الأحد، 21 مايو 2023


 

سؤال عن آيتين من سورة آل عمران

وردني سؤال كريم من دولة الكويت يقول السؤال: لماذا قال في الآية الأولى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُم﴾ بإسناد التعذيب إلى ضمير المتكلم، وقال في الآية الثانية: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِم أُجُورَهُم﴾ بإسناد توفية الأجور إلى الغائب ولم يقل: >فأوفيهم أجورهم< فيكون الكلام على نسق واحد؟

نقول وبالله نتوكل:

يدور السؤال حول الآيات الكريمة، في سورة آل عمران: {إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ (56) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57) (آل عمران: 55-57)..

وهذه الآيات الكريمة فيها من التنويع والتلوين بين الإفراد والجمع وبين الحاضر والغائب ما لا يخفى، ولكن لكلٍ موضعه، ومنها:

1. ننظر في الآيات يبدأ بقوله تعالى: {إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} فلم يقل: >إذ قال< للغائب، بل نسب القول لله، وكأننا حينما نسمع {إِذْ قَالَ اللهُ}؛ فالله عزَّ وجلَّ حاضرٌ في القلب دائماً، فهو الحضور الدائم أينما كنت.. وفي الآية {قَالَ} للغائب ولكن حينما اقترن بـ{اللهُ} فهو الحاضر.

2. {يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ} >إنّي< -هنا- للتفرد؛ لأنَّ هذا الأمر لا يُنسب إلا لله عزَّ وجلَّ.

3. {وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ} أي الذين اتبعوا عيسى (ع) بمبادئه التي جاء بها، وليست منها بلا شك تلك المحرّفة، التي ذكرها النص القرآني في أكثر من موضع بقوله: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ} (المائدة: 73)، {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (البقرة: 75)، {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} (المائدة: 13).

4. ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ} وهنا، نلاحظ الحضور للمتكلم الحاضر؛ لأنَّ العذاب يقع في الدنيا والآخرة.

5. {وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ من المعلوم أنَّ الأجور تُدفع بعد العمل، فينبغي أن ينتهي العمل حتى تُدفع الأجور، فالأمر إذن غائب، وسوف ينتهي العمل وسوف يوفّون الأجور، هذه واحدة.

6. {فَيُوَفِّيهِمْ} مضارع وهو دال على الغيبة -هنا-، فيتناسب مع غيبة الأجور التي ستُعطى لهم.

7. {فَأُعَذِّبُهُمْ} وهي الحقيقة حيث أنهم في الدنيا يعذبون..

8. {فَأَحْكُمُ} أي عند رجوعكم وهو دال على المباشرة.

9. {وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ} فأنت أمام عبارة انتهت وبدأت عبارة أخرى؛ فلم يقل >والذين آمنوا<، وإنما العبارة تبدأ {وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ} إذن هناك مسافة فقال: {فَيُوَفِّيهِمْ} هذه واحدة، إضافة إلى استعمال الغيبة في وصف قاعدة عامة شاملة لكل زمان ومكان: {وَاللهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ.

الكلام على نحو التفصيل:

أولاً: قوله تعالى: {وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} (آل عمران: 55). يستدعي أن نقف أمام هذا التساؤل: مَنْ المخاطب؟ وهل هي شهادة لأهل الكتاب بأنهم على صواب إلى يوم القيامة؟!

كلٌ يعلم أنَّ عيسى (ع) >اختفى عن الأنظار ولم تختفِ دعوته، وغاب عن الساحة ولم يغب أتباعه، بل اندفعوا بكل صبر وإيمان، يركّزون الأساس، ويرفعون البناء ويصنعون للمستقبل فكره وروحيّته ونظامه... لقد كانت رعاية الله لهم في كل خطواتهم العملية، فبدأ الإيمان يتقدم ليتخذ مواقعه الثابتة في حياة الناس، وبدأ الكفر ينحسر تدريجياً<.

ولقد بدأت هذه الآية بخطاب صريح من الله سبحانه لعيسى (ع) ليس فيه تأويل: {إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا}، وتلاحظ أنَّ التركيب مضى على نمط واحد بحرف العطف وجاء الإخبار بأسماء الفاعلين: (متوفيك - ورافعك - ومطهرك - وجاعل) الذي يفيد الاستمرارية، ثمَّ كانت الإشارة الزمانية في قوله: {إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ}، والإشارة المكانية قبلها: {فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا}، وهذه شهاد لأتباع عيسى (ع) بأنهم فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة.

وللأسف أنَّ جمعاً من المفسرين، ويتقدمهم الزمخشري (الكشاف: ج 1 ص 433)، قام بليِّ عنق النص، فزعم أنَّ قوله {وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ ...} خاص بأمة محمد (ص) والمسلمين، والمسلمون لم يتبعوا عيسى (ع) واتبعوا محمداً (ص) ورسالته التي كانت ناسخة للرسالات قبلها، وكأنه يذهب إلى أنَّ (الواو) في {وَجَاعِلُ} استئنافية أو ابتدائية وليست عاطفة، وكأنَّه نوع من الالتفات؛ وكأنَّ الله سبحانه بعد أن قال: {يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ} تركه والتفت إلى محمد (ص) قائلاً: {وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا}،وهذا المعنى بعيد جداً.

كما زعموا أنَّ الوقف عند قوله: {وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا}، ثم بدأت جملة جديدة {وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا}..

واعترض أبو حيان الأندلسي على هذا التوجيه قائلاً: >الكاف: ضمير عيسى كالكاف السابقة. وقيل: هو خطاب للنبي (ص)، وهو من تلوين الخطاب. انتهى هذا القول، ولا يظهر< (البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي: ج 3 ص 178).

وتابعه الآلوسي قائلاً: >وتخصيص المتبعين بهذه الأمة -وحمل الأتباع على المجيء بعد- مما لا ينبغي أن يخرج عليه الكتاب الكريم كجعل الخطاب للنبي (ص)، وأنَّ الوقف على {الَّذِينَ كَفَرُوا} {إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ}< (تفسير روح المعاني، الآلوسي: ج 3 ص 182).

نعم، لو جاء النظم القرآني مثلاً: >وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى أن يأتي نبي خاتم أو إلى أن يبعث بعدك أحمد< لدلَّ على ما ذهبوا إليه، وأنَّ الخطاب لأمة النبي محمد (ص)، إلا أنَّ النص جاء صريحاً على غير هذا.

ثانياً: يرى العلامة الطباطبائي -رحمه الله- في تفسيره الميزان، أنَّ المراد بالذين اتبعوه هم النصارى، وبالذين كفروا اليهود، فإنه يكفي إطلاق هذه الصّفة على المتأخرين منهم، وإن خالفوه في بعض تفاصيل رسالته. إنهم يعتبرون امتداداً للذين اتبعوه حقيقة في عصره وبعد عصره، في مقابل اليهود الذين كفروا به في حياته قبل رفعه وبعد رفعه على امتداد الزمن. وبذلك تكون الآية في مقام >بيان نزول السخط الإلهي على اليهود وحلول المكر بهم وتشديد العذاب على أمتهم...< (تفسير الميزان: ج 3 ص 242). كما أضاف -رحمه الله- وجهاً آخر، وهو: >أن يكون المراد بالذين اتبعوا هم النصارى والمسلمون قاطبة، وتكون الآية مخبرة عن كون اليهود تحت إذلال من يذعن لزوم اتباع عيسى إلى يوم القيامة... وهذا أحسن الوجوه في توجيه الآية عند التدبر...< (تفسير الميزان: ج 3 ص 243) كما يقول صاحب الميزان.

ولكن يمكن القول أنَّ جو الآية >يوحي بالوجهين معاً؛ انطلاقاً من أنَّ الآية واردة في مقام إعطاء الفكرة، بأنَّ الذين يضطهدون الأنبياء وأتباعهم لا يحصلون على الامتداد في الزمن في عمليّة ممارسة القوة والغلبة؛ لأنَّ رسالات الله سوف تتقدم وتفرض نفسها على الساحة إن عاجلاً أو آجلاً على أساس سنّة الله في خلقه، من أنَّ الحق لا بدَّ من أن يفرض نفسه في نهاية المطاف؛ والله العالم بحقائق آياته...< (تفسير من وحي القرآن).

ثالثاً: قال تعالى: {ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ} (آل عمران: 55- 56). فأين الدنيا وقد مضت وانتهت؟ وهل قوله {فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} من قبيل الكلام الزائد؟! وهل في الآيتين تداخل للأزمنة؟ وهل حلت جهنم في الدنيا؟ ولماذا المشاهد خلاف ذلك؟

ثم هل يتناقض هذا مع قوله تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ (النحل: 61)، ومع قوله: {الْيَوْمَ تُجْزَ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} (غافر: 17)؟ وهل يوم القيامة مكان للحكم فيما اختلفوا فيه أم للحساب والعقاب والثواب؟

عندما نستمر مع الآية السابقة وتحديداً مقطعها الأخير {وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} (آل عمران: 55-56)، فلو ربطنا الآيتين معاً لوجدنا أنفسنا مع أزمنة وحوادث تداخلت وقد يسبب اضطراباً شديداً عند التدقيق:

أ. حيث انتهت الآية بقوله: {ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ ...}، وعند هذا القدر انتهت الدنيا وانقضت مدة القبر، وبدأت فعاليات يوم القيامة، وبدأ الحساب، وفي هذا اليوم لا ينتظر أن يحكم الله في اختلافهم، بل يحاسب ويعاقب ويثيب.

ب. إلا أنَّ قوله: {فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} يشعر أنَّ الأمر سيقف عند هذا الحد، وكأنهم سيبدأون صفحة جديدة بعد أن يحكم سبحانه بينهم ويفصل، وليس هذا المقصود حتى لو فهم من المفردات هذا المعنى؛ لأنَّ الآية بعدها قالت: {فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}، وكأنَّ قوله: {فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} يمثل صدمة فأين الدنيا وقد ذهبت؟ والقرآن ينص أنهم لن يعودوا إليها ثانية، كما أنه لا حاجة من جهة اللغة إلى ذكر الآخرة، وقد أشير إليها في قوله: {إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ} فكأنَّ قوله: {فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} أشبه بالكلام الزائد!!

قال فخر الدين الرازي: >أما عذاب الكافر في الدنيا فهو من وجهين: أحدهما: القتل والسبي وما شاكله، حتى لو ترك الكفر لم يحسن إيقاعه به، فذلك داخل في عذاب الدنيا. والثاني: ما يلحق الكافر من الأمراض والمصائب، وقد اختلفوا في أنَّ ذلك هل هو عقاب أم لا؟ قال بعضهم: إنه عقاب في حق الكافر، وإذا وقع مثله للمؤمن فإنه لا يكون عقاباً بل يكون ابتلاءً وامتحاناً، ... (أو أنَّ) الآية الدالة على حصول العقاب في الدنيا خاصة، والآيات التي ذكرتموها عامة، والخاص مقدم على العام< (التفسير الكبير، فخر الدين الرازي: ج 8 ص 58). وكأنَّ الله سبحانه يقول لنا: لا تعتقدوا أنَّ تعذيبي إياهم في الدنيا يعفيهم من تعذيبي إياهم في الآخرة؛ لأنَّ التعذيب في الدنيا فقط قد يصيب من آمن بي.

رابعاً: في قوله تعالى في آل عمران: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ * وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (آل عمران: 56-57) لماذا قال في الآية الأولى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُم﴾ بإسناد التعذيب إلى ضمير المتكلم، وقال في الآية الثانية: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِم أُجُورَهُم﴾ بإسناد توفية الأجور إلى الغائب ولم يقل: (فأوفيهم أجورهم) فيكون الكلام على نسق واحد؟

والجواب:

1. الآية الأولى في سياق كلام الله سبحانه عن نفسه قال تعالى: {إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ} (آل عمران: 55-56).. فناسب إسناد التعذيب إلى نفسه جرياً مع سياق الحديث عن النفس.

2. وأما الآية الثانية فهي في مقام الالتفات إلى الغائب وذلك يكون مدخلاً إلى قوله تعالى: ﴿وَاللهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ فإنه لو لم يلتفت لقال: (وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فأوفيهم أجورهم وأنا لا أحب الظالمين).

3. لم يرد فعل الحب من الله في القرآن إثباتاً أو نفياً مسنداً إلى ضمير المتكلم؛ أي إنَّ الله سبحانه وتعالى لم يقل في جميع القرآن مخبراً عن نفسه بنحو: >وأنا لا أحب الظالمين أو المعتدين<، أو: >وأنا أحب الصابرين أو المحسنين<.. بل يسند ذلك إلى لفظ الجلالة في الأغلب أو إلى ضميره كأن يقول: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}، {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}، {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}، {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ}، {فَإِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}.. فالمناسب هو الالتفات وليس الاستمرار بالحديث عن النفس.

الأحد : 2 / 11 / 1444هـ ، الموافق : 21 / 5 / 2023م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

محرم 1447 في الصحافة الكويتية