** أبناؤنا ثمرة تربيتنا / 06 **
{رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا
وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً}
[الفرقان: 74].
الخامس: التوازن بين اللين والشدة:
تكريم
الطفل والإحسان إليه وإشعاره بالحب والحنان وإشعاره بمكانته الاجتماعية وبأنه
مقبول عند والديه وعند المجتمع، يجب أنْ لا يتعدى الحدود إلى درجة الإفراط في كل
ذلك، وأن لا تُتْرك له الحرية المطلقة في أن يعمل ما يشاء، فلا بدّ من وضع منهج
متوازن في التصرف معه من قبل الوالدين، فلا يتساهلا معه إلى أقصى حدود التساهل،
ولا أن يعنَّف على كل شيء يرتكبه، فلا بد أن يكون اللين وتكون الشدة في حدودهما،
ويكون الاعتدال بينهما هو الحاكم على الموقف منه حتى يجتاز مرحلة الطفولة بسلام
واطمئنان، يميّز بين السلوك المحبوب والسلوك المنبوذ، لأنّ السنين الخمسة الأولى
أو الستة من الحياة هي التي تكوّن نمط شخصيته.
وقد
أكدّت الروايات على الاعتدال في التعامل مع الطفل فلا إفراط ولا تفريط.
قال
الإمام الباقر (ع): "شرّ الآباء من دعاه البرّ
إلى الإفراط..".
وفي
هذا الصدد "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ (ص) عَنِ الأَدَبِ
عِنْدَ الْغَضَبِ"؛
لأنّ الإنسان عندما يغضب لا يستطيع أن يعي الأسلوب الحكيم الذي يستطيع من خلال
المفردات التي يفرضها تأديب الطفل وتوجيهه.
وكذلك
نجد أنّ الإسلام حرَّم أي تصرف يتصرفه المربي إذا كان التصرف السلبي لا يمثل ضرورة
في التأديب، فلا يجوز لنا أن نتكلم مع الطفل بالكلمات القاسية كالسباب والشتائم
والإهانة إذ أنّ كل ذلك يؤثر سلباً على نفسيته وسلوكه؛ لأنّ الطفل إنسان محترم
ويجب علينا أن نحترم شعوره أو إحساسه أو كرامته بقدر ما ينفعل في مسألة الكرامة،
ولا يجوز لنا أن نمتهن ذلك كله إلا في حالات الضرورة عندما تتوقف مصلحته على ذلك
الفعل.
وفي
حالة ارتكاب الطفل لبعض المخالفات السلوكية، نهى الإسلام عن ضرب الطفل كوسيلة
تأديبية بل الاكتفاء بالهجر وذلك لفترة (قصيرة) فقط... فعلى الوالدين أنْ يُشعِرا الطفل بأضرار هذه
المخالفة وإقناعه بالإقلاع عنها، فإذا لم ينفع الإقناع واللين يأتي دور التأنيب أو
العقاب (المعنوي) دون (البدني).
والعقوبة
العاطفية خيرٌ من العقوبة البدنية كما أجاب الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) حينما
سُئِل عن كيفية التعامل مع الطفل فقال: "لا
تضربه واهجره... ولا تطل".
فنحن
في كل لقاء جميل لنا مع أبنائنا لا بد أن نتوقع أن يحدث ما يعكر صفو هذا اللحظات
الهادئة، نظراً لأي تغير في سلوك الطفل:
·
قد
يحدث ما يعكر الصفو بسبب (كلمة) أو (سلوك) أو أي (طارئ متوقع) أو (غير متوقع) صدر
منه أو من المحيطين به..
·
وقد
نكون نحن المتسببين بالدرجة الأولى دون أن نقصد، بما صدر عن أطفالنا، أو باستمرار
السلوك السلبي منهم نظراً لجهلنا بمهارة إيقاف السلوك السلبي أو منع تفاقمه... ثم
نعاقبهم.
·
وقد
نكون نحن من استدرجهم ليرتكبوا الخطأ... في حين أنّ هذه اللحظات الجميلة يمكن أن
تستمر مع قليل من التفكير وشيء من التروي، حتى وإن قطعتها بعض الخروقات المزعجة.
تقول
إديل فابر، وإلين مازليش: "مشكلة العقوبة أنها لا تنفع. إنها مجرد إلهاء عن
الموضوع وبدلاً من أن يشعر الولد بالأسف لما فعل ويفكر في الاسترضاء والتعويض يصبح
شغله الشاغل خيالات الانتقام. بكلمة أخرى عندما نعاقب الولد فإننا في الواقع نحرمه
من عملية داخلية مهمة هي (مواجهة سوء سلوكه وتصرفه)".
فهل يستطيع ابننا أن يواجه سوء سلوكه وتصرفه ونحن نقمعه ونرهقه ونزيد في عتابه!..
وحين
يخطئ أبناؤنا أو يتجاوزون الخطوط الحمراء لا بد أن نتدرج في تأديبهم، حتى مع تكرار
السلوك الخاطئ، ويمكننا تسوية الأمور بهدوء أو ببعض النبرات الجادة والنظرات
الحادة فقط...
ويمكن
أن يكون هناك ثلاثة أهداف مختلفة من التعطيل، وكل واحد له أسلوبه الخاص به من أجل
استخدام ناجح:
1.
وقف سوء
سلوك محدد: طريقة ممتازة لإيقاف منتصف عمل الطفل. إنه
يوصل رسالة قوية مفادها: "أنّ هذا التصرف غير مقبول"، "هذا التصرف
يجب أن يتوقف الآن"... وغالباً ما يستخدم بنجاح كبير في إيقاف العنف الجسدي
أو الضرب أو العض، إنه فعال لأنه يسمح للوالدين أن يسيطرا على الحالة فوراً...
2.
تقديم
الوقت، والمكان للطفل لكي يهدأ: إنّ الهدف من استخدام
وقت إيقاف اللعب بهذه الطريقة، هو أن يتعلم الأطفال كيفية السيطرة على مشاعرهم
الغاضبة، إنّ هذه المهارة القيمة في الحياة ستمنع أطفالك من إساءة المعاملة... وأن
يسيطروا على أنفسهم بأي طريقة تجدي نفعاً لكي تمكنهم من دخول المجتمع ثانية،
والتعامل مع مشاكلهم بطريقة مثمرة.
3.
إعطاء
الوالد الوقت والمكان لتهدئة نفسه: يوجد
أوقات عندما نغضب من أطفالنا لدرجة أننا نريد أن نعاقبهم عقابا قاسياً.. قل
باختصار: "إنني غاضب جداً منك، أحتاج إلى دقيقة للتفكير" ثم اذهب إلى
غرفتك وأرح أعصابك... وهذا لا يساعدك على السيطرة على نفسك فحسب لكنه يقدم لطفلك
نموذجاً جيداً يحتذى به....
وكما
تقدم عندنا فقد "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ (ص)
عَنِ الأَدَبِ عِنْدَ الْغَضَبِ" ولهذا
فإنّ أسلوب الإبعاد المؤقت يخدم
المربي والمتربي في نفس الوقت، ويعمل على تهدئة الطرفين ويمنح فرصة للتفكير فيما
حدث وما ينبغي عمله لكليهما.
ولكي
يؤدي الإبعاد المؤقت هدفه المرجو منه، ينبغي
انتقاء المكان الأنسب في البيت لعزل الطفل وسلوكه الخاطئ، ولينزوي المربي ويتبخر
غضبه في نفس الوقت، لكيلا تتفاقم الأمور إلى ما لا يحمد عقباه..
·
إنّ
أفضل مكان تضع فيه الطفل يجب أن يكون مملاً وساكناً مثل غرفة السفرة، أو غرفة
المغسلة... وينصح بأن لا يوضع الطفل في غرفة نومه الخاصة، فسوف يكون لديه الكثير
من الألعاب وأشياء أخرى ممتعة... كما يجب أن يكون مكان العزلة آمناً بالنسبة
للطفل...
·
نركز
على أنّ أدنى وقت هو من (دقيقة إلى دقيقتين) لكل سنة من العمر... وينصح بأن تحدد -
أنت - ما إذا كنت ستستخدم دقيقة أو دقيقتين زيادة، هذا يعتمد على مقدار غضبك كشخص
كبير وليس على المخالفة..
إذن
من أهم أنواع العقاب هو ما يسمى بـ الإبعاد
المؤقت، ويتضمن إبعاد الطفل إثر ظهور السلوك عن المتوقع لفترات قصيرة
في مكان لا يعود عليه بمدعمات اجتماعية ونفسية.
ومن
مزايا هذا الأسلوب:
1.
أنّه
سيساعد أولاً على إنهاء الموقف الذي يرتبط بالمشكلة أو الصراع فوراً.
2.
وبالتالي
يقلل من التطورات السيئة...
شروط
نجاح أسلوب الإبعاد المؤقت:
1-
تجنب
الهياج الانفعالي والثورة خلال التطبيق.. لأنّ الهياج الانفعالي قد يدفع الطفل
لمزيد من الانفعال وهذا الانفعال بحد ذاته يكون مدعماً إضافياً للسلوك السيئ...
2-
ينبغي
تجنب الجدل والنقاش مع الطفل. إذ ينبغي أن نذكر الطفل بكل بساطة بأنه خرق قاعدة
أساسية من القواعد التي تم الاتفاق عليها معه من قبل... وأنه لهذا يجب أن يذهب
مثلاً إلى حجرته... لفترة دقيقتين.
3-
تجاهل
كل ما يصدر عن الطفل بعد ذلك من احتجاجات أو توسلات أو أعذار.
4-
أما من
حيث الوقت الذي ينبغي أن يبتعد فيه الطفل فيعتمد على الخبرة... والإبعاد لمدة
دقيقتين يؤدي إلى نتائج إيجابية لدى الطفل ذي العامين...
5-
عند
تطبيق أسلوب الإبعاد المؤقت يجب إعلام الطفل أنه وسيلة لإعطائه فرصة للتفكير في
سوء سلوكه وليس عقاباً، كذلك يجب أن يلتزم الطفل خلال هذه الفترة بالهدوء... وإلا
فمن الممكن تمديد الوقت المحدد لذلك أو مضاعفته.
ولا
ننصح من ناحيتنا باستخدامه بشكل متسلط أو متكرر من قبل المشرفين والمدرسين لأننا
في مثل هذه الحالات نشجع السلوك التسلطي والخضوعي ولا نعمل على إيقاف السلوك
العدواني كمطلب من مطالب العلاج.
وهناك
أسلوب آخر لعلاج السلوكيات الخاطئة للأبناء بشكل سلمي وهادئ، وهو التجاهل،
وفيه احترام جليل لعقل الطفل ووجدانه بل ومكانته كفرد في الأسرة. ويجب على
الوالدين أن يقرءوا و يتعلموا الكثير من الخصائص التي تميز المراحل العمرية التي
يمر بها أبناءهم ليدركوا أنّ كثيراً من المواقف تتكرر ولا تستحق التعليق أو
الملاحقة أو القضاء، وإذا كنت بعيداً عن مسرح الخلاف، ولكنك تسمع فلا تتعجل الأمور
وتقترب إلا إن دعت الضرورة لذلك... فقد يسوي الأبناء الأمور بينهم دون أي تدخل
منك، وربما يشعل هذا التدخل بينهم خلافاً شديداً لا يتناسق مع حجم الموقف الذي
تسبب به، بل ويزيده تعقيداً وتشابكاً.
وسنتحدث
عنه في حلقة قادمة إنشاء الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق