الاثنين، 23 يوليو 2018


** من وصايا الإمام الرضا في الوسيلة وحسن الظن**


/ روي عن الإمام موسى الكاظم (ع) أنه قال لبنيه: "هَذَا أَخُوكُمْ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى عَالِمُ آلِ مُحَمَّدٍ، فَسَلُوهُ عَنْ أَدْيَانِكُمْ، وَاحْفَظُوا مَا يَقُولُ لَكُمْ" [الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: ص 290].

ويصفه بعض أصحابه، وهو إبراهيم بن العباس، قال: "مَا رَأَيْتُ الرِّضَا يُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا عَلِمَهُ، وَلَا رَأَيْتُ أَعْلَمَ مِنْهُ بِمَا كَانَ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ إِلَى وَقْتِهِ وَعَصْرِهِ، وَكَانَ الْمَأْمُونُ يَمْتَحِنُهُ بِالسُّؤَالِ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ فَيُجِيبُ فِيهِ، وَكَانَ كَلَامُهُ كُلُّهُ وَجَوَابُهُ وَتَمَثُّلُهُ انْتِزَاعَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ" بمعنى أنّه (ع) كان يستوحي آيات القرآن في كل ما يُسأل عنه وما يجيب فيه.

وكان (ع) لا يقدِّم على القرآن شيئاً، فقد روى الكليني -بسند صحيح- عن صفوان بن يحيي، أنَّ أبا قرة المحدِّث استغرب من جرأة الإمام الرضا (ع) في ردِّ بعض أحاديث النبي (ص)، فأجابه الرضا (ع) قائلاً: "إِذَا كَانَتِ الرِّوَايَاتُ مُخَالِفَةً لِلْقُرْآنِ، كَذَّبْتُهَا"(الكافي: ج 1 ص 95-96؛ التوحيد: ص 110 ح 9).


ويصف إبراهيم بن العباس جانباً من أخلاقه (ع):
1.      "مَا رَأَيْتُ الرِّضَا C جَفَا أَحَداً بِكَلَامٍ قَطُّ..
2.      وَلَا رَأَيْتُهُ قَطَعَ عَلَى أَحَدٍ كَلَامَهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ..
3.      وَمَا رَدَّ أَحَداً عَنْ حَاجَةٍ يَقْدِرُ عَلَيْهَا..
4.      وَلَا مَدَّ رِجْلَيْهِ بَيْنَ يَدَيْ جَلِيسٍ لَهُ قَطُّ..
5.      وَلَا اتَّكَأَ بَيْنَ يَدَيْ جَلِيسٍ لَهُ قَطُّ..
6.      وَلَا رَأَيْتُهُ شَتَمَ أَحَداً مِنْ مَوَالِيهِ وَمَمَالِيكِهِ..
7.      وَلَا رَأَيْتُهُ تَفَلَ قَطُّ.. (أي أَمَامَ النَّاسِ)
8.      وَلَا رَأَيْتُهُ يُقَهْقِهُ فِي ضِحْكِهِ، بَلْ كَانَ ضِحْكُهُ التَّبَسُّمَ..
9.      وَكَانَ إِذَا خَلَا وَنَصَبَ مَائِدَتَهُ، أَجْلِسَ مَعَهُ عَلَى مَائِدَتِهِ مَمَالِيكَهُ وَمَوَالِيهِ حَتَّى الْبَوَّابَ وَالسَّائِسَ..
10.  وَكَانَ (ع) قَلِيلَ النَّوْمِ بِاللَّيْلِ، كَثِيرَ السَّهَرِ، يُحْيِي أَكْثَرَ لَيَالِيهِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى الصُّبْحِ..
11.  وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ فَلَا يَفُوتُهُ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الشَّهْرِ، وَيَقُولُ: ذَلِكَ صَوْمُ الدَّهْرِ..
12.  وَكَانَ كَثِيرَ الْمَعْرُوفِ وَالصَّدَقَةِ فِي السِّرِّ، وَأَكْثَرُ ذَلِكَ يَكُونُ مِنْهُ فِي اللَّيَالِي الْمُظْلِمَةِ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ رَأَى مِثْلَهُ فِي فَضْلِهِ فَلَا تُصَدِّقُوهُ"(عيون أخبار الرضا: ج 2 ص 197 ح 44).

وكانت للإمام الرضا سفرة مفصلة ابتدأها من المدينة المنورة وختمها بخراسان، وتستوقفنا في هذه الرحلة ، توقفه في بلدة نيسابور، واجتمع إليه فيها الرواة الذين كانوا فيها.

فقد جاء في كتاب (تاريخ نيسابور)‌: أنّ علي بن موسى الرِّضا لما دخل إلی نيسابور، وكان في مهد علی (بَغْلَة شَهْبَاء). فعرض له في السوق‌: الإمامان الحافظان للأحاديث النبوية: أبو زُرْعَة الرازي، ومحمّد بن أسلم الطوسي رحمهما الله، فقالا: أيّها السيّد ابن السادة! أيّها الإمام ابن الائمّة! أيّها السلالة الطاهرة الرضيّة! أيّها الخلاصة الزاكية النبويّة، بحقّ آبائك الأطهرين، وأسلافك الأكرمين إلّا ما أريتنا وجهك المبارك الميمون، ورويت لنا حديثاً عن آبائك عن جدّك نذكرك به.

فاستوقف البغلة، ورفع المظلّة. وأقرَّ عيون المسلمين بطلعته المباركة الميمونة، فكانت ذؤابتاه كذؤابتي رسول الله (ص)، والناس علی طبقاتهم قيام كلّهم.

فأملى (ع) هذا الحديث، وعُدَّ من المحابر أربع وعشرون ألفاً محبرة.. والمستملي أبُو زُرْعَة الرازي، وَمُحَمَّدُ بن أَسْلَم الطوسي رحمهما الله.

فقال (ع): حدّثني أبي موسى بن جعفر الكاظم، قال‌: حدّثني أبي جعفرُ بن محمّد الصادق، قال‌: حدّثني أبي محمّدُ بنُ علي الباقر، قال‌: حدّثني أبي عليُ بنُ الحسين زَيْنُ العابدين، قال‌: حدّثني أبي الحسينُ بنُ علي شَهيدُ أرض كَرْبَلاء، قال‌: حدّثني أبي أميرُ المؤمنين عليُ بنُ أبي طالب شهيد أرض الكوفة، قال: حدّثني أخي وابنُ عمّي مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ (ص) قال: حدّثني جَبْرَئيلُ (ع) قَالَ: سَمِعْتُ رَبَّ الْعِزَّةِ سُبْحَانَهُ وَتعالی يَقُولُ: "كَلِمَةُ لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ حِصْنِي، فَمَنْ قَالَهَا دَخَلَ حِصْنِي؛ وَمَنْ دَخَلَ حِصْنِي أَمِنَ مِنْ عَذَابِي".

فقد أراد (ع) أن يؤكّد للناس من خلال هذا الحديث، أصالة التوحيد التي انطلقت بها كل رسالات الأنبياء، وأنَّ الله هو خالقُ كلِّ شيء وربُّ كلِّ شيء، له القوة والعزة جميعاً، وهو المهيمن على الأمر كلِّه، والقاهر فوق عباده، وهو الذي يستجيب لعباده ويريد لهم أن يسألوه وحده ولا يسألوا غيره.

نعم، نحن نتوسَل بأهل البيت (ع) ونرجو من الله أن يشفّعهم بنا، وهذا ما ورد في دعاء الخميس للإمام السجاد (ع): "وَصَلِّ عَلى مُحمَّدٍ وَاَّلِ مُحَمَّدٍ، وَاجْعَلْ تَوَسُّلِي بِهِ شافِعاً، يَوْمَ القِيامَةِ نافِعاً"..

فالتوسل بمعنى الاستشفاع، أيّ اتخاذ شفيع ووسيلة وواسطة لفيض الله، وهو يستلزم طلب الإذن لهؤلاء في أن يكونوا شفعاء. ولهذا فكل صيغة وردت في طلب الإذن لخير عباد الله وأشرف مخلوقاته في الشفاعة هي توسل بهم، بمعنى إنَّ الخطاب ينبغي أن يكون لله، لا للمخلوقات، مهما علا شأنها.

فإذا كان التوسل بمعنى الإيمان والاعتقاد بتأثير مستقل لهؤلاء المتوسَّلين، بحيث يكون لهم تأثير خاص بهم، في عرض تأثير الله عز وجل، وإلى جانبه، وأنّهم لا يحتاجون إليه في تأثيرهم هذا، كان ذلك من الشرك بالله في تأثيره، وإلى هذا المعنى تشير الآيات الكريمة:
{قُلِ ادْعُواْ الَّذين زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً * أُولَـئِكَ الَّذين يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً}(الإسراء: 56-57).
وقوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعَبْد الله مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ * أَلا لِلهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى إنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}(الزمر: 2-3).

إذاً، علينا أن نتعلم طريقة التوسل بهم إلى الله منهم (ع)، وقد وردت عنهم عبارات كثيرة تتضمن معنى الاستشفاع والتوسل، ومنها:

1 . ما ورد في الصحيفة السجادية عن الإمام علي بن الحسين (ع) في دعاء يوم الخميس: "اللهم صلِّ على محمَّد وآله، واجعل توسُّلي به شافعاً، يوم القيامة نافعاً".

2. ما ورد في الصحيفة السجادية في دعاء التوبة: "اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى محمَّد وآلِه، وشَفِّعْ فِي خَطَايَايَ كَرَمَكَ".

3. ما ورد عن الإمام الصادق (ع) في دعائه عند قراءة القرآن: "اللَّهُمَّ اجْعَلْه لَنَا شَافِعاً يَوْمَ اللِّقَاءِ، وسِلَاحاً يَوْمَ الِارْتِقَاءِ"(الكافي: ج 2 ص 575).

4. ما ورد في دعاء السحر في شهر رمضان للإمام علي بن الحسين (ع): "اللهم، إنّي بذمّة الإسلام أتوسَّل إليك، وبحرمة القرآن أعتمد عليك"(مصباح المتهجد، الشيخ الطوسي: ص 590؛ الصحيفة السجادية: دعاء 116).

5. ما ورد في بعض الأدعية: "اللهمّ صلِّ على محمَّد وآل محمَّد، واسمع كلامَه إذا دعاك، وأَعْطِه إذا سألك، وشفِّعه إذا شفع"(مصباح المتهجد: ص 456).

6. "اللّهمّ، إنّي لو وجدتُ شفعاءَ أقربَ إليك من محمَّد وأهل بيته الأخيار، الأئمّة الأبرار، لجعلتُهم شفعائي. فبحقِّهم الَّذي أوجبتَ لهم عليك، أسألُك أن تدخلني في جملة العارفين بهم وبحقِّهم، وفي زمرة المرجوّين لشفاعتهم"(عيون أخبار الرضا: ج 1 ص 309؛ من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 617؛ تهذيب الأحكام: ج 6 ص 101).

7. ما ورد في التوسل بمحمَّد وآل محمَّد (ع): "اللّهمّ، بهم إليك توسُّلي وتقرُّبي"(بحار الأنوار: ج 99 ص 95).


ففي هذه العبارات وأمثالها نلاحظ أمرين مهمين:
أحدهما: جاءت كلها بصيغة الخطاب لله عز وجل، واستئذانه، والطلب منه أن يرتضي بأن يكون الشيء الفلاني أو الشخص الفلاني شفيعاً.
وثانيهما: أنَّ تلك العبارات تظهر أنَّ الخطاب لله عز وجل في أن يأذن باتخاذ هذا وسيلة، وهذا ما يتوافق مع روح القرآن والتوحيد والتنزيه لله سبحانه وتعالى.


ومن هذا المنطلق نرفض أو نتحفظ على بعض العبارات التي تجيء على لسان الداعي أو الزائر والتي لا تتفق مع روح النص القرآني، ومنها:

أ . قول الزائر في زيارته للحسين (ع): "فكُنْ لي يا سيّدي سَكَناً وشفيعاً، وكُنْ بي رحيماً، وكَنْ لي منجىً، يوم لا تنفع الشّفاعة عنده إلاّ لمَنْ ارتضى، يوم لا تنفع شفاعة الشّافعين، ويوم يقول أهل الضّلالة: ما لنا من شافعين، ولا صديقٍ حميم، فكُنْ يومئذٍ في مقامي بين يدي ربّي لي منقذاً؛ فقد عظم جرمي إذا ارتعدت فرائصي، وأخذ بسمعي، وأنا منكِّس رأسي؛ بما قدَّمت من سوء عملي، وأنا عارٍ كما ولدتني أمّي، وربّي يسألني، فكُنْ لي يومئذٍ شافعاً ومنقذاً، فقد أعددتُك ليوم حاجتي ويوم فقري وفاقتي"(كامل الزيارات: ص 411-412).

ب . أو ما جاء في دعاء الفَرَج: "يا محمَّد يا عليّ، يا عليّ يا محمَّد، اكفياني؛ فإنّكما كافياي، وانصراني؛ فإنّكما ناصراي"(دلائل الإمامة: ص 552).

ج . أو ما جاء في دعاء التوسل: "يا سيدنا ومولانا، إنّا توجَّهنا واستشفعنا وتوسَّلنا بك إلى الله، وقدَّمناك بين يدي حاجاتنا، يا وجيهاً عند الله، اشفَعْ لنا عند الله"(بحار الأنوار: ج 99 ص 247).

د . وما جاء من الدعاء عقيب صلاة الحسن بن علي العسكري C: "يا محمَّد يا عليّ، يا عليّ يا محمَّد، اكفياني؛ فإنّكما كافياني. يا محمَّد يا عليّ، يا عليّ يا محمَّد، انصراني؛ فإنّكما ناصراني. يا محمَّد يا عليّ، يا عليّ يا محمَّد، احفظاني؛ فإنّكما حافظاني. يا مولاي يا صاحب الزّمان -ثلاث مرّات-، الغوث الغوث، أدركني أدركني، الأمان الأمان"(جمال الأسبوع: ص 175).

إنَّ أهل البيت (ع) يملكون الشفاعة بما منحهم الله من كرامة في هذا الشأن، فأنا أتوسل لله بالنبي وبأهل البيت لمكانتهم عند الله، والله هو الذي يشفّع ويُكرم، مع تعظيمنا للنبي (ص) ولأهل بيته (ع).

حسن الظنّ بالله:


لقد كان (ع) يحدِّث الناس بالحديث الذي يريد من خلاله أن ننفتح على الله، بحيث تكون لنا الثقة بالله فننتظر من الله تعالى كل الخير في حاجاتنا وما نقبل عليه من مصير بحيث نتصوره تعالى في موقع (حسن الظن بالله).

ففي الصحيح عن الإمام الرضا (ع): "أَحْسِنِ الظَّنَّ بِاللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِيَ الْمُؤْمِنِ بِي إِنْ خَيْراً فَخَيْراً وَإِنْ شَرّاً فَشَرّاً". فعندما تتجه إلى الله ومعك كل أحلامك وحاجاتك وآلامك وتطلّعاتك، إذن:

1.   لا تشعر باليأس ولا بالسقوط، بل عليك أن ترتفع في كلِّ ما تطلبه من ربِّك، فربُّك القادر على كلِّ شيء فلا يعجزه شيء.
2.   واذكر ربَّك في مواقع رحمته حتى تفيض عليك..
3.   وانظر ربَّك في مواقع قدرته حتى تعرف أنَّ الله قادر على أن يحقق كلَّ ما تريده مما يصعب عليك الوصول إليه..
4.   واذكر ربَّك في مواقع مغفرته ورضوانه، وانثر بين يديه ذنوبك..
5.   ضع في يقينك أنّه سبحانه سيغفر هذه الذنوب لك وأنّه سيرضى عنك إذا أحسنت تخطيط قلبك للحق ونبضاته للخير وحياتك للعدل.

إنَّ الله عز وجل يقول: "أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِيَ الْمُؤْمِنِ بِي إِنْ خَيْراً فَخَيْراً وَإِنْ شَرّاً فَشَرّاً". فهو سبحانه ينظر إليك ليرى مقدار ظنك به..

فهل تظن بربك الخير حيث إنّه يمثل الخير المطلق، فسيجزيك خيراً؟!..

أو تظن بربك الشر، وأنّه لن يغفر لك، ولن يرحمك، ولن يحقق لك حاجاتك، ولن يرضى عنك إذا نظرت إليه نظرة اليائس الذي أغلق عقله وقلبه عن ربه؟!!

فسوف تكون نتيجة ظن الشر بالله أن يحقق لك ذلك الشر.

ولذلك فإنّ المسألة تنعكس إيجابياً على أمرين:
1- في جانب الإيمان الذي يقوى عندما يعيش الإنسان الثقة بالله.
2- وفي الجانب النفسي عندما تطرد النفس عوامل اليأس كلها في مشاعرها وأحاسيسها وتطلّعاتها، لأنها تلتفت إلى قوله تعالى: {وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللهِ}.

السبت، 7 يوليو 2018


هل نحن في حاجة إلى ثقافة جنسية؟

 / هذا هو السؤال المهم..
حيث إنّ إدراك وجود المشكلة هو نصف الحل، بينما تجاهلها يمكن أن يؤدِّي إلى تفاقمها بصورة لا يصلح معها أيُّ حلٍّ عند اكتشافها في توقيت متأخر...
فما بالنا ونحن نحوم حول الحمى.. ولا نناقش الأمور المتعلقة بالصلة الزوجية، وكأنها سرّ، ولا يُسمح حتى بالاقتراب لمعرفة ما إذا كان هناك مشكلة أم لا؟!!
لأنَّ ذلك يدخل في نطاق (العيب) و (قلة الأدب)، فالشباب، المراهقون منهم والمراهقات، يعانون أشد ما يعانون من وطأة هذه الأسئلة وهذه المشاعر!!
ونحن نسأل المسؤولين: كيف يتم إعداد الأبناء لاستقبال هذه المرحلة الخطيرة من حياتهم بكل ما تحويه من متغيرات نفسية وجسدية؟
ستجيب الأم على هذا السؤال وتقول: إني أصاب بالحرج من أن أتحدث مع ابنتي في هذه الأمور.
وطبعًا يزداد الحرج إذا كان الابن ذكراً!
وهكذا يستمر الموضوع سراً غامضاً، تتناقله ألسنة المراهقين فيما بينهم، وهم يستشعرون أنهم بصدد فعل خاطئ يرتكبونه بعيداً عن أعين الرقابة الأسرية، وفي عالم الأسرار والغموض تنشأ الأفكار والممارسات الخاطئة وتنمو وتتشعب دون رقيب أو حسيب.
ثم يجد الشاب والفتاة أنفسهما فجأة، عند الزواج، وقد أصبحا في مواجهة حقيقية مع هذا الأمر، ويحتاجان إلى ممارسة واقعية وصحيحة، وهما في الحقيقة لم يتأهلا له.
يقول الدكتور حامد زهران أستاذ الصحة النفسية بأنّ "علينا كمربِّين أن نعرف أنّ الأطفال يصلهم معلومات من زملائهم في المدرسة والشارع.. وقد يقرؤون كتباً بها أفكار مشوهة، وقد يطلّعون في عصرنا الحالي على مصادر سيئة في الإنترنت، وهناك أيضاً القنوات الفضائية، فعلينا أن نعلّم أطفالنا آداب السلوك الجنسي".
ويواجه كلٌّ من الزوجين الآخر بكل مخزونه من الأفكار والخجل والخوف والممارسات المغلوطة، ولكن مع الأسف يظل الشيء المشترك بينهما هو الجهل وعدم المصارحة بالرغبات والاحتياجات التي تحقق الإحصان، ويضاف لهذا الخوف من الاستفسار عن المشكلة أو طلب المساعدة، وعدم طَرْق أبواب المكاشفة بما يجب أن يحدث، وكيف يحدث؟!
هناك العديد من الحالات لمراهقين أوقعهم جهلهم في الخطأ، وأحياناً في الخطيئة. ويوجد العديد من الأزواج يشكون من توتر العلاقة، أو العجز عن القيام بعلاقة كاملة، أو أنّهم غير قادرين على إسعاد زوجاتهم، ويوجد العديد من الزوجات لا يملكن شجاعة البوح بمعاناتهن من عدم الإشباع لأنّ الزوج لا يعرف كيف يحققها لهن، وغالباً لا يبالي..
وكذلك العكس ينطبق على الزوجة أيضاً..
ومع الأسف يشارك المجتمع في تفاقم الأزمة؛ بالصمت الرهيب، حيث لا تقدم المناهج التعليمية -فضلاً عن أجهزة الإعلام- أي مساهمة حقيقية في هذا الاتجاه رغم كلّ الغثاء الذي يبث على شاشاتها، والذي لا يقدّم بالضرورة ثقافة بقدر ما يقدّم صوراً غير مترابطة. ناهيك عن بعض محطات العرض الفضائية التي لا تهتم إلا بالعرض الرخيص.
ويزداد الأمر سوءاً حينما يظل أمر هذه المعاناة سراً بين الزوجين، فتتلاقى أعينهما حائرة متسائلة .. فالزوجة لا تجرؤ على السؤال، حيث لا يصح من امرأة محترمة محتشمة أن تسأل في مثل هذه المواضيع، وقد يساء فهمها على أنّ لها رغبة في هذا الأمر، وكأنّ المفروض أن تكون خُلقت دون هذه الرغبة!!
والزوج -أيضاً- لا يجرؤ على طلب المساعدة من زوجته، أليس هو الرجل ويجب أن يعرف كل شيء؟!!
وهكذا ندخل في الدوامة؛ الزوج يسأل أصدقاءه سراً؛ وتظهر هنا الوصفات العجيبة والاقتراحات الغريبة والنصائح المضحكة، حتى يصل الأمر للاستعانة بالعفاريت والجانّ، لكي يفكّوا (المربوط)، ويرفعوا المشكلة.
وعادة ما تسكت الزوجة طاوية جناحيها على آلامها، حتى تتخلص من لوم وتجريح الزوج، وقد تستمر المشكلة شهوراً طويلة، ولا أحد يجرؤ أن يتحدث مع المختص أو يستشير طبيباً نفسياً، بل قد يصل الأمر للطلاق من أجل مشكلة ربما لا يستغرق حلّها إلى نصف ساعة مع أهل الخبرة والمعرفة..
ورغم هذه الصورة المأساوية فإنها أهون كثيراً من الاحتمال الثاني، وهو أن تبدو الأمور وكأنها تسير على ما يرام، بينما تظل النار مشتعلة تحت السطح، فلا الرجل ولا المرأة يحصلون على ما يريدون أو يتمنون، وتسير الحياة وربما يأتي الأطفال معلنين لكل الناس أنّ الأمور مستتبة وهذا هو الدليل القاطع ـ وإلا كيف جاء الأطفال!!
وفجأة تشتعل النيران ويتهدم البيت الذي كان يبدو راسخاً مستقراً، ونفاجئ بدعاوى الطلاق والانفصال إثر مشادة غاضبة أو موقف عاصف، يسوقه الطرفان لإقناع الناس بأسباب قوية للطلاق، ولكنها غير السبب الذي يعلم الزوجان أنه السبب الحقيقي، ولكن كلاً منهما يخفيه داخل نفسه، ولا يُحدّث به أحداً حتى نفسه، فإذا بادرته بالسؤال عن تفاصيل العلاقة الجنسية -كنهها وأثرها في حدوث الطلاق- نظر إليك مندهشاً، مفتشاً في نفسه وتصرفاته عن أي لفتة أو زلة وشت به وبدخيلة نفسه، ثم يسرع بالإجابة بأنّ هذا الأمر لا يمثل أي مساحة في تفكيره!
أما الاحتمال الثالث -ومع الأسف هو السائد- أن تستمر الحياة حزينة كئيبة، لا طعم لها، مليئة بالتوترات والمشاحنات والملل والشكوى التي نبحث لها عن ألف سبب وسبب .. إلا هذا السبب.
ونتساءل هنا:
هل بالغنا في القول؟..
هل أعطينا الأمر أكثر مما يستحق؟..
هل تصورنا أنّ الناس لا همَّ لهم إلا الجنس وإشباع هذه الرغبة؟..
أم أنّ هناك فعلاً مشكلة عميقة تتوارى خلف أستار من الخجل والجهل، ولكنها تطلّ علينا كل حين بوجه قبيح من الكوارث الأسرية، وإذا أردنا العلاج والإصلاح فمن أين نبدأ؟
إننا بحاجة إلى رؤية علاجية خاصة بنا، تتناسب مع ثقافتنا حتى لا يقاومها المجتمع، وأن نبدأ في بناء تجربتنا الخاصة وسط حقول الأشواك والألغام، ونواجه هذه الثقافة المستوردة التي ترفض أن تتبع سنة وأدب رسول الله (ص) في تعليم وإرشاد الناس لما فيه سعادتهم في دائرة الحلال، وتعرض عن هذا الأدب النبوي في طلب الحلول من أهل العلم دون تردد أو ورع مصطنع.
وهذا يحتاج إلى فتح باب للحوار على مختلف الأصعدة وبين كل المهتمين، نبراسنا فيه سنة النبي (ص)، وسياجنا التقوى والجدية والعلم الرصين، وهدفنا سعادة بيوتنا والصحة النفسية لأبنائنا.


الاثنين، 2 يوليو 2018


كيف نعلم أبناءنا التربية الجنسية

لا بدّ أولاً من رفع الالتباس لدى أكثر أولياء الأمور بين الإعلام الجنسي وبين التربية الجنسية.
فـ (الإعلام الجنسي) هو إكساب الفتى أو الفتاة معلومات معينة عن موضوع الجنس. وأما (التربية الجنسية) فهي أشمل من ذلك؛ فهي تشمل الإطار القيمي والأخلاقي المحيط بموضوع الجنس باعتباره المسؤول عن تحديد موقف الطفل من هذا الموضوع في المستقبل.
فعلينا أن نعلِّم أطفالنا آداب النشاط أو السلوك الجنسي..
وأقرب العلوم للتربية الجنسية هي (التربية الدينية)؛ لأنّ الدين يعترف تماماً بالغريزة الجنسية، وينظم السلوك الجنسي من الناحية الأخلاقية والتشريعية قبل أي شيء آخر، ولهذا فالمفروض أن نهتم بتعليم الأحكام التشريعية المرتبطة بالدين.. وتعليم حدود الله فيما يتعلق بالسلوك الجنسي من حلال وحرام.. ومن هنا سنجد أنّ الإطار الذي نتحدث عنه سوف يؤدي إلى نتائج أفضل من إهماله.
إذن، المدخل الشرعي هو أنسب المداخل إلى هذا الموضوع، بمعنى أنه مع اقتراب سن البلوغ، والذي من علاماته بداية ظهور ما يسمى بالعلامات الجنسية الثانوية مثل: بداية ظهور الشارب، والشعر تحت الإبطين، وشعر العانة أسفل البطن، وخشونة الصوت في الذكور أو نعومته.
بالإضافة إلى بروز الصدر في الإناث عند ظهور هذه العلامات يبدأ الأب والأم -حسب الحال- في الحديث عن انتقال الفتى أو الفتاة من مرحلة إلى أخرى.
فمن الطفولة التي لم يكن مكلفاً فيها شرعياً إلى البلوغ والمراهقة، والتي أصبح مكلفاً فيها شرعياً، وأصبحت عليه واجبات والتزامات لم تصبح في حقه فضلاً أو مندوباً كما كانت في السابق، ويمكن الحديث عنها في جملة من الخطوات:
1. من هذه الواجبات الصلاة وأنها يشترط فيها الطهارة، وأنّ هذه الطهارة -وهو طفل- كانت تعني الوضوء فقط، ولكن نتيجة انتقاله من عالم الأطفال إلى عالم الكبار أصبح مطالباً بطهارة من أمور أخرى؛ نتيجة لتغيرات فسيولوجية داخل جسمه.
2. ثم يشرح للطفل بطريقة علمية بسيطة التغيرات الهرمونية والعضوية التي تحدث في جسمه، وتؤدي إلى بلوغه سواء بالاحتلام في الذكور، أم بنزول دم الحيض في البنات.
3. يجب أن يتسم الحديث بالوضوح والصراحة وعدم الحرج؛ لأنّ المشاعر الأولى في تناول هذا الأمر تنتقل إلى الطفل، وتظل راسخة في ذهنه، وتؤثر على حياته المستقبلية بصورة خطيرة.
4. ثم يتم تناول الحكمة من حدوث هذه التغيرات في جسم الإنسان، ودورها في حدوث التكاثر والتناسل من أجل إعمار الأرض وأنّ التجاذب الذي خلقه الله بين الجنسين إنما لهذه الحكمة وأنها رسالة يؤديها الإنسان في حياته؛ ولذا يجب أن تسير في مسارها الطبيعي. وتوقيتها الطبيعي الذي شرعه الله وهو الزواج؛ ولذا فيجب أن يحافظ الإنسان على نفسه؛ لأنها أمانة عنده من الله.
5. ثم يتم الحديث عن الصور الضارة من الممارسات والتصرفات الجنسية (بصورة إجمالية دون تفصيلات إلا إذا كان هناك ما يستلزم التفصيل) وكيف أنها خروج عن حكمة الله فيما أودعه فينا. ويتم ذلك بدون تخويف أو تهويل أو استقذار.
6. أن يتم فتح الباب بين الأب والأم وأبنائهم وبناتهم في حوار مستمر ومفتوح بمعنى أن نخبره أننا مرجعه الأساسي في هذه المواضيع، وأنه لا حرج عليه إذا لاحظ في نفسه شيئاً، أو سمع شيئاً، أو قرأ شيئاً أو جاء على ذهنه أي تساؤل أن يحضر إلينا ليسألنا أو لتسألنا فسيجد أذناً وقلوباً مفتوحة وأنه لا حرج ولا إحراج في التساؤل والنقاش حولها ولكن في الوقت المناسب، وبالطريقة المناسبة.
7. أن نكون قريبين منهم عند حدوث البلوغ ذاته فنطمئنه ونطمئنها ونرفع الحرج عنهم، ونذكرهم بما قلناه سابقاً. ونعاونهم بطريقة عملية في تطبيق ذلك سواء بالاغتسال بالنسبة للبنين أم بالإجراءات الصحيحة للتعامل مع الموقف مثل الفوط الصحية وما إلى ذلك بالنسبة للبنات.
8. نشعرهم أنّ ما حدث شيء يدعو للاعتزاز، لأنهم انتقلوا إلى عالم الكبار وأن ما حدث شيء طبيعي لا يدعو للخجل أو الإحراج؛ حيث تنتاب هذه المشاعر الكثير من المراهقين، خاصة البنات.
9. يمكننا إرشادهم لبعض المصادر العلمية المؤتمنة إن كانوا في وضع يسمح لهم بذلك فيوسّعون معلوماتهم ومعارفهم عن طريق الكتب والموسوعات العلمية والطبية.
10. أن نزودهم ببعض الأشرطة والمحاضرات التسجيلية في هذا المجال إن وجدت أو بعض المجلات الحديثة الجيدة التي تغطي جوانبَ من هذه الموضوعات، ونكون بذلك قد وضعنا أرجلهم على الطريق الصحيح للمعرفة الصحيحة في الحاضر والمستقبل.
11. أن نرفع للمؤسسة التربوية ضرورة تعليم مادة التربية الجنسية في المدارس تحت إشراف تربوي علمي رصين، ومدى أهمية هذا الموضوع في حياة أبنائنا وبناتنا، لكثرة ما يقعون من مشاكل جراء جهلهم بهذه الفترة الحرجة من أعمارهم.
فإذا عرضت للشاب أو الشابة مشكلة تتصل بالأمور الجنسية أو الأعضاء الجنسية حارَ في التماس التصرف الملائم، والجهة التي يمكن أن يقصدها بحثاً عن حلٍّ أو علاج، هل يتحدث مع الوالد أو الوالدة أم مع الخادم أو الخادمة، مع المدرس أو المدرسة، أم مع الزميل أو الزميلة؟!
وغالباً ما يكون الحديث مع الزميل أو الزميلة أهون منه مع الوالد والوالدة أو مع المدرّس والمدرّسة، والسبب هو الحاجز الذي أقامه هؤلاء الكبار بينهم وبين أبنائهم وتلاميذهم، أقاموه بصورة غير مباشرة بصمتهم عن كل ما يتعلق بالأمور الجنسية سنوات طوال، وبصدّهم للصغار حين يثيرون أسئلتهم الساذجة البريئة في مجال الجنس.
وهذا مما ألقي في ذهن الأبناء منذ الصغر أنّ كل ما له صلة بالأمور الجنسية يعتبر عيباً لا يجوز الخوض فيه، وأمر يحسن من باب الحياء أو الواجب البعد عنه وعدم الخوض فيه، وهكذا صار من شأن المهذَّبين أن يفضلّوا الصمت، ويتحملوا آثاره مهما كانت مزعجة مؤلمة، على معاناة الحديث، مع أنّ الحديث يمكن أن يُسهم في علاج المشكلات، بل قد يكون فيه البلسم لجراح نفسية عميقة ..
وخلاصة القول: إنّ ذلك الحياء المسرف ما هو إلا وضع نفسي نشأ ونما وتمكن منّا، حتى ليستعصي علاجه إذا حاولنا العلاج، وذلك نتيجة أوهام وتقاليد بالية ما أنزل الله بها من سلطان لكننا توارثناها جيلاً بعد جيل، وكأنها دين نستمسك به ونلقى الله عليه، وما درينا أننا أسرفنا على أنفسنا، وابتعدنا بذلك عن هدي الشرع الحكيم، وهدي نبينا الكريم وأهل بيته الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين.
يقول الدكتور حامد زهران أستاذ الصحة النفسية: "علينا كمربّين أن نعرف أنّ الأطفال يصلهم معلومات من زملائهم في المدرسة والشارع.. وقد يقرؤون كتباً بها أفكار مشوهة، وقد يطلّعون في عصرنا الحالي على مصادر سيئة في الإنترنت، وهناك أيضاً القنوات الفضائية، علينا أن نعلّم أطفالنا آداب السلوك الجنسي".
لقد قام رسول الله (ص) بهذا الدور المهم، حين علّم الأصحاب والصحابيات بلغة راقية وبأسلوب بسيط لا إفراط فيه ولا تفريط؛ لأنّ الجنس جزء من الحياة اعترف به الإسلام ووضع الأطر الصحيحة للتعامل معه، وكانت أموره تناقش علناً في مجلس الرسول الكريم فكان نعم المعلم (ص) لأجيال المسلمين المتعاقبة.

محرم 1447 في الصحافة الكويتية