الإصلاح الديني في نهضة كربلاء
ما هو مفهوم الإصلاح الديني؟
إنّ مفهوم الإصلاح الديني
لا يعني بالضرورة إنتاج مذهب جديد أو إبداع منظومة من المفاهيم الدينية، بل إنّ
مفهوم الإصلاح يتسع ليشمل حتى القضاء على مدرسة فكرية قد ارتدت اللباس الديني وهي
لا تمت إلى الدين بصلة.
أولاً: مفهوم الإصلاح الديني:
وعندما نتحدث عن عملية إصلاح ديني فمعنى ذلك
تحقق عناصر تلك العملية في الدائرة الدينية، وهذه العناصر هي:
1. المقاييس الإصلاحية: وتتمثل في
الدين نفسه بصورته النقية وبمصادره الأساسية (القرآن والسنة) حيث يصبح النص الديني
مرجعاً يرجع إليه من أجل إصلاح كل تلك المفاهيم التي نسبت إلى الدين وهي غريبة عنه
ودخيلة عليه.
2. القيادة الإصلاحية: بحيث:
أ- تعي تلك المقاييس بشكل
دقيق.
ب- تدرك ضوابط العملية
الإسلامية.
ج- تعرف أهداف العمل
الإصلاحي.
د- مستعدة أن
تدفع ثمن الإصلاح مهما غلت تضحياته قناعة منها بضرورته رغم ما ينطوي عليه مشروع
الإصلاح الديني من مخاطر.
3. مبررات العمل الإصلاحي: وهو حصول
انحراف ما في الدائرة الدينية الذي له أشكال متعددة من قبيل:
أ- أن تنحرف
مسيرة دينية بأكملها فتحتاج إلى عمل يعيدها إلى طريقها الصحيح.
ب- أو أن ينشأ
مذهب فكري أو مدرسة فكرية في الإطار الديني أي تأخذ من الدين تبريراً معرفياً لها
لتضفي على مفاهيمها ومعتقداتها لباساً دينياً مع كونها تخالف النص الديني.
وينبغي أن نلتفت إلى قضية جداً مهمة وهي
أنّه عندما نريد أن نقرأ تجربة معينة من تجارب الإصلاح الديني يجب أن لا نأسر
فكرنا بين جدران تلك التجربة بمعنى أن لا نمتلك القدرة على استخلاص مفاهيمها، بل
يجب أن نكون دقيقين جداً من ناحية التفريق بين العوامل والسنن التي حكمت الواقع
التاريخي.
ولا شك أنّ الإصلاح هو هدف أساسي من أهداف
الأنبياء (ع)، ولذا كانت دعوتهم (ع) تشدد على عملية الإصلاح وعلى النهي عن الإفساد
والسعي للقضاء عليه بكافة أشكاله وصوره، وإنّ أكثر معاناة الأنبياء والأوصياء
والأئمة (ع) إنما كانت بسبب مشاريعهم الإصلاحية.
ولا نستطيع في عجالة من الوقت أن نتحدث عن
دور الإصلاح ومظاهره عند كل نبي أو وصي أو إمام والذي يهمني هو (الإصلاح الديني في
تجربة الثورة الحسينية).
ثانياً: الإصلاح الديني في تجربة الثورة الحسينية:
ما هو الهدف من الثورة الحسينية؟
·
بعضهم ذهب إلى أنّ الهدف
هو إيقاظ الأمة، كما ذهب إليه الشهيد الصدر، وحكاه عنه أستاذنا السيد كاظم
الحائري.
·
وبعضهم ذهب إلى أنّ الهدف
هو الوصول إلى الحكم.
·
الهدف هم نزع المشروعية
السياسية والدينية عن السلطة الأموية، حيث كانت هذه السلطة تقدم صورة مشوهة عن
الإسلام، كما تسعى لاستغلال الدين من أجل تبرير أفعالها. لذا عمدت إلى شراء بعض
الشخصيات العلمية ممن يباع ويشترى وسخّرت وسائلها الإعلامية من أجل تحسين صورتها
وتلميع مظهرها..
