أبناؤنا ثمرة تربيتنا / 02
{رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ
أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً}[1].
رابعاً: ما هو هدف التربية في الإسلام ولماذا نربي الطفل؟
إنّ
هدف التربية إعداد الإنسان المسؤول عن الكون والحياة سواء على مستوى انفتاحه على
الله أو انفتاحه على الناس أو على نفسه وما إلى ذلك..
وعلى
الرغم من ضعف الإنسان، لكونه خلق ضعيفاً، {وَخُلِقَ
الإِنْسَانُ ضَعِيفاً}[2].
لكن لديه قابلية أخذ القوة.
وعلى
الرغم من أنّ الإنسان خلق سريع الحركة والانفعال، {خُلِقَ
الأِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ}[3]،
لكن لديه قابلية الوصول إلى التأني...
فدور
التربية إذن:
1.
أنها تؤسس التوازن في شخصية الإنسان بمختلف أبعادها الجسدية
والنفسية والروحية والذهنية والاجتماعية..
2.
أنها تنمي معرفته بالنشاط الذي ينسجم مع مستواه الفكري.
3.
أنها تزرع القيم والمفاهيم داخل شخصيته، بالمستوى الذي يتحول
فيه الطفل إلى تجسيد حي لتلك القيم، حيث تقوم تربيته على الصدق في شخص صادق
وتربيته على الأمانة في شخص أمين وهكذا..
4.
تجسيد القيم في الإنسان ونقلها من عالم المفاهيم المجردة إلى
عالم الحركة في الحياة، بحيث يتحول الإنسان نفسه إلى قيمة متجسدة، بدرجات متفاوتة
في التجسيد تبعاً لتفاوت المؤهلات، هذا ما يمكن أن نفهمه من حديث وصف النبي (ص): "كان خلقه القرآن"[4] بحيث إنه (ص)
تحول إلى قرآن متحرك.
فدور التربية إذن هو أن
تؤصل القيم في حركة الإنسان في الواقع.
خامساً: الإسلام والأساليب المتنوعة؟
هل
نستطيع أن نضع خطاً بيانياً واحداً للتربية ؟
من
الصعب جداً ذلك؛ لأنّ رسالة التربية هي إصلاح ما يفسد من الطفل أو إدخال الفكرة
القيمة إلى وجدانه بحسب ما تستوعب إدراكاته وأحاسيسه، وبطبيعة الحال فإنّ هذه
العملية قد تحتاج إلى ما يشبه تشخيص العقاقير لأي مرض كان، بحيث يدور الأمر بين أن
نترك الطفل نهباً للمرض الذي يهدد شخصيته أو أن نقسو عليه بطريقة مدروسة لتخليصه
منها.
فنحن
إذا ما أردنا أن ننشئ إنساناً سوياً، لا بد لنا أن نتعامل مع المفردات السلبية
الموجودة داخل شخصيته بحسب حاجتها إلى الرفق أو إلى العنف، فلا يستعجل المربي منا
العنف بل عليه أن يصبر على متابعة التجربة اللينة، ويستفيد من التجارب المتنوعة،
إذا لم يكن لما يستغرقه من وقت طويل، تأثير سلبي على عملية التقويم.
فالأصل
هو عدم القسوة، ولكن من الممكن أن نستعمل العنف بشرط أن يكون استخدامنا العنف من
موقع رحمة لا من موقع حالتنا المزاجية وكوننا نميل إلى القسوة.
فهناك
فرق بين الأسلوب الذي يختزن العنف على اختلاف درجاته والقسوة: فالقسوة حالة نفسية
تدفع الإنسان إلى الاعتداء على الآخرين واضطهادهم، وبالتالي تفقده فطرته التي فطره
الله عليها من الفضول وحب الاستطلاع، وتجعله يميل إلى الخوف والإحجام وتفادي النقد
والإحساس بالضعف، وهو ما ينتج عنه الرهاب الاجتماعي. وكذلك هو الحال في استخدام
الحماية الزائدة والحنان المفرط فإنّهما يحرمان الطفل في طفولته من فرصة تأكيد
ذاته مع أقرانه بالاحتجاج اللفظي أو العملي.
بينما
العنف (المدروس) هو خطة يراد من خلالها إصلاح ما يفسد من الإنسان أو تعميق قيمة ما
في نفسه، وهو بذلك قد يحمل مصلحة للإنسان تماماً كالعمليات الجراحية التي تحمل
إليه الصحة. وإذا درسنا المسألة على ضوء الواقع لا نجد الحياة رفقاً كلها أو عنفاً
كلها. بل إنّ للرفق موقعاً فيها وللعنف موقعاً آخر..
ونخلص
من ذلك أنّ الأسلوب التربوي هو عنوان يتحرك تبعاً للحالة الداخلية أو الخارجية
التي يعيشها الطفل والتي تتحدد على ضوئها حاجة العلاج إلى التدخل لتقويم الحالة أو
إصلاحها أو ترويضها، ذلك أن الأطفال يختلفون فيما بينهم فهناك الذي لا يمكن إصلاح
أمره بالرفق دائماً أو بالعنف دائماً، وهناك من يحتاج إلى الضغط كي يهدأ ويستقر.
ومن
هنا فنحن ضد التسلط وضد القسوة، لأنّ التسلط يمثل حالة قهر ولأنّ القسوة تمثل حالة
عدوان. ولا بد أن نفرق بين السلطة والقسوة وبين العنف المدروس، والأصل في الإسلام
هو الرفق.
وهذا
ما نتلمسه في الآيات القرآنية، حيث إنّ حديث القرآن عن الطفولة يفيض بالمودة، فإنّ
الله تعالى يقسِم بالطفولة: {لا أُقْسِمُ بِهَذَا
الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ}[5].
والأطفال
هم البُشرى، قال تعالى مبشِّرًا نبيَّه زكريا: {يَا
زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ
قَبْلُ سَمِيًّا}[6].
وهم
قرة العين، لذلك أرشد الله عباد الرحمن إلى هذا الدعاء فقال: {وَالَّذِينَ
يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ
أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}[7].
وهم
زينة الحياة الدنيا، قال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ
زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ
رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً}[8].
سادساً: حقوق الأولاد:
في
هذه العجالة يجب على الأبوين أن يدركا حقوق أبنائهما عليهما، ويمكن أن نجمل هذه
الحقوق في أمور خمسة:
1 -
حق الحياة:
إنَّ
للطفل - ذكراً كان أو أثنى - حق الحياة، فلا يبيح الإسلام لوالديه أن يقوما بوأده
أو إجهاضه:
أ
- لقد شنّ الإسلام حملة قوية على عادة (الوأد) التي كانت متفشية
في الجاهلية، وتساءَل القرآن مستنكراً ومتوعداً: {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ *
بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ}[9]
واعتبر ذلك جريمة كبرى لا يمكن تبريرها بأي حال من الأحوال. وقد كانوا في الجاهلية
يقتلون أولادهم خوفاً من الفقر، كما في قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ
إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}[10].
وفي آية أُخرى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ
نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ}[11].
ب
- وعمل الإسلام أيضاً على تشكيل وعي اجتماعي جديد بخصوص الأنثى،
وقد كان الجاهليون لا تطيب نفوسهم بولادتها كما يقول القرآن الكريم: {وَإِذَا
بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ *
يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ
أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ}[12].
ولقد
اختار النبي الأكرم (ص) أفضل السبل لإزالة هذا الشعور الجاهلي تجاه الأنثى، والذي
كان يتسبب في زهق أرواح العديد من الفتيات كل عام، ففضلاً عن تحذيره من العواقب الأخروية
الجسيمة المترتبة على ذلك، اعتبر من قتل نفساً بغير حق جريمة كبرى ينتظر صاحبها
القصاص العادل.
ومن
جانب آخر زرع النبي (ص) في وعيهم أن الرزق بيد الله تعالى، وهو يرزق الإناث كما
يرزق الذكور، فأشاع بذلك أجواء الطمأنينة على العيش.
أضف
إلى ذلك استعمل النبي (ص) لغة شفافة، فتجد في أقواله (ص) عبارات تعتبر البنت
ريحانة، وأنهن المباركات، المؤنسات، الغاليات، المشفقات.. وما شابه ذلك.
وكشاهد
من أقوال الرسول (ص):
عن
حمزة بن حمران يرفعه قال:
أُتِيَ
رَجُلٌ وَهُوَ عِنْدَ النَّبِيِّ (ص)، فَأُخْبِرَ بِمَوْلُودٍ أَصَابَهُ،
فَتَغَيَّرَ وَجْهُ الرَّجُلِ! فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ (ع): مَا
لَكَ؟!
فَقَالَ:
خَيْرٌ.
فَقَالَ:
قُلْ..
قَالَ:
خَرَجْتُ وَالْمَرْأَةُ تَمْخَضُ، فَأُخْبِرْتُ أَنَّهَا وَلَدَتْ جَارِيَةً!!
فَقَالَ
لَهُ النَّبِيُّ (ص): "الأَرْضُ تُقِلُّهَا،
وَالسَّمَاءُ تُظِلُّهَا، وَاللَّهُ يَرْزُقُهَا، وَهِيَ رَيْحَانَةٌ
تَشَمُّهَا..."[13].
وقد
أكد الإمام علي (ع)، ذلك التوجه النبوي بقوله: "كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ (ص) إِذَا بُشِّرَ بِجَارِيَةٍ، قَالَ: رَيْحَانَةٌ، وَرِزْقُهَا
عَلَى اللهِ"[14].
ولقد
سار أئمة أهل البيت (ع) على خطى جدهم (ص)، واقتفوا آثاره في تغيير النظرة
التمييزية السائدة، التي تحط من الأنثى لحساب الذكر ولا تقيم لها وزناً.
قال
الحسن بن سعيد اللّخمي:
وُلِدَ
لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِنَا جَارِيَةٌ، فَدَخَلَ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع)
فَرَآهُ مُتَسَخِّطاً، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (ع): أَرَأَيْتَ
لَوْ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَوْحَى إِلَيْكَ: أَنْ أَخْتَارُ لَكَ
أَوْ تَخْتَارُ لِنَفْسِكَ، مَا كُنْتَ تَقُولُ؟!
قَالَ:
كُنْتُ أَقُولُ: يَا رَبِّ تَخْتَارُ لِي.
قَالَ:
فَإِنَّ اللَّهَ قَدِ اخْتَارَ لَكَ.[15].
بهذه
الطريقة الحكيمة أزاح الإمام الصادق (ع) رواسب الجاهلية المتبقية في نفوس الآخرين.
على
أنّ الأكثر إثارة في هذا الصدد أن بعضهم اتّهم زوجته بالخيانة، لا لشيء إلا لكونها
ولدت جارية! وعندئذ دحض الإمام الصادق (ع) هذا الرأي السقيم، الذي لا يستقيم مع
العقل ولا الشرع، وكشف عن الرؤية القرآنية البعيدة.
عن
إبراهيم الكرخي، عن ثقة حدّثه من أصحابنا قال: تَزَوَّجْتُ بِالْمَدِينَةِ،
فَقَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (ع): كَيْفَ
رَأَيْتَ؟
قُلْتُ:
مَا رَأَى رَجُلٌ مِنْ خَيْرٍ فِي امْرَأَةٍ إِلا وَقَدْ رَأَيْتُهُ فِيهَا،
وَلَكِنْ خَانَتْنِي.
فَقَالَ:
وَمَا هُوَ؟!
قُلْتُ:
وَلَدَتْ جَارِيَةً.
قَالَ:
"لَعَلَّكَ كَرِهْتَهَا، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ
يَقُولُ: {آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ
أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً}[16]"[17].
وعن
الجارود بن المنذر قال: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (ع) بَلَغَنِي
أَنَّهُ وُلِدَ لَكَ ابْنَةٌ فَتُسْخِطُهَا! وَمَا عَلَيْكَ مِنْهَا؟! رَيْحَانَةٌ
تَشَمُّهَا، وَقَدْ كُفِيتَ رِزْقَهَا، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) أَبَا
بَنَاتٍ"[18].
ولقد
قلب الإمام الصادق (ع) النظرة التمييزية التي تُقدِّم الذكر على الأنثى، رأساً على
عقب، وفق نظرة دينية أرحب، وهي أن البنين نِعَمٌ، والبنات حسنات، والله تعالى
يَسأل عن النِعَم ويثيب على الحسنات.
قال
(ع) في هذا الصدد: "الْبَنَاتُ حَسَنَاتٌ،
وَالْبَنُونَ نِعْمَةٌ، فَإِنَّمَا يُثَابُ عَلَى الْحَسَنَاتِ، وَيُسْأَلُ عَنِ
النِّعْمَةِ "[19].
وعلى
ضوء ما تقدم نجد أنّ مدرسة أهل البيت (ع) مارست عملية (الإخلاء والإملاء):
إخلاء
العقول من رواسب الجاهلية، وانتهاكها الصارخ لحق المولود في الوجود.
وإملاء
العقول بأفكار الإسلام الحضارية، التي تبين للإنسان مكانته في الكون، وتصون حياته،
وتكفل حريته وكرامته، وتراعي حقوقه منذ نعومة أظفاره، وعلى الخصوص حقه في الوجود،
وعلى الأخص حق البنات في الحياة.
2
- حق الاسم الحسن:
للاسم
تأثير نفسي واجتماعي كبير، فكم من الأولاد قد قضَّ مضجعه اسمه، نتيجة الاستهزاء
والازدراء الذي يلاقيه من مجتمعه، فيتملكه إحساس بالمرارة والتعاسة من اسمه الذي
أصبح قدراً مفروضاً.
ويحدثنا
التاريخ أنّ النبي (ص) كان يقوم بتغيير الأسماء القبيحة أو الأسماء التي تتنافى مع
عقيدة التوحيد، واعتبر من حق الولد على والده، أن يختار له الاسم المقبول، قال
رسول الله (ص): "إِنَّ أَوَّلَ مَا يَنْحَلُ
أَحَدُكُمْ وَلَدَهُ الاسْمُ الْحَسَنُ، فَلْيُحْسِنْ أَحَدُكُمْ اسْمَ
وَلَدِهِ"[20].
وقد
بيّن في حديث آخر الأبعاد الأخروية المترتبة على الاسم، فقال (ص): "اسْتَحْسِنُوا
أَسْمَاءَكُمْ فَإِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ: قُمْ يَا فُلانَ
بْنَ فُلانٍ إِلَى نُورِكَ، وَقُمْ يَا فُلانَ بْنَ فُلانٍ لا نُورَ لَكَ"[21].
3 - حق التأديب والتعليم:
لا
شك أنّ السنوات الأولى من عمر الطفل، هي أهم مراحل حياته، ومن هذا المنطلق يؤكد
علماء التربية على ضرورة الاهتمام الزائد بالطفل، وأهمية تأديبه بالآداب الحسنة.
وسيأتي
تفصيل ذلك إنشاء الله تعالى.
2 - حق العدالة
والمساواة:
وهناك
عدة شواهد من السنّة النبوية تعطي وصايا ذهبية للوالدين في هذا المجال، وتكشف عن
الحقوق المتبادلة بين الجانبين، حيثُ يلزم الوالد من الحقوق لولده، ما يلزم الولد
من الحقوق لوالده، يقول (ص): "إنّ لهم عليك من
الحقّ أن تعدل بينهم، كما أن لك عليهم من الحقّ أن يبرّوك"(1)،
وأيضاً يقول (ص): "اعدلوا بين أولادكم في
النُّحْلِ - أي العطاء - كما
تحبّون أن يعدلوا بينكم في البرّ واللّطف".
وفي
قصة يوسف (ع) درس في كيفية معاملة الأبناء بالعدل والمساواة.. فهذا يوسف قريب من
قلب والده يعقوب (ع) لأنّه توسّم فيه أمارات النبوة، لذا آثره على إخوته، فأثار
ذلك حفيظتهم وبغضاءهم، وظهرت أمارة ذلك عليهم، مما دفع يعقوب (ع) إلى تحذير يوسف
عندما قصّ عليه رؤياه وما تحمل من إرهاصات في رفعته وعلوّ شأنه، بأنْ قال له: {قَالَ
يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً}[22].
ويحث
الأئمة (ع) على الاستفادة من هذا الدرس القرآني الذي لا يُنسى، وقد وضعوه نصب
أعينهم.. فعن مسعدة بن صدقة قال: قال جعفر ابن محمد (ع): "قَالَ
وَالِدِي (ع): وَاللَّهِ إِنِّي لأُصَانِعُ بَعْضَ وُلْدِي، وَأُجْلِسُهُ عَلَى
فَخِذِي، وَأُكْثِرُ لَهُ الشُّكْرَ، وَإِنَّ الْحَقَّ لِغَيْرِهِ مِنْ وُلْدِي،
وَلَكِنْ مَخَافَةً عَلَيْهِ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ، لِئَلا يَصْنَعُوا بِهِ مَا
فَعَلُوا بِيُوسُفَ إِخْوَتُهُ..."[23].
5 – الحقوق المالية:
ويتمثل
في وجوب الإنفاق على معيشتهم، وتوفير حوائجهم الحيوية من طعام ولباس وسكن وما إلى
ذلك، والشريعة تعتبر الأقربين أولى بالمعروف، والدينار الذي يُنفق على الأهل أعظم
أجراً من الذي ينفق في موارد خيرية أخرى. كما أنّ الأولاد يرثون من الوالدين، فلا
يُجوّز الإسلام حرمان الأولاد من نيل حقوقهم المفروضة لهم - كطبقة أُولى من طبقات
الإرث - إلا في موارد نادرة كالارتداد، أو قتل الوالدين.
وحول
ميراث الأولاد، قال تعالى: {يوصيكُمُ اللهُ في أولادكُم
للذّكر مثلُ حظِّ الأنثيين...}، ويقول: {ولكم
نصفُ ما تركَ أزواجُكُم إن لَّم يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فإن كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ
فَلَكُمُ الرُّبُعُ ممَّا تَرَكنَ مِن بَعدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَآ أو دَينٍ
وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكتُم إن لَّم يَكُن لَّكُم وَلَدٌ فإن كانَ لَكُم
وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكتُم مِن بَعدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَآ
أو دَينٍ..}[24].
الهوامش:
(1)
الفرقان:
74.
(2)
النساء:
28.
(3)
الأنبياء:
37.
(4)
مجموعة
ورام: ج 1 ص 89.
(5)
البلد:
1 - 3.
(6)
مريم:
7.
(7)
الفرقان:
74.
(8)
الكهف:
46.
(9)
التكوير:
8 - 9.
(10)
الأنعام:
151.
(11)
الإسراء:
31.
(12)
النحل:
58 - 59.
(13)
الكافي:
ج 6 ص 5.
(14)
مستدرك
الوسائل: ج 3 ص 114.
(15)
الكافي:
ج 6 ص 10.
(16)
النساء:
11.
(17)
الكافي:
ج 6 ص 8.
(18)
الكافي:
ج 6 ص 9.
(19)
الكافي:
ج 6 ص 9، والفقيه: ج 3 ص 481.
(20)
مستدرك
الوسائل: ج 14 ص 127.
(21)
الكافي:
ج 6 ص 22.
(22)
يوسف:
5.
(23)
تفسير
العياشي: ج 2 ص 166، ووسائل الشيعة: ج 11 ص 246 ح 24517.
(24)
النساء:
11 - 12.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق