فلسفة الحجر الأسود
( 1 ) ـ وردت روايات
عديدة تنطق بأنّ هذا الحجر من حجر الجنة، نزل به جبرئيل (ع) " وكان أشدّ بياضاً من اللبن
فاسودّ من خطايا بني آدم، ولولا ما مسّه من أرجاس الجاهلية ما مسّه ذو عاهة إلا
برئ " (وسائل
الشيعة: ج 13 ص 318 أبواب الطواف ب 12 ح 6).
وفي ذلك يقظة إلى أصحاب
القلوب الواعية، فإنّ هذا الحجر هو جوهر علوي لما خرج من معدنه الأصلي الطاهر،
وهبط إلى عالم الطبيعة ولامسته أيدي البشر تأثر من توارد تلك الأيدي عليه وتغير
بياضه إلى سواد مع أنـّه حجر صلب.
فكيف بقلب الإنسان وهو
لطيفة ربانية، ونور إلهي، ومرآة للملكوت ألطف بمراتب من هذه الأحجار فإنّه يتأثر
لا محالة من توارد الذنوب والمعاصي عليه، فينقلب نوره ظلمة، وبياضه سواداً.
يقول الإمام الباقر (ع): " ما من عبد مؤمن إلا وفي قلبه
نكتة بيضاء، فإذا أذنب ذنباً خرج في النكتة نكتة سوداء، فإن تاب ذهب ذلك السواد،
فإن تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتى يغطي البياض، فإذا أعطى البياض لم يرجع
صاحبه إلى خير أبداً، وهو قول الله عز وجل ﴿ كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَا
كانُوا يكْسِبُونَ ﴾" (البحار:
ج 70 ص 332).
( 2) ـ جاء في بعض الروايات أن
الحجر الأسود "
يمين الله عز وجل في أرضه يبايع بها خلقه " (وسائل
الشيعة: ج 13 ص 320 أبواب الطواف ب 12 ح 13)، وأنّ الله
يبعثه "يوم
القيامة وله لسان وشفتان، فيشهد لمن وافاه " (وسائل
الشيعة: ج 13 ص 320 أبواب الطواف ب 12 ح 13)، فهو تاريخ
شاهد على استلام الأنبياء العظام والأولياء الكرام له.
يقول الإمام الصادق (ع): " إذا دنوت من الحجر الأسود
فارفع يديك، واحمد الله، وأثن عليه، وصلّ على النبي (ص)، واسأل الله أن يتقبل منك،
ثم استلم الحجر وقبّله، فإن لم تستطع أن تقبّله فاستلمه بيدك، فإن لم تستطع أن
تستلمه بيدك فأشر إليه، وقل: اللهم أمانتي أديتها، وميثاقي تعاهدته، لتشهد لي
بالموافاة ... " (وسائل
الشيعة: ج 13 ص 313 أبواب الطواف ب 12 ح 1).
فاستلامنا للحجر الأسود
ووضع اليد عليه يعد نوعاً من عقد البيعة مع الله على ما جاء به نبي الله إبراهيم
(ع) من محاربة مظاهر الشرك وعبادة الأوثان، فنكون أعداء لأعداء الله ورسوله والصالحين.
وإنّ طريقة هذه البيعة
وهذا الاستلام مثل مبايعة الرسول الأكرم (ص) لنساء قريش على الإسلام.
لما فتح رسول الله (ص) مكة
بايع الرجال ثم جاء النساء يبايعنه، فأنزل الله عز وجل: ﴿
يَا أيهَا النبِيُّ إذا جَاءك المُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أن لا يُشْرِكْنَ
بِاللهِ شَيْئاً ولاَ يَسْرِقْنَ.. ﴾ (الممتحنة: 12).
فقالت ـ أي هند ـ: يا رسول
الله كيف نبايعك ؟
قال: « إنـّني لا اُصافح
النساء ».
فدعا بقدح من ماء فأدخل
يده ثم أخرجها، فقال: « أدخلن أيديكن في هذا الماء فهي البيعة » (الكافي:
ج 5 ص 526 ب 167 ح 5).
( 3 ) ـ قال أمير
المؤمنين (ع) في بعض خطبه: "
ألا ترون أنّ الله سبحانه اختبر الأولين من لدن آدم صلوات الله عليه، إلى الآخرين
من هذا العالم؛ بأحجار لا تضرّ ولا تنفع ولا تبصر ولا تسمع، فجعلها بيته الحرام
الذي جعله للناس قياماً ...
" (نهج
البلاغة: خطبة 190).
فإنّ هذا الوصف العلوي يعني به أحجار الكعبة دون الحجر الأسود، لما ورد من الروايات الكثيرة من أنـّه يمتلك خصائص كبيرة …
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق