حليمة
السعدية مرضعة رسول الله
أعده:
حسين علي المصطفى
نصَّ على ذلك
الكثير من مصادر المسلمين كافة، سنة وشيعة، بل هي من المسلَّمات عندهم.
يقول المؤرخ
المسعودي (توفي 346هـ) في كتابه التنبيه والإشراف: >ودُفع (عليه الصلاة
والسلام) إلى حليمة بنت أبي ذؤيب -وهو عبد الله بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رزام
بن ناصرة بن قصية بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن- لتُرضعه فأرضعته بلبن بنيها عبد
الله، والشيماء وأنيسة بني الحارث بن عبد العزى .. وكان مقامه 2
مسترضعًا فيهم أربع سنين، فلمَّا كان في السنة الخامسة ردَّته حليمة إلى أمِّه
آمنة< (التنبيه
والإشراف: ص 196).
ونصَّ على
إرضاع السيدة حليمة للنبي 2 من كتب الشيعة خلق كثير، ومنهم: ابنُ
شهر آشوب في مناقب آل أبي طالب، والطبرسي في إعلام الورى، والشيخ المفيد في
الاختصاص، وقطب الدين الراوندي في قصص الأنبياء، والقاضي النعمان في شرح الأخبار، والكراجكي
في كنز الفوائد، وقطب الدين الراوندي في الخرائج والجرائح، وابنُ حمزة الطوسي في
كتابه الثاقب في المناقب، والمطهَّر الحلِّي في العدد القوية، والمشغري العاملي في
الدرِّ النظيم ... وغيرهم (أنظر: مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب: ج 1 ص 32؛ إعلام
الورى للطبرسي: ج 1 ص 45 و 239 و 285؛ الاختصاص للمفيد: ص 187؛ قصص الأنبياء لقطب
الدين الراوندي: ص 314؛ شرح الأخبار للقاضي النعمان: ج 3 ص 217؛ كنز الفوائد للكراجكي:
ص 72؛ الخرائج والجرائح لقطب الدين الراوندي: ج 1 ص 21 و 81 و 82؛ الثاقب في المناقب لابن حمزة
الطوسي: ص 90؛ العدد القوية المطهَّر الحلِّي: ص 119 و 122 و 123 و 126؛ الدر
النظيم للمشغري العاملي: ص 59... وغيرهم).
وننقل
بعضًا منها..
1.
الشيخ الكليني:
عَن عمّارٍ بنِ
حيّانٍ قالَ: خبّرتُ أبا عبدِ اللهِ C ببرِّ
إسماعيلَ إبني بي، فقالَ: >لقَد كنتُ أحبُّه وقَد ازددتُ
لهُ حُبّاً، إنَّ رسولَ اللهِ 2 أتتهُ أختٌ لهُ منَ
الرّضاعةِ، فلمّا نظرَ إليها سُرَّ بها، وبسطَ مَلحفتَهُ لهَا، فأجلسَها عليها،
ثُمَّ أقبلَ يُحدّثُها ويضحكُ في وجهِها، ثُمَّ قامَت فذهبَت، وجاءَ أخوها فلَم
يصنَع بهِ ما صنعَ بها، فقيلَ لهُ: يا رسولَ اللهِ، صنعتَ بأُختِه ما لَم تصنَع
بهِ وهوَ رجلٌ؟ فقالَ: لأنّها كانَت أبرَّ بوالديها منهُ< (الكافي: ج 2 ص 161).
ورواه أيضًا الحسين بن سعيد في كتابه (الزهد) عن فضالة، عن سيف
بن عميرة، مثله (كتاب الزهد: ص 34).
وعلق العلامة
المجلسي على الرواية قائلاً: >إيضاح: أختُه وأخوهُ 2 منَ
الرّضاعةِ هُما ولدا حليمةَ السّعديّةِ< (بحار الأنوار: ج 71 ص 55.. وأنظر: التنبيه
والإشراف: ص 197؛ إعلام الورى: ج 1 ص 239؛ قصص الأنبياء للراوندي: ص 348).
2 . الشيخ أبو الفتح الكراجكي تلميذ الشيخ المفيد:
>وشرّفَ
اللهُ تعالى حليمةَ بنتَ أبي ذُؤيبٍ السّعديّة برضاعته وخصّها بتربيتِه وكانَت
ذاتَ عقلٍ وفضلٍ فروَت مِن آياتِه ما يُبهرُ عقولَ السّامعينَ وأغناها اللهُ
ببركتِه في الدُّنيا والدّينِ وكانَ لا يرضعُ إلّا مِن ثديها اليمينِ قالَ ابنُ
عبّاسٍ رضيَ اللهُ عنهُ أُلهمَ العدلَ حتّى في رضاعِه لأنّهُ علمَ أنَّ لهُ شريكاً
فناصفَهُ عدلاً منهُ 2< (كنزُ الفوائدِ: ج 1 ص 167).
3.
الشيخ ابن شهر آشوب:
>أنّهُ
أرضعَتهُ ثُويبةُ مولاةُ أبي لهبٍ بلبنِ اِبنِها مسروحٍ أيّاماً فتُوفّيَت مُسلمةً
سنةَ سبعٍ منَ الهجرةِ وماتَ اِبنُها قبلَها ثُمَّ أرضعَتهُ حليمةُ السّعديّةُ
فلبِثَت فيهِم خمسَ سنينٍ وكانَت أرضعَت قبلَهُ الحمزةَ وبعدَهُ أبا سلمة< (مناقبُ آلِ أبي طالب: ج 1 ص 176).
5.
الشيخ الطبرسي:
>وكانت
ثويبة مولاة أبي لهب بن عبد المطلب أرضعت النبي 2 بلبن ابنها مسروح، قبل أن تقدم حليمة، وتوفيت ثويبة مسلمة سنة سبع
من الهجرة، ومات ابنها قبلها. وكانت ثويبة قد أرضعت قبل حمزة بن عبد المطّلب عمّه<
(إعلام الورى: ج 1 ص
45).
4.
الشيخ رضي الدين بن المُطهّر:
>قالَت
حليمةُ: ما نظرتُ في وجهِ رسولِ اللهِ 2 وهوَ
نائمٌ إلّا ورأيتُ عينيهِ مَفتوحتينَ كأنّهُ يضحكُ وكانَ لا يُصيبُه حرٌّ ولا
بردٌ.
قالَت حليمةُ
السّعديّةُ ما تمنّيتُ شيئاً قطُّ في منزلي إلّا أُعطيتُه مِنَ الغدِ. ولقَد أخذَ
ذئبٌ عنيزةً لي فتداخلنِي مِن ذلكَ حُزنٌ شديدٌ فرأيتُ النّبيَّ 2
رافِعاً رأسَهُ إلى السّماءِ فما شعرتُ إلّا والذّئبُ والعنيزةُ على ظهرِه قَد
ردّها عليَّ ما عقرَ مِنها شيئاً.
قالَت حليمةُ
ما أخرَجتُه قطُّ في شمسٍ إلّا وسحابةٌ تُظلّه ولا في مطرٍ إلّا وسحابةٌ تُكنُّه
منَ المطرِ.
قالَت حليمةُ
فما زالَ مِن خيمتِي نورٌ ممدودٌ بينَ السّماءِ والأرضِ ولقَد كانَ النّاسُ
يُصيبُهم الحرُّ والبردُ فما أصابَني حرٌّ ولا بردٌ منذُ كانَ عندِي ولقَد همَمتُ
يوماً أن أغسلَ رأسَه فجئتُه وقَد غسلَ رأسَه ودهنَ وطيّبَ وما غسلتُ لهُ ثوباً
قَط وكُلّما هممتُ بغسلِ ثوبِه سبقتُ إليهِ فوجدتُ عليهِ ثوباً غيرَه جديداً.
قالَت ما كنتُ
أخرجُ لمُحمّدٍ صلّى اللهُ عليه وآله ثدييَّ إلّا وسمعتُ لهُ نغمةً ولا شربَ قطُّ
إلّا وسمعتُه ينطقُ بشيءٍ فتعجّبتُ منهُ حتّى إذا نطقَ وعقدَ كانَ يقولُ بسمِ
اللهِ ربِّ مُحمّدٍ إذا أكلَ وفي آخرِ ما يفرغُ مِن أكلِه وشُربِه يقولُ الحمدُ
للهِ ربِّ مُحمّد< (العُددُ القوية: ص 123).
5.
العلامة المجلسي:
وأرضعَتُه
حتُّى شبَّ حليمةُ بنتُ عبدِ اللهِ بنِ الحارثِ بنِ شجنةَ السّعديّةِ مِن بني سعدٍ
بنِ بكرٍ بنِ هوازنَ وكانَت ثُويبةُ مولاةُ أبي لهبٍ بنِ عبدِ المُطّلبِ أرضعَتهُ
أيضاً بلبنِ اِبنِها مسروحٍ وذلكَ قبلَ أن تقدُمَ حليمة (بحار
الأنوار: ج 15 ص 281).
والناس قبل المبعث الشريف محكومون بأنهم أهل فترة، وقد ذكرنا في
كتابنا >أم النبي< : >إنّ من العقيدة التي يجب على كل مؤمن أن يعتقدها
ولا يجوز له جهلها فضلاً عن إنكارها هي أنّ أهل الفترة ناجون، وإن بدلوا وغيروا،
بدليل النصوص القرآنية القطعية السابقة الذكر، وأبوا النبي 2 من أهل
الفترة بلا خلاف بين العلماء<، وتصنيف الناس إلى مسلم وغير مسلم إنما كان بعد
انتشار بعثته المباركة.
إضافة إلى أنَّ أكثر ممن كانوا قبل المبعث الشريف
ينطبق عليهم أنهم مستضعفون؛ والمستضعف هو الجاهل القاصر المعذور عند الله تعالى: {...فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا *
إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا
يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُولَئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ
يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُورًا} (النساء: 97-99).. راجع
في تفصيل ذلك كتابنا: أدبيات التعايش بين المسلين.
ولا ريبَ في أنَّ مثل السيدة حليمة إذا لم تكن موحِّدة فإنها من
المستضعفين شأنها شأن أكثر الناس حينذاك، على أنَّه لم يثبت يقيناً أنَّها لم تكن
موحِّدة وعلى دين الحنيفية المنتشرة في جزيرة العرب آنذاك، كما هو حال عبد المطلب
وسائر آباء النبي 2
والكثير من أقربائه والعديد من غيرهم، ولعل ما يؤيد ذلك ما كانت تحكيه من كرامات
ظهرت من النبي 2 في
صباه حين كان رضيعاً وبعدما نشأ قبل أن تعيده إلى جده عبد المطلب.
ومن طرائف ما
نقلته هذه السيدة الجليلة رفضه 2 لما
كان سائداً آنذاك من خرافات وأوهام عند العرب فقالت: >فلما تمَّ له ثلاث سنين، قال لي يوماً: يا أماه، مالي
لا أرى أخويَ بالنهار؟ قلت له: يا بني إنهما يرعيان غنيمات، قال: فمالي لا أخرج
معهما؟ قلت له: تحب ذلك؟ قال: نعم، فلما أصبح دهنته وكحلته وعلقت في عنقه خيطاً
فيه جزع يمانية فنزعها ثم قال لي: مهلاً يا أماه، فإنَّ معي من يحفظني<.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق