** فقه العنف المسلح (منهج السلام عند الإمام علي) **
عن علي بن أبي طالب (ع) قال:
قال رسول الله (ص): "إنَّ الله رفيق
يحب الرفق ويعطي عليه ما لا يعطي
على العنف "إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ
الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَيْهِ مَا لا يُعْطِي
عَلَى الْعُنْفِ".
وفي صحيح البخاري عن عائشة (رض): "أَنَّ يَهُودًا
أَتَوْا النَّبِيَّ (ص)، فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ،
فَقَالَتْ عَائِشَةُ (رض): عَلَيْكُمْ السَّامُ
وَلَعْنَةُ اللهِ وَغَضَبُ اللهِ عَلَيْكُمْ. قَالَ
(ص): مَهْلًا يَا عَائِشَةُ عَلَيْك بِالرِّفْقِ
وَإِيَّاكِ وَالْعُنْفَ وَالْفُحْشَ".
يعد العنف اليوم ظاهرة عالمية عامة،
ينتشر على مستوى الرقعة الجغرافية ويأخذ
أشكالاً ومظاهر متعددة. وتتصف به مجتمعات
متقدمة كما تتصف به مجتمعات نامية وبدائية.
ولم يعد العنف محصوراً على شريحة ذات
صفة إجرامية فقط، بل قد يتصف به
شرائح من المجتمع ذات طابع سياسي أو
اقتصادي أو اجتماعي أو ثقافي أو فكري.
فالعنف -كان وما زال- أداة من أدوات
اللعبة السياسية لدى أغلب الأنظمة الحاكمة.
والعنف في سياقه الإنساني صورة من صور
التعبير عن الطبيعة البشرية في بعض أحوالها،
فالبشرية لم تستأنس كثيراً بعد هبوط آدم
وحواء على الأرض، حيث وقع تنفيذ أول
جريمة قتل من أخٍ لأخيه، قال تعالى:
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ
آدم بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ
مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ
قَالَ لأقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ
اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ
يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ
إِلَيْكَ لأقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ
الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي
وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ
وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ
نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ
مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
وكانت هذه أول جريمة عنف تشهدها البشرية،
وهو الأمر الذي أشارت إليه الملائكة في
سؤالها للخالق سبحانه عندما أخبرها أنه
جاعل في الأرض خليفة من ذرية آدم:
{قَالُواْ أَتَجْعَلُ
فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء} لكن الخالق أعلم
بخلقه: {قَالَ إِنِّي
أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}.
والعنف -باعتبار قدمه واتصاله بطبيعة النفس
البشرية- أسبابه متعددة، وهو ليس مذموماً
دائماً، بل قد يكون عنصراً يستغله الإنسان
من أجل البقاء والدفاع عن حقوقه المشروعة
ورد العدوان أو القصاص من المعتدي ابتداءً.
ونحن جميعاً -من دون استثناء- نمتلك
بذور العنف كما نمتلك بذور التسامح، ولدينا
الاستعداد الطبيعي لممارسته بدافع ذاتي أو
بمؤثر خارجي، ويمكننا توظيفه للخير كما
يمكننا توظيفه للشر، ولنا أن نقوِّمه ونعالجه
كما لنا أن نزيد من حدته وشدته.
ولا نستطيع أن نفهم "فقه الصلح" إلا إذا رجعنا
الى "فقه العنف" في الإسلام، وفيه
نلاحظ أمرين:
أولاً: إنَّ العنوان الكبير الذي يوضع
في واجهة "فقه العنف"، هو ما يسمى بعنوان
(الجهاد) و (القتال).
ثانياً: إذا أردنا أن ننفذ الى داخل
عنوان (القتال)، فإننا نجد أنَّ هناك آيات
تحدد طريقة القتال:
1. {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ
يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ
لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} وهي مسألة دفاع
عن النفس، أو عن المجتمع المستهدف.
2. {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي
سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ
وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ} وهذا القتال من
أجل الفئات المحرومة أو المضطهدة.
3. {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ
وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ}، وبحسب المصطلح
الحديث: قتال في سبيل الحرية حتى لا
يتحرك هؤلاء ليفتنوهم عن دينهم بالضغط والإكراه
وبالقتل {وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ} حتى يأخذ الإسلام
حريته. إذاً ليس هناك في النص القرآني
قتال بمعنى الهجوم.
4. {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً
فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللهَ
لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ}، وهذا قتال وقائي؛
عندما تجد أنَّ هناك معطيات بأنّ قوماً
سوف يهجمون عليك.
5. {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ
لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ}.
6. حتى عندما تريد أن ترد العدوان
فعليك أن تردَّه بمثله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ
فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ
صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ}.
يقول الدكتور قصي الحسين: "أنّ الحركات الفيزيولوجية المعروفة للعنف،
تتغيّر بشكل ضعيف من شخص إلى شخص
آخر، أو حتى من حضارة إلى حضارة
أخرى.. فردّ الفعل على جميع الهواجس والنزعات
والحالات ذات الطابع العنفي، هي ذاتها بين
الأفراد والجماعات وحتى بين الأجيال، رغم
تباعد الأزمان".
وتعتبر المواجهات المسلحة التي حصلت في
خلافة الإمام علي (ع) هي أعنف مواجهة
داخلية بعد أحداث ما يسمى بعام الردة،
بعد وفاة الرسول محمد (ص). وما حصل
في خلافة الإمام علي (ع) هي الفتنة
الكبرى التي قسَّمت مدرسة الصحابة إلى مذاهب
ومدارس متفرقة..
وهو الذي وصفه الإمام علي بقوله: "إِنَّمَا بَدْءُ
وُقُوعِ الْفِتَنِ أَهْوَاءٌ تُتَّبَعُ، وَأَحْكَامٌ
تُبْتَدَعُ، يُخَالَفُ فِيهَا كِتَابُ اللهِ، وَيَتَوَلَّى
عَلَيْهَا رِجَالٌ رِجَالًا عَلَى غَيْرِ دِينِ
اللهِ، فَلَوْ أَنَّ الْبَاطِلَ خَلَصَ مِنْ
مِزَاجِ الْحَقِّ لَمْ يَخْفَ عَلَى الْمُرْتَادِينَ،
وَ لَوْ أَنَّ الْحَقَّ خَلَصَ مِنْ لَبْسِ
الْبَاطِلِ انْقَطَعَتْ عَنْهُ أَلْسُنُ الْمُعَانِدِينَ،
وَلَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ وَمِنْ
هَذَا ضِغْثٌ فَيُمْزَجَانِ، فَهُنَالِكَ يَسْتَوْلِي
الشَّيْطَانُ عَلَى أَوْلِيَائِهِ، وَ يَنْجُو
الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللهِ الْحُسْنى".
وكان من نتائج هذا العنف المسلح سقوط
شرعية القانون، وانتهاك حرمته، وتغليب العامل
الشخصي بالاحتيال على الشرعية القانونية.
ولقد كانت خلافة الإمام علي (ع) قائمة
بحسب ما أصطلح عليه حينئذ قبول أهل
الحل والعقد، ومن ثم رضا الأمة ومبايعة
الخليفة على أمرة المؤمنين.
ولا يهمنا حقيقية الصراع، ومن المخطئ
فيه بقدر ما يهمنا كيف تعامل خليفة
المسلمين مع هذا العنف الذي داهمه من
ثلاثة أطراف مهمة:
الطرف الأول: معسكر أم المؤمنين السيدة عائشة (الجمل):
ومن المعلوم أنَّ الإمام علي لم يتخذ
موقفاً شخصياً مما جرى بل انتقد هذا
العمل وما يجر على المسلمين من ويلات
وتبعات، وانتقد أيضاً موقف السيدة عائشة
وغياب بصيرتها عن النتائج الوخيمة وقال:
"... وَأَمَّا فُلَانَةُ
فَأَدْرَكَهَا رَأْيُ النِّسَاءِ وَضِغْنٌ غَلَا
فِي صَدْرِهَا كَمِرْجَلِ الْقَيْنِ وَلَوْ دُعِيَتْ
لِتَنَالَ مِنْ غَيْرِي مَا أَتَتْ إِلَيَّ
لَمْ تَفْعَلْ وَلَهَا بَعْدُ حُرْمَتُهَا الْأُولَى
وَالْحِسَابُ عَلَى اللهِ تَعَالَى".. ولا أظن عنى
بـ "حرمتها الأولى" إلا أنها زوج
النبي (ص)، وأنها أم للمؤمنين.
ولهذا قال في خطبة أخرى: "فَخَرَجُوا يَجُرُّونَ
حُرْمَةَ رَسُولِ اللهِ (ص)، كَمَا تُجَرُّ
الْأَمَةُ عِنْدَ شِرَائِهَا، مُتَوَجِّهِينَ بِهَا
إِلَى الْبَصْرَةِ، فَحَبَسَا نِسَاءَهُمَا فِي
بُيُوتِهِمَا، وَأَبْرَزَا حَبِيسَ رَسُولِ اللهِ
(ص) لَهُمَا وَلِغَيْرِهِمَا". والحرمة المكان الذي
يحرم الدنو والاقتراب منه، وأنها ظلَّت
حرماً للرسول (ص) حتى بعد وفاته.
قال الفقيه المحقق السيد محمد بحر
العلوم (ت 1326ﻫ) في كتابه بلغة الفقيه:
"اعلم أنَّ للأمّ إطلاقات ثلاثة:
أمّهات النسب، وأمّهات الرضاع، وأمّهات التبجيل
والعظمة، وهنَّ زوجات النبي (ص) فإنهنَّ
أمّهات المؤمنين؛ لقوله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى
بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أمّهاتهُمْ}".
الطرف الثاني: معسكر معاوية بن أبي سفيان (الشام):
عندما كان الإمام علي (ع) في طريقه
إلى صفين، وسمع قوماً من أهل العراق
يسبّون أهل الشّام، فقال لهم: "إِنِّي أَكْرَهُ
لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا سَبَّابِينَ، وَلَكِنَّكُمْ
لَوْ وَصَفْتُمْ أَعْمَالَهُمْ، وَذَكَرْتُمْ حَالَهُمْ،
كَانَ أَصْوَبَ فِي الْقَوْلِ، وَأَبْلَغَ فِي
الْعُذْرِ، وَقُلْتُمْ مَكَانَ سَبِّكُمْ إِيَّاهُمْ:
اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَنَا وَدِمَاءَهُمْ، وَأَصْلِحْ
ذَاتَ بَيْنِنَا وَبَيْنِهِمْ، وَاهْدِهِمْ مِنْ
ضَلَالَتِهِمْ، حَتَّى يَعْرِفَ الْحَقَّ مَنْ
جَهِلَهُ، وَيَرْعَوِيَ عَنِ الْغَيِّ وَالْعُدْوَانِ
مَنْ لَهِجَ بِهِ".
وعندما انتهت الحرب بخديعة التحكيم، أراد
الإمام (ع) أن يبيِّن موقفه من أهل
الشام الذين خرجوا ضده، فنراه (ع) لم
يصف موقفهم واختلافهم اختلافاً في عقيدة
أو دين، بل هو محض اختلاف سياسي
في دم الخليفة عثمان بن عفان، فكتب
(ع) إلى أهل الأمصار يقصُّ فيه ما
جرى بينه و بين أهل صفين: "وَكَانَ بَدْءُ
أَمْرِنَا أَنَّا الْتَقَيْنَا وَالْقَوْمُ مِنْ
أَهْلِ الشَّامِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ رَبَّنَا
وَاحِدٌ، وَنَبِيَّنَا وَاحِدٌ، وَدَعْوَتَنَا فِي
الْإِسْلَامِ وَاحِدَةٌ، وَلَا نَسْتَزِيدُهُمْ فِي
الْإِيمَانِ بِاللهِ وَالتَّصْدِيقِ بِرَسُولِهِ، وَلَا
يَسْتَزِيدُونَنَا، الْأَمْرُ وَاحِدٌ إِلَّا مَا
اخْتَلَفْنَا فِيهِ مِنْ دَمِ عُثْمَانَ وَنَحْنُ
مِنْهُ بَرَاءٌ".
الطرف الثالث: معسكر الخوارج (النهروان):
سُئِلَ علِيٌّ عن أهل النهروان: أمُشْرِكُونَ
همْ؟
قال: "من
الشّرْكِ فرُّوا".
قيلَ: أمُنَافِقُونَ همْ؟
قال: "إنَّ
الْمُنافِقِينَ لاَ يذْكُرُونَ اللهَ إلاَ قلِيلاً".
قيلَ: فَمَا هم؟!
قال: "إخْوانُنَا
بغَوْا علَيْنَا".
ويرسم لنا جعفر الصادق (ع) المنهج الذي خطه جده الإمام علي (ع) مع
خصومه، حيث يروي جعفر
بن محمد الصادق، عن أبيه (ع): "أَنَّ عَلِيّاً
(ع) لَمْ يَكُنْ يَنْسُبُ أَحَداً مِنْ
أَهْلِ حَرْبِهِ إِلَى الشِّرْكِ وَلَا إِلَى
النِّفَاقِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: هُمْ إِخْوَانُنَا
بَغَوْا عَلَيْنَا".
هذه هي روح الإسلام التي زرعها رسول
الله (ص) في أمته بل نشرها للعالم
كله {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ
إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}.
والأسف كل الأسف، لقد مارس التمزق المذهبي
وما تمخض عنه من صراع حاد على مستوى
العقيدة والشريعة والسلوك، وعبر قنوات الجدل
أو القتال، دوراً خطيراً في تفتيت قدرات
الأمة واستنزافها، وإعاقتها بالتالي عن مواصلة
مهماتها الحضارية.
يقول الدكتور عادل عامر: "قد تحولت الفضائيات الدينية إلى ساحة
حرب بين الشيعة والسنة، وبين الصوفية والسلفية،
فقنوات الكوثر وأهل البيت والأنوار الشيعية.
تهاجم أهل السنة والتشكيك في الثوابت الدينية.
وانتقاد الصحابة وعائشة أم المؤمنين ويتزعم
هذه الحرب ...، أما قنوات الصفا وقناة
وصال السنية فتهاجم الشيعة بضراوة بقيادة
... ونفس الحرب الطاحنة بين الفضائيات الوهابية
والصوفية.. لدرجة أنَّ أحد شيوخ السعودية
... حرّم مشاهدة الفضائيات الدينية الأخرى. واتهمها
بالترويج للبدع مثل قناة اقرأ والرسالة
بينما اتجهت فضائيات أخرى لإطلاق شعارات
دينية لأجل تحقيق الأرباح وجني الأموال
حتى ولو على حساب القيمة مثل: شعار
قناة الناس (قناة تأخذك إلى الجنة)، وشعار
(ليطمئن قلبي) لقناة دليل، وشعار (ان تطيعوا
تهتدوا) لقناة الحكمة، وشعار (معين لا ينضب)
لقناة الكوثر، وشعار (نور وبصيرة ) لقناة
خليجية والتي بدأت بثها كقناة غنائية وتحولت
إلى دينية خاصة أنَّ أغلب هذه القنوات
يحقق أرباحاً خيالية من الإعلانات وطلب
المساهمات والعائد من رسائل (sms) والتي تحتل كل الشاشات، وتتفنن هذه
القنوات في وجود أكثر من شريط على
الشاشة أو من خلال التليفون المحمول عن
طريق تقديم خدمات الرنات الإسلامية. والهاتف
الإسلامي. والشعارات. والخطب على التليفون المحمول.
وكل هذه القنوات -سواء سنية أو شيعية-
أصبحت تتسول المزيد من الأموال. بأن وضعت
أرقام تليفونات للتبرع وأرقام حساب في البنوك
للمساهمات بل الأدهى من ذلك أنَّ إحدى
هذه الفضائيات مثل قناة الأمة تضع رقم
تليفون لتحويل الرصيد على الهواء مباشرة...
هكذا تحولت عشرات الفضائيات الدينية إلى
حروب، وشعارات، وغنائم، وجني أموال على
حساب البسطاء الطيبين. وصارت الفضائيات العربية
حقلاً من حقول الدراسة والبحث الأكاديمي
بسبب اتساعها وتنوعها ومنعكساتها على الـمجتمع
العربي وتأثيرها على البنى الفكرية والاجتماعية
والسلوكية العامة. وهي كانت على الدوام
حقلاً من حقول الاهتمام السياسي الذي جرَّ
إليه حكومات وأحزاباً وأدّى إلى قيام خصومات
واحترابات واستفزازات حتى على مستوى الكونجرس
الأميركي فقد أصدرت قراراً من قبل ضد
بعض القنوات العربية بدعوى التحريض على
الإرهاب".
إنّ من حق البشرية
علينا، أن نقدم لهم خير ما لدينا؛
وهو ديننا القويم، وقرآننا الكريم، ورسولنا
العظيم، وعلينا أن نُسمعهم صوت الإسلام
الجميل، وبكل السبل، وبأحدث الطرق، وبكل
اللغات. وبكل وسائل التقنية والاتصال الحديثة.
وعلى المسؤولين عن الفضائيات الدينية القائمة،
أن تكون رسالتهم ربانية خالصة؛ نابعة من
القرآن الكريم، وصحيح الحديث الشريف، وأن
يلتزموا بمنهج الإسلام بشموليته ووسطيته؛ بلا
إفراط ولا تفريط، وأن يطوروا أداءهم شكلاً
وموضوعاً علمياً وفنياً.