فضلاً عن أنّ السلطة الأموية قد عملت على
تكوين مدرسة فكرية لتعطي لعملها السياسي مشروعيته الدينية باعتبار أنّ المشروعية
السياسية في تلك الفترة كانت تأتي من خلال المشروعية الدينية.
وبالتالي كان من الضروري القيام بعمل
استثنائي ووقوع حدث كبير - كشهادة الإمام الحسين (ع) - يؤدي بشكل مباشر إلى تحطيم
تلك السلطة معنوياً ودينياً وشعبياً وتؤدي تداعياته إلى إضعافها تمهيداً لسقوطها
ولو بعد حين من الزمن.
ثالثاً: أسباب النهضة الحسينية:
عندما نأتي لدراسة الحوافز الأساسية لقيام
الحسين (ع) بثورته المباركة لا بدّ حينئذ أنّ نقف على المدرسة الفكرية لهذه
السلطة.
بادئ ذي بدء لا بد أن نعلم بأنَّ السلطة
الأموية حاولت الاستفادة من علوم عديدة لتكون بمثابة أدوات معرفية لها لكنها تركت
آثارها بشكل خاص في علوم الحديث والتفسير والكلام.
وبعبارة دقيقة: أنّ السلطة
ادراكاً منها للعلاقة الوثيقة بين الديني المعرفي والسياسي سواء من ناحية
المشروعية السياسية أو من ناحية موقف المجتمع الإسلامي من السلطة نفسها؛ فإنّ
مصالحها السياسية تقتضي أن تجعل من المعرفية الدينية أداة أساسية تستخدمها لخدمة
مشروعها السلطوي وقد تمثل هذا الاستخدام من جهتين:
أ- ضرب المدرسة
الثقافية للخصم (أهل البيت).
ب- إنشاء مدرستهم
الثقافية التي سيكون دورها تقديم المادة المعرفية التي تضمن ولاء الأمة للسلطة
وتحرم الخروج عليها ومقاومتها.
1 - تحطيم المدرسة المعرفية
والفكرية لأهل البيت (ع):
·
اختلاق الأحاديث لذم علي
(ع).
·
شتم الإمام علي (ع) وسبه.
·
لعن الإمام علي (ع).
2 - المدرسة الفكرية للسلطة الأموية:
(أ) حرمة الخروج على الحاكم
الظالم:
إنّ السلطة الأموية كان يعنيها كثيراً أن
يترسخ هذا المفهوم في الوعي الديني للمجتمع الإسلامي، لأنّه يعود بفائدة مباشرة
وكبيرة على تلك السلطة إذ انه يخدر المجتمع ويكبل يديه ليمنعه من الإصلاح والعمل
لتغيير الواقع الفاسد والمنحرف.
ولذلك نجد عبارات من قبيل: الخروج على
الإمام ومعصيته وشق عصا المسلمين ومفارقة الجماعة.. قد أصبحت محل عناية فائقة من
قبل رموز السلطة في محاججاتهم السياسية مع المعارضة وقوى الإصلاح.
ولهذا كانت بعض الأحاديث محل عناية من
الجهاز الثقافي للسلطة من قبيل:
- "يُسْتَعْمَلُ
علَيْكُم أُمَراءُ، فَتَعْرِفُونَ وتُنْكِرُونَ، فمَن كَرِهَ فقَدْ بَرِئَ، ومَن
أنْكَرَ فقَدْ سَلِمَ، ولَكِنْ مَن رَضِيَ وتابَعَ، قالوا: يا رَسولَ اللهِ، ألا
نُقاتِلُهُمْ؟ قالَ: لا، ما صَلَّوْا" (صحيح
مسلم: الحديث 1854).
- عن حذيفة عنه (ص): "يَكونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لا يَهْتَدُونَ بهُدَايَ، وَلَا
يَسْتَنُّونَ بسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فيهم رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ
الشَّيَاطِينِ في جُثْمَانِ إنْسٍ، قالَ: قُلتُ: كيفَ أَصْنَعُ يا رَسولَ اللهِ،
إنْ أَدْرَكْتُ ذلكَ؟ قالَ: تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ، وإنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ،
وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ" (صحيح
مسلم: الحديث 1847).
هذا المفهوم
الذي هو ما نجده عند شمر بن ذي الجوشن قاتل الحسين (ع) حيث كان يقول في دعائه: "اللهم
إنك شريف تحب الشرف، وإنك تعلم أني شريف فاغفر لي ..". -وكان يبرر لكل من
يتسائل كيف يغفر الله لك، وقد أعنت على قتل ابن رسول الله؟!! فيجيب: "إنّ أمراءنا هؤلاء أمرونا بأمر فلم نخالفهم، ولو
خالفناهم كنا شراً من هذه الحمر الشقاة" (تاريخ
دمشق لابن عساكر: ج 23 ص 189؛ تاريخ الإسلام للذهبي: ج 5 ص 125).
إنّ حشد هذا المفهوم كانت له تداعيات خطيرة
على مستوى تشكيل الوعي الديني - السياسي للمجتمع الإسلامي ومن هذه التداعيات:
·
أ - حرمة الخروج على
الحاكم الظالم.
·
ب - وجوب طاعة الحاكم
الظالم.
·
ج - حرمة نقض البيعة
للحاكم الظالم.
·
د - حرمة الخروج على
الجماعة وشق عصا المسلمين. وهذا ما قاله معاوية صريحاً لعبد الله بن عمر عندما
سأله عن سبب تنصيب يزيد خليفة: "إني أحذرك أن تشق عصا المسلمين وتسعى في
تفريق ملئهم وأن تسفك دماءهم ".
(ب) رفع المكانة المعنوية والعلمية
لرموز مدرسة الخلافة:
في الوقت الذي سعت السلطة الأموية لتحطيم
المكانة العلمية والمعنوية لأهل البيت (ع) فإنها سعت في المقابل إلى رفع المكانة
العلمية والمعنوية لرموز مدرسة الخلافة.
كتب معاوية إلى عماله: "انظروا من
قبلكم من شيعة عثمان ومحبّيه وأهل ولايته والّذين يروون فضائله ومناقبه فأدنوا
مجالسهم، وقرّبوهم وأكرموهم واكتبوا إليَّ بكلِّ ما يروي كلّ رجل منهم واسمه واسم
أبيه وعشيرته". ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه لما كان يبعث
إليهم معاوية من الصّلات والكِساء والحباء والقطائع ويفيضه في العرب منهم
والموالي؛ فكثر ذلك في كلّ مصر، وتنافسوا في المنازل والدُّنيا، فليس يجيء أحد
مردود من الناس عاملاً من عمّال معاوية فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلاّ كتب
اسمه وقرّبه وشفّعه. فلبثوا بذلك حينا.. ثمّ كتب إلى عمّاله: "إنّ الحديث في
عثمان قد كثر وفشا في كلّ مصر وفي كلّ وجه وناحية، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا
الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الاوّلين ولا تتركوا خبراً يرويه أحد
من المسلمين في أبي تراب إلاّ وتأتوني بمناقض له في الصحابة؛ فإنّ هذا أحبّ إليَّ،
وأقرّ لعيني، وأدحض لحجّة أبي تراب وشيعته، وأشدّ عليهم من مناقب عثمان وفضله "
(شرح
نهج البلاغة: ج 11 ص 44-45).
(ج) نظرية عدالة الصحابة:
لقد أراد معاوية على تعويم مفهوم الصحابة
وإعطائه بعداً دينياً وتقديمه بهالة من القدسية ليمتلك قدرته على التأثير في نفوس
المسلمين ووعيهم، لقد أراد معاوية أن يعطي سلطة دينية لهذا المفهوم، لأنه لم يكن
يمتلك سوى هذا السلاح من المشروعية الدينية.
ولذا كان فيما كتبه معاوية إلى عماله: "فإذا
جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الاوّلين ولا
تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلاّ وتأتوني بمناقض له في
الصحابة؛ فإنّ هذا أحبّ إليَّ، وأقرّ لعيني، وأدحض لحجّة أبي تراب وشيعته" (شرح نهج
البلاغة: ج 11 ص 45).
لقد أراد معاوية إذن أن يشهر فضائل الصحابي
وألا يترك رواية تتحدث عن فضل الإمام علي (ع) ومكانته وإلا ويريد في مقابلها رواية
تتحدث عن فضيلة الصحابي ومكانته؛ لأنه في تعبيره أدحض لحجة أبي تراب وشيعته.
(د) الجبر:
وتعتمد على التلاعب في أسس الدين وعقائده
ومفاهيمه الصحيحة، ومن أخطر ما روجوه بين الأمة وأكدوا على إشاعته هو فكرة الجبر
الإلهي بهدف التمكن من السلطة والسيطرة التامة على مصير الناس.
وقال القاضي عبد الجبار
المعتزلي: "أظهر معاوية أنّ ما يأتيه بقضاء الله ومن خلقه، ليجعله عذراً فيما
يأتيه ويوهم أنه مصيب فيه، وأنّ الله جعله إماماً وولاّه الأمر، وفشا ذلك في ملوك
بني أمية" (رسائل العدل والتوحيد: ج 2 ص 46).
ولقد كان معاوية يعلن
أثناء ولايته في عهد عثمان أنّ المال مال الله لا مال المسلمين ليحتجن هذه الأموال
ويحتجزها لنفسه كما كان يستند في إقامة ملكه إلى أيديولوجية مستمدة من نظرية
التفويض الإلهي والحق الديني للملوك، وكان في ذلك تشويه للسياسة الشرعية للمسلمين
من حيث أراد أن يستغل الدين من أجل الملك ويخضع العقائد لأهواء الحاكم.." (نظرية
الإمامة، الدكتور أحمد محمود صبحي: ص 334).
إنّ المشكلة الكبيرة التي
كانت تواجه معاوية هي قضية تنصيب ولده يزيد خليفة على المسلمين، لذا كان على
معاوية أن يحرّف في الدين من أجل أن يبرر تولية ابنه.
قال معاوية لعائشة: "أنّ
أمر يزيد قضاء من القضاء، وليس للعباد الخيرة من أمرهم" (الإمامة
والسياسة: ج 1 ص 158).
وقال لابن عمر: "إنّ
أمر يزيد قد كان قضاء من القضاء وليس للعباد خيرة من أمرهم " (الإمامة
والسياسة: ج 1 ص 161).
ولذا تتصورون أنّ هذه
الفكرة الخبيثة كم ستجر وراءها المآسي بحيث فتحت للسلطة الباب على مصراعيه من أجل
ارتكاب أفظع وأشنع الجرائم طالما أنّ الخطاب التبريري حاضر من أجل أن يرفع عن
السلطة ورموزها كافة أشكال المسؤولية، باعتبار أن ما حصل إنما هو من قضاء الله.
# وهذه الشبهة
الكلامية - السياسية كانت حاضرة في ذلك الحوار الذي دار بين يزيد والإمام زين
العابدين (ع)..
ينقل المفيد: أنه لما أدخل
علي بن الحسين (ع) وعيال الحسين على يزيد قال له يزيد: يا ابن حسين، أبوك قطع رحمي وجهل حقي ونازعني سلطاني، فصنع الله به ما قد
رأيت. فقال علي بن الحسين: {ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ
فِي الْأَرْضِ ولا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ
نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}.
# وكان الإمام
زين العابدين (ع) قد واجه المنطق نفسه من عامل يزيد عبيد الله بن زياد أثناء أسره
في الكوفة.
فقد عُرض عليه علي بن
الحسين (ع) فقال له: مَن أنت؟
فقال: "أنا علي بن
الحسين".
فقال: أليس قد قتل الله
علي بن الحسين؟
فقال له علي (ع): "قد
كان لي أخ يسمى علياً قتله الناس".
فقال له ابن زياد: بل الله
قتله.
فقال علي بن الحسين (ع): {اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا}.
# ويذكر الشيخ
المفيد أيضاً أنه: "لما وصل رأس الحسين (ع)
.. جلس ابن زياد للناس في قصر الإمارة وأذن للناس إذناً عاماً وأمر بإحضار الرأس
فوضع بين يديه وجعل ينظر إليه ويتبسم وفي يده قضيب يضرب به ثناياه وكان إلى جانبه
زيد بن أرقم صاحب رسول الله (ص) وهو شيخ كبير فلما رآه يضرب بالقضيب ثناياه قال له:
ارفع قضيبك عن هاتين الشفتين فوالله الذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله (ص)
عليهما ما لا أحصيه كثرة تقبلهما؛ ثم انتحب باكياً، فقال له ابن زياد: أبكى الله
عينيك أ تبكي لفتح الله والله لو لا أنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك، فنهض
زيد بن أرقم من بين يديه وصار إلى منزله ".
# ويبدو هذا المنطق واضحاً
في حوار ابن زياد مع السيدة زينب (ع) إذ توجه إليها قائلاً: الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم.
فقالت زينب: الحمد لله الذي أكرمنا
بنبيه محمد (ص) وطهرنا من الرجس تطهيراً وإنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر وهو
غيرنا والحمد لله.
فقال ابن زياد: كيف رأيت فعل الله
بأهل بيتك ؟.
قالت: كتب الله
عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجون إليه وتختصمون
عنده ..
# أما عمر بن
سعد فإنه لما اعترض عليه عبد الله بن مطيع العدوي قائلاً: اخترت همذان والري على
قتل ابن عمك؛ فإنه أجاب بقوله: كانت أمور قضيت من السماء.
يقول الدكتور أحمد محمود
صبحي: "إنّ معاوية لم يكن يدعم ملكه بالقوة فحسب ولكن بأيديولوجية تمس
العقيدة في الصميم، ولقد كان يعلن في الناس أنّ الخلافة بينه وبين علي قد احتكما
فيها إلى الله فقضى الله له على علي... وهكذا كاد يستقر في أذهان المسلمين أنّ كل
ما يأمر به الخليفة حتى لو كانت طاعة الله في خلافه قضاء من الله قد قدر على
العباد" (نظرية
الإمامة عند الشيعة الإمامية للدكتور أحمد محمود: ص 334).
(هـ) الإرجاء:
وهو مفهوم يلغي أهمية العمل ولا يقيم له وزناً،
لأنّ الإيمان إنما هو معرفة بالقلب وتصديق باللسان والمعصية لا تضر الإيمان.
# وقد حصل حوار
بين أم المؤمنين عائشة ومعاوية إذ تقول له: يا معاوية! قتلت حُجراً وأصحابه
العابدين المجتهدين! فقال معاوية: دعي هذا كيف أنا في الذي بيني وبينك في حوائجك؟
قالت: صالح، قال: فدعينا وإياهم حتى نلقى ربنا (الإمامة
والسياسة: ج 1 ص 158).
ولذا قال ابن أبي الحديد: "أول من قال بالإرجاء المحض معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص، كانا يزعمان أنه لا يضر مع الإيمان معصية.." (شرح نهج البلاغة: ج 6 ص 325؛ الخلافة ونشأة الأحزاب السياسية محمد عمارة: ص 174)
(و) الأخذ بثقافة أهل الكتاب
والترويج لها:
حيث فسح المجال لتميم الداري الراهب
النصراني وكعب أحبار اليهود بإفشاء الأحاديث الإسرائيلية بين المسلمين، فالأول خرج
بعد مقتل عثمان إلى معاوية وعاش في كنفه، والثاني خرج قبل ظهور القلاقل ضد عثمان
وعاش في كنف معاوية أيضاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق