ع): "يا طاووس: أما إنّي ابن رسول الله (ع) فلا يؤمنني؛ وقد سمعت الله تعالى يقول: {فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ}، وأمّا شفاعة جدي فلا تؤمنني؛ لأنَّ الله تعالى يقول: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى...}. وأما رحمة الله فإنَّ الله تعالى يقول: {إِنَّ رَحْمَةَ الله قَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنِينَ}، ولا أعلم أني محسن".

محرم 1447 في الصحافة الكويتية