الأحد، 24 فبراير 2019


** حب فاطمة وبنيها **


قال رسول الله (ص): "أدبّوا أولادكم على ثلاث خصال: حبّ نبيكم، وحبّ أهل بيته، وقراءة القرآن".

وبأسانيد معتبرة صحيحة عن الإمام الرضا (ع)، عن آبائه، عن رسول الله (ص)، قال: "إذا كان يوم القيامة نادى مناد: يا معشر الخلائق غضّوا أبصاركم  حتى تجوز فاطمة بنت محمد".

ذكرنا في الحلقة السابقة، أنَّ الحب ليس مجرد عواطف ومشاعر تبقى عاجزة عن الوصول إلى الأبناء، فينمو الطفل معتقداً أنه غير محبوب ومرفوض من الوالدين .. بل هو رسالة يجب أن تصل إلى الطفل بأسلوب التعامل وطريقة الكلام والحوار مع الطفل، ويجب أن يشعر الطفل أنه محبوب لشخصه ولذاته وليس لما يفعل أو لا يفعل.

وفي هذهِ المرحلة تنمو المشاعر والعواطف والأحاسيس عند الطفل، من حب وبغض وانجذاب ونفور، واندفاع وانكماش.

فالمطلوب من الوالدين:

1.   استثمار حالات الاستعداد العاطفي عند الطفل وتنمية مشاعره وعواطفه.
2.   توجيهها نحو الارتباط بأرقى النماذج البشرية.
3.   المبادرة إلى تركيز حبّ النبي (ص)، وحب أهل البيت (ع) في خلجات نفسه، والطريقة الأفضل في تركيز الحبّ هو إبراز مواقفهم وسلوكهم في المجتمع وخصوصاً ما يتعلق برحمتهم وعطفهم وكرمهم، ومعاناتهم وما تعرضوا له من حرمان واعتداء، يجعل الطفل متعاطفاً معهم محباً لهم، مبغضاً لمن آذاهم من مشركين ومنحرفين.
4.   ثم التركيز أيضاً على قراءة القرآن في الصغر حيث يجعل الطفل منشدّاً إلى كتاب الله، ومتطلعاً على ما جاء فيه، وخصوصاً الآيات والسور التي يفهم الطفل معانيها، وقد أثبت الواقع قدرة الطفل في هذه المرحلة على ترديد ما يسمعه، وقدرته على الحفظ، فينشأ الطفل وله جاذبية وشوق للقرآن الكريم، وينعكس ما في القرآن من مفاهيم وقيم على عقله وسلوكه.

ما معنى محبتنا لفاطمة الزهراء (ع)؟


إنّ محبة أهل البيت من الإيمان ولا يتأتى الإيمان باليوم الآخر من دون محبة أهل بيت رسول الله (ص). وإنّ آيات القرآن الكريم تصرح بوجوب محبة أهل البيت (ع)، ولا تدع مجالاً للشك في ذلك. فلذا نرى الإمام الشافعي أوجب السلام على أهل البيت (ع) في الصلاة، واعتبرها الإمام أبو حنيفة سنة، واعتبر جميع أئمة الفقه أنّ صلاة من لا يأتي بالسلام على أهل البيت (ع) صلاة ناقصة. وتوجد كذلك كتب كثيرة في مدح أهل البيت (ع).

ولا شك أنّ لأهل بيت النبي (ص) منزلة رفيعة ودرجة عالية من الاحترام والتقدير عند المسلمين، حيث يرعون حقوق آل البيت التي شرعها الله لهم، فيحبونهم ويتولونهم ويحفظون فيهم وصية رسول الله (ص) التي قالها يوم غدير خم: "أذكركم الله في أهل بيتي".

وفاطمة الزهراء (ع) هي جوهرة هذا البيت طهارة وعفة.. فقد روى البخاري في باب مناقب فاطمة عن النبي (ص) قال: "فاطمة سيدة نساء أهل الجنة".

ومشوار حبنا للزهراء فاطمة وأهل بيتها (ع) إنما يخضع لسلوك القرآن في معنى الحب، فالله سبحانه وتعالى يقرر معنى الحب الحقيقي في قوله تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُواْ اللهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}.

فتقرر الآية الأولى أنّ الحب ليس بالعلاقة القلبية الطبيعية فحسب، بل يجب أن تظهر آثاره في عمل الإنسان أيضاً.

فـ{قُلْ} يا محمد، لهؤلاء الذين يتحدثون عن حبهم لله بطريقة عاطفية، عليكم أن تحولوا حبكم لله إلى منهج عملي يتصل في علاقة الإنسان بالله في كل وجوده، من خلال الرسول الذي يفتح للناس أبواب الله.

{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ} فكراً ووعياً وإخلاصاً {فَاتَّبِعُوني} في رسالتي التي بلَّغتكم إياها، وفي الشريعة التي أمركم الله بإتباعها.

فالرسول لا يمثل انتساباً إلى عائلة أو إلى مكان، بل يمثل ما أرسله الله ليخرج الناس من الظلمات إلى النور ويهديهم إلى الصراط المستقيم، ويفتح لهم أبواب الجنة بالدعوة إلى الطاعة، ويغلق عنهم أبواب النار بالدعوة إلى البعد عن المعصية، فكلمات الله هي كلماته، وطاعته هي طاعته، ومعصيته هي معصيته، والرادّ عليه هو راد الله، والمنفتح عليه هو منفتح على الله، لأنّ الرسول لا يمثل نفسه، بل يمثل صاحب الرسالة، وهو الله..

فإذا اتبعتم الله في كل تعاليمه التي علّمكم إياها، فإنّكم بذلك تؤكدون إتباعه، وأي حب أعظم من الذوبان في طاعة من تحب، فإذا رأى الله منكم هذا الحب الواقعي المتمثل بالعمل الرسالي الخاضع لله ورسالاته {يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.

وإذا كان حب العبد لله طاعة له، فإنّ حب الله للعبد مغفرة له ورضوان، هذا ما عبرت عنه الآية التالية {وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} التي أسلفتم في غفلتكم وحيرتكم {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} لأنّه الرب الكريم الذي لا يتعاظمه غفران الذنب العظيم.

وفي الواقع أنّ من آثار الحب الطبيعية انجذاب المحب نحو المحبوب والاستجابة له. صحيح أنّ هناك حباً ضعيفاً لا تتجاوز أشعته جدران القلب، إلا أنّ هذا من التفاهة بحيث لا يمكن اعتباره حباً. لا شك أنّ للحب الحقيقي آثاراً عملية تربط المحب بالحبيب وتدفعه للسعي في تحقيق طلباته.

والدليل على ذلك واضح، فحب المرء شيئاً لا بد أن يكون بسبب عثوره على أحد الكمالات فيه. لا يمكن أن يحب الإنسان مخلوقاً ليس فيه شيء من قوة الجذب، وعليه فإنّ حب الإنسان لله ناشئ من كونه منبع جميع الكمالات وأصلها. إنّ محبوباً هذا شأنه لا بد أن تكون أوامره كاملة أيضاً، فكيف يمكن لإنسان يعشق الكمال المطلق أن يعصي أوامر الحبيب وتعاليمه، فإن عصى فذلك دليل على أنّ حبه غير حقيقي.

فالذين لا يفتأون - ليل نهار - يتحدثون عن حبّهم لله ولأئمة الإسلام وللمجاهدين في سبيل الله وللصالحين والأخيار، ولكنّهم لا يشبهون أولئك في العمل، هم كاذبون. والذين يعتقدون أنّ الإيمان والحب هي المحبة قلبية فحسب، هم غرباء على منطق الإسلام تماماً ... فإذا كنتم تحبون الله، وبدت آثار ذلك في أعمالكم وحياتكم، فإنّ الله سيحبكم أيضاً، وسوف تظهر آثار حبّه أنّه سيغفر لكم ذنوبكم، ويشملكم برحمته.

ويتبين من هذه الآية أن ليس هناك حب من طرف واحد، لأنّ الحب يدفع المحب إلى أن يحقق عملياً رغبات حبيبه. وفي هذه الحالة لا يمكن للمحبوب إلاَّ أن يرتبط بالمحب.

ولقد جاء في كثير من الأحاديث أنّ أئمة الإسلام كانوا يقولون: ما الدين إلا الحب.

ومن ذلك ما جاء في "الخصال" و"الكافي" عن الإمام الصادق (ع) أنّه قال: "وهل الدين إلا الحب" ثم تلا هذه الآية {قُلْ إِن كنتمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِى}.

فهذه الأحاديث تريد أن تبين أنّ حقيقة الدين وروحه هي الإيمان بالله وحبه، ذلك الإيمان والعشق اللذين يعم نورهما كل الوجود الإنساني ويضيئانه، وتتأثر بهما الأعضاء والجوارح، ويظهر أثرهما في إتّباع أوامر الله.

يقول العلامة الطباطبائي: "ومن جميع ما تقدم على طوله يظهر معنى الآية التي نحن بصدد تفسيرها، أعني قوله: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله فالمراد - والله أعلم - إن كنتم تريدون أن تخلصوا لله في عبوديتكم بالبناء على الحب حقيقة فاتبعوا هذه الشريعة التي هي مبنية على الحب الذي ممثله الإخلاص والإسلام وهو صراط الله المستقيم الذي يسلك بسالكه إليه تعالى، فإن اتبعتموني في سبيلي وشأنه هذا الشأن أحبكم الله وهو أعظم البشارة للمحب، وعند ذلك تجدون ما تريدون، وهذا هو الذي يبتغيه محب بحبه، هذا هو الذي تقتضيه الآية الكريمة بإطلاقها. وأما بالنظر إلى وقوعها بعد الآيات الناهية عن اتخاذ الكفار أولياء وارتباطها بما قبلها فهذه الولاية لكونها تستدعي في تحققها تحقق الحب بين الإنسان وبين من يتولى كما تقدم كانت الآية ناظرة إلى دعوتهم إلى اتباع النبي (ص) إن كانوا صادقين في دعواهم ولاية الله وأنّهم من حزبه فإنّ ولاية الله لا يتم بإتباع الكافرين في أهوائهم ولا ولاية إلا باتباع و ابتغاء ما عندهم من مطامع الدنيا من عز و مال بل تحتاج إلى إتباع نبيه في دينه كما قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ @ إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللهِ شَيئاً وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ}، انظر إلى الانتقال من معنى الإتباع إلى معنى الولاية في الآية الثانية. فمن الواجب على من يدعي ولاية الله بحبه أن يتبع الرسول حتى ينتهي ذلك إلى ولاية الله له بحبه. وإنّما ذكر حب الله دون ولايته لأنّه الأساس الذي تبتني عليه الولاية، وإنّما اقتصر على ذكر حب الله تعالى فحسب لأنّ ولاية النبي والمؤمنين تئول بالحقيقة إلى ولاية الله" انتهى كلامه رحمه الله.

الخلاصة:

إنّ الإنسان الذي يعرف الزهراء (ع)، ويعرف تقواها، ويعرف كيف تذوب وتتحرق وتتأوه آخر الليل، ثم يعشق فاطمة فمن المستحيل أن يقوم بأعمال تخالف أوامرها، ومن المتيقن أنّه سوف يعمل بما أمرت وعملت به تلك السيدة الطاهرة من تقوى وصلاح واستقامة.

وكل حبيب لا بد أن يحترم رغبات محبوبه ويجل أوامره، والطاعة المحبوبة لازمة من لوازم الحب الصادق.

إذن معنى أن نحب فاطمة وعلي وولدهم صلوات الله عليهم، وذلك بأن يسد حبهم الطريق أمام الذنوب، وليس معناه - كما تخيل بعض الجاهلين - أنّ حبهم شيء إذا ظفرت به فإنّك مهما ترتكب من ذنوب فهي لن تضرك.

وبطبيعة الحال فمثل هذه الأمور تكون سبباً لوقوع الناس في الغرور، وموجباً لافتتانهم، ومنشأ لجرأتهم على الله سبحانه وتعالى.

ولقد أجاد الإمام الصادق (ع) حينما تمثل:

تعصي الإله وأنت تظهر حبه          هذا لعمرك في الفعال بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعته             إنَّ المحب لمن يحب مطيع

ويقول طاووس اليماني: رأيت رجلاً يصلي في المسجد الحرام تحت الميزاب يدعو ويبكي في دعائه فجئته حين فرغ من الصلاة فإذا هو علي بن الحسين (ع)، فقلت له: يا ابن رسول الله رأيتك على حالة كذا، ولك ثلاثة أرجو أن تؤمنك من الخوف؛ أحدها: أنّك ابن رسول الله، والثاني: شفاعة جدك، والثالث: رحمة الله!

فقال: "يا طاووس أما إنّي ابن رسول الله (ص) فلا يؤمنني وقد سمعت الله تعالى يقول {فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ}، وأما شفاعة جدي فلا تؤمنني لأنّ الله تعالى يقول {وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضى}، وأما رحمة الله فإنّ الله تعالى يقول إنّها {قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} ولا أعلم أني محسن".

وعن الحسن الوشاء قال: كنت بخراسان مع علي بن موسى الرضا (ع) في مجلسه، وزيد بن موسى حاضر، قد أقبل على جماعة في المجلس، يفتخر عليهم ويقول: نحن ونحن، وأبو الحسن (ع) مقبل على قوم يحدثهم، فسمع مقالة زيد فالتفت إليه فقال: "يا زيد أغرك قول بقالي الكوفة إنّ فاطمة أحصنت فرجها فحرّم الله ذريتها على النار، والله ما ذلك إلا للحسن والحسين وولد بطنها خاصة، فأما أن يكون موسى بن جعفر (ع) يطيع الله، ويصوم نهاره، ويقوم ليله وتعصيه أنت، ثم تجيئان يوم القيامة سواء!! لأنت أعز على الله عز وجل منه؟! إنّ علي بن الحسين (ع) كان يقول: لمحسننا كفلان من الأجر ولمسيئنا ضعفان من العذاب".

