أبناؤنا ثمرة تربيتنا / 04
{رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا
وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً}
[الفرقان: 74].
الثالث: الإحسان إلى الطفل وتكريمه:
الطفل
في هذه المرحلة بحاجة إلى:
1
- إلى المحبّة والتقدير من قبل الوالدين.
2
- وإلى الاعتراف به وبمكانته في الأسرة وفي المجتمع، وأن تسلّط
الأضواء عليه.
والحب
والتقدير الذي يحس به الطفل له تأثير كبير على جميع جوانب حياته، فيكتمل نموه
اللغوي والعقلي والعاطفي والاجتماعي، والطفل يقلّد من يحبه، ويتقبّل التعليمات
والأوامر والنصائح ممن يحبّه، فيتعلم قواعد السلوك الصالحة من أبويه وتنعكس على
سلوكه إذا كان يشعر بالمحبة والتقدير من قبلهما.
وقد
وردت عدة روايات تؤكد على ضرورة محبة الطفل وتكريمه.
قال
رسول الله (ص): "أَكْرِمُوا أَوْلادَكُمْ
وَأَحْسِنُوا آدَابَهُمْ يُغْفَرْ لَكُمْ"[1].
وقال
(ص): "رَحِمَ اللَّهُ عَبْداً أَعَانَ وَلَدَهُ عَلَى بِرِّهِ
بِالإحْسَانِ إِلَيْهِ وَالتَّأَلُّفِ لَهُ وَتَعْلِيمِهِ وَتَأْدِيبِهِ"[2].
وقال
(ص): "نَظَرُ الْوَالِدِ إِلَى وَلَدِهِ حُبّاً لَهُ
عِبَادَةٌ"[3].
وقال
(ص): "أَحِبُّوا الصِّبْيَانَ وَارْحَمُوهُمْ، وَإِذَا
وَعَدْتُمُوهُمْ شَيْئاً فَفُوا لَهُمْ، فَإِنَّهُمْ لا يَدْرُونَ إلا أَنَّكُمْ
تَرْزُقُونَهُمْ"[4].
فالمطلوب
من الوالدين أمور:
1
- التشجيع
والمدح على ما ينجزه طفلهما من أعمال وإن كانت يسيرة، وأن يتجاوزا عن بعض الهفوات،
وعدم تسفيه أقواله أو أعماله وعدم حمله على ما لا يطيق كما جاء في قول رسول الله
(ص): "رَحِمَ اللَّهُ مَنْ أَعَانَ وَلَدَهُ
عَلَى بِرِّهِ ... يَقْبَلُ مَيْسُورَهُ، وَيَتَجَاوَزُ عَنْ مَعْسُورِهِ، وَلا
يُرْهِقُهُ، وَلا يَخْرَقُ بِهِ..."[5].
ويقول عبد
الله ابن عباس: "وضعت للنبي (ص) وضوءاً قال: من وضع هذا؟ فأخبر؛ فقال: اللهم
فقهه في الدين"[6].
2
- من
أفضل الوسائل لإشعار الطفل بالحب والحنان تقبيله، قال رسول الله (ص): "أَكْثِرُوا مِنْ قُبْلَةِ أَوْلادِكُمْ فَإِنَّ
لَكُمْ بِكُلِّ قُبْلَةٍ دَرَجَةً فِي الْجَنَّةِ"[7].
وقال
(ص): "مَنْ قَبَّلَ وَلَدَهُ كَتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ
حَسَنَةً، وَمَنْ فَرَّحَهُ فَرَّحَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ..."[8].
وقبّل رسول
الله ذات مرة الحسن بن علي، وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالساً، فقال الأقرع:
إنّ لي عشرة من الولد ما قبَّلْتُ منهم أحداً، فنظر عليه رسول الله ثم قال: من لا
يَرْحَم لا يُرْحَم[9].
وجاء
أعرابي إلى النبي (ص) فقال: أَتُقَبِّلُون الصبيان فما نقبلهم، فقال النبي: أوأملك
لك أن نزع الله الرحمة من قلبك؟[10].
3
- إسماع الطفل كلمات الحبّ والود ففي روايةٍ: جاء الحسن والحسين
يسعيان إلى رسول الله (ص) فأخذ أحدهما فضمّه إلى إبطه، وأخذ الآخر فضمّه إلى إبطه
الآخر وقال: "هذان ريحانتاي من الدنيا"[11].
4
- من أجل إشعار الطفل بمكانته الاجتماعية ولتعميق الثقة بنفسه كان
رسول الله (ص) يسلّم على الصغير والكبير كما جاء في الخبر إنّه: "مرّ على
صبيان فسلّم عليهم"[12].
إذن
إشعار الطفل بالحب والحنان من أهم العوامل التي تساعده على الطاعة والانقياد
للوالدين [13].
والأفضل
أن يكون إشعار الطفل بأنّه محبوب مرافقاً له في كل الأوضاع والأحوال حتى وإن أخطأ
أو ارتكب ما يوجب التأنيب أو العقاب، والأفضل أن نجعل الطفل مميّزاً بين الحب له
وعدم كراهيته في حالة خطئه أو ذنبه، يقول الدكتور سپوك: "إننا كآباء يجب أن
لا نجعل الطفل يشعر في أي مرحلة من مراحل عمره بأنّه منبوذ ولو حتى بمجرد نظرة
عين، إنّ الطفل لا يستطيع أن يفرّق بين كراهية والديه لسلوكه وبين كراهيتهما
له"[14].
ولكن
بالتدريب وتكرار العمل يمكننا أن نقنع الطفل بأنّ العمل الخاطئ الذي يرتكبه
مبغوضاً من قبل والديه، أو من قبل المجتمع مع بقاء المحبوبية له، ونحاول إقناعه
بالإقلاع عن الأعمال الخاطئة وإشعاره بأنّ الحب والحنان سيصل إلى أعلى درجاته في
هذه الحالة.
الرابع:
تربية الطفل على طاعة الوالدين:
تربية
الطفل على طاعة الوالدين تتطلب جهداً متواصلاً منهما على تمرينه على ذلك؛ لأنّ
الطفل في هذه المرحلة يروم إلى بناء ذاته وإلى الاستقلالية الذاتية، فيحتاج إلى
جهد إضافي من قبل الوالدين، وأفضل الوسائل في التمرين على الطاعة هو إشعاره بالحبّ
والحنان...
يقول
الدكتور يسري عبد المحسن: "أهم العوامل التي تساعد الطفل على الطاعة.. الحب
والحنان الذي يشعر به الطفل من كل أفراد الأسرة"[15].
ومن
الوسائل التي تجعله مطيعاً هي إشباع حاجاته الأساسية وهي (الأمن، والمحبة،
والتقدير، والحرية، والحاجة إلى سلطة ضاغطة"[16].
فإذا
شعر الطفل بالحب والحنان والتقدير من قبل والديه، فإنه يحاول المحافظة على ذلك
بإرضاء والديه وأهم مصاديق الإرضاء هو طاعتهما.
وهنا
ينبغي أن لا تتحول الطاعة إلى (استبداد) من قبل الأبوين على أولادهما فليس المطلوب
من الابن هو إرضاء الوالدين أو إطاعتهما، بل المطلوب الإحسان إليهما.
وعملية
الإحسان هي عملية تربوية تمثل انفعال الإنسان وتفاعله بما يقدمه الآخر إليه من
رعاية وحماية واحتضان وخدمة وتضحية وإحسان. وهذا ما عبّرت عنه الآية الكريمة: {هَلْ
جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ}[17].
فالإحسان هي مسألة إنسانية يقوم به كل فرد انطلاقاً من إحساسه الإنساني، وذلك بأن
يستشعر إنسانية الآخر في نفسه.
فعلينا
أن نعلم ولدنا كيف يتقن عملية الإحسان، فهناك علاقة متداخلة بين الإتقان والإحسان،
غير أنّ الإتقان عمل يتعلق بالمهارات التي يكتسبها الإنسان، بينما الإحسان قوة
داخلية تتربى في كيان المسلم، وتتعلق في ضميره وتترجم إلى مهارة يدوية أيضاً؛
فالإحسان أشمل وأعم دلالة من الإتقان، ولذلك كان هو المصطلح الذي ركز عليه القرآن:
{وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[18].
فالإحسان
مراقبة دائمة لله، وإحساس بقيمة العمل، وعلى هذا تندرج كل عبادة شرعية، أو سلوكية
أو عائلية تحت مصطلح الإحسان الذي يعني انتقاء الأحسن في كل شيء؛ فالشخصية المسلمة
تتميز بالإحسان الذي يرتبط بالتقوى وعبر عنه كمرحلة سامية من مراحل الإيمان
المصاحب للعمل، يقول تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا
وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا
وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[19].
فإذا
كان المسلم مطالباً بالعبادة، والعمل المترجم للإيمان فإنه مطالب دائماً بالإحسان
في العمل والحياة، غير أنّ هناك تفاوتاً في مجالات الإحسان حيث ركز القرآن الكريم
في طلب الإحسان في أمور منها: الإحسان إلى الوالدين، مع دوام الإحسان في كل شيء،
يقول الله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللهَ وَلاَ
تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى
وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ
وَالصَّاحِبِ بِالجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللهَ
لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا}[20]،
فالإحسان بنص هذه الآية انفتاح على قطاعات كثيرة في المجتمع، يطالب المسلم
بالتعامل معها والتفاعل على أساس من التقوى والحرص على الجماعة حتى يكون الجهد
المبذول في سبيل الإحسان إليها ذا قيمة اجتماعية يراعى فيها رضاء المولى عز وجل
لقوله تعالى: {وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ
كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}[21].
ولذلك
ينبغي لنا دائماً أن نؤكد في عقل الطفل وفي قلبه، على القيمة التي يمثلها الأم
والأب في حياته، باعتبار أنهما:
1
- أساس وجوده.
2
- وأنهما القيّمان على رعايته واحتضانه فيسهران لينام، ويجوعان
ليشبع، ويتعبان ليرتاح تضحية من أجله.
فالوالدان
هما الأساس في تربية الطفل على الطاعة، قال رسول الله (ص): "رَحِمَ
اللَّهُ وَالِدَيْنِ أَعَانَا وَلَدَهُمَا عَلَى بِرِّهِمَا"[22].
وأسلوب
الإعانة كما حددّه رسول الله (ص): "رَحِمَ
اللَّهُ عَبْداً أَعَانَ وَلَدَهُ عَلَى بِرِّهِ بِالإحْسَانِ إِلَيْهِ
وَالتَّأَلُّفِ لَهُ وَتَعْلِيمِهِ وَتَأْدِيبِهِ"[23].
وقال
(ص): "رحم الله من أعان ولده على برّه، وهو أن يعفو عن سيئته،
ويدعو له فيما بينه وبين الله"[24].
وعن
يونس بن رِبَاط، عن أبي عبد الله (ع) قال: قالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): رَحِمَ
اللَّهُ مَنْ أَعَانَ وَلَدَهُ عَلَى بِرِّهِ.
قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ يُعِينُهُ عَلَى بِرِّهِ؟ قَالَ: يَقْبَلُ
مَيْسُورَهُ، وَيَتَجَاوَزُ عَنْ مَعْسُورِهِ، وَلا يُرْهِقُهُ، وَلا يَخْرَقُ
بِهِ..."[25].
وحب
الأطفال للوالدين رد فعل لحبّ الوالدين لهما[26].
وهذا
ما يعالجه القرآن بطريقة تستثير شعور الابن الإنساني في علاقته بأبويه من خلال
قوله عز وجل: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ
الرَّحْمَةِ..}. وهذه الفقرة توحي بأنّ
العلاقة بالأب والأم تقع خارج إطار العلاقات الإنسانية العادية، فهي لا تستدعي منه
الثأر لكرامته في حال تعرضه للأذية النفسية، لذا على الابن أن يمارس حيال والديه
الذل العملي دون أن يشعر بامتهان كرامته، تماماً كما كان الأبوان أنفسهما يذلان أمامه
عندما كان في صغره يضربهما أو يدفعهما أو ما أشبه ذلك، هذا النمط من الذل هو ذل
الرحمة.
ثم
يقول تعالى: {..وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا
رَبَّيَانِي صَغِيراً}[27].
فعلى المربّي أن ينمّي في الطفل حالة الإحسان إلى والديه كرد فعل لإحسانهما، وذلك
باستحضار كل تاريخ حياته معهما، وتاريخ رعايتهما له. هكذا يدخل إرضاء الوالدين
بوصفه نوعاً من أنواع الإحسان، يكبت فيه الابن رغباته، ويستغني عن بعض حاجاته من
أجل إشباع رغبات الأبوين أو من أجل تلبية حاجاتهما.
تنبيه:
علينا
أن ننبه كمربين على أمور:
1.
إنّ
البر بالوالدين ليس عملية إلغاء لشخصية الولد أو إلغاء لمصالحه، وبالتالي تحويل
شخصيته إلى صدى لشخصية الأبوين، واعتبار نفسه ظلاً لهما.
2.
لا
يجوز أن يُربّى الولد على أن يكون صورة منسوخة عن أبويه، بل لا بد أن نعين الولد
على اختيار صورته بالاستفادة من بعض ملامح صورة والديه بما يخدم حياته.
3.
يجب أن
يصنع الولد صورته بنفسه، مستعيناً بما يرتاح إليه أو يقتنع به من صور الآخرين أو
ما يقتنع به في نفسه.
4.
إنّ
هذه الطاعة المستحبة للوالدين، وهذا الرضى المرغوب فيه، ليس أمراً مطلوباً في جميع
الأحوال، بل في حدود معينة.
5.
أن لا
تكون مع الطاعة معصية لله.
6.
أن لا
تكون مع الطاعة تدمير لحياة الابن وشخصيته، ولا يكون فيه إساءة إلى الأبوين من
ناحية أخرى.
7.
أن لا
يكون فيه ضغط عليه أكثر مما لا يتناسب مع مصلحته.
الهوامش:
(1) وسائل الشيعة: ج 21 ص 476.
(2) مستدرك الوسائل: ج 15 ص 169.
(3) مستدرك الوسائل: ج 15 ص 170.
(4) الكافي: ج 6 ص 49، والفقيه: ج 3 ص 483.
(5) الكافي: ج 6 ص 50.
(6) صحيح البخاري: ج 1 ص 66 ح 143.
(7) وسائل الشيعة: ج 21 ص 485.
(8) الكافي: ج 6 ص 49.
(9) صحيح مسلم: ج 4 ص 1808 ح 2318.
(10)
صحيح
ابن حبان: ج 12 ص 407.
(11)
البحار:
ج 75 ص 37.
(12)
مستدرك
الوسائل: ج 8 ص 364.
(13)
قاموس
الطفل الطبي: ص 328.
(14)
مشاكل
الآباء: ص 141.
(15)
قاموس
الطفل الطبي: ص 328.
(16)
علم
النفس، لعبد العزيز القوصي: ص 264.
(17)
الرحمن:
60.
(18)
البقرة:
195.
(19)
المائدة:
93.
(20)
النساء:
36.
(21)
النساء:
128.
(22)
الكافي:
ج 6 ص 48، والفقيه: ج 4 ص 371، والتهذيب: ج 5 ص 112.
(23)
مستدرك
الوسائل: ج 15 ص 169.
(24)
البحار:
ج 98 ص 101.
(25)
الكافي:
ج 6 ص 50.
(26)
علم
الاجتماع، لنقولا الحداد: ص 252.
(27)
الإسراء:24.
شكرا وجزاك الله خير الجزاء درس فيه جمعت فيه خصلات التربيه للطفل والابن احسنت وبارك الله فيكم
ردحذف