الاثنين، 8 أبريل 2024

 

** زكاة الفطرة وحكمتها **

وتسمى بزكاة الأبدان، وهي: التي تجب على كل مسلم في عيد الفطر.

عن أبي بصير وزرارة جميعًا، قالا: قال أبو عبد الله (ع): >إنّ من تمام الصوم إعطاء الزكاة -يعني الفطرة- كما أنّ الصلاة على النبي (ص) من تمام الصلاة؛ لأنّه من صام ولم يؤدِّ الزكاة فلا صوم له إذا تركها متعمدًا، ولا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي (ص) إنَّ الله عزَّ وجلَّ قد بدأ بها قبل الصلاة فقال: {قَدْ أفْلَحَ مَنْ تَزَكى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلى}< (وسائل الشيعة: ج 9 ص 318 أبواب زكاة الفطرة ب 1 ح 5).

وعن الصادق (ع) قال: >من ختم صيامه بقول صالح أو عمل صالح تقبّل الله منه صيامه<.

فقيل: يا بن رسول الله ما القول الصالح؟

قال: >شهادة أن لا إله إلاّ الله، والعمل الصالح إخراج الفطرة< (المصدر نفسه: ح 7).

وقال ابن عباس: >فرض رسول الله (ص) زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين< (مستدرك الصحيحين: ج 1 ص 409).

فالروايات ترشدنا إلى حكمتين مهمتين:

أحدهما: متعلقة بالصائم:

وهي أنَّ الصائم قد لا يتوفّق إلى الصيام الكامل مع ما قد يشوبه من لغو القول، ورفث الكلام. والمراد من الصيام الكامل -إضافة إلى عدم الأكل والشرب- هو الورع عن محارم الله عن طريق صوم الجوارح واللسان، كما يصوم البطن.

ولأجل أن يصل الصائم إلى فرحة لقاء الله بأخذ جائزته يوم عيد الفطر جاءت هذه الصدقة الواجبة تغسل ما علق من مظاهر سلبية في نفس الصائم ولبِّه.

ولهذا أشارت الآية الكريمة إلى التزكية التي هي تطهير عام للقلب من الرذائل، ولا تزول هذه الرذائل إلاّ بالأعمال الصالحة، التي هي أساس فلاح الإنسان {قَدْ أفْلَحَ مَنْ زَكاهَا}.

فالعبادة عمومًا ناقصة أمام الله عز وجل؛ لأنها لم تؤد حق طاعته ومقدار عظمته، والمطلوب من بذل العبودية تجاهه.. وهذا الشهر المبارك، الذي يقول عنه في الدعاء: >إننا قد أديناه مع اعتراف بالتقصير وإقرار بالتضييع<.

 ومن هنا أمكن لزكاة الفطرة أن تكون سدًا لتلك الثغرة، إما بعنوان ملء الفراغ الحاصل، أو التسبيب إلى غفران ذلك التقصير، أو بعنوان إضافة تضحية المال إلى تضحية البدن؛ لتكون التضحية أتم وأكمل وأشمل.

وثانيهما: متعلقة بالمجتمع:

حيث إنّ هذا اليوم -أي: يوم عيد الفطر- هو يوم تنشر فيه المحبة وتشيع فيه الأُلفة والمسرّة بين جميع الناس، فينبغي تعميم السرور على كل أبناء الأمة. وأي سرور وألفة من أن يرى الفقير نفسه قد شارك الموسرين أفراحهم بما يغنيه عن الحاجة وذل السؤال، ويشعره بأنّ المجتمع لم يهمل أمره.

وعند إعطاء هذه الزكاة إلى الفقير، تحصل عدة أمور: إدخال السرور على قلب المؤمن، والتسبيب إلى مشاركته في السرور مع الآخرين، والتسبيب إلى إظهار الفرح عمليًا.

ولا ريب أنَّ أحد مظاهر قيامنا بالعبادة هو شكر المنعم وزكاة الفطرة من العبادات، فتكون مصداقًا من الشكر لله عز وجل.

تعريفها:

وهي مقدار من المال يجب دفعه عن كلِّ نفس في وقت محدّد من اليوم الأول من شهر شوال الواقع فيه عيد >الفطر<، الذي أخذت اسمها منه، وقد يُقال لها: (زكاة الأبدان) مقابل: (زكاة الأموال).

عمّن تدفع الفطرة:

1 . الأفراد الذين تجب نفقتهم عليه من أسرته، ممن ينفق عليهم فعلًا، كزوجته وأولاده وأبويه.

2. الأقارب الذين يعيشون في بيته وتحت كنفه ممن تكفَّل بالإنفاق عليهم، كأخته وأخيه ونحوهما.

3. مطلق عياله وإن كان غائبًا، فإنَّ من غاب في سفر ونحوه ولو لفترة طويلة تبقى فطرته واجبة على من يعوله ما دام في عياله ومن أفراد أسرته.

4. الخدم الذين يعيشون في بيته ويكونون في رعايته وكنفه.. ولا يشمل الخادم الموظف الذي يسكن مستقلًا عنه حتى لو تواجد عنده معظم النهار، إلاَّ أن يبيت عنده ليلة العيد ويكون في ضيافته، فيكون ممن يدخل تحت عنوان >الضيف<.

5. من يكون في ضيافته ويبيت عنده بحيث يصدق عرفًا أنه نازل في ضيافته من أقاربه وأصدقائه وغيرهم ممن يستضيفهم لأي سبب؛ ولا بُدَّ من قدومه عليه قبل هلال ليلة العيد، وإن كان الأحوط وجوبًا كفاية نزوله عليه بعد الغروب من ليلة العيد في اعتباره من ضيوفه. والمهم في صدق الضيافة المبيت ولو لم يأكل عنده، فلا يشمل من يدعوهم للطعام والسهر عنده ليلة العيد إذا لم يبيتوا عنده.

مقدار الفطرة:

يجب أن تكون الفطرة مما يعد قوتًا وغذاءً، مثل القمح ومشتقاته كالطحين والبرغل، والشعير والتمر والزبيب والحليب ومشتقاته والأرز والذرة ونحو ذلك.

ويجوز دفع قيمة الفطرة من النقد، وتلاحظ القيمة عند أداء الفطرة وإخراجها، كما تلاحظ القيمة في بلد الإخراج لا في بلد المكلّف.

والمقدار الواجب ثلاثة كيلوات تقريبا عن كلّ نفس.  ولا بُدَّ من كونها من جنس واحد عن كلّ نفس، فلا يجزي دفع كيلو ونصف مثلًا من القمح وكيلو ونصف من التمر عن نفس واحدة، نعم يصح لذي العيال أن يدفع جنسًا مختلفًا عن كلّ نفس من أفراد عائلته، فيدفع عن نفسه تمرًا، وعن زوجته حنطة، وعن ولده أرزًا، وهكذا.

وقت دفع الفطرة:

تجوز المبادرة إلى دفع زكاة الفطرة خلال أيام شهر رمضان المبارك، أو في ليلة العيد، ولكن الأحوط استحبابًا -حينئذ- دفعها إلى الفقير بعنوان الدين ثم احتسابها عليه زكاة صبيحة يوم العيد.

ولا يجب في إخراجها دفعها إلى الفقير مباشرة، بل يجوز عزلها جانبًا في وقتها وتأخير الدفع ولو أيامًا إلى أن يوصلها إلى المستحق ما دام التأخير لسبب وجيه معتبر عند العقلاء، كالوصول إلى الفقير أو أداء بعض الواجبات الشخصية، أو نحو ذلك مما يشغل الإنسان عادةً في أيام العيد.

فإذا لم يدفعها في وقتها ولم يعزلها حتى حل وقت الظهر من يوم العيد فالأحوط وجوبًا الإتيان بها بعد ذلك بقصد القربة المطلقة بدون لحاظ وجوبها عليه.

أيها الصائم ..

إذا أردتَ أن تفرح فافرح بفضل الله عليك، وافرح برحمة الله عليك، فإنّ ذلك يعني أنّ الله يحبك وأن يرضاك وأنه يفتح أبواب رحمته عليك، وأنه يحتضنك في مصيرك بكل حنانه وعطفه ولطفه.

ولذلك اختصر أمير المؤمنين (ع) فرح العيد في هذا الاتجاه: "إنما هُوَ عِيدٌ لِمَنْ قَبِلَ اللَّهُ صِيَامَهُ وَ شَكَرَ قِيَامَهُ وَ كُلُّ يَوْمٍ لَا يُعْصَى اللَّهُ فِيهِ فَهُوَ عِيدٌ".

فالمؤمن حتى لو كان في أشد حالات الألم، وحتى لو كان في عمق المشاكل، وحتى لو حاصرته الحياة بكل ضغوطها ومشاكلها، وكان الله راضياً عنه، فتلك هي السعادة التي عاشها (ص) ورجلاه تدميان من الحجارة التي رماه بها أوباش الطائف، وهو يسمع شتائمهم وسبابهم .. إلا أنه قال: >إن لم يكن منك غضب علي فلا أبالي<.

وعن جابر، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ (ص): "إِذَا كَانَ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ شَوَّالٍ نَادَى مُنَادٍ: أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ اغْدُوا إِلَى جَوَائِزِكُمْ".

ثُمَّ قَالَ: "يَا جَابِرُ جَوَائِزُ اللهِ لَيْسَتْ بِجَوَائِزِ هَؤُلَاءِ الْمُلُوكِ".

ثُمَّ قَالَ: "هُوَ يَوْمُ الْجَوَائِزِ".

وعن محمد بن عجلان قال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (ع) يَقُولُ: "كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (ع) إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ لَا يَضْرِبُ عَبْداً لَهُ وَ لَا أَمَةً ... وَ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ جِنَايَاتِهِمْ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَ يَعْفُو عَنْهُمْ فِي آخِرِ لَيْلَةٍ مِنَ الشَّهْرِ، ثُمَّ يَقُولُ: اذْهَبُوا فَقَدْ عَفَوْتُ عَنْكُمْ، وَأَعْتَقْتُ رِقَابَكُمْ".

قَالَ: "وَمَا مِنْ سَنَةٍ إِلا وَكَانَ يُعْتِقُ فِيهَا فِي آخِرِ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ مَا بَيْنَ الْعِشْرِينَ رَأْساً إِلَى أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّ للهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ عِنْدَ الإِفْطَارِ سَبْعِينَ أَلْفَ أَلْفِ عَتِيقٍ مِنَ النَّارِ كُلٌّ قَدِ اسْتَوْجَبَ النَّارَ، فَإِذَا كَانَ آخِرُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ أَعْتَقَ فِيهَا مِثْلَ مَا أَعْتَقَ فِي جَمِيعِهِ وَإِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يَرَانِيَ اللَّهُ وَقَدْ أَعْتَقْتُ رِقَاباً فِي مِلْكِي فِي دَارِ الدُّنْيَا رَجَاءَ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ.

هذا هو الفرح كل الفرح، وعلينا أن نعيشه عقلاً وقلباً وحركة وحياة حتى نحصل على تلك الهمسة الروحية ونحن نودع هذه الحياة {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي}.

لذلك، فإنّ علينا أن نجلس بين يدي الله، بقلوبنا وعقولنا، حتى نستذكر كل ذنوبنا، ويقول الإنسان لربه بعد أن يفتح عقله له: يا ربِّ إني تائب من كل فكر الباطل، ويفتح قلبه له ليقول: يا ربِّ إني تائب من كل عاطفة الباطل، ويفتح حياته له ليقول: يا ربّ إني تائب من كل قول الباطل وعمل الباطل وعلاقات الباطل وموقف الباطل، لأنّ الشهر الذي كنا فيه هو فرصة، "فإنّ الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم".

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

محرم 1447 في الصحافة الكويتية