الثلاثاء، 3 يونيو 2025


 

التراث القرآني عند الإمام محمد الباقر عليه السلام

فضل قراءة القرآن

حث الإمام الباقر (عليه السلام) المؤمنين على تلاوة كتاب الله العزيز؛ لأنه المنبع الأصيل والدستور الدائم لهداية الناس واستقامتهم في حياتهم الفردية والاجتماعية.

فالقرآن يحيي القلوب بنوره، ويمد قارئه بطاقات من الوعي ونشاط البصيرة إلى حد بعيد. وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل قراءة القرآن. كتاب الله الذي وصفه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال: >فإن هذا القرآن حبل الله المتين، فيه إقامة العدل، وينابيع العلم، وربيع القلوب< (المجازات النبوية للسيد الشريف الرضي: ص 222 ح 180).

وهذا الحبل المتين له طرفان: الله وآل البيت، كما يقول (صلّى الله عليه وآله): >طَرَفٌ مِنْهُ بِيَدِ اللهِ، وَطَرَفٌ مِنْهُ بِأيْدِيكُمْ؛ إنّ اللّطِيفَ الْخَبِيرَ قَدْ نَبّأنِي أنّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتّى يَرِدَا عَلَيّ الْحَوْضَ، كَإصْبَعَيّ هَاتَيْنِ -وَجَمَعَ بَيْنَ سَبّابَتَيْهِ- وَلَا أقُولُ كَهَاتَيْنِ -وَجَمَعَ بَيْنَ سَبّابَتِهِ وَالْوُسْطَى- فَتَفْضُلَ هَذِهِ عَلَى هَذِهِ< (تفسير القمّي: ص 4-5؛ بحار الأنوار:، ج 92 ص 102-103). وبذلك يصبح القرآن عصمة للمعتصمين، ونوراً للمستضيئين.

والقرآن ينابيع العلم: لأنه يبين للناس أبواب العلم وطرقه، ويفتقه من أكمته (الأكمة غطاء النور الذي يخرجه النبات) وقد شبهه بينابيع الماء المتفجرة، وعيونه المستنبطة ولأنَّ العلم يحيي الغليل بعد الشك المحير، كما يبرد الماء الغلة بعد العطش المبرِّح.

والقرآن ربيع القلوب: فالقلوب الواعية هي بمنزلة الربيع للإبل الراعية لأن القلوب تنتفع بتدبر القرآن وتأمله، كما تنتفع الإبل بتحمض الربيع وتنقله (الحمض: ما ملح ومر من النبات وهو كفاكهة للإبل).

فهذا غذاء للأرواح وذلك غذاء للأجسام. لذلك كله دعا الإمام (عليه السلام) إلى تلاوة القرآن فروى (عليه السلام) ما قاله جده رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في فضل تلاوته.

عَنْ سَعْدِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ): مَنْ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ فِي لَيْلَةٍ، لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ؛ وَمَنْ قَرَأَ خَمْسِينَ آيَةً، كُتِبَ مِنَ الذَّاكِرِينَ؛ وَمَنْ قَرَأَ مِائَةَ آيَةٍ، كُتِبَ مِنَ الْقَانِتِينَ؛ وَمَنْ قَرَأَ مِائَتَيْ آيَةٍ، كُتِبَ مِنَ الْخَاشِعِينَ؛ وَمَنْ قَرَأَ ثَلَاثَمِائَةِ آيَةٍ، كُتِبَ مِنَ الْفَائِزِينَ؛ وَمَنْ قَرَأَ خَمْسَمِائَةِ آيَةٍ، كُتِبَ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ؛ وَمَنْ قَرَأَ أَلْفَ آيَةٍ، كُتِبَ لَهُ قِنْطَارٌ مِنْ بِرٍّ< (الكافي: ج 4 ص 623 ح 3516؛ ثواب الأعمال: ص 129 ح 1؛ معاني الأخبار: ص 147 ح 2؛ أمالي الصدوق: ص 59 المجلس 14 ح 7).

كما وردت أحاديث مماثلة لهذا الحديث عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وكلها تحث المسلمين على تلاوة كتاب الله وتحفزهم على الإمعان في آياته والتأمل في أسراره، ولا ريب أنها كلها تصب في تنمية العقول وتهذيب النفوس وإبعادها عن الانحراف عن الخط الإسلامي، وهدايتها إلى سواء السبيل.

ترتيل القرآن الكريم

إن تلاوة القرآن وترتيله بصوت حسن يتفاعل مع عواطف الإنسان وينفذ إلى أعماق القلوب، وذلك لما اشتمل عليه من الحكم الخالدة والمعارف العامة التي يحتاجها كل إنسان في حياته الفردية والاجتماعية على حد سواء.

وقد اعتنى أهل البيت بتلاوة القرآن الكريم وشجعوا على ذلك فكان الإمام الباقر من أحسن الناس صوتاً بقراءته للقرآن. روى أبو بصير قال:

قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: إِذَا قَرَأْتُ الْقُرْآنَ فَرَفَعْتُ بِهِ صَوْتِي، جَاءَنِي الشَّيْطَانُ، فَقَالَ: >إِنَّمَا تُرَائِي بِهذَا أَهْلَكَ وَالنَّاسَ؟ قَالَ: >يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، اقْرَأْ قِرَاءَةً مَا بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ: تُسْمِعُ أَهْلَكَ، وَرَجِّعْ بِالْقُرْآنِ صَوْتَكَ؛ فَإِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يُحِبُّ الصَّوْتَ الْحَسَنَ يُرَجَّعُ فِيهِ تَرْجِيعاً< (الكافي: ج 4 ص 634 ح 3536).

أقول: إنَّ هذه الرواية ومماثلها لا يدل على جواز الغناء بالقرآن الكريم. لوضوح أنَّ الصوت الحسن أعم من الغناء، ولا يراد به ذلك. وحتى الترجيع المصرح به في الرواية لا يراد به حد الغناء، وإنما يراد به المد المناسب لقراءة القرآن، فقد تقتضي المد الطويل كما في: آلاء وأولئك ونحوها. فيجوز أن يكون ذلك بتقطيع النفس، الذي هو معنى الترجيع كما يجوز أن يكون باستمراره. ولا إشكال فيه.

المحرفون للقرآن الكريم

لقد ذم الإمام الباقر المحرفين لكتاب الله، وهم الذين يؤولون آياته حسب أهوائهم. فقد كتب (عليه السلام) في رسالته إلى سعد الخير: >وَكَانَ مِنْ نَبْذِهِمُ الْكِتَابَ أَنْ أَقَامُوا حُرُوفَهُ وَحَرَّفُوا حُدُودَهُ، فَهُمْ يَرْوُونَهُ وَلَا يَرْعَوْنَهُ، وَالْجُهَّالُ يُعْجِبُهُمْ حِفْظُهُمْ لِلرِّوَايَةِ، وَالْعُلَمَاءُ يَحْزُنُهُمْ تَرْكُهُمْ لِلرِّعَايَةِ< (الكافي: ج 15 ص 141 ح 14831).. وهذه الرواية تدل على أن التحريف في القرآن معنوي لا لفظي (آراء حول القرآن، السيد علي الفاني: ص 105). بمعنى: إنَّ الكتاب العزيز لم ينله تحريف فينصّه >أقاموا حروفه< وإن كانوا قد غيّروا من أحكامه >حرّفوا حدوده<. والمراد من >تحريف الحدود< هو تضييعها، كما ورد في الحديث: >وَرَجُلٌ قَرَأَ الْقُرْآنَ، فَحَفِظَ حُرُوفَهُ، وَضَيَّعَ حُدُودَهُ...< (الكافي: ج 4 ص 658 ح 3569؛ أمالي الصدوق: ص 202 المجلس 36 ح 15؛ الخصال: ص 142 باب الثلاثة ح 164).

ومن ذلك التحريف استعمالهم المجاز في غير ما هو له:

لقد شاع المجاز في لغة العرب كالاستعارات والكنايات والمجازات وكلها تعتبر من لطائف هذه اللغة ومحاسنها. وفي القرآن الكريم طائفة كبيرة من الآيات الكريمة كان الاستعمال فيها مجازياً.

منها قوله تعالى: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ} (ص: 75).

فالمنصرف من اليد هو العضو المخصوص ويستحيل ذلك عليه سبحانه وتعالى. فسأل محمد بن مسلم الإمام الباقر (عليه السلام) عن ذلك فأجابه: >الْيَدُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْقُوَّةُ وَالنِّعْمَةُ؛ قَالَ: {وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ}، وَقَالَ: {وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ} أَيْ بِقُوَّةٍ، وَقَالَ: {وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} أَيْ: قَوَّاهُمْ، وَيُقَالُ لِفُلَانٍ: عِنْدِي أَيَادٍ كَثِيرَةٌ، أَيْ فَوَاضِلُ وَإِحْسَانٌ، وَلَهُ عِنْدِي يَدٌ بَيْضَاءُ أَيْ نِعْمَةٌ< (التوحيد للصدوق: ص 153؛ معاني الأخبار: ص 16).

فاليد -هنا- كما نرى استعملت في غير معناها المنصرف فجاء مجازاً، وقد تأتي حقيقة على أنها مشتركة اشتراكاً لفظياً في هذه المعاني الذي ذكرها الإمام (المجادلة: 22).

البسملة هي جزء من سور القرآن الكريم

ذهب أهل البيت ومعهم الإمام الباقر (عليه السلام) إلى أنَّ البسملة جزء من سور القرآن الكريم، وتبعهم جمهور غفير من علماء المسلمين وقراؤهم (أنظر: تفسير الألوسي: ج 1 ص 39؛ فتح القدير للشوكاني: ج 1 ص 7).

كتب يحيى بن أبي عمران رسالة إلى الإمام الباقر (عليه السلام) يقول فيها: كَتَبْتُ إِلى أَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): جُعِلْتُ فِدَاكَ، مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ ابْتَدَأَ بِـ>بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ< فِي صَلَاتِهِ وَحْدَهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ، فَلَمَّا صَارَ إِلى غَيْرِ أُمِّ الْكِتَابِ مِنَ السُّورَةِ، تَرَكَهَا..؟

فَكَتَبَ بِخَطِّهِ: >يُعِيدُهَا< مَرَّتَيْنِ (الكافي: ج 6 ص 147 ح 4980؛ التهذيب: ج 2 ص 69 ح 252؛ الاستبصار: ج 1 ص 311 ح 1156).

تفسير القرآن الكريم:

سلك المفسرون للقرآن الكريم عدة اتجاهات وطرقاً مختلفة منها: التفسير بالمأثور، والتفسير بالرأي.

أ - التفسير بالمأثور:

وعني هذه الطريقة بما أثر عن النبي (صلّى الله عليه وآله) وأئمة الهدى، وهذا ما سلكه أغلب مفسري الشيعة كتفسير: القمي والعسكري، والبرهان وغيرها. وحجتهم في ذلك أن أهل البيت (عليهم السلام) هم المختصون بعلم القرآن على حقيقته وواقعه، وليس لغيرهم في ذلك نصيب كبير أو صغير.

فالأوصياء بلا شك هم الذين عندهم علم الكتاب، ظاهره وباطنه. وقد تضافرت الأدلة بوجوب الرجوع إليهم في تفسير القرآن.

يقول الشيخ الطوسي: >واعلم أنَّ الرواية ظاهرة في أخبار أصحابنا بأنَّ تفسير القرآن لا يجوز إلا بالأثر الصحيح عن النبي (صلى الله عليه وآله)، وعن الأئمة (عليهم السلام)، الذين قولهم حجة كقول النبي (صلى الله عليه وآله)، وإنَّ القول فيه بالرأي لا يجوز< (التبيان في تفسير القرآن: ج 1 ص 4).

