** اليوم العالمي للكتاب / القراءة ليست هواية **
ما اللغة؟ كيف نتعامل
معها؟ كيف حدثت اللغة؟ أسئلة كبرى من قبيل أسئلة الخلق وكيف بدأ والإنسان وكيف
عقل.
في الأصل كانت اللغة
مجرد قدرة على إنتاج الأصوات ولهذا كانت في الأصل لغوًا. لم يكن البشر الأول من
الناحية الفيزيولوجية قادراً على التواصل الرمزي المعقد ولكنه كان من غير شك قادراً
على الصراخ والتصويت.
وتشير الحفريات إلى أنَّ
بشر النياندرتال الموجود قبل الإنسان الحالي أو الآدمي لم يكن قادراً على التواصل
بنظام رمزي فعَّال ومنظَّم، وربما كان هذا سبب انقراضه؛ حيث تعلل الدراسات الحفرية
والأنثروبولوجية انقراض البشر السابق على الإنسان الحالي بعجزه عن التواصل اللغوي،
والجميل أنَّ ابن حزم الأندلسي، يؤكد التلازم بين الوجود أو البقاء واللغة، فالعجز
عن الكلام يؤدي بالضرورة لدى ابن حزم إلى العجز عن البقاء، (راجع:
الإحكام في أصول الأحكام: ج ١ ص ٣٠) مع أنه بالتأكيد كان
قادراً على الإشارة، وهي نوع من البيان بتعبير الجاحظ أو بتعبير العلماء ذوي
النزعة التطورية.
ولعل من المنطقي أن تكون
رحلة الإنسان مع اللغة قد بدأت منذ فترة بعيدة وانتقلت من مرحلة إلى أخرى في اتجاه
تصاعدي متطور وتعليم الله، سبحانه، الإنسان البيان أو الإعراب لا يمكن النظر إليه
على أنه تعليم وقع مرة واحدة؛ لأنَّ هذا الفهم يسقط مفهوم الخلق الكامل لآدم على
قدرة آدم على التواصل باللغة.
إنَّ افتراض وقوع عملية
الخلق خارج إطار التطور؛ (بمعناه القرآني وليس بالضرورة بمعناه الدارويني) تسمح
باستنتاج مبسط لعملية التواصل اللغوي وهو أنَّ كمال الخلق يقتضي كمال صفات المخلوق
كما نعرفها الآن من قدرة على التفكير والتواصل اللغوي...
وتعد
الكتابة أهم اختراعات الإنسان على الإطلاق. ثم كانت الطباعة نقلة نوعية هائلة فى
الأدوات المعرفية للإنسان؛ ومن هنا نشأت العلاقة بين الإنسان والكتاب وتطورت
واتخذت شكلاً حميميًا لم ينشأ بين الإنسان وأى من اختراعاته الأخرى.
وعلى
الرغم من تطور الأدوات المعرفية ، السمعية والبصرية التى اخترعها الإنسان، فإن
الكتاب يظل صاحب الحظوة فى علاقته الخاصة بالإنسان لأنه يصحبه فى أي مكان، ولأنه
يترك لخياله مراحًا مناسبًا من ناحية أخرى. ولكن العلاقة بين الإنسان والكتاب في
العالم العربي تشهد حاليًا تراجعاً مخيفاً يوازيه تراجع مخيف فى مستوى الوعى العام
وفى مستوى البناء المعرفي لدى الفرد.
وهذه
الدراسة تحاول رصد الظاهرة وتفسير بعض جوانبها من خلال قراءة ما جرى. ولنبدأ القصة
من أولها …
هل القراءة
هواية؟
لطالما كتب
الكثير من التربويين عن القراءة وأهميتها وفوائدها، لكن أرى أن كتاباتنا السابقة
لم تتعمق كثيراً في أهمية القراءة، فهناك مفاهيم أعمق مما يطرح يجب أن نتناولها،
وهناك مفاهيم يجب أن تصحح، هذا ما أراه حسب وجهة نظري، والقراءة والكتاب والثقافة
والتقدم والتطور أمور متلازمة ومفاهيم مترابطة، لذلك علينا أن لا نمل من التطرق
لمثل هذه المواضيع بحجة التكرار، وعلينا أن لا نمل من طرحها لأننا نعاني من ظاهرة
شح القراءة في مختلف شرائح المجتمع..
وقد ذكرت مجلة
البيان الإماراتية هذا التقرير:
1-
كل
80 مواطناً عربياً يقرأون كتاباً واحداً في السنة. في المقابل، يقرأ المواطن
الأوروبي نحو 35 كتاباً في السنة.
2-
يأتي
دافع القراءة للترفيه أولاً بالنسبة للدول العربية بنسبة 46 %، بينما لا يبلغ دافع
التماس المعلومات إلا 26 % فقط.
3-
العربي
يقرأ بمعدل 6 دقائق سنوياً بينما يقرأ الأوروبي بمعدّل 200 ساعة سنوياً.
4-
معدل
النشر في الدول العربية سنوياً حوالي 6500 كتاب، بينما يصل 102000 كتاب في أميركا
الشمالية و42000 كتاب في أميركا اللاتينية والكاريبي.
5-
إصدارات
كتب الثقافة العامة في العالم العربي لا تتجاوز الـ5000 عنوان سنوياً، وفي أميركا
حوالي 300 ألف كتاب.
6-
النسخ
المطبوعة من كل كتاب عربي تقارب 1000 أو 2000 وفي أميركا 50 ألف نسخة.
7-
يُترجَم
سنوياً في العالم العربي خُمس ما يُترجَم في دولة اليونان الصغيرة، والحصيلة
الكلية لما تُرجم إلى العربية منذ عصر الخليفة العبّاسي المأمون إلى العصر الحالي
تقارب الـ10000 كتاب، وهذا العدد يساوي ما تترجمه إسبانيا في سنة واحدة.
8-
في
النصف الأول من ثمانينيات القرن العشرين كان متوسط الكتب المترجمة لكل مليون مواطن
عربي، على مدى خمس سنوات، هو 4.4 كتب (أقل من كتاب لكل مليون عربي في السنة) وفي
هنغاريا كان الرقم 519 كتاباً لكل مليون، وفي إسبانيا 920 كتاباً لكل مليون.
9-
تبلغ
مبيعات الكتب إجمالاً في كل أنحاء العالم 88 مليار دولار، وفي الولايات المتحدة
الأميركية 30 مليار دولار و10 مليارات دولار في اليابان، و9 مليارات دولار في
بريطانيا، ويصل نصيب العالم العربي 1% من الرقم الإجمالي للمبيعات.
عندما كنا نسأل
عن هواياتنا، كنا نجيب بعدة إجابات ومن ضمنها القراءة، ولا أدري هل فعلاً نحن نقرأ
بشكل مستمر وجاد حتى ندرج القراءة ضمن قائمة الهوايات؟
أم أنّ قراءة
الجرائد وملاحقها الرياضية والفنية وقراءة مجلات ... نعتبرها قراءة؟
ثم هل القراءة
تعتبر هواية؟
دعوني أضجركم
قليلاً وأقول: هل التنفس ضمن قائمة هواياتنا؟!
إنّه سؤال غريب،
أدرك ذلك تماماً!
ماذا لو سمعنا
أحدهم يقول: هوايتي المفضلة هي الأكل؟!
سنضحك ونأخذ منه
هذه الكلمات على أنها نكتة طريفة يريد بها أن يؤنسنا في هذا الزمان النكد أو حقيقة
طريفة خصوصاً إن كان من أصحاب الأجسام الممتلئة!
بالتأكيد
ستستغربون هذه الفلسفة، لماذا؟ لأنّ هذه الأمور عادات أو أفعال ضرورية طبيعية لكل
إنسان ولكل كائن آخر.
وكذلك هي
القراءة، أرى أنها أمر ضروري لكل إنسان تماماً كالتنفس والأكل لا غنى عنها،
والقراءة أمر يتميز به الإنسان عن باقي المخلوقات ولذلك أرى أن القراءة ليست هواية
أبداً.
ومن الأمور
الأخرى التي يجب أن نتعمق في طرحها، هي مسألة غرس حب المعرفة في نفوسنا وفي
أبنائنا، فحب المعرفة والاستطلاع والفضول العلمي والبحث والاستقراء والاستنتاج، من
العادات المفيدة التي يجب غرسها في المجتمع وإحلالها محل عادات أخرى سلبية.
ولأنّ القراءة
إحدى وسائل المعرفة والعلم، فمن الطبيعي أن نرى المجتمع يقبل على القراءة ما دام
حب المعرفة قد غرس فيه، وإذا ما وضعنا المعرفة في مرتبة قصوى، بعد الغناء والحفلات
والمظاهر والأسواق و.... الخ، فمعنى ذلك أننا ألغينا حب المعرفة تماماً من حياتنا
وصارت حياتنا سلسلة من الأمور التافهة والنتيجة النهائية تساوي إنسان يعيش على
هامش إنسانيته.
هل تعلمون أنني
قد أضطر للذهاب مع أحد أفراد عائلتي لمكان يستوجب فيه الانتظار، كالمستشفى وغيره،
فآخذ معي كتاباً للقراءة، فيكون الأمر غريباً لأنهم لم يعتادوا على أن يكون مناخنا
هكذا، بينما اعتادوا أن يروا الأوربيين يقرئون في كل مكان .. ولذا فإنّ سياستي مع
أطفالي تقتصر: لا ميزانية عندي للمعرفة اشتروا ما شئتم من الكتب مهما كان سعر
الكتاب، وأما بالنسبة لمجالات الترفيه فلا بدّ أن تقنعوني بجدوى شرائها.
الأمر طبعاً ليس
بهذه السهولة، أعني غرس حب المعرفة، لأنّ تراكم العادات السلبية على مرّ السنين
يحتاج إلى سنين طويلة لتغييرها، وكذلك غرس العادات الإيجابية يحتاج إلى مجهود منظم
ومخطط يسير وفق أهداف محددة، وهذا ما نفتقده في الكثير من الجهود التي تهدف إلى
غرس قيم إيجابية في المجتمع.
ولو نظرنا بنظرة
شمولية لواقع وأسلوب الحياة عند أهم فئة من المجتمع وهي الشباب، سنرى مظاهر عديدة
سلبية وإيجابية: الإيجابي منها هي وجود القدرة لدى الشباب في تغيير الوضع إلى
الأفضل.
أقول هنا: وجود
القدرة، لكن أين الإرادة؟
نحن نفتقد
للإرادة بسبب السلبية والأنانية، الكل ينتظر الكل حتى يصلح أمراً ما، أو يزيل
عائقاً ما، قد نكتب ونتحدث عن السلبيات لكن أين الفعل الإيجابي الذي يجب أن يقوم
به كل فرد تجاه المشكلة أو السلبية؟
تقولون: وما
علاقة هذا بموضوع القراءة؟
أقول: بأنّ
الفعل الإيجابي تجاه أي مشكلة سيؤدي إلى حل هذه المشكلة ولو كان هذا الفعل صغيراً،
وبتراكم المبادرات والأفعال الإيجابية سنصل إلى حل مشاكلنا، مثلاً، بمقدور كل
مجموعة من الشباب سواء كانوا في المدرسة أو الجامعة أن يشكلوا جماعة للمكتبة أو
للقراءة، ومن ثم يقوموا بعمل أنشطة تسير في اتجاه تشجيع القراءة وحب الاستزادة من
العلم والثقافة.
استطاعة كل شاب
أن يساهم في تكوين مكتبة على مستوى المنزل أو الحي أو المسجد، في استطاعة كل فرد
منا تشجيع الآخرين على القراءة بإهدائهم الكتب أو حتى بتعريفهم بعناوين الكتب.
أشكال الفعل
الإيجابي تجاه هذه القضية تتنوع وتتفرع ولو حاولنا أن نذكرها فلن تنتهي لأنّ
المجال في هذا واسع والآفاق رحبة، وكل شخص يستطيع أن يبدع في خدمة هذا الهدف، غرس
حب المعرفة في مجموعة محددة من المجتمع.
فالقراءة أمر
ضروري ولا نستطيع أن نعتبرها هواية نمارسها متى نشاء، بل هي عادة نمارسها يومياً
وبشكل تلقائي، وغرس حب المعرفة عامل مساعد على حب القراءة، لأنّ القراءة وسيلة من
وسائل اكتساب المعرفة، وحتى نغرس حب المعرفة في المجتمع علينا أن نحاول ونبادر
بأفعال إيجابية تجاه خدمة هذا الهدف.
وينبغي أن نلفت
إلى أهمية دور الأم في هذا الاتجاه، فأنّ الأم المثقفة حصن حصين من الصعب اختراق
ثغوره، وأنّ المرأة التي تكون مديرة لأخطر مؤسسة اجتماعية في الحياة، وهي الأسرة
إن كانت متعلمة ومثقفة ثقافة العصر استطاعت أن تنجب أبناء صالحين، ولنعم ما عبرّ
به الفيلسوف روسو في مقولته الرائعة في هذا المجال، حيث يقول: "إذا أردت
رجالاً فضلاء فعلموا المرأة العلم والفضيلة".