الثلاثاء، 13 أكتوبر 2020

 

السب بين القديم والحديث

حسين المصطفى

13 / 10 / 2015

 

في القديم كان السبُّ والطعنُ في عليٍّ وشيعته راية الولاء للأمويين ..

 

وفي هذا العصر أصبح السبُّ والطعنُ، في أمهات المؤمنين والصحابة، راية الولاء للأعراب المتاجرين بالدين.

 

ولذلك كانت وصية الإمام جعفر الصادق (ع)، لمن يطيعوه من (شيعته)!! -كما جاء في السند الصحيح-: "اقْرَأْ عَلَى مَنْ تَرَى أَنَّهُ يُطِيعُنِي مِنْهُمْ وَيَأْخُذُ بِقَوْلِيَ السَّلَامَ، ... صِلُوا عَشَائِرَكُمْ، وَاشْهَدُوا جَنَائِزَهُمْ، وَعُودُوا مَرْضَاهُمْ، وَأَدُّوا حُقُوقَهُمْ؛ فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ إِذَا وَرِعَ فِي دِينِهِ، وَصَدَقَ الْحَدِيثَ، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ، وَحَسُنَ خُلُقُهُ مَعَ النَّاسِ، قِيلَ: هَذَا جَعْفَرِيٌّ، فَيَسُرُّنِي ذَلِكَ، وَيَدْخُلُ عَلَيَّ مِنْهُ السُّرُورُ، وَقِيلَ: هَذَا أَدَبُ جَعْفَرٍ؛ وَإِذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، دَخَلَ عَلَيَّ بَلَاؤُهُ وَعَارُهُ، وَقِيلَ: هَذَا أَدَبُ جَعْفَرٍ؛ فَوَاللهِ، لَحَدَّثَنِي أَبِي (ص) أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَكُونُ فِي الْقَبِيلَةِ مِنْ شِيعَةِ عَلِيٍّ (ع)، فَيَكُونُ زَيْنَهَا: آدَاهُمْ لِلْأَمَانَةِ، وَأَقْضَاهُمْ لِلْحُقُوقِ، وَأَصْدَقَهُمْ لِلْحَدِيثِ، إِلَيْهِ وَصَايَاهُمْ وَوَدَائِعُهُمْ، تُسْأَلُ الْعَشِيرَةُ عَنْهُ، فَتَقُولُ: مَنْ مِثْلُ فُلَانٍ؟ إِنَّهُ لآَدَانَا لِلْأَمَانَةِ، وَأَصْدَقُنَا لِلْحَدِيثِ" (الكافي: ج 2 ص 600).

 

وفي حديث أنَّ جماعة من أهل العراق دخلوا على الإمام الصادق (ع)، وهو بالحيرة، وجرى حديث، ثم قال ناطقهم: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنَّا نَبْرَأُ مِنْهُمْ؟ إِنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ مَا نَقُولُ.

فَقَالَ (ع): "يَتَوَلَّوْنَا ولَا يَقُولُونَ مَا تَقُولُونَ تَبْرَؤُونَ مِنْهُمْ؟!".

قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ (ع): "فَهُوَ ذَا عِنْدَنَا، مَا لَيْسَ عِنْدَكُمْ فَيَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَبْرَأَ مِنْكُمْ؟".

قال: لَا، جُعِلْتُ فِدَاكَ.

قال (ع): "وهُوَ ذَا عِنْدَ اللهِ مَا لَيْسَ عِنْدَنَا أفَتَرَاه اطّرحنَا؟".

قَالَ: لَا، واللهِ جُعِلْتُ فِدَاكَ، مَا نَفْعَلُ؟!

قَالَ: "فَتَوَلَّوْهُمْ ولَا تَبَرَّءُوا مِنْهُمْ، إِنَّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ لَه سَهْمٌ، ومِنْهُمْ مَنْ لَه سَهْمَانِ، ومِنْهُمْ مَنْ لَه ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، ومِنْهُمْ مَنْ لَه أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ، ومِنْهُمْ مَنْ لَه خَمْسَةُ أَسْهُمٍ، ومِنْهُمْ مَنْ لَه سِتَّةُ أَسْهُمٍ، ومِنْهُمْ مَنْ لَه سَبْعَةُ أَسْهُمٍ، فَلَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ صَاحِبُ السَّهْمِ عَلَى مَا عَلَيْه صَاحِبُ السَّهْمَيْنِ، ..." (الكافي: ج 2 ص 48).

 

يقول الشيخ الصدوق 381ﻫ): "اعتقادنا في النار أنه لا يُخلَّد فيها إلا أهل الكفر والشرك، فأمَّا المذنبون من أهل التوحيد فيخرجون منها بالرحمة التي تدركهم" (عقائد الصدوق: ص 90؛ الإلهيات للسبحاني: ص 294).

 

وروى الحميري بسنده عن الإمام جعفر، عن أبيه (ع): "إنَّ عليًا (ع) لم يكن ينسب أحدًا من أهل حربه إلى الشرك ولا إلى النفاق، ولكنه كان يقول: هُمْ إخْوانُنَا بغَوْا علَيْنَا" (قرب الإسناد: ص 94 ح 318).

 

ولذا خرجت توصيات شديدة من أهل البيت (ع) على أهمية احترام المسلمين المنتسبين للمذاهب الأخرى، يقول الإمام الصادق (ع): "مَا أَيْسَرَ مَا رَضِيَ بِهِ النَّاسُ عَنْكُمْ كُفُّوا أَلْسِنَتَكُمْ عَنْهُمْ" (الكافي: ج 8 ص 341)..

 

وفي الصحيح عن حَنَان بن سَدِير، قال: قَالَ أَبُو الصَّبَّاحِ الْكِنَانِيُّ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ (ع): مَا نَلْقَى مِنَ النَّاسِ فِيكَ!

فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (ع): "وَمَا الَّذِي تَلْقَى مِنَ النَّاسِ فِيَّ؟!".

فَقَالَ: لَا يَزَالُ يَكُونُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الرَّجُلِ الْكَلَامُ، فَيَقُولُ: جَعْفَرِيٌّ خَبِيثٌ!

فَقَالَ: "يُعَيِّرُكُمُ النَّاسُ بِي؟".

فَقَالَ لَهُ أَبُو الصَّبَّاحِ: نَعَمْ.

فَقَالَ: "مَا أَقَلَّ وَاللهِ مَنْ يَتَّبِعُ جَعْفَرًا مِنْكُمْ! إِنَّمَا أَصْحَابِي مَنِ اشْتَدَّ وَرَعُهُ، وَعَمِلَ لِخَالِقِهِ، وَرَجَا ثَوَابَهُ؛ فَهَؤُلَاءِ أَصْحَابِي" (الكافي: ج 2 ص 77 ح 6).. أي، لو حفظتم وصايا أهل البيت (ع) وطبَّقتم تعاليمهم الأخلاقية، فيما يتعلق بعلاقة الشيعي مع أتباع المدارس الإسلامية الأخرى، لما عيَّركم بذلك أحد، ولكنَّ القليل القليل منكم من  يطبِّق هذه التعاليم الأخلاقية الرائعة.

 

وفي المنبر الحسيني -اليوم- نعيش هاجسًا خطيرًا على مستوى الوعي الجماهيري!!.. وهو عدم فصل شخصية الخطيب الحسيني وثقافته عن شخصية وثقافة عالم الدين المتخصص (الحوزوي)، مع أنَّ الواقع المعرفي يأخذ بنا إلى أنَّ هناك تمايزًا جوهريًا بين الوظيفتين، فعالم الدين (الحوزوي) تقوم أدواته على المماحكة العلمية، والاستدلال الذي يخضع لقانون علمي دقيق.

 

أما الخطيب الحسيني فلا يراعي هذا الجانب العلمي المعرفي، وإنما يكتفي بالنقل العام، وربما سمعنا كثيرًا من الخطباء من ينقل ما يسمعه شفاهًا من دون تدقيق وتمحيص.

 

وبالتفات بسيط إلى ما يعرض على المنابر والقنوات الشيعية نجد المفارقة كبيرة بين الوظيفتين.

 

إنَّ التغاضي وعدم المجاهرة في فصل هاتين الوظيفتين أدّى مع مرور الأيام إلى (فوضى معرفية) في أذهان الكثير من أولادنا، وأوقعهم في (ازدواجية) في معايير الحوزة التي تؤمن بالعلم والمنطق من جهة، وبين ما تلقيه على المنبر من أخطاء عاطفية من جهة أخرى.

 

تصدَّر للتدريس كلُّ مهوِّس               بليدٍ تَسمَّى بالفقيه المدرِّسِ

فحقَّ لأهلِ العلمِ أن يتمثَّلوا                   ببيتٍ قديمٍ شاعَ في كلِّ مجلسِ

لقد هزلتْ حتَّى بدا من هزالها              كلاها وحتَّى سامها كلُّ مفلسِ

 

إننا مسؤولون جميعًا عن الأمة كلها، لا سيما في ظروف المرحلة الخطيرة التي ينطلق فيها الظلم العالمي بكلِّ قواه من أجل إضعافنا، والإجهاز على كل مواقع القوة فينا، وعلينا أن نتحمل مسؤولية هذه الأخطاء المريرة كلها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

محرم 1447 في الصحافة الكويتية