ب - التفسير بالرأي:

وهو التفسير بحسب الهوى الشخصي.. ولذا جاءت الروايات لتقول إنَّ القول بالرأي -خصوصاً في تفسير القرآن الحكيم- مستنكر أشد ما يكون الاستنكار؛ ففي صحيحة الريان بن الصلت، عن الرضا، عن آبائه G، عن أمير المؤمنين C، قال: >قَالَ رَسُولُ اللهِ 2: قَالَ اللهُ جَلَّ جَلَالَهُ: مَا آمَنَ بِي مَنْ فَسَّرَ بِرَأَيِهِ كَلَامِي، وَمَا عَرِفَنِي مَنْ شَبَّهَنِي بِخَلْقِي، وَمَا عَلَى دِيِني مَنْ اسْتَعْمَلَ الْقِيَاسَ فِي دِيِني< (أمالي الصدوق: ص 6 المجلس الثاني).

وأكثر ما يقوّم هذا النوع من التفسير بالاعتبارات العقلية الظنية الراجعة إلى الاستحسان.. ولم يعنوا بما أثر عن النبي (صلّى الله عليه وآله) ولا عن أوصياء رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وإنما استندوا إلى ما رأوه من الاستحسانات العقلية.

وقد نهى عن ذلك الإمام الباقر (عليه السلام)، وقد دخل عليه الفقيه المعروف قتادة.

فقال له الإمام (عليه السلام): >أَنْتَ فَقِيهُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ؟<.

قَالَ: هكَذَا يَزْعُمُونَ.

فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: >بَلَغَنِي أَنَّكَ تُفَسِّرُ الْقُرْآنَ؟<.

فَقَالَ لَهُ قَتَادَةُ: نَعَمْ.

فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: >بِعِلْمٍ تُفَسِّرُهُ أَمْ بِجَهْلٍ؟<.

قَالَ: لَا، بِعِلْمٍ.

فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: >فَإِنْ كُنْتَ تُفَسِّرُهُ بِعِلْمٍ، فَأَنْتَ أَنْتَ وَأَنَا أَسْأَلُكَ<.

قَالَ قَتَادَةُ: سَلْ.

قَالَ: >أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي سَبَإٍ: {وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ}<.

فَقَالَ قَتَادَةُ: ذلِكَ مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ بِزَادٍ حَلَالٍ، وَرَاحِلَةٍ وَكِرَاءٍ حَلَالٍ يُرِيدُ هذَا الْبَيْتَ، كَانَ آمِناً حَتّى يَرْجِعَ إِلى أَهْلِهِ.

فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: >نَشَدْتُكَ اللهَ يَا قَتَادَةُ، هَلْ تَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ يَخْرُجُ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ بِزَادٍ حَلَالٍ وَرَاحِلَةٍ وَكِرَاءٍ حَلَالٍ يُرِيدُ هذَا الْبَيْتَ، فَيُقْطَعُ عَلَيْهِ الطَّرِيقُ، فَتُذْهَبُ نَفَقَتُهُ، وَيُضْرَبُ مَعَ ذلِكَ ضَرْبَةً فِيهَا اجْتِيَاحُهُ<.

قَالَ قَتَادَةُ: اللَّهُمَّ نَعَمْ.

فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: >وَيْحَكَ يَا قَتَادَةُ، إِنْ كُنْتَ إِنَّمَا فَسَّرْتَ الْقُرْآنَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِكَ، فَقَدْ هَلَكْتَ وَأَهْلَكْتَ، وَإِنْ كُنْتَ قَدْ أَخَذْتَهُ مِنَ الرِّجَالِ، فَقَدْ هَلَكْتَ وَأَهْلَكْتَ.

وَيْحَكَ يَا قَتَادَةُ، ذلِكَ مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ بِزَادٍ وَرَاحِلَةٍ وَكِرَاءٍ حَلَالٍ يَرُومُ هذَا الْبَيْتَ عَارِفاً بِحَقِّنَا، يَهْوَانَا قَلْبُهُ، كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} وَلَمْ يَعْنِ الْبَيْتَ فَيَقُولَ: إِلَيْهِ، فَنَحْنُ وَاللهِ دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الَّتِي مَنْ هَوَانَا قَلْبُهُ قُبِلَتْ حَجَّتُهُ، وَإِلَّا فَلَا.

يَا قَتَادَةُ، فَإِذَا كَانَ كَذلِكَ، كَانَ آمِناً مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ<.

قَالَ قَتَادَةُ: لَا جَرَمَ وَاللهِ لَا فَسَّرْتُهَا إِلَّا هكَذَا.

فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: >وَيْحَكَ يَا قَتَادَةُ، إِنَّمَا يَعْرِفُ الْقُرْآنَ مَنْ خُوطِبَ بِهِ< (الكافي: ج 15 ص 699 ح 15300).

فالإمام الباقر قصر معرفة الكتاب العزيز على أهل البيت (عليهم السلام) فهم المؤهلون لمعرفة المحكم من المتشابه، والناسخ من المنسوخ وليس عند غيرهم هذا العلم.

وقد أثر عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: >لَيسَ شَيءٌ أبعَدَ مِن عُقولِ الرِّجالِ مِن تَفسيرِ القُرآنِ؛ إنَّ الآيَةَ يَكونُ أوَّلُها في شَيءٍ وآخِرُها في شَيءٍ ، وهُوَ كَلامٌ مُتَّصِلٌ مُتَصَرِّفٌ عَلى وُجوهٍ< (المحاسن: ج 2 ص 7 ح 1076؛ تفسير العيّاشي: ج 1 ص 12 ح 8).

ج - تفسير الإمام الباقر عليه السلام:

وهذا التفسير نص عليه ابن النديم في (الفهرست) عند عرضه للكتب المؤلفة في تفسير القرآن الكريم. فقال: >كتاب الباقر محمد بن علي بن الحسين رواه عنه أبو الجارود زياد بن المنذر رئيس الجارودية< (الفهرست لابن النديم: ص 36).

وقال السيد حسن الصدر: >رواه عنه جماعة من ثقات الشيعة منهم أبو بصير يحيى بن القاسم الأسدي، وأخرجه علي بن إبراهيم القمي في تفسيره< (تأسيس الشيعة: ص 327).

هذا هو الإمام الباقر عليه السلام الذي كان أسلوبه هو أسلوب القرآن وأسلوب النبي (ص) وأسلوب الأئمة (ع)، الذي يهدف إلى تركيز المجتمع وبنائه على القاعدة الفكرية الإسلامية بحيث لا ينحرف المجتمع عن الخط الإسلامي الأصيل في غلّو هنا أو عداوة هناك، حتى في المسألة التي تتصل بأهل البيت (ع).

حيث رأى أنّ فرصة تسلّمه للحكم لم تكن واقعية آنذاك، ولكنه كان يرى أنَّ مسؤوليته تقع في خارج الحكم وتجلى بناء المجتمع على قاعدة ثابتة منفتحة واسعة توازي مسؤوليته عندما يحكم.

وهكذا كان الإمام علي (ع) فلم يتوقف عطاؤه عندما كان خارج الخلافة لأنه كان يشعر أنه مسؤول عن الإسلام خارج الحكم كما هو مسؤول عنه في داخل الحكم لأنّ عليه أن يحفظ الإسلام .. "فخشيت إن أنا لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم هذه التي إنما هي متاع أيام قلائل يزول منها ما زال كما يزول السراب أو كما ينقشع السحاب فنهضت حتى زاح الباطل وزهق واطمأن الدين وتنهنه".


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

محرم 1447 في الصحافة الكويتية