السبت، 7 يوليو 2018


هل نحن في حاجة إلى ثقافة جنسية؟

 / هذا هو السؤال المهم..
حيث إنّ إدراك وجود المشكلة هو نصف الحل، بينما تجاهلها يمكن أن يؤدِّي إلى تفاقمها بصورة لا يصلح معها أيُّ حلٍّ عند اكتشافها في توقيت متأخر...
فما بالنا ونحن نحوم حول الحمى.. ولا نناقش الأمور المتعلقة بالصلة الزوجية، وكأنها سرّ، ولا يُسمح حتى بالاقتراب لمعرفة ما إذا كان هناك مشكلة أم لا؟!!
لأنَّ ذلك يدخل في نطاق (العيب) و (قلة الأدب)، فالشباب، المراهقون منهم والمراهقات، يعانون أشد ما يعانون من وطأة هذه الأسئلة وهذه المشاعر!!
ونحن نسأل المسؤولين: كيف يتم إعداد الأبناء لاستقبال هذه المرحلة الخطيرة من حياتهم بكل ما تحويه من متغيرات نفسية وجسدية؟
ستجيب الأم على هذا السؤال وتقول: إني أصاب بالحرج من أن أتحدث مع ابنتي في هذه الأمور.
وطبعًا يزداد الحرج إذا كان الابن ذكراً!
وهكذا يستمر الموضوع سراً غامضاً، تتناقله ألسنة المراهقين فيما بينهم، وهم يستشعرون أنهم بصدد فعل خاطئ يرتكبونه بعيداً عن أعين الرقابة الأسرية، وفي عالم الأسرار والغموض تنشأ الأفكار والممارسات الخاطئة وتنمو وتتشعب دون رقيب أو حسيب.
ثم يجد الشاب والفتاة أنفسهما فجأة، عند الزواج، وقد أصبحا في مواجهة حقيقية مع هذا الأمر، ويحتاجان إلى ممارسة واقعية وصحيحة، وهما في الحقيقة لم يتأهلا له.
يقول الدكتور حامد زهران أستاذ الصحة النفسية بأنّ "علينا كمربِّين أن نعرف أنّ الأطفال يصلهم معلومات من زملائهم في المدرسة والشارع.. وقد يقرؤون كتباً بها أفكار مشوهة، وقد يطلّعون في عصرنا الحالي على مصادر سيئة في الإنترنت، وهناك أيضاً القنوات الفضائية، فعلينا أن نعلّم أطفالنا آداب السلوك الجنسي".
ويواجه كلٌّ من الزوجين الآخر بكل مخزونه من الأفكار والخجل والخوف والممارسات المغلوطة، ولكن مع الأسف يظل الشيء المشترك بينهما هو الجهل وعدم المصارحة بالرغبات والاحتياجات التي تحقق الإحصان، ويضاف لهذا الخوف من الاستفسار عن المشكلة أو طلب المساعدة، وعدم طَرْق أبواب المكاشفة بما يجب أن يحدث، وكيف يحدث؟!
هناك العديد من الحالات لمراهقين أوقعهم جهلهم في الخطأ، وأحياناً في الخطيئة. ويوجد العديد من الأزواج يشكون من توتر العلاقة، أو العجز عن القيام بعلاقة كاملة، أو أنّهم غير قادرين على إسعاد زوجاتهم، ويوجد العديد من الزوجات لا يملكن شجاعة البوح بمعاناتهن من عدم الإشباع لأنّ الزوج لا يعرف كيف يحققها لهن، وغالباً لا يبالي..
وكذلك العكس ينطبق على الزوجة أيضاً..
ومع الأسف يشارك المجتمع في تفاقم الأزمة؛ بالصمت الرهيب، حيث لا تقدم المناهج التعليمية -فضلاً عن أجهزة الإعلام- أي مساهمة حقيقية في هذا الاتجاه رغم كلّ الغثاء الذي يبث على شاشاتها، والذي لا يقدّم بالضرورة ثقافة بقدر ما يقدّم صوراً غير مترابطة. ناهيك عن بعض محطات العرض الفضائية التي لا تهتم إلا بالعرض الرخيص.
ويزداد الأمر سوءاً حينما يظل أمر هذه المعاناة سراً بين الزوجين، فتتلاقى أعينهما حائرة متسائلة .. فالزوجة لا تجرؤ على السؤال، حيث لا يصح من امرأة محترمة محتشمة أن تسأل في مثل هذه المواضيع، وقد يساء فهمها على أنّ لها رغبة في هذا الأمر، وكأنّ المفروض أن تكون خُلقت دون هذه الرغبة!!
والزوج -أيضاً- لا يجرؤ على طلب المساعدة من زوجته، أليس هو الرجل ويجب أن يعرف كل شيء؟!!
وهكذا ندخل في الدوامة؛ الزوج يسأل أصدقاءه سراً؛ وتظهر هنا الوصفات العجيبة والاقتراحات الغريبة والنصائح المضحكة، حتى يصل الأمر للاستعانة بالعفاريت والجانّ، لكي يفكّوا (المربوط)، ويرفعوا المشكلة.
وعادة ما تسكت الزوجة طاوية جناحيها على آلامها، حتى تتخلص من لوم وتجريح الزوج، وقد تستمر المشكلة شهوراً طويلة، ولا أحد يجرؤ أن يتحدث مع المختص أو يستشير طبيباً نفسياً، بل قد يصل الأمر للطلاق من أجل مشكلة ربما لا يستغرق حلّها إلى نصف ساعة مع أهل الخبرة والمعرفة..
ورغم هذه الصورة المأساوية فإنها أهون كثيراً من الاحتمال الثاني، وهو أن تبدو الأمور وكأنها تسير على ما يرام، بينما تظل النار مشتعلة تحت السطح، فلا الرجل ولا المرأة يحصلون على ما يريدون أو يتمنون، وتسير الحياة وربما يأتي الأطفال معلنين لكل الناس أنّ الأمور مستتبة وهذا هو الدليل القاطع ـ وإلا كيف جاء الأطفال!!
وفجأة تشتعل النيران ويتهدم البيت الذي كان يبدو راسخاً مستقراً، ونفاجئ بدعاوى الطلاق والانفصال إثر مشادة غاضبة أو موقف عاصف، يسوقه الطرفان لإقناع الناس بأسباب قوية للطلاق، ولكنها غير السبب الذي يعلم الزوجان أنه السبب الحقيقي، ولكن كلاً منهما يخفيه داخل نفسه، ولا يُحدّث به أحداً حتى نفسه، فإذا بادرته بالسؤال عن تفاصيل العلاقة الجنسية -كنهها وأثرها في حدوث الطلاق- نظر إليك مندهشاً، مفتشاً في نفسه وتصرفاته عن أي لفتة أو زلة وشت به وبدخيلة نفسه، ثم يسرع بالإجابة بأنّ هذا الأمر لا يمثل أي مساحة في تفكيره!
أما الاحتمال الثالث -ومع الأسف هو السائد- أن تستمر الحياة حزينة كئيبة، لا طعم لها، مليئة بالتوترات والمشاحنات والملل والشكوى التي نبحث لها عن ألف سبب وسبب .. إلا هذا السبب.
ونتساءل هنا:
هل بالغنا في القول؟..
هل أعطينا الأمر أكثر مما يستحق؟..
هل تصورنا أنّ الناس لا همَّ لهم إلا الجنس وإشباع هذه الرغبة؟..
أم أنّ هناك فعلاً مشكلة عميقة تتوارى خلف أستار من الخجل والجهل، ولكنها تطلّ علينا كل حين بوجه قبيح من الكوارث الأسرية، وإذا أردنا العلاج والإصلاح فمن أين نبدأ؟
إننا بحاجة إلى رؤية علاجية خاصة بنا، تتناسب مع ثقافتنا حتى لا يقاومها المجتمع، وأن نبدأ في بناء تجربتنا الخاصة وسط حقول الأشواك والألغام، ونواجه هذه الثقافة المستوردة التي ترفض أن تتبع سنة وأدب رسول الله (ص) في تعليم وإرشاد الناس لما فيه سعادتهم في دائرة الحلال، وتعرض عن هذا الأدب النبوي في طلب الحلول من أهل العلم دون تردد أو ورع مصطنع.
وهذا يحتاج إلى فتح باب للحوار على مختلف الأصعدة وبين كل المهتمين، نبراسنا فيه سنة النبي (ص)، وسياجنا التقوى والجدية والعلم الرصين، وهدفنا سعادة بيوتنا والصحة النفسية لأبنائنا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

محرم 1447 في الصحافة الكويتية