الجمعة، 18 مارس 2022


                           مجتمعات تخشى تاء التأنيث

ما زالت في مجتمعنا العربي بقايا جهل سحيق، يمتد لقرون مديدة، حيث تولد الفتاة فيعاملونها على أنها ناقصة بفطرتها، وأنَّ عقلها وجسدها ليسا ملكاً لها، يعلمونها أنَّ الطاعة والخضوع خدمةً للذكر مطلقاً واجب مقدس.

منذ استوعبت أنها أنثى تهيئ سرير أخيها ليلاً وتجمع أغراضه صباحاً، وأن تستر جسدها كأجنبية أمامه، يزرعون في وعي (خديجة) المطبخ وأما (محمد) فيلعب مع أصدقائه، فالمطبخ منذ طفولتها هي لعبتها. يجعلون من الأمير الفارس الجميل صاحب الفرس الأبيض والذي يتزوج من الخادمة الفقيرة قصتها المفضلة، فلا تعرف كيف تكون مستقلة في ذاتها وأفكارها.

تكبر (خديجة) وتبدأ تفاصيل جسدها بالنضج فتظن أنَّ ذلك جريمة وفضيحة، تصارع نظرات شباب الحي لها، تلوذ وراء سراب القصص التي جعلوها تتقن حروفها، فالرجل في نظرها معيار الشجاعة، والمرأة ليست إلا خادمة.. وأعظم إهانة للذكر عندهم أن تشبهه بالمرأة كما لو أنها إهانة وسباب.

يا لتعس تلك الفتاة التي تعيش في مجتمع ثقافته أنها خُلقت للسرير والمطبخ! لا تستغربوا هذا، سمعت هذا ذات مرة، في إحدى سفراتي. ولهذا من بين أعلى عشر دول تحرشاً بالأنثى توجد أربع دول عربية من ضمنها.

وأكثر ما يخيف هؤلاء الرجال من المرأة، أنها كما تجيد التشبث تجيد التخلي، وأنها تفكر مثلهم في كل جوانب الحياة وتطبق وتقترح، لها عالم آخر غير عالمهم.

وأكثر شيء يدهشني -كذكر- أنَّ هناك نساء ضد حقوق النساء، نساء يُلقِّن بناتهن الفشل والخوف، يجعلن أقصى حلمهن رجل، ويجعلن من الزواج محور حياتهن، يجعلن منهن المستضعفات بحجة أنهن نساء، يرضون لأنفسهن المذلة، ويتلذذن بالشفقة والعطف الصوري من الجنس الآخر.

إنَّ أفضل ما يمكن أن يبني مجتمعاتنا اليوم، أن تكون اختياراتنا وفقاً لكفاءة الفرد لا جنسه. ولا ننكر أنَّ هناك نساء رائدات حققن الكثير في عدة مجالات وبرزن كقوة بشرية يحتذى بها، جعلننا نحن الذكور نفتخر ونأمل السير على طريقهن متمنين جميعاً أن نرى كلَّ نساء المجتمعات العربية في المكانة التي تليق بهن، في مكانتهن الطبيعية والعادية وفقاً لعدة فرص متاحة لهن.

وهذا ما أتبناه لبلادي الحبيبة في ضلِّ رؤيتها الجديدة، وأن تكون السيادة للقانون لا لرجال الدين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

محرم 1447 في الصحافة الكويتية