الجمعة، 3 نوفمبر 2017

التشدد الديني.. والتدين السطحي


بعد توقف قصير عاد منتدى العوامية لنشاطه الثقافي باستضافته سماحة الشيخ حسين المصطفى مساء يوم الخميس 4 جمادى الثاني 1430هـ الموافق 28 مايو 2009م في ندوة بعنوان: (التشدد الديني.. والتدين السطحي).

بدأها المهندس نضال الفرج بمقدمة قصيرة تناول فيها مفهوم التدين وأشكاله ونظرة المفكرين إلى الدين والتدين ، وبعدها التعريف بالضيف.

بدأ الشيخ حسين المصطفى الندوة بكلمة الإمام الحسين (عليه السلام) في مسيرة إلى كربلاء "إن الناس عبيد الدنيا ، والدين لعق على ألسنتهم ، يحوطونه ما درت معايشهم ، فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون"، ووضح أنه قد نتعلق بالدين ما دام ملتزماً برغباتنا وتطلعاتنا ولكن عندما نخضع للتجربة التي نقف من خلالها بين الحق والباطل وبين الخير وضده فأننا قد نسقط . ثم ذكر أن الناس يصنفون المجتمعات بمدى درجة تمسكهم بالتدين الظاهري أو الشكلي ، وكلما كانت درجة التمسك بالدين شكلياً أو ظاهرياً فأنه يوصف هذا المجتمع بأنه مجتمع متدين ، بل لا يتردد البعض منهم في جعله معيار للحكم على أفراد المجتمع وأفراد الأمة.

بعدها تحدث أن الإنسان أو أفراد المجتمع عندما يتمسكون بالدين الشكلي أو بالدين المظهري ، يتفاخرون بأنهم مجتمع متدين وذلك بالارتكاز على أن الآخر الذي لا ينهج هذا النهج الشكلي من الدين يسير إلى الهاوية وإلى الخطيئة ، وأن أي مجتمع يؤدي الطقوس الدينية الشكلية الخالية من العمق والمعاني العميقة بالدين لا شك بأنه يؤسس لدين يحتوي على مفاهيم مغلوطة كثيرة ليس لها صلة بالدين ، واضاف بأن ما يساعد على انتشار هذه الظاهرة (ظاهرة الدين الشكلي أو السطحي) في المسلكيات العامة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية وهو تمكن الخطاب الثقافي المتزمت والمتشدد والشعائري وكذلك المغالي في كثير من منابع ثقافتنا المرئية والمسموعة ، إضافة إلى تغلغله في المناهج  التربوية في كثير من شرائح الحياة.

وأعتبر الشيخ حسين المصطفى أن فرض التدين المشبع بالفكر الأحادي أو الإعتقاد القسري وفرضه كشكل وكوطن وكشعب على أفراد الأمة والمجتمع يعتبر من أزماتنا الكبيرة وذلك لأن الأصل في الدين أن يبقى خيار الفرد الحر الواسع الذي ينطلق من خلال الدين إلى عناق المعاني الروحية والمعاني الإنسانية الرحبة بالعلاقة الوجدانية الخالصة بين الإنسان وبين الوجود المتوصل بالخالق عز وجل وبالإنسان والكون ، بعدها ذكر أن هناك  محاور عدة في مفهوم التدين وأشكال الدين وهي:

المحور الأول: تعريف مفهوم التدين

 
فقال أن التدين ككلمة كثر النطق بها على ألسنة الناس في العقود الأخيرة بحيث أنه لم يكن هناك من يتعامل معها في العصور السحيقة في صدر الإسلام ، أو ما بعد نشوء المعاجم اللغوية القديمة أو الحديثة منها في العصور الوسطى ، وأن كل من يمعن النظر في المشهد الثقافي أو الفكري المعاصر يجد أن هذه المفردة لم تشع على ألسنة الناس إلا في العقود المتأخرة وبالتالي يمكن القول أنها حديثة الظهور في الوجدان العربي ، وليس لها رسوخ قدم في التعامل في بلداننا.

وأن كلمة "تدين" بمعناها المتداول اليوم لم تكن لفظاً مطروقًا في المعاجم اللغوية بهذا الشكل المألوف الآن ، وعند رجوعنا إلى لسان العرب أو كتاب الصحاح للجوهري يلاحظ أن وزن التدين وهو "متفعل" يعني " كأنما يتفعل الشي"  يتخذه أو يتحلى به أو يتكلفه هذا هو المعنى في اللغة.

أما ما ورد في لسان العرب فهو أن المرء حينما يتدين يتخذ الدين أو الإسلام ديانة له وهذا هو المعنى اللغوي العام ليس أكثر من ذلك ، والدين هو أن تتخذ هذا الشيء ديناً لك. وهذا يرى بوضوح حتى في المعاجم الحديثة ككتاب المحيط ، وأن أول من رسم علاقة الدين بالتشدد هو في كتاب محيط المحيط حينما قال "تشدد في أمره"  وهو أول من أستخدم عنوان أن التدين هو عبارة عن التشدد وهو مقتضى وزن "تفعل" ، وهذا يرشد إلى شيء مهم جداً وهو أن أصل التدين ليس له نبع في صدر الإسلام من حيث التداول اللغوي أو العرفي أو في النصوص الشرعية الواردة عن النبي (ص)  أو المعصومين وعن الصحابة وعن التابعين.

وأوضح الشيخ حسين المصطفى أن فهمه للدين هو عبارة عن الخلاص في الدنيا والآخرة  ، وأن كثير ممن يركضون وراء التعريف الديني يجهلون أن الدنيا هي جزء من الدين وكانما الدين هو عبارة عن شيء خاص بالآخرة وليس شيء خاص بالدنيا ، وأن هناك محصلات ثلاث لابد أن نركن إليها في فهمنا للدين وهي: أن لا نكون أداة تنوي الشر ، وأن أقبل الخير وأرفض الشر، وأن أتعاون على الخير وأن لا أتعاون مع الشر. وأن التدين هو ممارسة الدين وتحويله إلى تطبيق عملي، وهو تعبير عن الممارسة الإنسانية والتطبيق البشري للدين، والتدين ليس خاص فقط بالإسلام ، فهو شامل لجميع الديانات طالما كان هناك سلام ومنهج خير ينشئ عليه.

ثم تطرق الشيخ حسين بأن هناك بعض المجتمعات لديها قصور في فهم التدين ومنها مجتمعنا، الذي هو أقرب للعادات والتقاليد منه إلى التدين بالمعنى الإسلامي، لهذا يحتاج مجتمعنا إلى نهضة ثقافية تتعلق بسلوكيات وأشكال المجتمع.

وبالرجوع إلى ما جاء في الأدبيات السابقة لدين الإسلام نجد أنه على لسان المسيح (عليه السلام) "أن كل من يعمل الخطيئة فهو عبد للخطيئة" وهنا نجد أنه لم يقل أنه إنسان ليس بمسلم أو غير متدين أو إنسان ينبغي محاربته أو إنسان ليس له صلة بالدين حيث لم يسلب منه حالة التدين أو الدين بالعنوان العام ، فليس من الدين قتل الشرير، فقتل الشرير مثل كسر الكأس قبل تنظيفه فنحن مأمورين بتنظيف الإنسان والمفاهيم الإنسانية وتنقية الشوائب وليس هدف الإنسان أن يقتل الإنسان فهذا ليس من الدين وليس من التعاليم السماوية الشاملة للرحمة.

وأشار الشيخ حسين بأن المشكلة ليس في السياسي ولكن في المثقف فهو صانع الثقافة في هذه الأمة بكل مؤسساتها ولا ينبغي أن نخطئ الفهم لأن المثقفين يحاولون تحميل السياسي شماعة ما في الأمة من سلبيات، فالسياسي هو أداة من أدوات المثقف وليس العكس، فالفهم والتنوير هي وظيفة المثقف، ووظيفة من يحمل رسالة التفهيم في الأمة، وكما يقول الرسول (ص): "من وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه".

المحور الثاني: أشكال التدين بالنسبة إلى فهم الناس

 
فذكر الشيخ حسين بأن هناك عدة رؤى عند الناس بحسب أشكالهم للتدين منها:


1 - بعض الناس يظن أن الدين هو مجرد عقائد، وكأن العقائد هي غاية في ذاتها وليست وسيلة لبناء الضمير الإنساني الذي هو ركيزة المجتمع، فالإيمان بالعقيدة ليس قرار فردي أو سطحي بل هو برهان وتصديق وعمل، فالعقيدة من المفترض أن تتحول إلى فعل. وأن أسلوب تدريس العقيدة في الوقت الحاضر ليس له صلة بالمعاصرة، فالعقيدة يجب أن تبنى وفق نظرتنا إلى الإنسان والحياة والكون بما هو فعل ومنتج.

2- يظن البعض بأن الدين هو مجرد شعائر أو طقوس أو عبارة عن ممارسات تمارس فرداً وجماعة بحيث تكون مجموعة المظاهر الخارجية هي أقرب إلى الدين والمتشكل بالدين، وبالتالي تغليب الشكل على المضمون، والخارج على المظهر، وكأن هذه المظاهر الاحتفالية مظاهر انبهارية تعكس صورة الخواء الموجود داخل الغير مثقف.

3 - يظن فريق أن الدين هو المؤسسة الدينية والتي تكون سلطة إجماع وعقيدة الكثير من الناس، وهذه المؤسسة هي مجرد مؤسسة تاريخية اشتغلت بأسلوب الدين، وغلبت مصالح المؤسسة على مصالح الدين. فالمؤسسات الدينية ينبغي أن تكشف عن حقيقتها بشكل أو بآخر بمعنى أنها هل تمثل الدين بما هو دين، وهل ما يحصل بداخلها هو من الدين حتى يقال بأنها حجة على البشر، أم أنها تتخذ طابعاً إنسانياً آخر كبقية المعاهد الأخرى أو الكليات. وهناك فرق بين اتخاذ المؤسسة الدينية ككلية بعيد عن منهج الحياة وأن تكون هي المنهج الذي من خلاله نصدر الدين إلى الناس. والنتيجة أن المؤسسة الدينية هي سلطة كبقية السلطات الإنسانية الأخرى".

4 - يظن آخرين بأن الدين عبارة عن لحظات فريدة في التاريخ يعيش معها الإنسان في تاريخه وفي ذاكرته إلى الوراء إلى 1400 عام أو إلى 6000 عام، ويتوقف عند هذا الحد، ويتصور أن الدين هو العودة إلى الذاكرة إلى أيام النبوة فقط أو السيرة العطرة من جهة المعصومين أو من الصحابة أو من التابعين أو من العلماء، يؤدي هذا التصور إلى رد الزمان إلى لحظة واحدة فقط، وكأن هذا الزمان قد توقف لدى جهة واحدة فقط كما يفعله الآن جهة معينة من الناس.
5- أن الدين هو ميدان الأسرار والغيبيات والمعجزات وكل ما يخرج عن نطاق العقل والبرهان، مع أن هؤلاء يقرأون القرآن ويقرأون أن النبي هو الوحيد الذي رفض المعجزة على حساب الحسيات، ولم تكن هناك إلا معجزة القرآن الكريم، لهذا فأن معظم الروايات بمعجزات النبي هي تقريباً ليست صحيحة بالمصداق الشرعي بينما يبقى القرآن هو المعجزة الخالدة. وأن الإسلام أراد أن يغلق مبدأ الدهشة عند الناس.

المحور الثالث: التشدد الديني أو التدين السطحي

  
وتحدث فيه الشيخ حسين المصطفى عن مجتمعاتنا العربية والإسلامية التي تعاني من موجات التشدد، والتي تختلف قوتها من مجتمع إلى آخر، وتتخذ مظاهر مختلفة والمقصود به التشدد بكل أنواعه من المبالغة أو الغلو أو السطحية أو فرض الرأي على الرأي الآخر أو تأثير طرف لآخر الذي قد يصل إلى التكفير والخروج عن الإسلام والدين.

حيث أن نصوص القرآن ونصوص السنة الشريفة تؤكدان أن المرونة واليسر من العناصر الأساسية في المنهج الإسلامي وذلك لعدة أمور هي:

1 - أن النصوص الشرعية شئنا أم أبينا هي محدودة وكذلك المستجدات في الحياة محدودة بحدود الإنسان، المسكوت عنه من الأحكام في ما يتعلق بالمستجدات أكثر بكثير من الأحكام المنصوص عليها لهذا لابد أن يكون هناك يسر حتى نعاصر ونواكب المستجدات.

2 - معظم النصوص الشرعية هي ضمنية الدلالة، أي أنها قابلة لتعدد الآراء واختلاف الاجتهادات فيها شئنا أم أبينا، فلا يكون هناك رأي متفق عليه إلا في الضروريات الخاصة كالصلاة والصوم و ما أشبه ذلك من الأدبيات العامة.

3 - تدّعون بأن الإسلام صالح لكل زمان ومكان، أذن لابد أن تكون الأدبيات فيه ضمن السياق الديني العام باليسر ورفع الحرج، إضافة إلى ذلك أن الرسول نفسه أنما جاء لرفع القيود وممارسات الأغلال التي أتخذها ألأقوام السابقة قبل الإسلام.

وأنّ! كل هذه الاعتبارات تحتم المرونة ورفع العسر وعدم الحرج في الدين حتى لا تقع الأمة في التصادم مع نفسها الداخلي وفكرها الذي تبشر به أمام الناس.

ومن مظاهر التشدد التي ركز عليها الشيخ حسين:

·      التشدد هي آفة المجتمعات الإسلامية وهي آفة قديمة بدات بالتشدد الذي حصل عند الخوارج نتيجة الفهم المغلوط للدين وحديثاً في الجماعات المتشددة، ولكن الفارق بين الجماعات القديمة والجماعات الحديثة أن تأثير التشدد كان قديماً محصوراً في جهة محددة ولم يتسع النطاق في جهات متعددة، بينما التشدد الحاصل الآن هو أقسى مظاهر التشدد الذي مر على الإسلام لأنه لا يتواكب مع المعاصرة والحداثة ولا مع العولمة ومعطيات الحياة الجديدة، ولا مع استهداف البشر والإنتقال من عالم الاستبداد إلى عالم القانون والمدنية.

·      أن التشدد لو كان محصوراً على ثوابت الدين وعلى أحكام الدين ألأساسية، وعلى قضايا المجتمع الرئيسية مثل التشدد في المطالبة بالحرية، أو التشدد في المطالبة بالعدالة والديمقراطية والمجتمع المدني، أو التشدد بالمطالبة بالشورى والتنمية لكن هذا التشدد أمراً مطلوباً ومحموداً. أما أن يكون التشدد في الفرعيات والخلافيات التي تنبع عن اجتهادات البشر أولاً وليس وحياً منزلاً من السماء فهذا أمر مرفوض، ولذلك نجد أن التشدد أخذ الجانب التجزيئي والفرعي الحاد بين المجتمعات الذي أدى إلى خلق عدة أديان فهناك الدين السلفي والشيعي و الأشعري وغيرهم.

·      إنّ التشدد لو كان مقصوراً على أهله، أي أن يكون مقصور على العلماء مع بعضهم البعض لم يخرج إلى الخارج، ربما كان الاعتراض كان سهلاً، فعندما يأتي عالم الدين وينتقدني نقداً بناءً يمكن أن أناقش المسألة بيني وبينه، أما أن يستخدم أهل التشدد سلطتهم ونفوذهم لفرض رأيهم دون أي اعتبار للآخرين، فهذا مجانب للحق والحقيقة. واقولها كلمة حق أن أكثر ناس يستخدمون المنابر الدينية كسلطة دينية هم المتدينون وهذا خطأ من الأخطاء الكبيرة.

·      نلاحظ من أمر المتشددين أن أقوالهم تناقض ما يبنونه في واقع إسلامهم ودينهم، وذلك لأنهم أخذوا من الدين ما يوافق طبيعة منهجهم وتفكيرهم وتطلعاتهم.

المحور الرابع: عوامل التشدد


1 - الوعي المحدود والثقافة القشرية هي مشكلة هؤلاء وهي ليست بالدين وبما يحملونه من عبادات وشعائر، والمشكلة في قلة الفهم وفي قلة الوعي. والرسول (ص) يقول "يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من قول خير البرية يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم" وهذا وصف دقيق لكل تسطيح للدين وإلى كل من لا يرقى إلى التعمق في الدين.

2 - هناك شريحة ممن يحملون التدين يتخذ من التشدد وسيلة إلى إبراز مجتمعه أو طائفته أو مذهبه أو حزبه أو مؤسسته، وكأن الدين أصبح زعامة وتحقيق مطلب آني أو سياسي. ويتعبر السلفية هم الأبعد عن المدرسة السياسية ومع ذلك هم يضمرون السياسة في وجدانهم وهذه إشكالية موجودة

3 - عدم كفاية التحصيل الديني أو الفكري أو الثقافي سواءً كان في البيت أو في المجتمع أو في المدرسة ، وهذا يدعو إلى إعادة النظر في مناهج التعليم والتربية وحتى في برامجنا السلوكية في البيت.

4 - وجود الفراغ الثقافي والسياسي والاجتماعي في أوساط الشباب نتيجة عدم تنشيط المفاعل الحرة التي تأخذهم من عالم إلى عالم أرحب.

5 - قصور إسهامات أصحاب الكفاءات، فالكثير من الكفاءات يريد أن يحول المجتمع دفعة بدون تردد وهذا خطأ، فالمجتمع الذي أنساق وراء هذه الأمور طوال سنوات طويلة لا يمكن أن تجعله في لحظة ينتقل من طرف إلى  طرف آخر، لهذا نحتاج من أصحاب الكفاءات إلى الصبر.

6 - ضعف مستوى بعض الدعاة، وذلك بسبب ضعف تحصيلهم نتيجة عدم القراءة والإطلاع سواءً المنتج الأدبي أو الفكري أو السياسي، وهذا ما نشاهده في أكبر تظاهرة عندنا وهي محرم حيث تبقى عندنا مكررات سنوية وهذه تحتاج إلى نهضة قوية ليتمكنوا من التحصيل الجيد.

7 - الإفرازات النفسية نتيجة الإحباط والقهر وغيرها، ففي بعض الأحيان نجد أن الإنسان الذي يعمل في المجتمع لا يحتفى به بينما نجد إنسان آخر بعيد عن المجتمع يحتفى به. فالعالم الذي يتعب من أجل مجتمعه لا يلقى احترام من الناس بينما الذي يجلس في بيته سواءً كان عالم أو مجتهد يحظى بمهرجان إعلامي لا مثيل له في قبال هذا العالم العامل.

المحور الخامس: الحلول والمقترحات


1 - إبعاد المتشددين عن مراكز القيادة والتوجيه والتربية والتعليم والإعلام وهي من مسؤولية السلطة، وهذا صعب الحصول لأن المتشددون أصبحوا أدوات للسلطة.

2 - التصدي لمقولات المتشددين وذلك بالتصدي الواعي الفكري وليس التصدي العشوائي، وهذه من مسؤولية العلماء وأهل الفكر والثقافة. وللأسف هناك الكثير من يقوم برد الفكر بالفكرة وهذا رد فعل على فعل آخر، ولكن نحتاج إلى أن ننتج المشروع بشكل ثقافي وفكري بعيد عن التشنجات المذهبية أو الطائفية أو التحزبية.

3 - جذب الأفكار الثقافية والدينية المتمثلة بتعاليم الإسلام الصحيحة أو المنهج الديني الوحدوي بمبادئه وقيمه القائمة على العدل والوسطية وهذه من مسؤولية الإعلام.

4 - التربية في البيوت حيث أصبحت بيوتنا خالية من الثقافة والعلم ومملؤة بالكثير من الجرعات التي لا تتناسب مع قيمنا وحضارتنا وخاصة جيل الشباب الذي أخذ يكتسب المنتجات البعيدة عن واقع ما نعيشه كطائفة تعيش وسط طوائف أخرى التي تحتاج إلى التركيز على الوحدة والابتعاد عن التشدد.

5 - وضع استراتيجية بين المثقفين لإنتاج الفكر والثقافة والوعي.


وبعدها فُتح المجال للحضور بطرح الأسئلة كانت البداية مع :

الأستاذ عبد الستار آل الشيخ:


في السنوات الأخيرة بدأنا نتعلق بالمناسبات الدينية التي رواياتها ضعيفة مما جعل المناسبة الدينية تتكرر أكثر من مرة في السنة حتى أننا مع الوقت سوف نرى أنه في نفس الليلة أن هناك من يبكي في المجالس ومن يحتفل في الطريق، لهذا يجب أن نضع استراتيجية لتحديد أيام الوفاة والموالد لأنه من الواجب علينا أن نشارك أئمتنا بأحياء وإقامة مناسباتهم.

الشيخ حسين المصطفى:

لنأخذ القضية من جذورها وهي أننا ليس لدينا احترام للزمن بما هو زمن ولكن عندنا احترام للعمل، في رواية أن الإمام الباقر (عليه السلام) كان جالساً في الصحن الشريف في الحرم المكي، فقال أتظنون ما أفضل أشهر الزمن، فقالوا "ذو الحجة" ، فقال ما أفضل مدينة أو بقعة عندنا، فقالوا "مكة"، فقال أي بقعة أفضل في مكة، فقالوا هذا الصحن، فقال أفضل ما فيها، قالوا الكعبة ، قال أعلموا أن الإنسان المؤمن أفضل من مدينتكم هذه.

ليس هناك أفضل من الإنسان وليس هناك أشنع من الإستهزاء بهذا الإنسان وهذا هو الدين. ليس عندنا شيء مقدس أسمه زمان معين أو مكان معين، هناك يوم الجمعة أتخذه الله للمسلمين كشعار على بقية الشعارات المتخذة سابقاً كيوم السبت أو يوم الأحد عند اليهود والنصارى، كذلك اتخذ شعار آخر وهو يوم الجمعة كشعار للإسلام، لهذا كل ما يمس هذا الإنسان هو المقدس، وكل ما يتعلق بهذا الإنسان هو التشريف.

قضية الروايات المتعلقة بالزمان ليس عندنا قضية تتعلق بالروايات إلا فقط قضية الإمام الحسين (عليه السلام)، وهي القضية المحورية والمفصلية في أدبيات و روايات أهل البيت (عليهم السلام)، لم نجد اهتمام في رواياتنا ونصوصها عن اليوم الذي ماتت فيه الزهراء (عليه السلام) أو الذي أستشهد فيه أمير المؤمنين (عليه السلام) أو الإمام الحسن (عليه السلام) أو بقية الأئمة، فقط يوم عاشوراء أتخذه أهل البيت (عليهم السلام) وسيلة لبناء المجتمع وليس غاية كما نشاهد الآن في البرامج الفضائية الشيعية وكأن يوم عاشوراء هو الغاية.
لما سئل السيد السيستاني ماذا نفعل في التعامل مع شعائرنا الدينية من إحتفالات وشعائر؟ قال: تتعاملون حسب المشهور في منطقتكم، ولم يحدد زمان ولا مكان. ليس هناك نص وارد بأن نتخذ جميع الروايات المتعلقة بأهل البيت (عليهم السلام) أيام حزن أو أيام فرح وإلا أصبح عندنا شهرين أو ثلاثة أشهر بروايات مضطربة تؤدي إلى أن الإنتاج الزراعي والصناعي والتجاري يقل، فالقضية هي قضية العمل والمنتج. للأسف أن هناك مرجعيات تشدد على مثل هذا الإطار وتغلق المحلات على حساب فقط أن هذا اليوم يخصص لكذا<


المهندس عبد العزيز الفرج:


في قضية تشدد رجال الدين في ثبوت الهلال، فحتى في وجود مجلس الاستهلال الشرعي، نجد تعدد في صيام شهر رمضان أو في إفطار العيد، لماذا هذا التشدد فبعض الشهود يذهبون إلى المشايخ فيثبتون الهلال، ونفس هؤلاء الشهود يذهبون إلى مشايخ آخرين فلا يثبتون الهلال؟

الشيخ حسين المصطفى:

هذا ليس تشدد، فالتشدد في المسائل التي لها محتوى فقهي، المحتوى الفقهي يدور بين أمرين أما الرؤيا البصرية أو الرؤيا الفلكية. للأسف أن الكثير من الدعاة يطرحون المسألة بنوع من التشدد والتشنج بحيث يربكون الوضع الحالي، وهذه قضية ليس خاصة بالشيعة فقط ولكنها تخص السنة أيضاً ففي العام الماضي عندما صرح الشيخ عبد الله المنيع في برنامج "إضاءات" بأنه لابد لنا أن نأخذ بنفي الفلكي لأن يوم عرفة أثبت في يوم ليس بيوم عرفة. وفي العام الماضي لأول مرة يكون هناك ثلاثة أعياد لدى أهل السنة.

علمائنا يأخذون برأي الفلكي بالنفي و ليس الإثبات، أي أن الفلكي إذا قال أن الهلال مستحيل رؤيته في ليلة معينة حتى إذا جاء الشاهد لا يأخذون به، بينما قضية العلماء هي بالإثبات لأنهم مأمورون بنص، وكل واحد يفسر هذا النص حسب رؤيته للحديث الشريف "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته" وقالوا أن هذه الرؤية هي التي تحدد الموضوع، بينما تجاوز بعض الفقهاء هذا الموضوع منهم السيد محمد حسين فضل الله  فقال أنها عبارة عن طريق فأي شيء يحدد الرؤية فهو يكفي، والشيخ الصانعي يقول أن العبرة في الوجود وليس في الرؤية، إذا ثبت عند الفلكي بالإجماع أن الهلال موجود ولكن لا يرى فحينئذ يكفي هذا الأمر.

هذه المسألة لا يمكن حلها إلا بالمرقب الفضائي الفلكي الإسلامي، والذي إلى الآن لم يصرح به والدولة الوحيدة التي استوفت عطائها هي إيران بينما بقية الدول الإسلامية إلى الآن لم تستوفي عطائها، فهذا المرقب إذا صار سوف يحل مشكلة كبيرة جداً وتفعيله من قبل الدول الإسلامية سوف يقضي على الكثير من الإشكاليات.

هناك صنف من العلماء يتشدد في المسألة حتى يتيقن منها بحيث يسأل الإنسان أسئلة كثيرة ويكررها عليه حتى أنه في كثير من الأحيان يصاب بالارتباك فتتضارب أقواله، فهذا التشدد من البعض على حساب البعض يخلق نوع من التوترات، وهذا ربما بسبب أن البعض لا يريد أن يحمل نفسه صيام الناس أو إفطارهم تورعاً منه.

الحاج الأستاذ منصور آل سلاط (أبو محمد):


·      فضيلة الشيخ إن أي مثقف كنت تعني في حديثك؟ هل هو المثقف التقليدي الكلاسيكي أم هو المثقف العظمي وما هو موقف المجتمع التقليدي للكون والإيماني؟
·      ما هي الكيفية التي ممكن أن نخرج منها إلى روح المعاصرة علماً بأن روح المعاصرة تقتضي الإيمان بالعقل والإيمان بالإنسان كمحور للكون والإيمان بقضايا التحرر والتقدم والحرية؟
·      ما هو موقف الفكر الديني من ما يطرح هكذا، من ضرورة بناء المجتمع المؤسساتي أي المجتمع المدني الذي يضمن للجميع الحقوق المتساوية للفرد؟
·      كيف يعالج الفكر الديني ظاهرة العنف والتشدد إذا ما علمنا أن هذه الظاهرة متعددة الأسباب وأهم شيء لها أنها ممكن تتخذ كمدخل للهيمنة من قبل الدول الاستعمارية أو تحت ما سمي العولمة وتفكيك الدولة الوطنية؟

الشيخ حسين المصطفى:
·      أنا لا أومن بمثقف تقليدي أو عظمي، فالمثقف هو المثقف المنتج الذي يبني المجتمعات سواءً كان ليبرالياً أو إسلامياً، فالمثقف الذي يبني المجتمع ويأخذه من زاوية إلى زاوية التقدم نحتاج إليه. الإسلام لم يفرض سجناً على فكر ابن سينا أو الفارابي أو الكندي، فمع أن من يقرأ هذا الفكر يجد في بعض الأحيان فكراً مساوي الفكر الإلحادي أو فكر لا يتسم مع المنهج الإسلامي، ومع ذلك لم يخرج هؤلاء من نواة أنهم مسلمون لهم بعدهم الفكري. ونلاحظ أن الأئمة (عليهم السلام) بما أنهم أئمة كانوا يتعاملون مع الأفكار الأخرى بشكل ليس فيه إقصاء أو تعتيم، بل نلاحظ حتى الزنادقة كانوا يعالجون المشاكل مع الأئمة (عليهم السلام) بشكل رحب. فلم يكن هناك مثقف تقليدي أو مثقف عظمي، ولكن للأسف أنا أرمي اشكالياتي على الليبراليين أو المنتج الثقافي الآخر الذي ينبغي أن يأخذ ثقافته مع المتدين بشكل انسيابي، لا أن يتصادم معه. فنحن نحتاج إلى القيم الثقافية العامة سواء كانت تقليدية أو غير تقليدية وهذا لا يتصادم مع الدين بأي شكل من الأشكال إذا كانت منتجة للحياة أو منتجة للإنسان، نحن نقول أننا نريد أن نحيي الدين مع الدنيا بشكل يتواكب مع المعاصرة.

·      المعاصرة هي الدين ولا يمكن أن نقول أن الدين هي روح مضى عليها 1400 عام، إذا قلنا أن الدين ينبغي أن ينتج كما نتج سابقاً. هناك في بعض الأحيان تشدد في قطع يد السارق أو في بعض الأفكار الدينية كأنها هي من الثوابت الدينية، أشرت في إشارة عابرة في ما يتعلق بالمعطى الثقافي للرسول، الرسول كان يستهدف في بعض المعطيات أمور ربما يأتي عليها الزمان لتستجد ولتأخذ منحى آخر، مثلاً عندما أقيس بين قطع يد السارق في عهد النبي وما قبله، نجد أنّ في عهد النبي كانت قفزة وثورة على المألوف، لأن في عصر ما قبل النبي كان السارق يقتل. وبالتالي هذا النوع من القضاء الذي أتخذه النبي مع شروطه القاسية جداً بحيث لو طبقت لما قطعت يد سارق، كأنه يراد التخفيف ومن حق ولي الأمر إجراء عقوبي آخر، وكانت العقوبة متواكبة. عندما أسأل بعض الأخوة التقليدين لماذا يبدؤون بالملح ويختمون بالملح، قالوا أنه مستحب، فقلت أنه ليس مستحب ولكنه عادة من العادات، فعندما نقرأ ما كتبه الشيخ مهدي شمس الدين "أنه لا يمكن أن نقرأ روايات الملح على أنها روايات ثابتة لأن هناك في الدول الأسكندنافية والتي لا تعرق فيها قد يكون استخدام الملح بشكل يومي مضر كثيراً، بينما نحن في البلدان الحارة قد نجهد ونعرق كثيراً قد نحتاج إلى هذا النوع من الطعام. للأسف كثير من الخطباء لا يفرقون بين ما هو ملزم وما هو إرشاد للناس وبين ما هو مقصد من المقاصد، ولذلك أقول لو أتجهنا إلى الروح المقاصدية للتشريع الإسلامي سنصل إلى روح المعاصرة بأي شكل من الأشكال.

·      عندما نأتي إلى سمات المجتمع المتدين أو كيفية تحقيق الدين المعاملة لا يتحقق ذلك إلا بالمجتمع المدني وبالقانون إذا لم يكن عندنا قانون، أذن ليس عندنا سمات مجتمع متدين، فسمات المجتمع المتدين هي السمات التي يخلق فيه مجتمع القانون، وهو المفصل العملي للمجتمع المتدين.

·       أن المفاهيم الدينية تحتاج إلى إرجاع ومناقشة وروح وخلق أجواء كبيرة جداً، لا أخفيكم للأسف أن أقول أن مرجعياتنا إلى الآن لم تتخذ الموقف المناسب لصد هذه الظاهرة بشكل أو بآخر، نحن نحتاج إلى مجتمع حوزوي بابوي بمعنى لا تضمن فيه حقوق الطائفة ولكن تضمن فيه حقوق الناس في مجتمعاتنا، تحدثت إلى بعض المرجعيات وقلت لابد أن نخلق ونعظم قيمة الأزهر المكانية، نحن كشيعة نحتاج إلى أن نروج بأن هناك قيمة معرفية سنية مهمة تحتوي على فكر وسطي وهو الأزهر، للأسف إلى الآن ليس هناك جذور وبناء ثقة بيننا وبين الأزهر، والأزهر للأسف ما زال ضعيف من أن ينتج أفكار في مقابل المدرسة السلفية المتشددة، كما يوجد هناك أفكار متشددة في الوسط الشيعي ونحتاج إلى مرجعيات تدرس الموضوع كذلك الحال في الوسط السني. للأسف هناك تغييب لروح العمل كفريق واحد، فنحن يجب أن نعمل على استجلاب الفريق السني الوسطي الذي يحمل هموم المنطقة والدين للعمل مع علماء الشيعة الذي يحملون نفس الهموم، فنحن نطالب بأن تكون الوحدة والوسطية وروح العدل والمساواة هي أساسيات ومراكز قوة. أنا أدعي وربما أكون خاطئ بأن الأئمة (عليهم السلام) هم الذين ساعدوا على إيجاد المذاهب الإسلامية المختلفة، فمدرسة الإمام الباقر (عليه السلام) هي  التي أنتجت المدارس الفكرية المختلفة، نحن نريد أن ننتج فكر إسلامي وسطي له روح العدالة والمساواة وله روح الخوف على  واقع الأمن السلمي والمجتمع المدني. لهذا أنا أحمل العلماء هذه المسؤولية.

الدكتور البيطري عبد العظيم آل الشيخ:

سلوك السلف الصالح هل هو من التشدد؟ وهل يمثل النص الشرعي عنواناً للتشدد؟

الشيخ حسين المصطفى:
النص الشرعي ليس عنوان ولكن هو طريق إلى مطارحة الأفكار، ويمكن فهم هذا الشيء بدقة عندما تدخل في صميم الحوزة وفي صميم التعامل مع النصوص، كثير منا قد يقرأ أن النص الشرعي هو أمور محدودة ينبغي أن يتعامل معها بدقة، و نقول أن النص الشرعي أدوات يلتقفها الفقيه ويعالجها في كثير من المعطيات، ومن قال أن الفقيه لا يرتكز على المرتكزات التاريخية، الفقيه في بعض الأحيان حتى يفهم النص الشرعي وحتى لا يقع في أسر النص الشرعي الخاص،  يستند ويطرح كثير من المعطيات سواءً كانت تاريخية أو معرفية. فلذلك التعامل مع النص ليس هو الأداة الوحيدة بالنسبة إلى الفقه الشرعي بينما هي أحد الأدوات. كثير منا قد يسمع بأن النص الشرعي هو هكذا ، ولكن من يدخل إلى عالم الفقه الاستدلالي ويفهم فقه الحديث أو فقه المعرفة سيجد بأن هناك ساحة كبيرة جداً في التعامل مع الروايات وإسقاط التاريخ والتعامل معه حتى يصل إلى نتيجة حتمية.

وفي كلمة رائدة للسيد البروجردي وهي أن الإنسان لا يفهم الفقه الشيعي حتى يفهم الفقه السني لأنهما وجدا في نبع واحد وفي زمن واحد وهذا الأمر صحيح، ففي بعض القضايا لا تفهم هذه الرؤية إلا عندما تستشهد قضايا النص التشريعي السني لأنها من باب واحد، سواء في ما يتعلق بالأموال أو التعامل مع الكتابي، لهذا أنا ضد أن نكون أسير للنص الشرعي. في بعض الأحيان الفقيه إذا كان عنده بعد وسعة في تطبيق المقاصد الشرعية قد يعطي النص ضيق أكثر مما يعطيه الآخر، قد يكون هناك نص يتعامل معه فقيه بسعة شاملة ويتعامل معه فقيه آخر بمعطيات متغايرة بضيق وبالتالي يكون هو أشمل بالحياة منه عند ذلك الفقيه.

وهناك شهادة نعتز بها من مفتي الديار المصرية الشيخ علي جمعة الي نعتز به كعالم والذي قرأت له بعض المعطيات العلمية والذي يتعامل بروحية الفقيه الذي يقرأ إلى الآخر، حيث يقول أن أصول الفقه الشيعي وصل إلى الذروة التي تحطم عندها أصول الفقه السني. وهو يطالب بفتح باب الإجتهاد والعودة إلى  الفقه الموضوعي.

الأستاذ علي أحمد شعبان:

يلاحظ على الفكر الديني تغليبه الجانب الغيبي على الجانب العقلي  حيث أنه عند الرجوع إلى التاريخ نجد أن بعض القضايا أقفل التفكير فيها مثل اغتيال أحد الصحابة الذي تم تغطيته بأنه قد قتل من قبل الجن، وهذا مستمر إلى الآن حيث أنه قبل عدة أشهر في مكة المكرمة أعدمت امرأة بسبب السحر وزواجها من ابن أحد ملوك الجن وهذه المشكلة ليس محصورة بالآخر ولكنها موجودة عندنا أيضاً، حيث أنك تجد أن رجال دين في المنطقة يقوم بإلقاء محاظرة كاملة عن ليالي الزواج وأن من يتزوج في ليلة كذا فأنه سوف يخرج له توأم كما حصل في بلدة القديح قبل فترة.

الشيخ حسين المصطفى:
قبل ثمان سنوات تحدثت في ست حلقات عن الكوامل وقلت أنها قضية منسوفة حتى من الناحية الشرعية بينما هي عادات وروايات ضعيفة لا تركن إلى الوثوق فيها، وينبغي أن نقضي على هذه العادات بحيث لا يقدم إنسان على عمل في زمان معين وكأنما الإنسان آلة مركبة حول الزمن وحول الفلك.

قضية الغيبيات، الإنسان دائمًا ما يألف المعجزة ومنذ القدم، وهذا الوتر هو الذي اشتغل عليه الكذبة والوضاعون أكثر من غيره بحيث أصبح هذا الواقع الأسطوري جزء من ثقافتنا شئنا أم أبينا ونحتاج إلى إعمال النظر، نحن عندنا قاعدة وضعها أهل البيت (عليهم السلام) بشكل قاطع ليس فيها ميل أو خطأ (أعرضوا كلامنا على كتاب الله وسنة الرسول "السنة الأكيدة" ، فما وافق كتاب الله وإلا فأضربوا به عرض الحائط).

وهذه شواهد موجودة منها ما يقرأ في وفاة الإمام علي (عليه السلام) أحملوا مقدم المحمل فأنه يكفيكم مؤخره، كل هذا يرجع إلى رواية واحدة، بحثت في سندها حتى أرجعتها إلى الأصل وهو كتاب واحد بسند واحد وليس لها مثيل وسندها يوجد به ثلاث علل هي قصاص ومجهول وكذاب، ومع هذا فأنها تقرأ وكأن ذلك حتمي علينا. أنا لست ضد المعجزة ولكن أنا أؤمن بأن الإسلام لم يأتي لأجل المعجزات الغيبية بل أتى من أجل بناء فكر آخر، وهذا ما ذكره الإمام علي (عليه السلام) في خطبته القاصعة حيث كان يطلب من النبي الكثير من المعجزات الغيبية، فكان يرفض ذلك ويقول بيني وبينكم كتاب الله.

فالرسول كان رسالته هي الخاتمة لهذا لم يكن يحتاج إلى معجزة حسية أو غيبية ، بل كان يحتاج إلى معجزة من نوع آخر، معجزة من نوع لم يألفه المشركون والكفار قبل الإسلام، وهي معجزة الإعجاز الفكري لهذا كانوا يخافون الرسول ليس بسبب أن القرآن يحمل إعجاز خاص بل لأنه قلب المفاهيم برمتها، قلب للإنسان، قلب الظلام إلى النور وهذه قيمة المعرفة لدى الإنسان. وأنا أضم صوتي لك وأقول أنه ما زال لدينا القضايا الغيبية، وكأنها تنقش في الحجر وكأنها هي المطلب الأساس، لهذا دائماً ما أقول تعاملوا مع أهل البيت (عليهم السلام) على أنهم مصلحون وقادة ، لا أنهم إلهيون أو خارقون للعادة.

والرسول يقول أنما أنا بشر، أي أني أحمل نفس الصفات البشرية التي تحملونها ولكن الفرق  أني رسول من الله، لهذا نحتاج إلى إعادة نظر في المنطق التقديسي بكل أشكاله ومعطياته حتى ندخل إلى العالم الصحيح في ما يتعلق برؤيتنا إلى الإسلام وأهل البيت والعلماء والصحابة وإلى شرائح المجتمع الإنساني المتنور.


وقبل الختام ألقى الأستاذ عبد الله النمر (أبو طالب) كلمة شكر فيها الشيخ المصطفى والحضور على إنجاح الندوة ثم تسلم الشيخ حسين المصطفى درعًا تذكارياً من المنتدى قام بتسليمه الأستاذ محمد باقر النمر (رئيس تحرير مجلة الواحة)، بعدها أخذت الصور الجماعية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

محرم 1447 في الصحافة الكويتية