الأربعاء، 6 أكتوبر 2021


 

النبي يحيى صاحب الحنان

يقول الله تعالى: {وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا} مريم: 13.

في هذا المقطع يصف الله النبي يحيى (ع) بهذا المقطع المختزل الخصب، الذي يحرك الأذهان ويشعل فتيل التدبر؛ فهو النبي الذي زكَّاه الله بالتقوى بمعنى رباه على التقوى.

ويحيى هو الذي قال فيه القرآن: {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ}.. فوهبه الله الحكمة والحنان.. وكأنّ القران الكريم يقول لنا: (يحيى صاحب الحنان)!!

واللافت أنَّ النبي يحيى بن زكريا (ع) يُدعى في الأناجيل المعاصرة بـ(يوحنا المعمدان). وتذكر الأناجيل المعاصرة أنَّ يوحنا كان يُعمِّد الناس في نهر الأردن، وأنه عمَّد سيدنا المسيح (ع) أيضاً.

ويبدو أنَّ التعميد، الذي هو تغطيس في الماء كطقس ديني، يرمز إلى الصبغ بالصبغة الدينيّة. ومن هنا دُعي يحيى (ع) في الأناجيل بـ(المعمدان).

واللافت أيضاً أننا نجد اسم يحيى (ع) مجتمعاً مع اسم يوحنا عند الصابئة المندَّائيِّة، حيث أنهم يُسمّونه (يحيى يوحنا)، فجمعوا بين الاسمين.

وعندما نأتي ونقرأ في تراث الصائبة المندائية فإنَّ الحاء في اللغة العربية هي هاء في اللغة المندَّائيِّة، لذا نجدهم يلفظون اسم يحيى هكذا: (يهيا يهانا) أو (يهيا يوهنا).

وإذا علمنا أنّ (حنا) مأخوذة من الحنان، وإذا علمنا أنّ (يو) تأتي أحياناً، في بعض اللغات السامية، بمعنى (ذو) يصبح من السهل أن ندرك أنّ معنى لفظة (يوحنا) يحتمل أن يكون (ذو الحنان).

وعليه يكون (يحيى) هو الاسم العلم و (يوحنا) هو الصفة، أي أنه كان يُدعى يحيى ذو الحنان. وقد يفسر هذا لنا جمع الصابئة بين الاسمين، أو بمعنى أدق بين الاسم والصفة.

وحينئذ نفهم أنَّ القرآن الكريم يذكر الاسم العلم ليحيى (ع)، والأناجيل المعاصرة تذكر صفته البارزة التي اشتهر بها.

ويؤيد هذا ما كتبه أحد القساوسة الأقباط: "يوحنا / حنا / جون: اسم مركب من مقطعين ( يهوه حانان) أي (يهوه حنّ أو يهوه أنعم) اسم شائع في العهد الجديد خصوصاً<. ومعنى الاسم: >حنَّ الله".

وكلمة (حنان) في الآية القرآنية ليست بعيدة من هذا المعنى. جاء في قاموس الكتاب المقدس: > يوحنا: صيغة عربية للاسم >يوحنان< في أسفار الأبو كريفا والعهد الجديد<. وفي المحيط الجامع: >يوحنا: يهوه حنون<.

ومثل هذا في كلمة يسوع المسيح.. قال القس سهيل سعود، أحد قساوسة السنودس الإنجيلى بلبنان: "أما عن اسم يسوع؛ إنه يعني (يهوه يساعد ويخلص) الناس الذين يأتون إليه بالتوبة عن خطاياهم. فاسم يسوع يلخّص كامل الهدف من مجيء المسيح على الأرض<.. وهذا ما سماه الملاك جبرائيل عند بشارته لمريم العذراء: >فَسَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ * لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ" (إنجيل متى ١: ٢٢-٢٣).

ولم يذكر القرآن الكريم كلمة (الحنان) إلا مرة واحدة، وذلك عندما كان يتكلم عن يحيى (ع)، في سورة مريم: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا * وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا} (مريم: 12 - 13)؛ أي آتاه الله تعالى الحكمة والحنان، وهو حنان من لدن الخالق.

وفي قاموس الكتاب المقدس: "وفي ذات يوم كان زكريا يقوم بخدمة البخور في الهيكل ظهر له الملاك جبرائيل وسكن روعه وأعلمه لأن الله قد استجاب صلاته وصلاة زوجته، وبدت الاستجابة مستحيلة في اعينهما واعين البشر بالنسبة إلى سنهما. وأعطاه الملاك الاسم الذي يجب أن يسمى الصبي به متى ولد، وأعلن له أن ابنه سيكون سبب فرح وابتهاج، ليس لوالديه فحسب، بل أيضاً لكثيرين غيرهما، وأنه سيكون عظيماً، ليس في أعين الناس فقط، بل أمام الله. وأن مصدر عظمته الشخصية هو امتلاؤه من الروح القدس، ومصدر عظمته الوظيفية في أنه سيكون مهيئاً طريق الرب، وزاد الملاك ما هو أعظم من ذلك أي أن يوحنا يكون المبشر بظهور المسيح الموعود".

ويحق لكل أحد أن يسأل: إذا كان يحيى (ع) قد أُوتي حناناً من لدن الخالق فلا بد أن يبرز هذا الخلق وهذه الصفة في سيرة يحيى بشكل جلي، فأين نجد ذلك في سيرة حياته (ع)؟!

نقول: نجد ذلك في غَلبة الصفة على الاسم العلم عند النصارى، إلى درجة ألا يُذكر الاسم العلم لديهم اطلاقاً، فهو عندهم يُدعى يوحنا. ونجد ذلك أيضاً في اقتران الصفة بالاسم العلم عند الصابئة فهو عندهم يُدعى يحيى يوحنا..

وحسب النبي يحيى (يوحنا) أنَّ السيد المسيح شهد فيه أعظم شهادة إذ قال: >لَمْ يَقُمْ بَيْنَ الْمَوْلُودِينَ مِنَ النِّسَاءِ أَعْظَمُ مِنْ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ< (إنجيل متى: 11: 11).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

محرم 1447 في الصحافة الكويتية