الاثنين، 11 سبتمبر 2017

أجوبة أسئلة الدكتور عبد الله الربح* حول الطقوس والشعائر الحسينية


سماحة الشيخ: حسين علي المصطفى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أرجو منكم قبول المشاركة في هذا البحث الذي يهدف إلى تسليط الضوء على عاشوراء في منطقة القطيف.
الأسئلة التالية هي عبارة عن محاولة لفهم آراء علماء الشيعة في المملكة حول الطقوس والشعائر التي تمارس في عاشوراء من ناحية اجتماعية. بالتالي فإنه ليس ثمة إجابة صحيحة او خاطئة.
أتمنى من سماحتكم أن تركزوا الإجابة في السؤال بعيدا عن الاستطرادات وسرد الروايات المطلوبة، فهذا -كما ذكرنا أعلاه- بحث اجتماعي وليس عقائدياً أو سياسياً. لا بأس ببعض الاستشهادات إن وجدتم أنها ضرورية.

س ١: هل يصدق مصطلح الشعيرة-الشعائر على ممارسات الطائفة الشيعية في عاشوراء؟ يرجى التوضيح

الجواب: الشعيرة هي أمر مرتبطة بالله سبحانه، كما ورد في القرآن الكريم: {إنّ الصفا والمروة من شعائر الله}(البقرة: 158)، وفي آية أخرى: {والبُدْنَ جعلناها لكم من شعائر الله..}(الحج: 32)، وفي آية ثالثة: {يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله...}(المائدة: 2).

ولذا يطلق العلماء : (شعائر الله) على أعلام دينه، ومتعبداته التي أشعرها لعباده أي جعلها أعلاماً لهم، كما هو حال المناسك والمساجد والأنبياء والرسل..

وأما توسعة إطلاق الشعيرة يستوجب منا توضيحاً من جهتين:

الأولى: إنّ نسبة الشعيرة إلى الإمام الحسين (ع) لا تنافي نسبتها إلى الله، فهي ما دامت معتمدة على حجة شرعية فيمكن نسبتها إلى الله سبحانه، وأمّا نسبتها إلى الإمام الحسين (ع) فباعتبار ارتباطها المباشر بذكراه وطريقة إحيائها، أي أنها تضاف إليه (ع) تمييزاً لها عما سواها من الشعائر، كما يقال: "الشعائر الإسلامية" تمييزاً لها عن الشعائر غير الإسلامية، وهكذا قد تستخدم عبارة "شعائر المذهب" بنفس الاعتبار، ولو أردنا الجمود على المصطلح القرآني -وهو جمود قد يكون له ما يبرره بلحاظ ما قد يبدو من عناية قرآنية في نسبة الشعائر لله- فالأنسب أن لا يستخدم مصطلح الشعائر منسوباً لغير الله مطلقاً بما في ذلك الأديان والأنبياء، دون أن يختص ذلك بخصوص النسبة إلى الإمام الحسين (ع).

والثانية: إنّ إطلاق تسمية الشعيرة على وسائل وأساليب إحياء الذكرى إنْ تمّ استعماله كاصطلاح خاص أو بضربٍ من المسامحة والتجوّز فلا ضير في ذلك، وأما إنْ أريد به حقيقة الشعيرة فهذا قد يثير أمامنا شبهة التوقيفية؛ لأنَّ شعائر الله -وهي كما تمّ تعريفها أعلام دينه ومتعبداته التي أشعرها لعباده أي جعلها أعلاماً لهم، كما هو حال المناسك والمساجد والأنبياء والرسل...- أمور توقيفية كما هي الأحكام الشرعية والعبادات.

نعم، قد يحتمل بعض الفقهاء أن لا تكون الشعائر أموراً توفيقية؛ كما هو ظاهر المرجع الديني السيد محسن الحكيم الذي أكد أنّ الإتيان بالشهادة الثالثة في الأذان راجح شرعاً بل ربما يكون واجباً لا بعنوان الجزئية وإنما لأنها -أعني الشهادة الثالثة- أصبحت في هذه العصور معددة من شعائر الإيمان و "رمز التشيع"؛ ما يعني أنّ الشعيرة يمكن تكونها بنظره بعيداً عن عصر  النص (أنظر: مستمسك العروة الوثقى للسيد محسن الحكيم: ج 5 ص 545).

وهو احتمال بعيد ولا يساعد عليه الدليل؛ لأنّ كون أمر من الأمور شعيرة وعَلَماً من أعلام الدين ليس في أيدي الناس بل لا بدّ من التنصيص على شعائريته من قبل الله سبحانه وتعالى، ويوحي بذلك أنّ "الشعائر" : لم تأتِ في القرآن إلا وهي مضافة إلى الله سبحانه كما أسلفنا، ومن هنا وجدنا أنّ المرجع الديني السيد أبو القاسم الخوئي نفى "شعارية التطبير"؛ معللاً ذلك بعدم النص على الشعارية (المسائل الشرعية: ج 2 ص 337).

فلا مفرّ إذن من الالتزام بتوقيفية الشعائر، ومعنى التوقيفية هنا: أنه لا يمكن الحكم بشعائرية هذا العمل أو ذاك إلا إذا ورد النص بذلك.


س ٢: هل تدخل هذه الممارسات ضمن نطاق الآية الكريمة {وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}؟

الجواب: بمقتضى التوقيفية لا بدّ من الجمود على المضمون الوارد في النص ولا يُسمح بتجاوزه والتصرف فيه زيادة أو نقصاً، الأمر الذي يخلق لنا مشكلة في المقام، لأنّه يقضي بالجمود على وسائل الإحياء المنصوصة وعدم إمكانية تطويرها فضلاً عن استحداث وسائل جديدة، فالنياحة -على سبيل المثال- والتي كانت تتم في زمن الأئمة (ع) بطريقة خاصة إذا اعتبرناها شعيرة فاللازم اعتماد نفس تلك الطريقة وعدم تجاوزها أو التصرف فيها، فإذا كان النائح في الزمن السابق ينشد الشعر بالعربية الفصحى وبأسلوب فني معين، فلا يصح للنائح اليوم -انسجاماً مع توقيفية الشعيرة- إنشاد الشعر باللهجة العامية فضلاً عن استخدام لغة أخرى، وهكذا لا يجوز له تجاوز طريقة الإنشاد.

ومن هنا يأتي السؤال: كيف نوفق بين المرونة التي يفترض أن تتسم بها المراسم ووسائل الإحياء الأمر الذي لا ينسجم مع توقيفيتها، وبين افتراض أنها شعائر كما هو مشهور على ألسنة الخاصة والعامة ونصّ على ذلك الفقهاء (راجع على سبيل المثال كلام الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في إجابة له على استفتاء بهذا الشأن في كتاب: فتاوى علماء الدين حول الشعائر الحسينية: ص 68 إعداد مؤسسة المنبر الحسيني).

والحقيقة أننا أمام خيارين:

الأول: إما نفي شعائرية تلك المراسم وهو ما يفتح الباب واسعاً أمام التطوير والتجديد المرجو والمطلوب.
والثاني: الالتزام بشعائريتها وتوقيفيتها ما يعني الجمود على المنصوص منها وعدم إتاحة الفرصة أمام التطوير والتجديد.

ولا سبيل إلى الخيار الثاني حتماً؛ لأنه جمود غير مبرر ولا مفهوم، ولذا لم يلتزم به أحد على الإطلاق، وأما الأول فالالتزام به قد لا يثير في وجهنا كبير مشكلة شرط الالتزام بمشروعية وسائل الإحياء ومطلوبيتها. أجل، يمكننا القول وبكل تأكيد: إنّ الحسين (ع) نفسه -كما الأنبياء والأئمة- شعيرة وعلم من أعلام دين الله، كما أن يوم استشهاده هو يوم من أيام الله، ومسؤوليتنا أن نُعظِّم تلك الشعيرة ونبجل ذلك اليوم امتثالاً لأمر الله تعالى: {ومن يُعظَّم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}(الحج: 32)، والتعظيم له وسائله ومنها: النياحة أو مواكب العزاء أو اللطم، فهذه وأمثالها من أساليب تعظيم الشعيرة لا أنها الشعيرة عينها.


س ٣: هل لديكم اطلاع تاريخي على تطور هذه الممارسات؟ (لا توجد مشكلة في حالة عدم وجود هذا الاطلاع فنحن نتفهم أنكم رجل دين اهتمامكم الرئيسي هم الفقه ولكن في حالة وجود هذا النوع من الاطلاع سأكون سعيدا بأن أستفيد منكم).

الجواب: لعل أول تاريخ ذُكرت فيه قصة مقتل الحسين (ع) مفصلة هو: "تاريخ الأمم والملوك: " للطبري (ت 310هـ) نقلاً عن الإخباري أبي مخنف، وهو يتطابق إلى حد ما مع القصة التي تُقرأ في يوم عاشوراء.

ليس الاحتفال بعاشوراء ابتكاراً لسلطة بعينها، بل بدأ شأناً شعبياً. إلا أنه استغل وحُرف عن تلقائيته. وهي مناسبة أشاعها البويهيون رسمياً في السنة (352هـ)، ثم أُضيف إليها ما أُضيف.

بعدها هذا ظل الطقس يتداول سنوياً، مع استغلاله من سلطة أو معارضة، ومنها السنة (389هـ) لما ظهر الشيعة حزنهم ببغداد، برز السنّة وجعلوا بإزاء يوم عاشوراء يوماً... نسبته إلى مقتل مُصْعَب بن الزبير (72هـ) وزارت قبره بمنطقة مسكن كما يُزار قبر الحسين (أنظر: شذرات الذهب في أخبار من ذهب: ج 3 ص 130).

وربما أول نقد يصلنا حول جملة من شعائر عاشوراء ما كتبه إخوان الصفا البصريين، فقد أبدوا رأيهم في استذكار ملاحم القتل، ومنها عاشوراء، وتبعات خروجها عن المعقول على الأجيال: "ومن الأبيات الموزونة أيضاً ما تثير الأحقاد الكامنة، وتحرك النفوس الساكنة، وتلهب فيها بنيران الغضب، مثل قول القائل: اذكروا مصرع الحسين... فإنّ هذه الأبيات وأخواتها أيضاً أثارت أحقاداً وغيرةً على مذهبهم: " (عن رسالة الموسيقى. أنظر: رشيد الخيون، جريدة الشرق الأوسط، الأربعـاء 7 محـرم 1429هـ 16 يناير 2008 عدد 10641).

وقال أهل الصفا: "من الناس طائفة قد جعلت التشيع مكسباً لها، مثل الناحة والقصاص! لا يعرفون من التشيع إلا التبري والشتم والطعن واللعنة والبكاء مع الناحة..." (عن رسالة كيفية الدعوة إلى الله. أنظر: رشيد الخيون، جريدة الشرق الأوسط، الأربعـاء 7 محـرم 1429هـ 16 يناير 2008 عدد 10641).

ويتوافق هذا مع ما كتابه الفقيه الشيخ محمد جواد مغنية (ت 1400هـ): "من الناس طائفة قد جعلت التشيع مكسباً لها مثل النياحة والقصص.. لا يعرفون من التشيع إلا البكاء وحب المتدينين بالتشيع.. وجعلوا شعارهم لزوم المشاهد، وزيارة القبور، كالنساء الثواكل، يبكون على فقدان أجسامنا وهم بالبكاء على أنفسهم أولى" (مع علماء النجف محمد جواد مغنية: ص 121).


س ٤: هل تأثرت الممارسات العاشورائية بطقوس دينية أخرى كالهندوسية والبوذية وغيرها؟

الجواب: يرجح الفقيه المحقق السيد هاشم معروف الحسني أن تكون عادة الضرب بالسلاسل الحديدية والسيوف من المظاهر الدخيلة التي لا يقرها الشرع قد تسربت إلى بعض الأقطار بعد أن حكمها الشيعة من الهنود القدامى (من وحي الثورة: ص 167).

وقال المؤرخ السيد حسن الأمين: "إنّ هناك قولاً يقول بأنّ التطبير بدأ في عهد الصفويين. والشيء الذي قد يكون معقولاً هو أنه كان في بلاد (القفقاس) مسيحيون يقومون بتعذيب جسدهم فداء بالسيد المسيح. وكان في (القفقاس) عدد قليل من الشيعة نقلوه إلى إيران عندما كانوا يذهبون لزيارة ضريح الإمام علي بن موسى الرضا جماهير وهو آخر ما توصلنا إليه".

وصرَّح الأمين بأنه يميل إلى القول بأنّ التطبير أتى من بلاد (القفقاس) بعدما قيل له كيف تقوم تلك الفرقة المسيحية بتعذيب جسدها، وهكذا تأثر الشيعة الموجودون في تلك البلاد بهم.

أما مطران جبل لبنان للروم الأرثوذكس الدكتور جورج خضر فقد أشار إلى أنه يوجد في الرهبانية الشرقية والغربية، وبالأخص الغربية، نوع من تعذيب النفس وهو تماهٍ بين عذاب الجسد وعذاب المسيح على الصليب. واعتبر أنّ تعذيب الجسد ليس من عبقرية المسيحية وإلهاماتها الأساسية لأنها تقدس الجسد وتحترمه مستشهداً بقول بولس: "ألستم تعلمون أنّ أجسادكم هي هياكل للروح القدس".

وأضاف خضر أنّ التماهي الموجود في الغرب قمته في السمات التي ظهرت للمرة الأولى تاريخياً في القرن الثالث عشر على يدي القديس فرنسيس القسيسي وعلى قدميه فيما كان رافعاً ذراعيه أمام المصلوب. فقد انعكست جراح المسيح في يديه وقدميه على جراح هذا الراهب. وهذه الظاهرة أي ظاهرة الجراح الطبيعية موجودة في العالم الكاثوليكي عند بعض الناس.

ولفت خضر إلى أنه لا يوجد في الإسلام نوع من الفداء بالمعنى المسيحي. فالشاب الجنوبي لو فحصنا كلامه حسب قواعد علم النفس التحليلي لربما وجدنا نوعاً من المشاركة أي نوعاً من الانفعال إذ لا يوجد اندماج بينه و بين جراح الحسين.

وأوضح خضر أنّ انتقال التطبير من الغرب إلى الشرق إثباته صعب رغم وجود هذا التشابه في الأشكال الدينية معتبراً أنّ تعذيب الذات لا يندمج مع روحية الإسلام الذي هو دين الانتعاش الجسدي والارتياح واليسر.

هذا الانتقال تحدّث عنه الدكتور علي شريعتي في كتابه (التشيع العلوي والتشيع الصفوي) حيث أشار إلى أنّ وزير الشعائر الحسينية في ظل الحكم الصفوي (إيران) وذلك في غضون القرنين السادس عشر والسابع عشر قد ذهب إلى أوروبا الشرقية: "وأجرى هناك تحقيقات ودراسات واسعة حول المراسيم الدينية والطقوس المذهبية والمحافل الاجتماعية المسيحية وأساليب إحياء ذكرى شهداء المسيحية والوسائل المتبعة في ذلك حتى أنماط الديكورات التي كانت تزين بها الكنائس في تلك المناسبات، واقتبس تلك المراسيم والطقوس وجاء بها إلى إيران حيث استعان ببعض الملالي لإجراء التعديلات عليها" (التشيع العلوي والتشيع الصفوي: ص 208).

وأضاف أنّ من: "بين تلك المراسيم النعش الرمزي والضرب بالزنجيل والأقفال والتطبير واستخدام الآلات الموسيقية وأطوار جديدة في قراءة المجالس الحسينية جماعة وفرادى" (التشيع العلوي والتشيع الصفوي: ص 208).

وقال شريعتي: "إنّ مراسيم اللطم والزنجيل واالتطبير وحمل الأقفال ما زالت تمارس سنوياً في ذكرى (استشهاد) المسيح في منطقة Lourder" (التشيع العلوي والتشيع الصفوي: ص 209).

والجدير ذكره، أنّ قناة الجزيرة القطرية عرضت بتاريخ 29 آذار 1997 فيلماً عن احتفالات عيد الفصح في الفيليبين يظهر فيه مجموعة من الرجال يحملون حبالاً غليظة مكوَّرة في نهايتها يضربون بها ظهورهم بشدة والدماء تسيل.

إلى ذلك، اعتبر الدكتور إبراهيم الحيدري أنّ هناك علاقة ميثولوجية "بين احتفالات بل-مردخ (تموز) في بابل من جهة، والاحتفالات بيوم عاشوراء من جهة أخرى، من الممكن أن تشكل إمكانية للتشابه فكرياً ووجدانياً كتعبير عن انتصار الخير على قوى الشر، وأنّ نواح عشتار على حبيبها مردخ (تموز) سنة بعد أخرى، إنّما يمثل طاقة خلق وتجديد لمبدأ الأرض -الخصوبة- الحياة، مثل الاحتفال بذكرى عاشوراء الذي يمثل تجديداً أو إحياء لمبادئ الحسين في الرفض والشهادة" (تراجيديا كربلاء: ص 326 - 327).

وثمة مقارنة أجراها المستشرق ايردمنس، في القرن التاسع عشر، بين طقوس العزاء الحسيني في إيران وما كان يقام من طقوس وشعائر في سومر وبابل قال: "إنّ أحد رموز الاحتفالات هو كف العباس التي ترفع في مواكب العزاء والتي تدل على تشابه واضح مع طقوس بابلية وكريتية وكذلك يهودية قديمة، حيث ترمز الكف إلى الخصوبة، مثلما ترمز إلى الوعي بعودة تموز ثانية، بالرغم من موته، في ربيع العام القادم والتقائه بحبيبته عشتار إلهة الخصوبة" (تراجيديا كربلاء: ص 322).

وقد أكدَّ إيردمنس: "على أنّ هذه الطقوس إنّما هي استمرار لطقوس الربيع التي كانت تقام من أجل الإله تموز، وأنها استمرت في حران والموصل حتى القرن الحادي عشر وكذلك الثالث عشر الميلادي في شمال العراق ولو بشكل بسيط ومحور" (تراجيديا كربلاء: ص 323).

ولفت المؤرخ حسن الأمين إلى ظاهرة المشي على النار كمظهر جديد من مظاهر الإحياء مشيراً إلى أنّ مصدر هذه الظاهرة هو هندوسي.

وقد علَّق المرجع السيد محمد حسين فضل الله على كلام إيردمنس بالإضافة إلى ربط المستشرق ميتز التشيع بالغنوصية المسيحية قائلاً بأنه : "ليس هناك أية علاقة بين احتفالات تموز في بابل والاحتفالات بيوم عاشوراء حتى لو التقت في بعض مظاهرها لأنّ السير التاريخي يدل على أنّ الرمزية المتمثلة في عاشوراء تنطلق من أصالة الحزن الإنساني الذي يتفجر في وجدان المؤمنين انطلاقاً من العلاقة الولائية الإيمانية بأهل البيت في صورة المأساة الأليمة التي تتحرك في أحداث عاشوراء، أما كف العباس فإنّ مناسبته هو حادثة قطع كفه عند القتال وهو يحمل قربة الماء حيث تختلط مسألة التضحية بقضية العطاء.. إنّ الجذر التاريخي لهذه الاحتفالات لا يحمل أية رموز قديمة لما قبل الإسلام.. ولهذا فإنّ ما ذكره الكاتب لا يرتكز بالتأكيد على العلاقة التاريخية بينها لأنّ التشابه في بعض الطقوس لا يعني ربط إحداها بالأخرى إذا كانت كل واحدة منهما تختلف عن الأخرى في القاعدة التي تنطلق منها".

وأضاف أنّ: "ربط التشيع بالغنوصية المسيحية لا شاهد له لاختلاف الطقوس المسيحية عن الطقوس العاشورائية في طبيعتها وأشكالها ولأنّ خصوصية عاشوراء تنطلق من الأحداث التاريخية فيها في حركة الوجدان الشعبي في الانفعال بها وفي الإحساس بالحزن البكائي أو الحزن التمثيلي فلا علاقة لأحدهما بالآخر.. فإرجاع أية عادات شعبية دينية إلى أصول دينية تقليدية أخرى يتوقف على دراسة العلاقة العضوية بينها على مستوى الروابط التاريخية التي تمثل امتداد بعض العادات في مرحلة أو في مجتمع إلى مرحلة أخرى ومجتمع آخر".


س ٥: هل تؤيد بعض الممارسات التي يؤديها الشيعة في دول أخرى كالمشي على الجمر في الهند؟ هل انت مع ممارستها هنا بالمملكة؟

الجواب: إنّ مسألة الإحياء لو كانت شأناً شخصياً يمارسها الشخص فيما بينه وبين ربّه لهان الأمر، أمّا عندما تكون وسيلة تعبير عامة وفعلاً يحمل مضموناً شعارياً أو شكلاً شعائرياً كما هو الحال في جُل، إن لم نقل كل أساليب الإحياء، فلا يكفي والحال هذه التذرع بعدم الدليل على الحرمة وبالتالي الإفتاء بالحليِّة من دون أن تؤخذ بعين الاعتبار التأثيرات والانطباعات التي يتركها هذا الأسلوب أو ذاك في ذهن المتلقي، ومن دون أن يلاحظ مدى مساهمة هذا الأسلوب في تحقيق الأهداف المبتغاة من عملية الإحياء.

فوسائل أو أساليب من قبيل الإدماء والمشي على الجمر أو المشي  مشية الكلاب أمام المراقد المطهرة للمعصومين، وهكذا تلطيخ الوجوه والرؤوس بل الأجساد كلها بالوحل والتراب كما يحصل في بعض البلدان (راجع منتهى الدراية: ج 6 ص 640)، لا يكفي مقاربتها بلغة الحلال والحرام فحسب، بل لا بدّ أن يلاحظ فيها ما ذكرناه.

وبعبارة أكثر دقة: إنّ مقاربة الموقف فقهياً من هذه الممارسات لا يُكتفى فيه حتى طبقاً للمعايير الفقهية نفسها بالنظر إليها في ذاتها ومع صرف النظر عمّا يكتنفها من ردود الأفعال وما قد تتركه من انطباعات سلبية عن الجماعة والخط الفكري الذي تلتزمه، ومن هنا انبثقت فكرة العنوان الثانوي الذي يقضي برفع اليد عن الحكم الأولي للأفعال والتصرفات، وحيث أن هذه الممارسات أو بعضها على الأقل موجبة للهتك والتوهين فاللازم اجتنابها حتى لو سلّمنا بأنها مباحة بالعنوان الأولي.



س ٦: إلى أي مدى تؤثر هذه الممارسات (سلباً وإيجاباً) على:
أ‌)     صورة الطائفة الشيعية عند بقية طوائف المسلمين.
ب‌)  صورة المسلمين عند بقية الأديان.

الجواب: ليس عندي رؤية دقيقة لتأثير هذه الممارسات على الآخر ، إلا أنّ تظافر الفتاوى من مراجع الشيعة من أنّ بعض الممارسات ليست بالفعل الجيد لأنها تمثل إهانة للمذهب أو أنّ بعضها يفعله عوام الشيعة وجهّالهم وغير ذلك من التعابير يكشف عن مدى تلمس هؤلاء المراجع لسلبية بعض الشعائر في نظر المذاهب الإسلامية الأخرى، ولكن للأسف لا توجد حركة جادة في تنقية هذه الممارسات من الخرافة والغلو. ولذلك نرى جملة من الرسائل التي تطلب من المراجع الكبار التصدي لمثل هذه الممارسات ومنها رسالة البروفيسور كاظم حبيب للمرجع السيد علي السيستاني.


س ٧: في رأيكم الشخصي، ما الدور المناط بكل من الممارسات العاشورائية التالية:
أ‌)     القراءة الحسينية
ب‌)  مواكب اللطم
ت‌)  المسرح التمثيلي
ث‌)  مواكب الزنجيل والتطبير

الجواب:

أ – القراءة الحسينية: هي جزء من رسالة المنبر عامة والذي كان موجوداً منذ صدر الإسلام. فهو جزء لا يتجزأ من منبر الرسول (ص) الذي يعد منارة الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، بل أصبح جزءاً لا يتجزأ من إحياء الفكر الديني، والذي أشار إليه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ} (الأنفال: 24).. ولا زال المنبر حتى يومنا هذا أداة إعلامية فاعلة للوعظ والإرشاد والخطب الدينية سواء في أيام محرّم، أم رمضان، أم في غيرها من الأيام والمناسبات، وارتقاء المنبر من الأساليب العريقة في الإعلام الديني.

ب – مواكب اللطم: لا يمكن أن ندخل عنوان اللطم باليد في عنوان البدعة؛ إذ البدعة هي إدخال ما ليس من الدين في الدين، بحيث نقول الله قال كذا، والنبي قال كذا، أمّا اللطم وأمثاله، فهي حالات شعورية نفسية، لأنّ الإنسان يلطم على من يحب، وعلى من يخلص له. فاللطم هو تعبير عن الحزن، وهو لا يمثل أي شيء سلبي، ولكن بشرط أن لا يكون لطم فلكلور ومن غير مضمون، وأن لا يكون مضراً بالإنسان، لأنه لا يجوز الإضرار بالجسد في أية حال من الحالات.

ت – المسرح الحسيني: من الطبيعي أنّ أي ذكرى كعاشوراء، لها علاقة بالوجدان الشعبي والديني وبالذهنية الثقافية وبالحركة السياسية، لا بد لها من أن تتطور في طريقة التعبير تبعاً لتطوّر وسائل التعبير على مدى الزمن، لأنّ أية فكرة لا بد لها من أن تدخل في الوجدان الإنساني بالوسائل التي يمكن أن ينفتح عليها هذا الوجدان، لأن الإنسان يتربّى بحسب الوسائل المتطورة في إنتاج قناعاته، من خلال الفكر الذي يدخل عقله.

ولأجل أن تدخل عاشوراء هذا العصر، وأن تنفتح على الإنسان المعاصر من موقع تجسيدها القيم التي انطلقت منها، وتعميقها للمأساة التي تحركت فيها، وإطلالتها على الأجواء التي تنتجها. ومن الطبيعي أننا نحتاج للوصول إلى هذه النتائج التي تمنح عاشوراء بعداً عالمياً إنسانياً، إلى جانب بعدها الشيعي أو الإسلامي، إلى قدرات فنية إبداعية في المسرح، من حيث كتابة المسرحية، ومن حيث إخراجها، ومن حيث الأشخاص.

ث - مواكب الزنجيل والتطبير: إن لم تكن هذه وأشبائها بدعة!!! فأقل ما يمكن قوله فيها أنها تؤدي إلى النظرة السلبية للمذهب، ما يؤدي إلى هتك حرمته.

س ٨: إلى أي مدى انت راض عن حرية ممارسة أعمال عاشوراء في المملكة؟ ما الدور المطلوب من الدولة –بالتفصيل إن أمكن- حتى يشعر المواطن الشيعي أنه يمارس حريته الدينية في عاشوراء؟

الجواب: تعرفون أنّ ملف الحريات الدينية في المملكة ما زال مفتوحاً ولم يغلق بسبب أحادية الفكر (الديني/السياسي) وهي قاعدة مرسومة منذ تأسيس هذه المملكة ولا يستثنى إحياء مراسم عاشوراء عن هذه القاعدة المرسومة.

وأنا وإن كنت راضياً بعض الرضا عن مراسم عاشوراء في القطيف -مثلاً-، مع أجواء الترقب من الحكومة، ولكنني لست راضياً عن قمع بعض المراسم في الأحساء والدمام والمدينة المنورة وباقي مناطق المملكة.

وعلى الحكومة أن تفتح المجال للحريات الدينية أن تتنفس وتأخذ دورها الطبيعي بحسب المقتضى الاجتهادي والتشريعي لكل مذهب.


س ٩: هل أنت راض عن سلوكيات أبناء الطائفة الشيعية في المملكة أثناء عاشوراء؟ ما الدور المطلوب-بالتفصيل إن أمكن- من المواطن الشيعي أثناء عاشوراء؟

الجواب: عدم الرضا عن بعض السلوكيات لا يعني أنه يحق لي أن أكبل حريات الأفراد وما يقومون به، نعم أخشى على شيعة المنطقة من بعض الأفكار الوافدة إلينا من الخارج والتي لا تنسجم مع هدف الشعيرة، وللأسف أنّ بعض خطباء المنابر الحسينية يسوقون ذهنية المستمع إلى تكريس حالة الخواء الفكري.. وسأرسل لك بحثي الذي ألقي قبل محرم عن الخطيب والمثقف وعلاقة المنبر.


س ١٠: هل للصراع (التنافس) المرجعي دور في النزاعات الشيعية الداخلية حول موضوع الممارسات العاشورائية؟

الجواب: لا أعتقد ذلك بالمطلق، وإنما الذي أعتقده هو اختلاف المدرسة الفكرية لكل مرجع من مراجع الدين.


س ١١: أي الدول توجد بها حرية أكثر للمارسات العاشورائية: إيران، العراق، دولة اخرى؟ ولماذا؟

الجواب: ربما تأتي في الدرجة الأولى الهند، ثم العراق، ثم إيران ويرجع إلى محكمات سياسية وفكرية، ففي الهند تتعدد الأديان والطوائف بشكل منفتح ، وربما في كل عام تسمع عن بزوغ دين جديد ولذا لا ضوابط ولا تقنين في مسألة الحريات الدينية وممارساتها. والعراق وليد جديد لدولة لا تستطيع ضبط تصرفات الناس في شؤون ممارساتها العاشورائية ، نعم قد يختلف الأمر بالنسبة لإيران قليلاً من جهة أنها تعتقد نفسها أن عليها  أن تقود شيعة العالم ولذا تنظر إلى مسألة ممارسة عاشوراء بشيء من التقنين.


س ١٢: في البحرين تعترف الدولة نسبياً بعاشوراء فهل ساعد هذا على تخفيف الاحتقان الطائفي والابتعاد عن الممارسات المتعصبة؟

الجواب: للأسف كان هذا فيما سبق، ولكن في السنين الأخيرة تتأثر البحرين بأفكار سلفية ممنهجة وافدة ، مما سيؤثر سلباً على ذلك في المستقبل ، وربما يشجع عليه الآن الاحتقان السياسي.


س ١٣: هل تعتقد أنّ هناك من يريد –وبإعانة من الداخل الشيعي- أن يميّع العقائد الشيعية عن طريق ضرب الممارسات العاشورائية؟ أرجو التوضيح.

الجواب: لا أجزم بذلك.


س ١٤: هل سبق وأن حضرتم عاشوراء في مناطق أخرى من العالم؟ أرجو توضيح الفروقات المادية والمعنوية بين عاشوراء هناك وعاشوراء في القطيف.


الجواب: تبدو عاشوراء في لكهنو بشمال الهند مختلفة تمام الاختلاف من بعض الوجوه عنها في الخليج ولبنان والعراق.

إنّ عاشوراء في شمال الهند تعكس مدى الاحتكاك بالرموز والاحتفالات الهندوسية. وإذا كان بالوسع إدراك وتفهُّم الكثير من الممارسات فيها من جانب الهندوس هناك، إلاّ أنها ستبدو ولا شك مستهجنة في أعين الشيعة من الشرق الأوسط.

فالفيلة تتقدم مواكب عاشوراء الملوكية في لكهنو إبّان القرن الثامن عشر، وكانت الجموع ترفع مجسّمات ضخمة، تمثل أهم المزارات الشيعية في الهند والعراق، على أكتافها لساعات طويلة.

وإلى يومنا هذا، لا يزال حمل تلك المجسّمات يحتلّ مكانة بارزة في احتفالات عاشوراء في لكهنو؛ وهو أشبه بمهرجان "عيد الجسد" الذي يُقام في شهر حزيران/ يوينو من كل سنة في البيرو، حيث يرفع السكّان المحليون تماثيل ضخمة للقديسين يعود تاريخها إلى القرن السادس عشر، ولا سيما تمثالَيْ سان كريستوبال وعذراء بيت لحم، ويطوفون بها لعدة أيام في الهواء النقي لجبال الأنديز الشاهقة.

ومثلما أنّ مهرجان "عيد الجسد" مبني على طقوس حضارة الإنكا القديمة، كذلك عاشوراء في منطقة لاداخ تحمل بصمات بوذية واضحة، وهي في أودة وحيدر أباد تعكس مؤثّرات هندوسية لا تخطئها العين.

ففي أودة خلال القرن الثامن عشر، كان الهندوس يُشاركون بشكل تلقائي في احتفالات عاشوراء. ذلك أنهم كانوا قد كرّسوا الحسين إلهاً للموت، "فجواده المضرّج بالدماء ورأسه المحزوز المرفوع على أسنّة الرماح الأموية، مشهدٌ لا يقلّ بأي حال هولاً وفظاعة عن صورة كالي دورغا التي تطوّق جيدها بقلادة من الجماجم البشرية". وقد عملت المؤثّرات الهندوسية على التحوير في طقوس عاشوراء، فمدّدت على سبيل المثال مدة الاحتفال إلى عشرة أيام، وهي نفس المدّة التي يستغرقها المهرجان المخصّص للإلهة دورغا.

وفي حيدر أباد بجنوب الهند، جرت العادة أن يقوم "الفقراء" الهندوس، وقد قلّموا وجوهم بالأصباغ الحمراء وحملوا الطبول والسياط في أيديهم، بتقدّم الصفوف في موكب عاشوراء الرئيسي. فيأخذون بجلد أنفسهم فيما هم يستعطون المتفرجين أن يتصدّقوا عليهم بشيء كُرمى للحسين. وكانت أعواد البخور تحترق في الجرار على نسق التقليد الديني الهندوسي عند التجمّع للصلاة أو لتلاوة المراثي الحزينة. وكان الهندوس يأتون إلى تلك الاجتماعات وهم يرتدون الملابس الزعفرانية، لون ديانتهم، مما كان يُشكِّل تبايناً صارخاً واللون الأسود الذي يرتديه الشيعة. وقبل المغادرة، كان الزائرون الهندوس ينحنون فوق الجرار ويدعكون أجفانهم برماد البخور، تعظيماً للإمام الحسين والتماساً لبركاته بالطريقة المتُبعة في ديانتهم.

وهذا وتحمل التمظهرات الأخرى للتعلّق الشديد بالإمام علي والأئمة في جنوب آسيا بصمات الهندوسية هي الأخرى. فمن الشائع أن عامّة الشيعة هناك ينخرطون في ما يُعرف بـ: "معجزة خاني" (أي قراءة المعجزة)، وهي عبارة عن قسم روحي يأخذه المرء على نفسه بأن يتلو سيرة من سير الأئمة على أمل أن يمنّوا عليه بتحقيق إحدى أمانيه. ولعلّ هذه العادة تعود بأصولها إلى التقليد الهندوسي في عبادتهم المعروفة بـ: "البختي"، حيث تتمّ تلاوات طقسية لحكايات معيّنة تُدعى : "فرات"، مرفوقة بالصيام والصلوات (يوجا). (صحوة الشيعة، ولي نصر: ص 43 - 44)

وفي العراق يقطع مئات الألوف مسافات طويلة سيراً على الأقدام، قاصدين كربلاء، ويكون ذلك أحياناً تماماً شأن الحجّاج الكاثوليك الذين لا يزالون إلى اليوم يقومون بالمسير من كاتدرائية نوتردام دو باري إلى كاتدرائية تشارتر في فرنسا.



* الدكتور عبد الله الربح
ماجستير في اللغة العربية من جامعة الملك سعود ٢٠٠٥م.
ماجستير في علم الاجتماع من جامعة ميشغن ٢٠١١م.
دكتوراه في علم الاجتماع من جامعة مشغن ستيت ٢٠١٤م.

أستاذ مساعد في جامعة جراند فالي.

هناك تعليقان (2):

  1. معلومات في معظمها مغلوطة
    و نظرة سطحية لأبعد الحدود في إيجاد اي تشابه بسن اي ممارسة و أخرى باغفال متعمد عن معنى و أساس كل ممارسة

    إضافة إلى التبجح في البداية بعدم التطرق للرأي الديني و من ثم أتى بالرأي الديني للمتردية و النطيحة و ما أكلَ السبع

    ردحذف
  2. محتوى مركز وهادف ، استفهامات صريحه كانت الاجابة عليها لاتخلو من الوضوح والجرأة التي عهدناها عن سماحتكم.
    والحمد لله على سلامتكم.
    وعظم الله اجورنا واجوركم.

    ردحذف

محرم 1447 في الصحافة الكويتية