وقال الحسن الوشاء: ثم التفت إليّ فقال: "يا حسن كيف تقرءون هذه الآية {قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ}؟".

فقلت: من الناس من يقرأ {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ}، ومنهم من يقرأ إنه عملُ غيرِ صالح، فمن قرأ {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ} نفاه عن أبيه.

فقال (ع): "كلا، لقد كان ابنه، ولكن لما عصى الله عز وجل نفاه الله عن أبيه، كذا من كان منا لم يطع الله عز وجل فليس منا، وأنت إذا أطعت الله فأنت منا أهل البيت".

إنّ الحب الضبابي سرعان ما يزول عندما يزول الضباب، ولكن الحب المرتكز على قواعد فكرية وعقلية هو حب يبقى مهما انطلقت العواصف من أجل أن تجتث جذورها، لأنها كالشجرة الطيبة {أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}.

الاثنين، 18 فبراير 2019

العمل التطوعي في بلاد غير المسلمين


وردني سؤال من الأستاذة الفاضلة نقاء جمعة اللواتي (مسقط / سلطنة عمان) حول طبيعة العمل التطوعي وهل يجوز للمسلم أن يتبرع من وقته للعمل الخيري في بلاد ومجتمعات غير المسلمين، أو في بلاد ومجتمعات على غير المذهب.

الجواب:

علينا أن نعي أولاً أنَّ المساواة سمة من سمات الإسلام، وأصل من أصوله، فالإسلام يقرِّر أنَّ الناس سواسية، وفي ظله تذوب فوارق الجنس واللون، وتتحطم صفة الحسب والجاه والسلطان، فلا تفاضل بينهم في إنسانيتهم، وإنما التفاضل يرجع إلى أسس أخرى.

فالله تعالى خلق الناس بحسب فطرتهم متماثلين، وكذلك ولدتهم أمهاتهم أحراراً متكافئين، ولكن دخولهم في ملاحم الحياة الاجتماعية ينزع عنهم لباس التماثل والتساوي، ويرفع بعضهم فوق بعض درجات.

والأدلة في الشريعة الإسلامية تترى في تقرير هذا المبدأ:

ويكفينا الرجوع إلى القرآن الكريم:

1 . قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنَ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُم} (الحجرات: 13). وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً} (النساء: 1).

ففي هاتين الآيتين ينادي الله تعالى الناس قاطبة، ويردّهم إلى الأصل الذي انبثقوا منه، ليقرِّر أنَّ هذه البشرية جنسها واحد، ونَسَبها يتصل في رحم واحد، ومن اجتمعت فيهم هذه الأصول، فلا مجال لأن يدَّعي أحدهم العلو بالفروق الطارئة على الإنسانية، فربهم واحد، وأبوهم واحد، وهم متساوون في جميع الحقوق.

2 . قال عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً} (سبأ: 28).

إنَّ الله تعالى أرسل نبيه (ص) للناس جميعاً، ولم يختص به فئة دون فئة، أو أمة دون أخرى، وكذلك أرسله رحمة للعالمين {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلعَالَمِينَ}.

وهذا ما أكَّده الرسول محمد (ص) في حجة الوداع ، وكان خطابه لكل الناس ، حيث قال: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ: أَلا إِنَّ رَبَّكُم وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُم وَاحِدٌ، أَلا لا فَضْلَ لِعَرَبِيٍ عَلَى أَعْجَمِي، وَلا لعْجَمِي عَلَى عَرَبِي، وَلا لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلا لأَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلا بِالتَّقْوَى" (مجمع الزوائد: ج 3 ص 266 و272؛ البيان والتبيين: ج 2 ص 33؛ العقد الفريد: ج 3 ص 408؛ الغدير: ج 6 ص 187-188).

وقد كان لهذا المفهوم أثره في فتاوى الفقهاء، ومنها :

الأولى: يحق للمسلم أن يتخذ معارف وأصدقاء من غير المسلمين، يخلص لهم ويخلصون له، ويستعين بهم ويستعينون به على قضاء حوائج هذه الدنيا.

الثانية: يجوز تهنئة الكتابيين من يهود ومسيحيين وغيرهم، وكذلك غير الكتابيين من الكفار، بالمناسبات التي يحتفلون بها أمثال: عيد رأس السنة الميلادية، وعيد ميلاد السيد المسيح (ع)، وعيد الفصح.

الثالثة: يحرم على المسلم خيانة من يأتمنه على مال أو عمل، حتى لو كان كافراً، ويجب على المسلم المحافظة على الأمانة وأدائها كاملة.

الرابعة: لا تجوز السرقة من أموال غير المسلمين الخاصة والعامة ولا يجوز إتلافها، حتى وإن كانت تلك السرقة وذلك الإتلاف لا يسيء الى سمعة الإسلام والمسلمين فرضاً، ولكنها عدّت غدراً ونقضاً للأمان الضمني المعطى لهم حين طلب رخصة الدخول الى بلادهم، أو طلب رخصة الإقامة فيها، وذلك لحرمة الغدر، ونقض الأمان، بالنسبة الى كل أحد، مهما كان دينه وجنسه ومعتقده.

الخامسة: يجوز التصدق على الكفار الفقراء -كتابيين كانوا أو غير كتابيين- بشرط أن لا ينصبوا العداوة للحق وأهله، ويثاب المتصدِّق على فعله ذلك.

من خلال ذلك نفهم أنَّ علينا أن نحترم كلَّ حقوق هؤلاء وأملاكهم، ولا يجوز للإنسان أن يعتدي على مال شخص غير مسلم بحجة أنَّ هذا الإنسان كافر وأنّ أموال الكفار مباحة لنا، كما في بعض الفتاوى التي يستخدمها من يذهبون إلى الغرب أو إلى الشرق بحجة أنَّ هؤلاء كفار، فما داموا مسالمين لا يجوز لنا أن نعتدي على أموالهم أو نعتدي على أعراضهم.

وقد أكدت على ذلك التوصيات الإسلامية، حيث جاء الخطاب فيها عاماً شاملاً لكل إنسان، ولم تخصص ذلك لفئة على حساب فئة أخرى:

1.   يقول الرسول الأكرم (ص) في خطبة آخر جمعة من شعبان: "وتحنّنوا على أيتام الناس يُتحنّن على أيتامكم".
2.   ويقول (ص): "من مشى بصدقة إلى محتاج كان له كأجر صاحبها من غير أن ينقص من أجره شيئاً"..

وهذه كلها تقوم على مفهوم العطاء في الإسلام والذي تجلى في أروع صورة في قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً * إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً} .. فمع أنَّ الأسير كان محارباً للمسلمين وأسر في أرض المعركة، ولم يكن مسلماً، فإننا نلاحظ أن أهل البيت (ع) قدموا له طعامهم وهم في حالة جوع وحاجة .

وعن الّذين يقومون بفعل الخيرات، وفي سياقٍ متَّصل، يقول المرجع السيّد محمد حسين فضل الله: "{أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ في الْخَيْرَاتِ}، لأنهم ارتكزوا في حياتهم على القاعدة الصَّلبة الّتي ينطلق منها كلّ خير، وهي الإيمان بالله وبتوحيده، والخوف منه، والمحبّة له، والوجل من المصير يوم الحساب، ولذلك فإنهم ينتهزون كلّ فرصةٍ لعمل الخير، لئلا تفوتهم، فتفوتهم سعادة الطّاعة ونتائجها السَّعيدة، فيسارعون فيها {.. وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}، لأنَّ من يسارع إلى الهدف الّذي يحبّه، لا بدَّ من أن يسبق النّاس إليه.. وتلك هي الجنّة التي يتنافس فيها المتنافسون، وينطلق إليها المتسابقون، {وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا}، فلكلٍّ طاقته على عمل الخير، وعليه القيام بما يستطيعه منه، فلن يطلب الله منه أكثر من ذلك، لأنَّ الله لا يكلّف عباده بما لا يطيقون، لأنّه ظلم لا يصدر عنه -سبحانه- وسيجزيه الله جزاء ذلك، {وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ} يسجّل لعامل الخير كلّ دقائقه وخفاياه، {وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} شيئاً من ذلك، بل يأخذونه وافياً كاملاً غير منقوص ". تفسير من وحي القرآن، ج 16، ص 167.

وفي السّياق نفسه، يقول سماحته: "لا  بدَّ من أن نربّي أنفسنا على أن نكون كالشَّمس، كما يقول السيّد المسيح (ع)، تطلع على البرّ والفاجر، وكالينبوع، يتدفّق لأنّه لا يعرف إلا أن يعطي الماء لمن يريد أن يشرب، من دون النّظر في هويّة الشّارب".

وهذا عيناً هي عطاء رسول الله (ص)، فقد يتخيل البعض أنّ عطاء النبي كان فقط لذوي القربي والمحبين والمناصرين، لكن عطاء النبي ونبله امتد ليشمل حتى أعداءه ؛ فقد وصفته أم المؤمنين خديجة: "إنك لتصل الرحم وتحمل الكل، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق".

الأحد، 17 فبراير 2019


أبناؤنا ثمرة تربيتنا / 03


{رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً}.

سابعاً: كيف نشكل الطفل في مرحلته المبكرة:


يطلق بعضهم اسم مرحلة (الطفولة المبكرة) على مرحلة ما قبل المدرسة، حيث إنها تبدأ بنهاية العام الثاني من حياة الطفل، وتستمر حتى نهاية العام السادس.

وتعد مرحلة الطفولة المبكرة مرحلة مهمة في حياة الطفل، وتتميز بعدة أمور:

·                إن نمو الطفل فيها يكون سريعاً وبخاصة النمو العقلي.
·                تشهد هذه المرحلة مجموعة من التغيرات التي تطرأ على الطفل كزيادة الميل إلى الحرية، ومحاولة التعرف إلى البيئة المحيطة، والنمو السريع في اللغة، ونمو ما يكتسبه من مهارات والديه.
·                تتكون المفاهيم الاجتماعية، ويكون قادراً على التفرقة بين الصواب والخطأ والخير والشر، ويبدأ نمو الذات وازدياد وضوح الفوارق في الشخصية حتى تصبح واضحة المعالم في نهاية المرحلة.
·                في هذه المرحلة ينمو وعي الطفل بالانفصال والاستقلالية، فلم يعد ذلك المخلوق الذي كان يحمل على الكتف، أو يحبو، إذا أراد أن ينتقل من مكان إلى آخر، بل صار الطفل الآن قادراً على الوقوف على قدميه والتحرك بوساطتهما ما يجعله يعتمد كثيراً على التجوال هنا وهناك، مستكشفاً ومنقباً في اهتمام واضح، بل إنه يخاطر في تنقله، والمخاطرة تفتح له آفاقاً جديدة للمعرفة، ويستطيع هنا استيعاب الظواهر الخارجية، وفيها يتعرف إلى خواص الأشياء وعلاقتها ببعضها بعضاً.
وفي الرواية عن صالِح بن عقبة قال: سَمِعْتُ الْعَبْدَ الصَّالِحَ (ع) يَقُولُ: "تُسْتَحَبُّ عَرَامَةُ الصَّبِيِّ فِي صِغَرِهِ لِيَكُونَ حَلِيماً فِي كِبَرِهِ. ثُمَّ قَالَ: مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إِلا هَكَذَا"[1].
·                 في هذه المرحلة ينجذب الطفل إلى الاتصال بالعالم المحيط ومكوناته لاستكشافه والتعرف إليه، فهو في هذه المرحلة يكتسب معلوماته عن العالم الخارجي عن طريق حواسه، وقد أثبتت البحوث أنّ الحواس تولد شعوراً باللذة عند الطفل أكبر مما تولده عند البالغ.
·                في هذه المرحلة يستخدم الطفل الأسئلة والاستفسارات الموجهة للمحيطين به لمعرفة المزيد عن العالم الخارجي، حيث يكوِّن كل طفل لنفسه ما يُسمَّى ببنك المعلومات، فاللحاء المخي في هذه الفترة يكون في غاية الحساسية، وهذا يجعل من السهل تخزين المعلومات والخبرات ورموز الأشياء لاستخدامها في اكتساب الخبرات في المستقبل وتفسيرها والتعامل معها.
·                تعتبر هذه المرحلة أسرع مراحل النمو اللغوي تحصيلاً وتعبيراً وفهماً، حيث ينزع التعبير اللغوي نحو الوضوح ودقة التعبير والفهم ويتحسن النطق ويختفي الكلام الطفولي مثل الجمل الناقصة والإبدال والثأثأة وغيرها.
·                الطفل خلال هذه المرحلة يتمكن من اكتساب ما يقرب من خمسين (50) مفهوماً جديداً كل شهر وبذلك يضيف هذه الثروة الهائلة إلى محصوله اللفظي بما يساعده على الاتصال بالآخرين وفهمهم والتجاوب مع متطلبات الحياة الاجتماعية، كما أنه يعمل كعنصر أساسي في النمو العقلي السليم للطفل.
·                يتصف الطفل في هذه المرحلة بالخصوبة المفرطة في الخيال والقدرة على الربط بين الأسباب ونتائجها، بالإضافة إلى أنّ النمو العقلي في هذه المرحلة يكون في منتهى السرعة حيث أكد العالم النفسي "بلوم" أنّ 50% من النمو العقلي للطفل يتم فيما بين الميلاد والعام الرابع من عمره، و03% منه يتم فيما بين العام الرابع والثامن من حياة الطفل.
·                تؤكد الاتجاهات المعاصرة في تربية أطفال ما قبل المدرسة، على أهمية تعريض الطفل للمثيرات الحسية المختلفة، وإكسابه المفاهيم المناسبة بما يساعده على اللحاق بهذا الركب الهائل من التطور التكنولوجي والعلمي المعاصر حتى لا نضيع عليه الوقت، وحتى لا نهدر الكثير من طاقاته وقدراته العقلية وحتى لا نفقده الكثير من الخبرات قبل أن يصبح في عمر اللحاق بالمدرسة.
·                يبدأ الطفل في تكوين المفاهيم المعرفية في سن مبكرة فبعد مرور عامين من حياته يكون قد كوَّن مفاهيم بسيطة عن ذاته وعن الوجود المادي من حوله، ولأن المفاهيم تتكون من الخبرات التراكمية المكتسبة لأنها تبدأ بسيطة للغاية ومُحسَّـةٌ من الواقع المادي للطفل.
·                المفاهيم عند الطفل تتضمن دائماً شيئاً أكثر من المعنى الخاص لشخص بعينه أو شيء بعينه، أو حادثة بعينها، أو موقف بعينه، وعلى سبيل المثال مفهوم (أم) ينمو عن طريق خبرة الطفل مع أمه هو وخبراته مع نساء أخريات يقمن بدور الأم معه ومع أطفال آخرين.

نخلص مما سبق إلى أن تكوّن المفهوم عند الأطفال ما هو إلا عملية توصية اجتماعية تتطلب الالتقاء بالنماذج الكبرى لتمده بخبرات عوضية هادفة لأن الاقتصار على خبراته الشخصية المباشرة يؤدي إلى أن يصبح الطفل محدود الإمكانات، والنمو النفسي السليم يحتاج إلى الجمع بين الخبرات المباشرة والخبرات العوضية.

وتتطلب هذه المرحلة من الأبوين إبداء عناية خاصة في تربية الأطفال وإعدادهم ليكونوا عناصر فعّالة في المحيط الاجتماعي، وتتحدد معالم التربية في هذه المرحلة ضمن المنهج التربوي التالي:

الأول: تعليم الطفل معرفة الله تعالى:


الطفل مجبول بفطرته على الإيمان بالله تعالى، حيث تبدأ تساؤلاته عن نشوء الكون وعن نشوئه ونشوء أبويه ونشوء من يحيط به، وتفكيره المحدود يكون مهيأ لقبول فكرة الخالق والصانع..

فالمطلوب من الوالدين:

1-            أن يستثمرا تساؤلات ولدهما لتعريفه بالله تعالى الخالق في الحدود التي يتقبّلها تفكيره المحدود، والإيمان بالله تعالى كما يؤكده العلماء - سواء كانوا علماء دين أو علماء نفس - من أهم القيم التي يجب غرسها في الطفل.. مما سوف يعطيه مل في الحياة والاعتماد على الخالق، ويوجد عنده الوازع الديني الذي يحميه من اقتراف المآثم.
2-            يفضّل أن تكون تربية وتعليم الطفل في هذه المرحلة بالتدريج وضمن منهج متسلسل متناسباً مع عمر الطفل، ودرجات نضوجه اللغوي والعقلي.
وقد حدّد الإمام محمد الباقر (ع) تسلسل المنهج قائلاً: "إِذَا بَلَغَ الْغُلامُ ثَلاثَ سِنِينَ يُقَالُ لَهُ: قُلْ لا إِلَهَ إلا اللَّهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ يُتْرَكُ حَتَّى يَتِمَّ لَهُ ثَلاثُ سِنِينَ وَسَبْعَةُ أَشْهُرٍ وَعِشْرُونَ يَوْماً فَيُقَالَ لَهُ: قُلْ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَيُتْرَكُ حَتَّى يَتِمَّ لَهُ أَرْبَعُ سِنِينَ ثُمَّ يُقَالَ لَهُ: قُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، ثُمَّ يُتْرَكُ حَتَّى يَتِمَّ لَهُ خَمْسُ سِنِينَ ثُمَّ يُقَالَ لَهُ: أَيُّهُمَا يَمِينُكَ وَأَيُّهُمَا شِمَالُكَ؟ فَإِذَا عَرَفَ ذَلِكَ حُوِّلَ وَجْهُهُ إِلَى الْقِبْلَةِ وَيُقَالُ لَهُ: اسْجُدْ، ثُمَّ يُتْرَكُ حَتَّى يَتِمَّ لَهُ سَبْعُ سِنِينَ فَإِذَا تَمَّ لَهُ سَبْعُ سِنِينَ قِيلَ لَهُ: اغْسِلْ وَجْهَكَ وَكَفَّيْكَ، فَإِذَا غَسَلَهُمَا قِيلَ لَهُ: صَلِّ، ثُمَّ يُتْرَكُ حَتَّى يَتِمَّ لَهُ تِسْعُ سِنِينَ، فَإِذَا تَمَّتْ لَهُ عُلِّمَ الْوُضُوءَ وَضُرِبَ عَلَيْهِ الأوامر بِالصَّلاةِ وَضُرِبَ عَلَيْهَا، فَإِذَا تَعَلَّمَ الْوُضُوءَ وَالصَّلاةَ غَفَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ"[2].
3-            إنّ الطفل في هذه المرحلة يكون مقلداً لوالديه في كل شيء بما فيها الإيمان بالله تعالى، يقول الدكتور سپوك: "إنّ الأساس الذي يؤمن به بن بالله وحبه للخالق العظيم هو نفس الأساس الذي يحب به الوالدان الله". ويقول أيضاً: "بين العمر الثالث والعمر السادس يحاول تقليد الأبوين في كل شيء فإذا حدّثاه عن الله فانه يؤمن بالصورة التي تحددها كلماتهما عن الله حرفياً"[3].
4-            إنّ الطفل في هذه المرحلة يميل دائماً إلى علاقات المحبة والمودة والرقة واللين فيفضل تأكيد الصفات الخاصة بالرحمة والحب والمغفرة إلى أقصى حد ممكن مع التقليل إلى أدنى حد من صفات العقاب والانتقام. فتكون الصورة التي يحملها الطفل في عقله عن الله تعالى صورة جميلة محببة له فيزداد تعلقه بالله تعالى ويرى أنه مانح الحب والرحمة له.
فمثلاً: إذا أردنا أن نكوّن للطفل صورة عن يوم القيامة فالأفضل أن نركز على نعيم الجنة بما يتناسب مع رغباته، من أكل وشرب وألعاب وغير ذلك، ونركز على أنه سيحصل عليها إن أصبح خلوقاً ملتزماً بالآداب الإسلامية، ويُحرم منها إنْ لم يلتزم، ويؤجل التركيز على النار والعذاب إلى مرحلة متقدمة من عمره.

الثاني: التركيز على حب النبي وأهل بيته:

قال رسول الله (ص): "أدبّوا أولادكم على ثلاث خصال: حبّ نبيكم، وحبّ أهل بيته، وقراءة القرآن"[4].

في هذهِ المرحلة تنمو المشاعر والعواطف والأحاسيس عند الطفل، من حب وبغض وانجذاب ونفور، واندفاع وانكماش.

فالمطلوب من الوالدين:

1-            استثمار حالات الاستعداد العاطفي عند الطفل وتنمية مشاعره وعواطفه.
2-            توجيهها نحو الارتباط بأرقى النماذج البشرية.
3-            المبادرة إلى تركيز حبّ النبي (ص)، وحب أهل البيت (ع) في خلجات نفسه، والطريقة الأفضل في تركيز الحبّ هو إبراز مواقفهم وسلوكهم في المجتمع وخصوصاً ما يتعلق برحمتهم وعطفهم وكرمهم، ومعاناتهم وما تعرضوا له من حرمان واعتداء، يجعل الطفل متعاطفاً معهم محباً لهم، مبغضاً لمن آذاهم من مشركين ومنحرفين.
4-            ثم التركيز أيضاً على قراءة القرآن في الصغر حيث يجعل الطفل منشدّاً إلى كتاب الله، ومتطلعاً على ما جاء فيه، وخصوصاً الآيات والسور التي يفهم الطفل معانيها، وقد أثبت الواقع قدرة الطفل في هذه المرحلة على ترديد ما يسمعه، وقدرته على الحفظ، فينشأ الطفل وله جاذبية وشوق للقرآن الكريم، وينعكس ما في القرآن من مفاهيم وقيم على عقله وسلوكه.



الهوامش:
(1)                    الكافي: ج 6 ص 51، ومن لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 493.
(2)                    الفقيه: ج 1 ص 182، وأمالي الطوسي: ص 433.
(3)                    مشاكل الآباء في تربية الأبناء: ص 248.

(4)         كنز العمال: ج 16 ص 456 ح 45409.

محرم 1447 في الصحافة الكويتية