البعد الروحي والتربوي للحج
الحج أصلها القصد، ولهذا
سميت الجادة بالمحجة لأنـّها توصل سالكها إلى المقصد، وكذلك سمي الدليل بالحجة
لأنـّه يوضح المقصود.
ومن هنا نعرف وجه تسمية
هذه المناسك الخاصة بـ ( الحج ) لأنّ قاصد هذه المناسك يقصد زيارة بيت الله، ومنه
قوله تعالى: ﴿ وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ
الْبَيْتِ ﴾ (آل عمران: 97).
وقد وردت كلمة ( الحج ) في
عشرة مواضع من القرآن الكريم (أنظر: البقرة: 189، 196،
197، آل عمران: 97، التوبة: 3، الحج: 27)، وفي كل موضع
يبيّن الله سبحانه رافداً مهماً من أحكام هذه الشعيرة المقدسة..
( 1 ) - للعبادات
الإسلامية المفروضة غايات سامية في تقويم وتربية وتهذيب وإصلاح الإنسان المسلم،
وإلى ذلك تشير عدة آيات قرآنية، ومنها:
﴿ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ (البقرة: 183).
﴿ خُذْ مِنْ
أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ
إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ (التوبة: 103).
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ
إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ (العنكبوت: 45).
والحج نبع حركي لهذه
الغايات السامية والتي من مظاهرها:
ـ حرمة الجدال في الحج، فتُربّي الإنسان على تجاوز
الذات وعدم اندفاعات النفس إلى رغباتها.
ـ بذل الجهد والمال، وفيه عنوان بارز لعملية
الإيثار وكسر الأنانية في النفس.
ـ بذل الإضحية وما تحويه من إحساس بالمسؤولية
وتمرين النفس على الانضباط الدقيق أمام الحق ورقابته الغيبية، يقول تعالى: ﴿ لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ
يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ﴾ (الحج: 37).
ـ مراسم الإحرام، حيث تبعد الإنسان بشكل تام عن
المتعلقات المادية والامتيازات الجوفاء، وتطلقه إلى عالم الصفاء في سياحة روحية.
( 2 ) ـ في الحج مواقف رسالية أجراها الله تبارك وتعالى
على لسان الصفوة من أنبيائه ورسله وأصفيائه، مما تجعل من هذه الفريضة عبادة مهمة
لبناء الإنسان فتثير فيه الاهتمام الكبير بمواقف الأنبياء والمرسلين السابقين: وما
تشحنه هذه المواقف من معنويات شاخصة وخاصة في شخصي إبراهيم الخليل (ع) ومحمّد
المصطفى (ص)، وما بذلاه من جهود وتضحيات شاقة لإسقاط الصنمية السائدة في وعي
المجتمع الجاهلي من خلال ترسيخ جذور التوحيد الإلهي الأصيل، التي نادى بها إبراهيم
من قبل، وثبّتها من بعده النبي محمّد (ص) وقاسى من أجلها المحن العظمى.
فتكون هذه المشخصات
منطلقاً وتمهيداً لثورة روحية على الأوضاع التي جذّرها أذناب الاستعمار في أذهان
المسلمين، فـ " يخرج من ذنوبه كهيئة يوم ولدته
أمه " (بحار الأنوار:
ج 99 ص 26).
( 3 ) ـ قصة وعبرة:
قال طاووس اليماني: رأيت
رجلاً يصلي في المسجد الحرام تحت الميزاب يدعو ويبكي في دعائه، فجئته حين فرغ من
الصلاة، فإذا هو علي بن الحسين C، فقلت: يا ابن رسول الله رأيتك على حالة
كذا، ولك ثلاثة أرجو أن تؤمنك من الخوف، أحدها: إنك ابن رسول الله، والثاني: شفاعة
جدك، والثالث: رحمة الله.
فقال (ع): « يا طاووس: أما إنّي ابن رسول الله (ص) فلا يؤمنني، وقد
سمعت الله تعالى يقول: ﴿ فَلا أَنْسَابَ
بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ ﴾ (المؤمنون: 101)، وأمّا شفاعة جدي فلا تؤمنني، لأنّ الله تعالى يقول: ﴿ وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى …﴾ (الأنبياء: 28). وأما رحمة الله فإنّ الله تعالى يقول: ﴿ إِنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ (الأعراف: 56)، ولا أعلم أني محسن » (بحار الأنوار:
ج 46 ص 101).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق