الأحد، 17 فبراير 2019


أبناؤنا ثمرة تربيتنا / 03


{رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً}.

سابعاً: كيف نشكل الطفل في مرحلته المبكرة:


يطلق بعضهم اسم مرحلة (الطفولة المبكرة) على مرحلة ما قبل المدرسة، حيث إنها تبدأ بنهاية العام الثاني من حياة الطفل، وتستمر حتى نهاية العام السادس.

وتعد مرحلة الطفولة المبكرة مرحلة مهمة في حياة الطفل، وتتميز بعدة أمور:

·                إن نمو الطفل فيها يكون سريعاً وبخاصة النمو العقلي.
·                تشهد هذه المرحلة مجموعة من التغيرات التي تطرأ على الطفل كزيادة الميل إلى الحرية، ومحاولة التعرف إلى البيئة المحيطة، والنمو السريع في اللغة، ونمو ما يكتسبه من مهارات والديه.
·                تتكون المفاهيم الاجتماعية، ويكون قادراً على التفرقة بين الصواب والخطأ والخير والشر، ويبدأ نمو الذات وازدياد وضوح الفوارق في الشخصية حتى تصبح واضحة المعالم في نهاية المرحلة.
·                في هذه المرحلة ينمو وعي الطفل بالانفصال والاستقلالية، فلم يعد ذلك المخلوق الذي كان يحمل على الكتف، أو يحبو، إذا أراد أن ينتقل من مكان إلى آخر، بل صار الطفل الآن قادراً على الوقوف على قدميه والتحرك بوساطتهما ما يجعله يعتمد كثيراً على التجوال هنا وهناك، مستكشفاً ومنقباً في اهتمام واضح، بل إنه يخاطر في تنقله، والمخاطرة تفتح له آفاقاً جديدة للمعرفة، ويستطيع هنا استيعاب الظواهر الخارجية، وفيها يتعرف إلى خواص الأشياء وعلاقتها ببعضها بعضاً.
وفي الرواية عن صالِح بن عقبة قال: سَمِعْتُ الْعَبْدَ الصَّالِحَ (ع) يَقُولُ: "تُسْتَحَبُّ عَرَامَةُ الصَّبِيِّ فِي صِغَرِهِ لِيَكُونَ حَلِيماً فِي كِبَرِهِ. ثُمَّ قَالَ: مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إِلا هَكَذَا"[1].
·                 في هذه المرحلة ينجذب الطفل إلى الاتصال بالعالم المحيط ومكوناته لاستكشافه والتعرف إليه، فهو في هذه المرحلة يكتسب معلوماته عن العالم الخارجي عن طريق حواسه، وقد أثبتت البحوث أنّ الحواس تولد شعوراً باللذة عند الطفل أكبر مما تولده عند البالغ.
·                في هذه المرحلة يستخدم الطفل الأسئلة والاستفسارات الموجهة للمحيطين به لمعرفة المزيد عن العالم الخارجي، حيث يكوِّن كل طفل لنفسه ما يُسمَّى ببنك المعلومات، فاللحاء المخي في هذه الفترة يكون في غاية الحساسية، وهذا يجعل من السهل تخزين المعلومات والخبرات ورموز الأشياء لاستخدامها في اكتساب الخبرات في المستقبل وتفسيرها والتعامل معها.
·                تعتبر هذه المرحلة أسرع مراحل النمو اللغوي تحصيلاً وتعبيراً وفهماً، حيث ينزع التعبير اللغوي نحو الوضوح ودقة التعبير والفهم ويتحسن النطق ويختفي الكلام الطفولي مثل الجمل الناقصة والإبدال والثأثأة وغيرها.
·                الطفل خلال هذه المرحلة يتمكن من اكتساب ما يقرب من خمسين (50) مفهوماً جديداً كل شهر وبذلك يضيف هذه الثروة الهائلة إلى محصوله اللفظي بما يساعده على الاتصال بالآخرين وفهمهم والتجاوب مع متطلبات الحياة الاجتماعية، كما أنه يعمل كعنصر أساسي في النمو العقلي السليم للطفل.
·                يتصف الطفل في هذه المرحلة بالخصوبة المفرطة في الخيال والقدرة على الربط بين الأسباب ونتائجها، بالإضافة إلى أنّ النمو العقلي في هذه المرحلة يكون في منتهى السرعة حيث أكد العالم النفسي "بلوم" أنّ 50% من النمو العقلي للطفل يتم فيما بين الميلاد والعام الرابع من عمره، و03% منه يتم فيما بين العام الرابع والثامن من حياة الطفل.
·                تؤكد الاتجاهات المعاصرة في تربية أطفال ما قبل المدرسة، على أهمية تعريض الطفل للمثيرات الحسية المختلفة، وإكسابه المفاهيم المناسبة بما يساعده على اللحاق بهذا الركب الهائل من التطور التكنولوجي والعلمي المعاصر حتى لا نضيع عليه الوقت، وحتى لا نهدر الكثير من طاقاته وقدراته العقلية وحتى لا نفقده الكثير من الخبرات قبل أن يصبح في عمر اللحاق بالمدرسة.
·                يبدأ الطفل في تكوين المفاهيم المعرفية في سن مبكرة فبعد مرور عامين من حياته يكون قد كوَّن مفاهيم بسيطة عن ذاته وعن الوجود المادي من حوله، ولأن المفاهيم تتكون من الخبرات التراكمية المكتسبة لأنها تبدأ بسيطة للغاية ومُحسَّـةٌ من الواقع المادي للطفل.
·                المفاهيم عند الطفل تتضمن دائماً شيئاً أكثر من المعنى الخاص لشخص بعينه أو شيء بعينه، أو حادثة بعينها، أو موقف بعينه، وعلى سبيل المثال مفهوم (أم) ينمو عن طريق خبرة الطفل مع أمه هو وخبراته مع نساء أخريات يقمن بدور الأم معه ومع أطفال آخرين.

نخلص مما سبق إلى أن تكوّن المفهوم عند الأطفال ما هو إلا عملية توصية اجتماعية تتطلب الالتقاء بالنماذج الكبرى لتمده بخبرات عوضية هادفة لأن الاقتصار على خبراته الشخصية المباشرة يؤدي إلى أن يصبح الطفل محدود الإمكانات، والنمو النفسي السليم يحتاج إلى الجمع بين الخبرات المباشرة والخبرات العوضية.

وتتطلب هذه المرحلة من الأبوين إبداء عناية خاصة في تربية الأطفال وإعدادهم ليكونوا عناصر فعّالة في المحيط الاجتماعي، وتتحدد معالم التربية في هذه المرحلة ضمن المنهج التربوي التالي:

الأول: تعليم الطفل معرفة الله تعالى:


الطفل مجبول بفطرته على الإيمان بالله تعالى، حيث تبدأ تساؤلاته عن نشوء الكون وعن نشوئه ونشوء أبويه ونشوء من يحيط به، وتفكيره المحدود يكون مهيأ لقبول فكرة الخالق والصانع..

فالمطلوب من الوالدين:

1-            أن يستثمرا تساؤلات ولدهما لتعريفه بالله تعالى الخالق في الحدود التي يتقبّلها تفكيره المحدود، والإيمان بالله تعالى كما يؤكده العلماء - سواء كانوا علماء دين أو علماء نفس - من أهم القيم التي يجب غرسها في الطفل.. مما سوف يعطيه مل في الحياة والاعتماد على الخالق، ويوجد عنده الوازع الديني الذي يحميه من اقتراف المآثم.
2-            يفضّل أن تكون تربية وتعليم الطفل في هذه المرحلة بالتدريج وضمن منهج متسلسل متناسباً مع عمر الطفل، ودرجات نضوجه اللغوي والعقلي.
وقد حدّد الإمام محمد الباقر (ع) تسلسل المنهج قائلاً: "إِذَا بَلَغَ الْغُلامُ ثَلاثَ سِنِينَ يُقَالُ لَهُ: قُلْ لا إِلَهَ إلا اللَّهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ يُتْرَكُ حَتَّى يَتِمَّ لَهُ ثَلاثُ سِنِينَ وَسَبْعَةُ أَشْهُرٍ وَعِشْرُونَ يَوْماً فَيُقَالَ لَهُ: قُلْ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَيُتْرَكُ حَتَّى يَتِمَّ لَهُ أَرْبَعُ سِنِينَ ثُمَّ يُقَالَ لَهُ: قُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، ثُمَّ يُتْرَكُ حَتَّى يَتِمَّ لَهُ خَمْسُ سِنِينَ ثُمَّ يُقَالَ لَهُ: أَيُّهُمَا يَمِينُكَ وَأَيُّهُمَا شِمَالُكَ؟ فَإِذَا عَرَفَ ذَلِكَ حُوِّلَ وَجْهُهُ إِلَى الْقِبْلَةِ وَيُقَالُ لَهُ: اسْجُدْ، ثُمَّ يُتْرَكُ حَتَّى يَتِمَّ لَهُ سَبْعُ سِنِينَ فَإِذَا تَمَّ لَهُ سَبْعُ سِنِينَ قِيلَ لَهُ: اغْسِلْ وَجْهَكَ وَكَفَّيْكَ، فَإِذَا غَسَلَهُمَا قِيلَ لَهُ: صَلِّ، ثُمَّ يُتْرَكُ حَتَّى يَتِمَّ لَهُ تِسْعُ سِنِينَ، فَإِذَا تَمَّتْ لَهُ عُلِّمَ الْوُضُوءَ وَضُرِبَ عَلَيْهِ الأوامر بِالصَّلاةِ وَضُرِبَ عَلَيْهَا، فَإِذَا تَعَلَّمَ الْوُضُوءَ وَالصَّلاةَ غَفَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ"[2].
3-            إنّ الطفل في هذه المرحلة يكون مقلداً لوالديه في كل شيء بما فيها الإيمان بالله تعالى، يقول الدكتور سپوك: "إنّ الأساس الذي يؤمن به بن بالله وحبه للخالق العظيم هو نفس الأساس الذي يحب به الوالدان الله". ويقول أيضاً: "بين العمر الثالث والعمر السادس يحاول تقليد الأبوين في كل شيء فإذا حدّثاه عن الله فانه يؤمن بالصورة التي تحددها كلماتهما عن الله حرفياً"[3].
4-            إنّ الطفل في هذه المرحلة يميل دائماً إلى علاقات المحبة والمودة والرقة واللين فيفضل تأكيد الصفات الخاصة بالرحمة والحب والمغفرة إلى أقصى حد ممكن مع التقليل إلى أدنى حد من صفات العقاب والانتقام. فتكون الصورة التي يحملها الطفل في عقله عن الله تعالى صورة جميلة محببة له فيزداد تعلقه بالله تعالى ويرى أنه مانح الحب والرحمة له.
فمثلاً: إذا أردنا أن نكوّن للطفل صورة عن يوم القيامة فالأفضل أن نركز على نعيم الجنة بما يتناسب مع رغباته، من أكل وشرب وألعاب وغير ذلك، ونركز على أنه سيحصل عليها إن أصبح خلوقاً ملتزماً بالآداب الإسلامية، ويُحرم منها إنْ لم يلتزم، ويؤجل التركيز على النار والعذاب إلى مرحلة متقدمة من عمره.

الثاني: التركيز على حب النبي وأهل بيته:

قال رسول الله (ص): "أدبّوا أولادكم على ثلاث خصال: حبّ نبيكم، وحبّ أهل بيته، وقراءة القرآن"[4].

في هذهِ المرحلة تنمو المشاعر والعواطف والأحاسيس عند الطفل، من حب وبغض وانجذاب ونفور، واندفاع وانكماش.

فالمطلوب من الوالدين:

1-            استثمار حالات الاستعداد العاطفي عند الطفل وتنمية مشاعره وعواطفه.
2-            توجيهها نحو الارتباط بأرقى النماذج البشرية.
3-            المبادرة إلى تركيز حبّ النبي (ص)، وحب أهل البيت (ع) في خلجات نفسه، والطريقة الأفضل في تركيز الحبّ هو إبراز مواقفهم وسلوكهم في المجتمع وخصوصاً ما يتعلق برحمتهم وعطفهم وكرمهم، ومعاناتهم وما تعرضوا له من حرمان واعتداء، يجعل الطفل متعاطفاً معهم محباً لهم، مبغضاً لمن آذاهم من مشركين ومنحرفين.
4-            ثم التركيز أيضاً على قراءة القرآن في الصغر حيث يجعل الطفل منشدّاً إلى كتاب الله، ومتطلعاً على ما جاء فيه، وخصوصاً الآيات والسور التي يفهم الطفل معانيها، وقد أثبت الواقع قدرة الطفل في هذه المرحلة على ترديد ما يسمعه، وقدرته على الحفظ، فينشأ الطفل وله جاذبية وشوق للقرآن الكريم، وينعكس ما في القرآن من مفاهيم وقيم على عقله وسلوكه.



الهوامش:
(1)                    الكافي: ج 6 ص 51، ومن لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 493.
(2)                    الفقيه: ج 1 ص 182، وأمالي الطوسي: ص 433.
(3)                    مشاكل الآباء في تربية الأبناء: ص 248.

(4)         كنز العمال: ج 16 ص 456 ح 45409.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

محرم 1447 في الصحافة الكويتية