رجب شهر السمو النفسي
يقول الله
تعالى في كتابه المجيد: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ
عِندَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات
وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ
تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا
يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}.
1
. الأشهر الحرم:
شهر رجب المرجب هو أول شهور الموسم الروحي للأمة الإسلامية، يعقبه شهر
شعبان ثم شهر رمضان المبارك. هذا الموسم الروحي ينبغي أن يعزز في أنفسنا التطلعات
الروحية، وأن يقوّي إرادتنا للانتصار للبعد الروحي في شخصياتنا، وأن يساعدنا على
ضبط رغباتنا المادية في حياتنا.
ونحن عندما نلتقي بشهر رجب، فإنّنا نلتقي بالكثير من المعاني والفيوضات
الروحيّة والإيمانيّة، والبركات الإلهيّة، وهو -لعظيم شأنه، وكريم فضله- نسبه الله
سبحانه وتعالى إليه، كما ورد في الحديث عن رسول الله (ص): "ألا إنّ رجب شهرُ الله، وشعبان شهري، وشهر رمضان شهر لأمّتي
".
2. كيف تأتي هذه الشهور:
تأتي هذه الشهور الأربعة لتؤكد أهمية القواعد التي أرساها الإسلام في أسس
التعايش المشترك مع الآخر في جميع الأحوال والأزمان والأماكن، بحيث يصبح المسلمون
في تناسق واندماج مع العالم الذي يعيشون فيه، بما يضمن تفاعلهم مع الآخر وتواصلهم
معه دون تفريط في الثوابت الإسلامية.
3.
المحبة والسلام:
حينما نتحدث عن المحبة والسلام فإنما نتحدث عن شعار الإسلام، فقد حددت
الآيات القرآنية في أكثر من موقع ومناسبة هذا التوجه، فقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً}، وقال تعالى متوجهاً للنبي (ص): {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ
عَلَى اللهِ}..
واعتبر الإسلام أنّ شعار المسلمين الرئيسي هو السلام، فكانت تحية الإسلام "السلام
عليكم"، سواء مع الآخرين وحتى مع النفس: {فَإِذَا
دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً}، كذلك يقول الإسلام إنّ الله يدعو إلى دار
السلام، وإنّ الشعار المرفوع في الجنة هو السلام، {لَهُمْ
دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ}، {دَعْوَاهُمْ
فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ
وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ}.
4.
تحريم القتال:
حافظ الإسلام على تحريم القتال في هذه الأشهر الأربعة، وكان هذا التحريم
أحَدَ الطرق لإِيقاف الحروب الطويلة الأمد ووسيلة للدعوة نحو السلام والأمن،
وإخماد نيران الحرب وإطفاء الأحقاد بين البشر.
5.
حرمة شهر رجب:
وردت في شهر رجب روايات كثيرة ومستفيضة، ومنها:
عن الإمام جعفر الصادق (ع) قال: قال رسول الله (ص): "رجب شهر الاستغفار لأمتي فأكثروا فيه الاستغفار، فإنه
غفور رحيم، ويسمى الرجب الأصبّ لأن الرحمة على أمتي تُصب صبّاً فيه، فاستكثروا من
قول: أستغفر اللَّه وأسأله التوبة".
وكان رسول الله (ص) إذا جاء شهر رجب جمع المسلمين من حوله وقام فيهم خطيباً،
فحمد الله وأثنى عليه، وذكر من كان قبله من الأنبياء فصلّى عليهم، ثم قال
(ص): "أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ، قَدْ أَظَلَّكُمْ شَهْرٌ عَظِيمٌ مُبَارَكٌ، وَهُوَ الشَّهْرُ
الْأَصَبُّ؛ يُصَبُّ فِيهِ الرَّحْمَةُ عَلَى مَنْ عَبَدَهُ، إِلَّا عَبْداً مُشْرِكاً أَوْ مُظْهِرَ بِدْعَةٍ فِي
الْإِسْلَامِ.. مَنْ صَامَ يَوْماً وَاحِداً فِي رَجَبٍ أَمْنٍ مِنَ الْفَزَعِ
الْأَكْبَرِ وَأُجِيرَ مِنَ النَّارِ.. شَهْرُ رَجَبٍ هُوَ شَهْرُ عَظِيمُ
الْخَيْرِ..".
وفي ثواب الأعمال قال رسول الله (ص): "أَلَا
إِنَّ رَجَبَ شَهْرُ اللهِ الْأَصَمُّ، وَهُوَ شَهْرٌ عَظِيمٌ، وَ إِنَّمَا
سُمِّيَ الْأَصَمَّ لِأَنَّهُ لَا يُقَارِبُهُ شَهْرٌ مِنَ الشُّهُورِ حُرْمَةً وَفَضْلاً عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ
يُعَظِّمُونَهُ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ لَمْ يَزِدْهُ إِلَّا تَعْظِيماً
وَفَضْلاً، أَلَا وَإِنَّ رَجَبَ شَهْرُ اللهِ، وَشَعْبَانُ شَهْرِي، وَرَمَضَانَ شَهْرُ أُمَّتِي، أَلَا وَمَنْ صَامَ مِنْ رَجَبٍ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً اسْتَوْجَبَ رِضْوَانَ اللهِ
الْأَكْبَرَ، وَ أَطْفَأَ صَوْمُهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ غَضِبَ اللهِ، وَأَغْلَقَ
عَنْهُ بَاباً مِنْ أَبْوَابِ النَّارِ".
وقد ورد في الحديث: "رَجَبُ شَهْرُ
الِاسْتِغْفَارِ لِأُمَّتِي، فَأَكْثِرُوا فِيهِ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ فَإِنَّهُ
غَفُورٌ رَحِيمٌ".
روي عن الإمام موسى بن جعفر (ع) أنه قال: "رجب
شهر عظيم يضاعف الله فيه الحسنات، ويمحو فيه السيئات".
6.
دلائل ومشاعر كبيرة:
إنّ من أظهر الدلائل على استشعار حرمة هذا الشهر الحرام الحذرَ من ظلم
النفس فيه باجتِراح السيّئات ومقارَفَة الآثام والتلوّث بالخطايا في أيّ لون من
ألوانها امتثالاً لأمر الله تعالى {فَلاَ تَظْلِمُواْ
فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ}، فالذنب في كلّ زمان هو اجتراء على الله سبحانه
وتعالى، لكنّه في الشهر الحرام أشدّ سوءاً وأعظم شؤماً وأفدح ظلماً؛ لأنّه يجمع
بين الاجتراء والاستخفاف وبين امتهان حرمة ما حرّم الله وعظّمه واصطفاه.
7.
أفضل الأعمال:
من أفضل الأعمال في هذا الشهر الصوم، ما روي عن موسى بن جعفر (ع) قال: "من صام يوماً من رجب تباعدت عنه النّار مسير سنة، ومن
صام ثلاثة أيام وجبت له الجنّة". وروي أنَّ من لم يقدر على الصيام في أيام هذا الشهر
يسبّح في كلّ يوم مائة مرّة بهذا التسبيح لينال أجر الصيام
فيه: "سُبْحانَ الاِلهِ الْجَليلِ، سُبْحانَ مَنْ لا يَنْبَغي التَّسْبيحُ
إِلاّ لَهُ، سُبْحانَ الأعَزِّ الأَكْرَمِ، سُبْحانَ مَنْ لَبِسَ الْعِزَّ وَهُوَ
لَهُ اَهْلٌ".
8. برنامج أعمال متنوعة:
تتنوع الأعمال في شهر رجب بين يوم وآخر، وفي مقدمة هذه الأعمال عمل
"أم داود" الذي هو في منتصف هذا الشهر.
9. برنامج أئمة أهل البيت (ع):
لقد كان أئمة أهل البيت (ع) يستفيدون من هذا الشهر في الدعوة إلى الله
تعالى، وقد ورد عن أبي حمزة الثمالي قال : سمعت علي بن الحسين (ع) يدعو في
الحِجر -حجر إسماعيل- في غرّة رجب، فأنصتُّ إليه، وكان يقول : "
يَا مَنْ يَمْلِكُ حَوَائِجَ السَّائِلِينَ، وَيَعْلَمُ ضَمِيرَ الصامتين، لِكُلِّ
مَسْأَلَةٍ مِنْكَ سَمِعٌ حَاضِرٌ، وَ جَوَابٌ عَتِيدٌ،
اللَّهُمَّ ومواعيدك الصَّادِقَةُ، وَأَيَادِيكَ الْفَاضِلَةُ، وَرَحْمَتُكَ الْوَاسِعَةُ،
فَأَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَأَنْ تَقْضِي
حَوَائِجِي لِلدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرُ".
وكان الإمام الصادق (ع) إذا دخل شهر رجب يدعو بهذا الدعاء وفي كل يوم من
أيامه: "خَابَ الْوَافِدُونَ عَلَى غَيْرِكَ ،
وَخَسِرَ الْمُتَعَرِّضُونَ إِلَّا لَكَ ، وَضَاعَ الْمُلِمُّونَ إِلَّا بِكَ ، وَأَجْدَبَ الْمُنْتَجِعُونَ
إِلَّا مَنِ انْتَجَعَ فَضْلَكَ ، بَابُكَ مَفْتُوحٌ لِلرَّاغِبِينَ ، وَخَيْرُكَ مَبْذُولٌ لِلطَّالِبِينَ ، وَفَضْلُكَ
مُبَاحٌ لِلسَّائِلِينَ ، وَنَيْلُكَ مُتَاحٌ لِلْآمِلِينَ ، وَرِزْقُكَ مَبْسُوطٌ لِمَنْ عَصَاكَ ، وَحِلْمُكَ
مُعْتَرِضٌ لِمَنْ نَاوَاكَ ، عَادَتُكَ الْإِحْسَانُ إِلَى الْمُسِيئِينَ ، وَسَبِيلُكَ الْإِبْقَاءُ عَلَى الْمُعْتَدِينَ ،
اللَّهُمَّ فَاهْدِنِي هُدَى الْمُهْتَدِينَ ،وَارْزُقْنِي اجْتِهَادَ
الْمُجْتَهِدِينَ ، وَلَا تَجْعَلْنِي مِنَ الْغَافِلِينَ الْمُبْعَدِينَ ،
وَاغْفِرْ لِي يَوْمَ الدِّينِ".
وكان (ع) يدعو بهذا الدعاء عقب كل صلاة وفي الصباح والمساء: "يَا مَنْ أَرْجُوهُ لِكُلِّ خَيْرٍ ، وَآمَنُ
سَخَطَهُ عِنْدَ كُلِّ شَرٍّ ، يَا مَنْ يُعْطِي الْكَثِيرَ بِالْقَلِيلِ ، يَا
مَنْ يُعْطِي مَنْ سَأَلَهُ ، يَا
مَنْ يُعْطِي مَنْ لَمْ يَسْأَلْهُ وَمَنْ
لَمْ يَعْرِفْهُ تُحَنُّناً مِنْهُ وَرَحْمَةً ، أَعْطِنِي بِمَسْأَلَتِي إِيَّاكَ
جَمِيعَ خَيْرِ الدُّنْيَا ، وَجَمِيعَ خَيْرِ الْآخِرَةِ ، وَاصْرِفْ عَنِّي بِمَسْأَلَتِي إِيَّاكَ جَمِيعَ شَرِّ الدُّنْيَا وَشَرِّ
الْآخِرَةِ ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مَنْقُوصٍ مَا أَعْطَيْتَ ، وَزِدْنِي مِنْ
فَضْلِكَ يَا كَرِيمُ".
ثمَّ مدَّ الإمام (ع) يده اليسرى فقبض على لحيته، ودعا بهذا الدعاء، وهو يلوذ
بسبَّابته اليمنى، ثم قال بعد ذلك: "يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ، يَا ذَا
النَّعْمَاءِ وَالْجُودِ ، يَا ذَا الْمَنِّ وَالطَّوْلِ ، حَرِّمْ شَيْبَتِي
عَلَى النَّارِ".
10. مناسبات هذا الشهر الكريم:
في هذا الشهر الكثير من المناسبات الإسلامية
العظيمة ومنها:
أ-
ذكرى المبعث النبوي الشريف في السابع والعشرين.
ب- في الخامس
عشر منه كان تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة.
ت- في الثالث من رجب
وفاة الإمام علي الهادي (ع).
ث- في الثامن منه مولد
الإمام محمد الجواد (ع).
ج-
في الثالث عشر منه مولد أمير المؤمنين الإمام علي (ع) .
ح-
في الرابع عشر منه وفاة السيدة زينب (ع) .
خ-
في الخامس والعشرين منه وفاة الإمام موسى الكاظم (ع) .
أيها الأحبة:
الإسلام دعوة سلام بكل المقاييس..
وحينما نتحدث عن المحبة والسلام فإنما نتحدث عن شعار الإسلام، فقد
حددت الآيات القرآنية في أكثر من موقع ومناسبة هذا التوجه، فقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً}، وقال تعالى متوجهاً للنبي
(ص): {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ
عَلَى اللهِ}.
واعتبر الإسلام أنّ شعار المسلمين الرئيسي هو السلام، فكانت تحية الإسلام (السلام عليكم)، سواء مع الآخرين وحتى مع النفس {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً}، كذلك يقول الإسلام إنّ الله يدعو إلى دار السلام، وإنّ الشعار المرفوع في الجنة هو السلام، {لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ} {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
وقد أكد القرآن أن كل دعواته وتشريعاته ومفاهيمه تؤدي إلى تعزيز السلام الإنساني حيث قال تعالى {يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ}، كما حدد السلام كعنوان يختم به الإنسان صلاته، وذلك عندما يقول: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)، ثم يتوجه الإنسان بالإعلان عن السلام الشامل مع الكون والحياة والناس (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته).
ضمن هذا المناخ، لا بدّ من التأكيد فعلياً على واقعية هذه الفكرة وترسيخها لكونها تمثل حكماً أساسياً في بناء الواقع الإسلامي، ومن المطلوب الاستفادة من الأشهر الحرم لتعزيز هذا الحكم.
أيها الأحبة الكرام:
إنّ من أظهر الدلائل على استشعار حرمة هذا الشهر الحرام الحذرَ
من ظلم النفس فيه باجتِراح السيّئات ومقارَفَة الآثام والتلوّث بالخطايا في أيّ
لون من ألوانها امتثالاً لأمر الله تعالى {فَلاَ
تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ}، فالذنب في كلّ زمان هو اجتراء على الله
سبحانه وتعالى، لكنّه في الشهر الحرام أشدّ سوءاً وأعظم شؤماً وأفدح ظلماً؛ لأنّه
يجمع بين الاجتراء والاستخفاف وبين امتهان حرمة ما حرّم الله وعظّمه واصطفاه.
وإذا كان احترام الشهر الحرام أمراً ظاهراً متوارَثاً لدى أهل
الجاهلية، يعبِّر عنه إمساكهم فيه عن سفك الدم الحرام والكفُّ عن الأخذ بالثأر فيه
مع ما هم فيه من شرور وآثام، أفلا يكون جديراً بالمسلم أن يحجز نفسه عن الولوغ في
الذنوب وينأى بها عن أسباب الإثم والعدوان، وأن يترفّع عن دوافع الهوى ومزالق
النزوات والشطحات وتسويل الشيطان والنفس الأمّارة بالسوء، وأن يذكر أنّ الحياة
أشواط ومراحل تفنى فيها الأعمار وتنتهي الآجال وتنقطع الأعمال، ولا يدري أحد متى
يكون الفِراقُ لها وكم من الأشواط يقطع منها وإلى أيّ مرحلة يقف به المسيرُ في
دروبها، فالسعيد من سمت نفسُه إلى طلب أرفع المراتب وأعلى الدرجات من رضوان الله
باستدراك ما فات واغتنام ما بقي من الأوقات والتزام النهج السديد في هذا الشهر
الحرام وفي كلّ شهور العام، وصدق سبحانه إذ يقول {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ
لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.
ومن هنا، فإنّ هذا الشهر الذي أقبلنا عليه هو شهر سلام، نعيش فيه
في مجتمعاتنا الإسلامية روحية السلام، فلا يقتل بعضنا بعضاً، ولا يعتدي بعضنا على بعض،
حتى نعيش هذه الروحية التي تجعلنا نتربى على روحية السلام.
ومن الطبيعي أنّ السلام إنما يكون لمن ينفتح علينا بالسلام، أما
من ينفتح علينا بالحرب ويعتدي علينا، فإنه لا بد حينها من أن ندافع عن أنفسنا. لذلك،
نحن نعتبر أنّ وجود اليهود في فلسطين واحتلالهم للأرض الإسلامية هو عدوان متواصل، ومن
هنا، فإننا نشعر بالحرية في أن نقاتلهم في أيّ وقت، باعتبار أنهم عندما يصرّون على
الاستيلاء على الأراضي التي طردوا منها أهلها، فإن هذا يمثل حرباً فعلية..
فعلينا أن ننطلق في هذا الشهر بالمحبة فيما بين المسلمين المؤمنين،
وأن نستزيد فيه من الرحمة وعمل الخير والمحبة والعفو والتسامح عن بعضنا البعض، أن نفتح
قلوبنا لله ليغسلها من كل حقد وبغض ونية سوء، أن نقول لربنا عندما ندخل في ساحات رحمته
في هذا الشهر وما بعده:
يا ربنا، إننا عبادك الخاشعون لك، المطيعون لك، وفّقنا يا ربنا من
أجل أن نحب بعضنا بعضاً، وأن نساعد بعضنا بعضاً، وأن نتعاون على البر والتقوى ولا نتعاون
على الإثم والعدوان، وفّقنا يا ربنا من أجل أن نطهّر أنفسنا من كل ما يغضبك ويسخطك،
وأن نحصل على رضاك ولا شيء إلا رضاك، لأنّ رضاك هو الفوز العظيم والسعادة الكبرى.
(يَا مَنْ يَمْلِكُ حَوَائِجَ السَّائِلِينَ،
وَيَعْلَمُ ضَمِيرَ الصامتين، لِكُلِّ مَسْأَلَةٍ مِنْكَ سَمِعٌ حَاضِرٌ، وَ
جَوَابٌ عَتِيدٌ، اللَّهُمَّ ومواعيدك الصَّادِقَةُ، وَأَيَادِيكَ الْفَاضِلَةُ،
وَرَحْمَتُكَ الْوَاسِعَةُ، فَأَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ
مُحَمَّدٍ وَأَنْ تَقْضِي حَوَائِجِي لِلدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، إِنَّكَ عَلَى
كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرُ).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق