فلسفة أعمال مِنى وفلسفة الرمي
لما سميت مِنى بذلك ؟
قال الإمام
الرضا (ع): « والعلة التي من أجلها سميت مِنى مِنى،
أنّ جبرئيل (ع) قال هناك لإبراهيم (ع): تَمنَّ على ربك ما شئت. فتمنى إبراهيم في
نفسه أن يجعل الله مكان ابنه إسماعيل كبشاً يأمره بذبحه فداءً له، فأُعطي مناه »
(عيون أخبار الرضا: ج 2
ص 91).
ولذلك يقول
الإمام الصادق (ع): « إذا أخذ الناس منازلهم بمنى
نادى منادٍ: لو تعلمون بفناء من حللتم لأيقنتم بالخلف بعد المغفرة » (الكافي: ج 4 ص 256 ح 22).
ويتذكر الحاج في مِنى موقفين لخليل الله إبراهيم
(ع):
أحدهما: موقفه مع ولده
العزيز إسماعيل حيث أراد أن يقيم فيه حكم السماء كما شاهده في رؤياه الصادقة بشأن
ذبح ابنه، وكان موقفاً عصيباً وامتحاناً كبيراً لهما. وقد نجحا (عليهما السلام) في
هذا الامتحان الإلهي، فافتدى الله عز وجل إسماعيل بفداء عظيم.
وثانيهما: موقفه مع
الشيطان الذي أراد أن يقتحم عالمه من جهة زوجته هاجر وابنه إسماعيل، فدحره إبراهيم
(ع) بالحصيات السبع التي أصبحت رمزاً عبادياً في الحج الإبراهيمي لرفض الباطل
والشيطان.
يقول الإمام
الصادق (ع): « الحج الأكبر الوقوف بعرفة ورمي الجمار
» (وسائل
الشيعة: ج 14 ص 263 أبواب العود إلى مِنى ب 4 ح 1).
كان امتحانه
(ع) من أكبر الامتحانات على طول التاريخ، إذ كان الهدف منه إخلاء قلبه عن أيّ حبّ
عدا حبّ الله عزّ وجلّ، وتكون جائزة هذا النجاح ذلك اللطف الإلهي ﴿ وَعَهِدْنَا إلَى إبْرَاهِيمَ وإسْمَاعِيلَ أنْ طَهِّرَا
بَيْتِيَ لِلطائِفِينَ وَالعَاكِفِينَ وَالرُّكعِ السُّجُودِ ﴾ (البقرة: 125).
ولقد أعاد
حفيده محمّد (ص) ذكرى نداء التوحيد، وعبّر ومن معه عن إبراهيميّتهم الحنيفية بشكل
ملموس ومحسوس.
يقول الإمام
الحسين (ع): «إنـّه ليس أحد على ملة إبراهيم في هذه
الأمة غيرنا وغير شيعتنا، ومَن سواهم منها براء» (البحار: ج 44 ص 186).
ويقول الإمام الصادق (ع): «إذا أخذ الناس مواطنهم بمنى نادى منادٍ من قبل الله عز وجل: إن أردتم أن أرضى فقد رضيت» (الكافي: ج 4 ص 262 ح 43).
فلسفة رمي الجمار
1
ـ إنّ
زوّار بيت التوحيد يرجمون تلك الأعمدة المنصوبة بالأحجار وبهذا يبدون موقفهم من كل
شرّير وكرههم له، وكره الشر أمر معنوي وقلبي، فمن هنا يرجمون الشيطان الباطني
المتمثّل في النفوس الثلاثة: النفس الأمّارة، والنفس المسوِّلة، والنفس اللوامة،
وهو انعكاس للشيطان الظاهري العامل الأساس في ارتكاب المعاصي والرذائل.
ولهذا يستحب
للرامي عند كل رمية أن يقول: « الله أكبر، اللهم ادحر عنِّي الشيطان... ».
2
ـ إنّ
رمي الجمار هو تجسيد معنى الاستعداد والتأهب نحو مواجهة العدو الحقيقي للإنسان،
مما يصعّد روح المقاومة والجهاد في نفوس المسلمين لمواجهة أرباب الفساد في العالم
الذين هم رموز الشيطان.
3
ـ إنّ
الحاج في مِنى يكرّر الرمي ثلاث مرات، وهذا تمثيل صادق لجهاد الخليل إبراهيم (ع)
ضدّ وساوس الشيطان الذي ظهر له ثلاث مرات في طريقه إلى الله، وهو مصمّم على أن
يثني إبراهيم عن عزمه في ساحة الجهاد الأكبر، وكلّما ظهر له رماه بالحجر، مما يجعل
محتوى هذه الشعيرة يتوضح ويتجلى.
فإنّكم معشر
المؤمنين طوال فترة عمركم تعيشون في ساحة الجهاد ضدّ وساوس الشيطان، وإن لم ترموا
هذا الشيطان وتبعدوه عنكم المرة تلو الأخرى فلن تنتصروا أبداً، ولا يزال الشيطان
يتربص بكم ما لم تكرّروا رجمه باطناً وظاهراً.
يقول الإمام
الباقر (ع): «إنّ رجلاً أتى رسول الله (ص) فقال: يا
رسول الله إنني نافقت.
فقال:
والله ما نافقت، ولو نافقت ما أتيتني تعلمني ما الذي رابك؟ أظن العدو الحاضر أتاك
فقال لك: من خلقك؟ فقلت: الله خلقني، فقال لك: من خلق الله.
قال:
إي والذي بعثك بالحق لكان كذا.
فقال:
إنّ الشيطان أتاكم من قبل الأعمال فلم يقوَ عليكم، فأتاكم من هذا الوجه لكي
يستزلكم، فإذا كان كذلك فليذكر أحدكم الله وحده» (الكافي: ج 2 ص 419 ب 187 ح 5).
4
ـ إنّ
الرمي في مِنى وما يحتويه من رفع شعار الرفض والصمود أمام مزالق ودروب الشياطين
يجعل لمنى مكاناً خاصاً للبراءة من الطاغوت.
ولقد جمع
الإمام الحسين (ع) بني هاشم ورجالهم ونساءهم ومواليهم وشيعتهم مَن حجّ منهم ومن لم
يحج، ولم يدع أحداً من أصحاب رسول الله (ص) ومن أبنائهم والتابعين، ومن الأنصار
المعروفين بالصلاح والنسك إلا جمعهم.
فاجتمع عليه
بمنى أكثر من ألف رجل، فقام الحسين C فيهم
خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
«
أمّا بعد: فإنّ الطاغية قد صنع بنا وبشيعتنا ما قد علمتم ورأيتم وشهدتم وبلغكم،
وإنّي أريد أن أسألكم عن أشياء فإن صدقت فصدقوني، وإن كذبت فكذبوني، اسمعوا مقالتي
واكتموا قولي، ثم أرجعوا إلى أمصاركم وقبائلكم ومَن أمنتموه ووثقتم به فادعوهم إلى
ما تعلمون، فإنّي أخاف أن يندرس هذا الحق ويذهب، والله متمّ نوره ولو كره
الكافرون...» (الاحتجاج: ج 2 ص 19).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق