السبت، 9 مارس 2019


أبناؤنا ثمرة تربيتنا / 05


{رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان: 74].

رضا الوالدين بين الإيجاب والسلب:


تحدثنا في المقال السابق عن تربية الطفل على طاعة الوالدين وأنها تتطلب جهداً متواصلاً منهما على تمرينه على ذلك؛ لأنّ الطفل في هذه المرحلة يروم إلى بناء ذاته وإلى الاستقلالية الذاتية، فيحتاج إلى جهد إضافي من قبل الوالدين، وأفضل الوسائل في التمرين على الطاعة هو إشعاره بالحبّ والحنان...

ولا بد أن نفصل الجانبين الإيجابي والسلبي أحدهما عن الآخر في هذه المسألة، ففي الجانب الإيجابي يعطي رضا الوالدين طابعاً حميماً لعلاقة الأولاد مع الأب والأم ويدعم تماسك الأسرة، حيث تبدو الأسرة كخلية يقودها شخص ويحضنها شخص، ويتحرك في إطار هذه القيادة والحضانة الأولاد. ومن هنا، فإنّ عمل أفراد الأسرة الواحد على إرضاء بعضهم البعض، يقوي الروابط العاطفية، ويبسط العلاقات الأسرية، ويجعلها أكثر راحة وسلامة.

أما الجانب السلبي من رضا الوالدين، فإنه يتمثل في خضوع الولد التام لوالديه، ما يمنعه من تنمية شخصيته المستقلة واختيار طريقة حياة وطريقة تفكير خاصة، بحيث يصبح مجرد صدى للآخر، وهو مفعول سلبي جداً لمفهوم الرضا.

لذلك لا بد أن نجرد هذا المفهوم من معنى الانسحاق أمام الآخر خوفاً من غضبه، بل لا بد لنا من أن نستبدل مفهوم الرضا الذي ينفي شخصية الفرد ويجعل كل حياته مكرسة لإرضاء الغير بمفهوم الإحسان، حيث تكون العلاقة مع الآخر قائمة على الإحساس بإنسانيته، وبما قدمه هذا الآخر من عناصر ساهمت في تنشئة الطفل وفي تحويله إلى إنسان قادر على الاستقلال بحياته.

فالمجتمع الذي يُربي أفراده منذ الطفولة على أن يكون إرضاء الآخر قيمةً عليا لديهم، سوف يتحرك سياسياً واجتماعياً وسلوكياً تحت تأثير الآخر، لأن إرضاء الآخر والخوف من إزعاجه وإهماله هو عقدة تجعل الآخر كل شيء بالنسبة لي، وتحمل الآخر على اجتياح عقلي وقلبي وكل حياتي، فلا أعلن عن رغبة ضد رغبته، ولا أختار فكراً ضد فكره، ولا أتحرك أية حركة ضد حركته، لأن ذلك يغضبه ولا يرضيه.

لذا فإن عقدة إرضاء الآخر تشكل حاجزاً يعرقل نموَّ الطفل ويعيق تطور شخصية الشاب الذي تتركز في داخله هذه القيمة الخضوعية وتستمر معه طوال الحياة، ولعل خضوع بعض الشعوب للأقوياء، سواء كانوا من داخل مجتمعهم أو خارجه، يعود إلى هذه التربية على الطاعة وعدم إزعاج الآخر.

ومن نافل القول الإشارة إلى أن التوجيه الإسلامي لاحظ هذه المسألة في بعض الدوائر الاجتماعية التي يحاول فيها البعض إرضاء الآخرين بتقديم التنازلات لهم {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ..}[البقرة: 120]. إذا كان هاجسك أن يرضى عنك اليهود والنصارى، وهما نموذجان يمكن أن نوسع دلالاتهما إلى ما يتجاوز هاتين الدائرتين، فإن الآخرين لا يرضون عنك إلاّ إذا ألغيت فكرك وإرادتك أمام فكرهم وإرادتهم، بمعنى أن تلغي نفسك. وكأنه يقول لا تلغِ نفسك إن كنت تؤمن بما يتنافى مع ما يؤمن به الآخرون، فلن يرضى الآخرون إذا ما كانوا يلتزمون فكراً أو خطاً مختلفاً إلاّ عمّن يلتزم هذا الفكر وهذا الخط كاملاً.

إذن:

علينا أولاً أن لا نخلط المفاهيم بطريقة مسيئة إلى الطفل والتربية، فعندما نتحدث عن إرضاء الوالدين، فإن ذلك قد يمتد ليأخذ شكل القيمة الدينية المقدسة، الأمر الذي قد يؤدي إلى نوعٍ من الضّغط النفسي الشديد على الولد عندما يفرض الوالدان على الولد فعلاً ليس في مصلحته. إن أكثر الاتجاهات شيوعاً لدى الآباء والأمهات في تربية أولادهم هو رغبة الأهل في جعل أولادهم صورةً لهم، وسعيهم إلى فرض رغباتهم وأفكارهم الخاصة على الأبناء. كما هو الحال في مجتمعنا التقليدي، حيث يفرض الأب أو الأم على الولد أو البنت زوجةً معينة أو زوجاً معيناً، إما من خلال التركيز على شخص معين أو على مواصفات معينة. أو كما هي حال الأب الذي يريد أن يكون ابنه امتداداً له في عمله أو وظيفته أو ما إلى ذلك. لذلك إذا قلنا: إن رضا الوالدين بذاته مطلوب في التربية، فإن الولد عند ذلك قد يتخيل أن الله يغضب عليه إذا لم يستجب لرغبة أمه أو أبيه، فيشعر آنذاك أنه يعيش دماراً في حياته بأسرها.

لذا نقول إن علينا كمربين عندما نريد غرس قيمة معينة في نفس الولد، لا سيما إذا كان لهذه القيمة عنوان الفرض الديني، الذي يشعر معه الإنسان بأن الانحراف عنه يغضب الله، لا بدّ أن نحدّد هذه القيمة بدقة، والقرآن الكريم يعطي لهذه القيمة معنى حدده بالإحسان إلى الوالدين.

أما خضوع الولد للوالدين فأمر يتوقف على أسلوبهما في التأثير على نفسية الولد، ونحن لا ننصحهما بأن يعملا على التأثير في نفسية الولد بالمستوى الذي يصادر شخصيته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

محرم 1447 في الصحافة الكويتية