الثلاثاء، 4 أبريل 2017



حركة المرأة المسلمة في الأسرةوالمجتمع والعمل الوظيفي

الحديث عن المرأة هو الحديث عن الحياة بكل أبعادها، فهي الركن الأول والجامع الجوهري للاجتماع الإنساني، قـال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِـهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}(1). وكلنا يعلم أنّ الإسلام جاء في فترة اختلال لموازين العدل والرحمة في زمن تسوده العقائد الأرضية الهابطة، فأراد الدين الإسلامي أن يعطي الفرد الصورة الكريمة اللائقة بمنزلته بين المخلوقات.
وجاء الإسلام لا ليعطي المرأة كرامتها بل ليغير نظرة الديانات والفلسفات بالنسبة لوجود الكائن الإنساني، فكانت نظرتها إليه دون المنشود إليه من قبل الخالق عز وجل، فلا بد أولاً أن نقف على نظرة الديانات والفلاسفة قبل الإسلام للإنسان.

مكانة الإنسان قبل الإسلام:

عند فلاسفة اليونان:

كان الإنسان مثار اهتمام فلاسفة اليونان بقدر اختلاف مدارسهم ومشاربهم.
فقد تناوله سقراط في محاوراته التي دعا إلى التركيز على حقيقة النفس الإنسانية من خلال مقولته الشهيرة: "اعرف نفسك بنفسك أيها الإنسان"، جاعلاً من تلك الحكمة قاعدة لفلسفته برمتها.
وأشار أفلاطون إلى أنّ النفس الإنسانية قد جاءت من عالم آخر إلى هذا العالم المادي، ولما ألفته تدنّست، وفقدت طهارتها، وتقيّدت بحياة الحس، وركنت إلى الشهوات؛ لذلك وجب على الإنسان أن يحارب تلك الشهوات الحسيّة، وأن يسعى إلى تزكية نفسه بالمعرفة والفضائل لكي تعود إلى عالم الطهر الذي جاءت منه.
وأما أرسطو فقد تناول الإنسان من حيث تركيبته المزدوجة، فرأى فيه حيواناً ناطقاً؛ لذلك يجب عليه أن يستعمل عقله ليكون سعيداً في حياته، وأن يعتصم بالحكمة التي هي أعظم فضيلة وأكبر سعادة للإنسان.

الإنسان في التوراة:

لو نظرنا إلى موقف التوراة من الإنسان لوجدنا أنّ آدم في التراث الديني اليهودي قد أخرج من مجال حياته الأول (الجنة) إلى الأرض عاصياً مطروداً معاقباً.
ولا تدل النصوص الأولى لهذا التراث على أنّ حياة الإنسان على الأرض كانت خطة إلهية مرسومة بل جاءت عارضة بسبب معصية الإنسان، وصارت الأرض ملعونة بسببها، بل إنّ الرب حسب رواية التوراة حزن لأنّه جعل الإنسان في الأرض وتأسف في قلبه حتى أراد أن يمحو الإنسان على وجه الأرض(2).
فقد جاء في سفر التكوين: (وَكَانَتِ الْحَيَّةُ أَمْكَرَ وُحُوشِ الْبَرِّيَّةِ الَّتِي صَنَعَهَا الرَّبُّ الإِلَهُ، فَسَأَلَتِ الْمَرْأَةَ: «أَحَقّاً أَمَرَكُمَا اللهُ أَلاَّ تَأْكُلاَ مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ؟» 2 فَأَجَابَتِ الْمَرْأَةُ: «يُمْكِنُنَا أَنْ نَأْكُلَ مِنْ ثَمَرِ الْجَنَّةِ كُلِّهَا، 3 مَاعَدَا ثَمَرَ الشَّجَرَةِ الَّتِي فِي وَسَطِهَا، فَقَدْ قَالَ اللهُ: لاَ تَأْكُلاَ مِنْهُ وَلاَ تَلْمُسَاهُ لِكَيْ لاَ تَمُوتَا». 4 فَقَالَتِ الْحَيَّةُ لِلْمَرْأَةِ: «لَنْ تَمُوتَا، 5 بَلْ إِنَّ اللهَ يَعْرِفُ أَنَّهُ حِينَ تَأْكُلانِ مِنْ ثَمَرِ هَذِهِ الشَّجَرَةِ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا فَتَصِيرَانِ مِثْلَهُ، قَادِرَيْنِ عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ». 6 وَعِنْدَمَا شَاهَدَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّ الشَّجَرَةَ لَذِيذَةٌ لِلْمَأْكَلِ وَشَهِيَّةٌ لِلْعُيُونِ، وَمُثِيرَةٌ لِلنَّظَرِ قَطَفَتْ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَكَلَتْ، ثُمَّ أَعْطَتْ زَوْجَهَا أَيْضاً فَأَكَلَ مَعَهَا، 7 فَانْفَتَحَتْ لِلْحَالِ أَعْيُنُهُمَا، وَأَدْرَكَا أَنَّهُمَا عُرْيَانَانِ، فَخَاطَا لأَنْفُسِهِمَا مَآزِرَ مِنْ أَوْرَاقِ التِّينِ. 8 ثُمَّ سَمِعَ الزَّوْجَانِ صَوْتَ الرَّبِّ الإِلَهِ مَاشِياً فِي الْجَنَّةِ عِنْدَ هُبُوبِ رِيحِ النَّهَارِ، فَاخْتَبَآ مِنْ حَضْرَةِ الرَّبِّ الإِلَهِ بَيْنَ شَجَرِ الْجَنَّةِ. 9 فَنَادَى الرَّبُّ الإِلَهُ آدَمَ: «أَيْنَ أَنْتَ؟» 10 فَأَجَابَ: «سَمِعْتُ صَوْتَكَ فِي الْجَنَّةِ فَاخْتَبَأْتُ خِشْيَةً مِنْكَ لأَنِّي عُرْيَانٌ». 11 فَسَأَلَهُ: «مَنْ قَالَ لَكَ إِنَّكَ عُرْيَانٌ؟ هَلْ أَكَلْتَ مِنْ ثَمَرِ الشَّجَرَةِ الَّتِي نَهَيْتُكَ عَنْهَا؟» 12 فَأَجَابَ آدَمُ: «إِنَّهَا الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا رَفِيقَةً لِي. هِيَ الَّتِي أَطْعَمَتْنِي مِنْ ثَمَرِ الشَّجَرَةِ، فَأَكَلْتُ». 13 فَسَأَلَ الرَّبُّ الإِلَهُ الْمَرْأَةَ: «مَاذَا فَعَلْتِ؟» فَأَجَابَتْ: «أَغْوَتْنِي الْحَيَّةُ فَأَكَلْتُ». 14 فَقَالَ الرَّبُّ الإِلَهُ لِلْحَيَّةِ: «لأَنَّكِ فَعَلْتِ هَذَا، مَلْعُونَةٌ أَنْتِ مِنْ بَيْنَ جَمِيعِ الْبَهَائِمِ وَمِنْ جَمِيعِ وُحُوشِ الْبَرِّيَّةِ، عَلَى بَطْنِكِ تَسْعَيْنَ، وَمِنَ التُّرَابِ تَأْكُلِينَ طَوَالَ حَيَاتِكِ، 15 وَأُثِيرُ عَدَاوَةً دَائِمَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَكَذَلِكَ بَيْنَ نَسْلَيْكُمَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ وَأَنْتِ تَلْدَغِينَ عَقِبَهُ». 16 ثُمَّ قَالَ لِلْمَرْأَةِ: «أُكَثِّرُ تَكْثِيراً أَوْجَاعَ مَخَاضِكِ فَتُنْجِبِينَ بِالآلاَمِ أَوْلاَداً، وَإِلَى زَوْجِكِ يَكُونُ اشْتِيَاقُكِ وَهُوَ يَتَسَلَّطُ عَلَيْكِ». 17 وَقَالَ لِآدَمَ: «لأَنَّكَ أَذْعَنْتَ لِقَوْلِ امْرَأَتِكَ، وَأَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي نَهَيْتُكَ عَنْهَا، فَالأَرْضُ مَلْعُونَةٌ بِسَبَبِكَ وَبِالْمَشَقَّةِ تَقْتَاتُ مِنْهَا طَوَالَ عُمْرِكَ. 18 شَوْكاً وَحَسَكاً تُنْبِتُ لَكَ، وَأَنْتَ تَأْكُلُ عُشْبَ الْحَقْلِ. 19 بِعَرَقِ جَبِينِكَ تَكْسَبُ عَيْشَكَ حَتَّى تَعُودَ إِلَى الأَرْضِ، فَمِنْ تُرَابٍ أُخِذْتَ، وَإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ». 20 وَسَمَّى آدَمُ زَوْجَتَهُ «حَوَّاءَ» لأَنَّهَا أُمُّ كُلِّ حَيٍّ. 21 وَكَسَا الرَّبُّ الإِلَهُ آدَمَ وَزَوْجَتَهُ رِدَاءَيْنِ مِنْ جِلْدٍ صَنَعَهَا لَهُمَا. 22 ثُمَّ قَالَ الرَّبُّ الإِلَهُ: «هَا الإِنْسَانُ قَدْ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنَّا، يُمَيِّزُ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ. وَقَدْ يَمُدُّ يَدَهُ وَيَتَنَاوَلُ مِنْ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ وَيَأْكُلُ، فَيَحْيَا إِلَى الأَبَدِ». 23 فَأَخْرَجَهُ مِنْ جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَفْلَحَ الأَرْضَ الَّتِي أُخِذَ مِنْ تُرَابِهَا. 24 وَهَكَذَا طَرَدَ اللهُ الإِنْسَانَ مِنْ جَنَّةِ عَدْنٍ، وَأَقَامَ مَلائِكَةَ الْكَرُوبِيمِ وَسَيْفاً نَارِيّاً مُتَقَلِّباً شَرْقِيَّ الْجَنَّةِ لِحِرَاسَةِ الطَّرِيقِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى «شَجَرَةِ الْحَيَاةِ»).

الإنسان في الإنجيل:

ويجد الدارس لمسألة الإنسان في الإنجيل حديثاً مفاده أنّ الناس أبناء الله انطلاقاً من قول المسيح: "طوبى لصانعي السلام.. إنّهم أبناء الله يدعون"(3).
والصلاة يرفعها الناس إلى الخالق تستفتح بالنداء التالي: "يا أبانا الذي في السماء ليتقدس اسمك، ليتأتى ملكوتك"(4).
بل إنّ الإنجيل ينزّل الإنسان منزلة كبرى في هذا الوجود، ويجعله في أعلى قمته مثلما جاء ذلك على لسان المسيح: "أليس مكتوباً في ناموسكم أنا قلت: إنّكم آلهة"(5).
ويلاحظ الدارس للإنجيل تكرر كلمات: {الأبناء، والأب، أبناء الله، والأب السماوي، ..) في كثير من المواطن، وفي ذلك تأكيد على دور الإنسان في هذا الوجود.
وإن كان ينبغي أن لا يفهم من ذلك أبوة وبنوة حقيقية، وإنّما هي أبوة رحمة، وأبوة خلق وإبداع، وإنّما هي بنوة حب وولاء واحتياج. كما يذهب إلى ذلك الدكتور عبد الكريم الخطيب(6).

مكانة الإنسان في الإسلام:

إنّ الله تعالى خلق الإنسان من سلالة من طين، ثم ركبّه أبدع تركيب، ثم نفخ فيه من روحه، وليس هنالك تعريف للإنسان أدق وألطف وأشمل من القول: إنّه نفخة من قدرة الله ونوره، ولقد كرّمه الله على سائر مخلوقاته بهذه النفخة فقال تعالى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي}(7).
ويضع القرآن الكريم الإنسان على رأس المخلوقات جميعها لما اختصه الله به من فضل وتكريم {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}(8).
فالإنسان في القرآن كائن مخلوق استحق التكريم والتفضيل، ومن أجل ذلك سخّرت له نعم عديدة من أجل مساعدته على أنبل مهمة كلّف بها الإنسان دون سائر المخلوقات كما تشير إلى ذلك آيات كثيرة في هذا الصدد، منها:
أولاً: في شأن الخلق: قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}(9).
وبهذا البيان البديع يقف القرآن الكريم من قصة خلق الإنسان في التوراة والإنجيل موقف المعارض، ويردّ على الفكرة المتعارف عليها في آداب العالم القديم، والمتمثلة في تلك الأسطورة التي تذهب إلى أنّ سقوط الرجل في الخطيئة كان سبب البلاء. حيث جعل القرآن الأرض مستقراً ومتاعاً للإنسان ينبغي أن يشكر الله عليه كما تشير الآية الكريمة: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ}(10).
فالإنسان كما تشير الرؤية القرآنية هو على خلاف ما ورد في روايتي التوراة والإنجيل، فهو مخلوق إلهي لم يكن مجيئه إلى الأرض عرضاً، بل كان طبق خطة إلهية مرسومة، وقد أعدّ لتحقيق تلك الوظيفة، قال تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا}(11).
ثانياً: التكريم والاستخلاف في الأرض: فالإنسان نفحة ربانية استحقت التكريم الذي بوّأها أعلى مرتبة في الوجود، أعني الاستخلاف بصريح الآية الكريمة: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ)(12).
ومن أجل ذلك استحق الإنسان التكريم بصريح الآية الكريمة: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)(13).
وحتى يحقق الإنسان وظيفته على أحسن وجه كان كلّ ما في الوجود مسخراً لفائدته، وكان العالم مسرحاً لكل فعالياته بصريح آيات قرآنية عديدة، من مثل قوله تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا)(14).
بل إنّ هناك ثلاثة أمور واضحة في القرآن:
الأولى: أنّ الإنسان قد اصطفاه الله: (ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى)(15).
والثانية: أنّ الإنسان بالرغم من أخطائه جميعاً أُريد به أن يكون خليفة الله في أرضه. قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ)(16).
والثالثة: أنّ الإنسان أمين على شخصية حرّة أخذ تبعيتها على عاتقه: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)(17).
تلك بإيجاز إشارات إلى مكانة الإنسان في القرآن باعتباره عطاء إلهياً كرّمه الله، وزوده بمقومات روحية وجسدية لتمكينه من القيام بوظيفة الخلافة.
ومن هنا نلاحظ أنّ الإنسان ليس مخلوقاً على أساس هندسي في عواطفه ومشاعره وأفكاره ونوازعه، كما هو الحيوان الذي خلق الله له غرائز منظمة بشكل دقيق لا يملك فيه أي لون من ألوان الاختيار في أغلب الحالات، بل إنّ الإنسان مخلوق على أساس ما لديه من غرائز وشهوات متحركة متنقلة في أكثر من اتجاه بحيث يستطيع أن يوسعها ويضيقها ويعمقها. ومن هنا احتاج إلى عنصرين مهمين (العقل والإرادة) ليمارس من خلالهما عملية الانضباط في انطلاقته.
بعد هذا نقول:
بهذه المقدمة نستطيع أن نقول: إنّ الإسلام أقدر على معرفة خطر مكانة الإنسان ـ رجلاً كان أو امرأة ـ وموهبته وكفاءته ومنزلته، بل إنّ الوظيفة الوجودية للإنسان، ومآله النهائي، تشكلان محور ارتكاز أساسي في اهتمامات الدعوة الإسلامية، بعد الاهتمام المركزي الأول لها وهو: توحيد الله سبحانه وتعالى.
ويتشكل هذا الاهتمام من خلال أمور:
أولاً: العناية بالوظيفة الوجودية للإنسان:
حيث تشكل هذه الوظيفة محوراً كبيراً في اهتمامات الدعوة الإسلامية على مستوى عالم الشهادة وهي: تمكين الإنسان من تحقيق مستوى استخلافي راقٍ وفق ما تتيحه له ظروفه وإمكاناته في عصره؛ ذلك لأنّ الاستخلاف هو الوظيفة الوجودية للإنسان، كما يؤكد ذلك القرآن صراحة في آيات عديدة يأتي في مقدمتها قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً}(18).
فالخلافة بمفهومها الحضاري الذي يعني: تحقيق العبودية لله تعالى، والسيادة في الأرض، وإدارتها، وبناؤها، وإعمارها على وفق إرادة الله تعالى من خلال الانسجام مع سنن الله الكونية والتشريعية .. هو الوظيفة الوجودية للإنسان في هذا العالم والتي سيتقرر على ضوئها مآل الإنسان ومصيره.
فالخلافة على هذا الأساس، تتضمن الابتلاء الشامل المتنوع لإرادة الإنسان وحريته واختياره، كما يبين القرآن الكريم: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ}(19).
ونظراً لأهمية هذه الوظيفة الوجودية للإنسان في هذا العالم، وتوقف مصيره الأخروي على الدور الذي يؤديه من خلالها، جاءت الدعوة الإسلامية لتدلّه على ما به يستوعب رسالته في الحياة، ويتحرك في هذا الوعي بكفاءة واقتدار..
ثانياً: العناية بالمصير النهائي للوجود الإنساني:
الوجود الإنساني في المنظور الإسلامي وجود ممتد لا ينتهي بانقضاء أجل الإنسان في الدنيا، بل يعتبر ذلك إيذاناً ببداية مرحلة جديدة في حياته، ستفضي به بعد حين إلى المصير النهائي في الجنة أو النار كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}(20).
فقد أعطى الإسلام هذه القضية عناية كبيرة سواء على مستوى الحجم أو النوع، حيث أفاض القرآن بالخصوص في التذكير به، والتحذير من الغفلة عنه، واسترسل في وصف الجنة والنار وأحوال الناس فيهما بشكل ملفت للانتباه.
ولهذا نلاحظ عدة ملاحظات:
1. كثافة ما جاء في القرآن الكريم عن اليوم الآخر، واقترانه بالإيمان بالله، مما جعل الحديث عن مصير الوجود الإنساني يأتي في الدرجة الثانية مباشرة بعد الإيمان بالله.
2. التأكيد الإلهي على ضآلة وضع الدنيا بالنسبة للآخرة، حيث حفلت النصوص القرآنية بمقارنات كثيرة بيّنت أهمية الآخرة، ومنها قوله تعالى: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الـدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}(21).
3. كثرة الأسماء التي صبغها الله على هذه المرحلة الأخيرة من حياة الإنسان؛ في سياق تأكيد العناية البالغة بها وهناك اعتباران مهمان يؤكدان هذه العناية به وهما:
أحدهما: طبيعة الإنسان ذاته، بما جبلت عليه من حب التكاثر، والميل إلى التفاخر بالأموال والأولاد والجاه، وشدة الجزع، وكثرة الغفلة والنسيان، وسهولة الاستدراج كما تؤكد ذلك نصوص عديدة في القرآن والسنّة.
وثانيهما: طبيعة الدنيا نفسها، المليئة بما يجذب الإنسان إليها، ويقعد به عن معالي الأمور، إذا هو سكن إليها وانساق وراءها، كما قال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}(22).
كلّ هذه الاعتبارات جعلت الإسلام تولي عناية خاصة لقضية مآل وجود الإنسان ومصيره، استنقاذاً للإنسان من مخاطر الغفلة والانسياق وراء رغائب نفسه الأمّارة بالسوء التي لا نهاية لها، لكي يعيش الإنسان التوازن المطلوب في حياته لصالح المصير المرسوم إلهياً {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ ولا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ ولا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}(23).
ثالثاً: العناية بوراثة الجنة كغاية نهائية للوجود الإنساني:
الجنة هي المحور الرئيسي الذي يتحرك عليه الإنسان، والقطب الذي تتجه نحوه كلّ مساعيه في هذا العالم، وهو ما جاء الإسلام ليبينه للناس ويدعوهم إلى العناية به، ويوجه نشاطهم في هذا العالم من أجله.
ولكنّ الجنة لا تنال بالاسترخاء والتمنيات فقد قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}(24).
فهذه الآية من آيات الدعوة الموجهة إلى العاملين في سبيل الله، الذين قد تضغط عليهم تحديات الكفر والانحراف، فيتراجعون، أو ينهزمون، أو يضعفون أمامها، أو يسقطون تحت عوامل اليأس.
فالجنة تنال بالمواقف الصعبة التي يواجه فيها المؤمن القوى الطاغية، وكما ورد في الحديث فإنّ الجنة "محفوفة بالمكاره والصبر"، مما يجعلها نتيجة للحركة المتنوعة الخطوات، المتعددة الأبعاد، فلا مجال للمسلم أن يتحدث عن دخول الجنة قبل أن يعرف الثمن الكبير لها .. فـ{تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا}(25). فمن أراد الجنة فليرتد ثوب التقوى، ولينهج منهجها، وليلتق بالله في كل آفاقه في الحياة.
ولذا يقول الإمام السجاد (ع) في دعاء الثغور: "وامح عن قلوبهم خطرات المال الفتون، واجعل الجنة نصب أعينهم، ولوّح منها لأبصارهم ما أعددت فيها من مساكن الخلد، ومنازل الكرامة"(26).

مفهوم الاستخلاف وحقيقته:

قال الراغب الأصفهاني: "الخلافة النيابة عن الغير، إما لغيبة المنوب عنه، وإما لموته، وإما لعجزه، وإما لتشريف المستخلف" .. وكما هو معلوم فإنّ مفهوم الاستخلاف الذي تحدثت عنه الآيات، ينصرف إلى المعنى الأخير.
فهو تشريف الإنسان الخليفة، من خلال المهمة الجليلة التي أسندت له، وأنيطت به وحده بين سائر مخلوقات الله على كثرتها وتنوعها، وهي ائتمانه على الخلافة في الأرض كما قال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً}(27).
فالإنسان بما وهبه الله من استعدادات تكريمية عظيمة: عقلية، ونفسية، وجسمية، وخلقية، تأهل ليكون خليفة في الأرض {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً}(28) وهو الإنسان؛ ليكون أميناً على الأرض، ومسؤولاً عن إنجاز مشروع الاستخلاف، بكل ما يتضمنه من: تعمير، وانتفاع، وسيادة، وتناغم، وانسجام مع سنن الله في خلقه.
فالاستخلاف على هذا الأساس معناه أنّ الله عهد إلى الإنسان وأوكل إليه عمارة هذه الأرض، والانتفاع بها، بعد أن مكنّه الله منها بالتسخير، وجعل له سلطاناً عليها. كما تشير إلى ذلك آيات عديدة في هذا المضمون:
{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ}(29).
{وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا}(30).
فهذه الآيات تصب في اتجاه واحد، وهو بيان كون الخلافة هي الوظيفة الوجودية للإنسان في الأرض، من أجلها وجد وبها فضّل على كثير من خلق الله تفضيلاً {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}(31).
كما يشهد على ذلك سجود الملائكة لآدم أبي البشر (ع)، وهو إجراء رمزي دلّ على الاعتراف بأحقية الجماعة البشرية في التقدم على سائر المخلوقات للإشراف على رعاية شؤون هذا العالم وتدبير أمر الإنسان، والسير بالبشرية في الطريق المرسوم للخلافة الربانية الحقة، التي تحفظ التوازن الكوني، وتضمن استقرار الحياة، وتهيئ الاستمتاع بما فيها من متع مادية ومعنوية لا حدود لها، لكل من انضبط بقوانين الاستخلاف، والتزم بشروطه في فهمه وسلوكه وعمله ومواقفه، وحركته في الحياة.

ما هو قوام الاستخلاف؟

المتأمل في نصوص القرآن الكريم، يجد أنّ الإسلام لم يكتفِ بمجرد الإشارة الصريحة إلى كون الإنسان خليفة في الأرض، بل راح يعمق الحديث ويوسعه عن مضمون هذه الخلافة ومحتواها الحقيقي.
ويبدو ذلك جلياً من خلال التركيز الشديد على إبراز دور العبادة وتحديد محتواها، ولفت النظر إلى أنّ العبادة قوام الاستخلاف وعماده، والمحور المركزي الذي تدور عليه أو حوله الحركة الاستخلافية برمتها.
ويكفي أن نتأمل على سبيل المثال بعض النصوص القرآنية المتصلة بدور العبادة في مهمة الاستخلاف لنرى كيف أنّها تشكل قطب الرحى في العملية الاستخلافية ومن ذلك قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ}(32). وكما هو معروف فإنّ النفي والاستثناء إذا اجتمعا معاً فيعتبر حينئذ أقوى صور الحصر والقصر، فالآية تقرر حقيقتين كبيرتين:
1. نفي أي غاية للوجود الإنساني غير العبادة.
2. حصر غاية هذا الوجود كله في عبادة الله وحده.
والمقصود من إيجاد الإنسان: العبادة، بكل ما تتضمنه من التعظيم لأمر الله، والشفقة على خلقه والسعي المرتّب الدؤوب، من أجل إحكام الصلة بالله، وتحقيق أعلى المستويات الممكنة من الاستخلاف.
ولكي تجعل العبادة هي لبّ الخلافة وروحها، توالت التوجيهات والتنبيهات:
{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}(33).
{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}(34).

ما هي الأبعاد الكبرى لمشروع الاستخلاف؟

يقف الإسلام على أربعة أبعاد، لها وظيفة مزدوجة للمشروع الاستخلافي:
البعد الأول: الترقي المعرفي: ولعل مما يبرز بقوة ووضوح أهمية المسألة المعرفية في الإسلام الآيات الأولى التي أعلنت عن ميلاد هذه الدعوة، والتي جاءت تعلن عن بداية مرحلة جديدة في تاريخ الحضارة الإنسانية، قوامها المعرفة التي تضع حداً للخرافات واتباع الظن، وتهميش وظيفة العقل، وتعطيل الحواس، .. والمتمثلة في قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}(35).
البعد الثاني: الترقي الروحي: من خلال الوقوف على سنن الله في الخليقة، والاهتداء إلى نواميس التسخير، وكشف الإنسان نفسه في الآفاق والأنفس ..
البعد الثالث: الترقي الأخلاقي: ويعتبر هذا البعد انعكاساً طبيعياً مباشراً لمدى استيعاب الإنسان للبعدين السابقين. وهي أخلاقية الالتزام، وأخلاقية المفهوم المقترن بالموقف، والموقف المتجسد بالعمل، والفعل الممثّل للفكرة ..
وكما يقول الإمام علي (ع): "أأقنع من نفسي بأن يقال لي أمير المؤمنين: ولا أشاركهم في مكاره الدهر، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش" ..
وقوله أيضاً (ع): "إنّي لأرفع نفسي عن أن أنهى الناس عمّا لست أنتهي عنه، أو أأمرهم بما لا أسبقهم إليه بعملي، وأرضى منهم بما لا يرضى ربي".
البعد الرابع: الترقي العمراني: وهو التأثر الإيجابي المتصاعد، الذي يحدثه الجهد الإنساني في الطبيعة المحيطة به، بواسطة إعمال قوانين التسخير فيها، بغية ترقية حياته المادية بشكل فعّال يتيح له الفرصة للاستمتاع بما أودعه الله تعالى في الكون من أسرار ونِعَم لا حصر لها.
ولا يخفى فإنّ عمارة الأرض هي الساحة التي تلتقي فيها كلّ أبعاد المشروع الاستخلافي في كتلة متكاملة يقول تعالى: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}(36).
أما على مستوى ميراث الأرض فيقول تعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ}(37).
وأما على مستوى التمكين للدين فيقول تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}(38).
فالنتيجة التي نتحصلها مما سبق:
1. الاستخلاف هو الهدف الاستراتيجي للوجود الإنساني على الأرض.
2. إنّ العبادة هي قوام الاستخلاف وعموده، بها يحقق الإنسان خلافته في الأرض، عندما يضمن لنشاطه وحركته الإيمان الصحيح العميق، والعمل الصالح الفعّال.
3. لكي يؤدي الإنسان مهمته الاستخلافية -العبادة لله والسيادة على الأرض- زوده الله تعالى بمؤهلات مادية وروحية تمكّنه من فهم رسالته، ووعي ذاته، وأداء دوره كعبد لله من جهة، وسيد في الأرض من جهة أخرى.
4. الأبعاد الكبرى لمشروع الاستخلاف الذي أنيطت مهمة إنجازه بالإنسان هي: العمل على تحقيق الترقي المعرفي، والروحي، والأخلاقي، والعمراني، بصفة دائمة ومستمرة.
وهنا ينبغي أنّ ننبه إلى قضية مهمة وهي: لمّا كان الإنسان كائناً فانياً يخشى انقضاء سيرته بموته، لم يكن أمامه إلا أن يحقق نوعاً من الخلود الجماعي بالتكاثر والتوالد، كذلك ينبغي أن ينجز مهمة الاستخلاف، بنفس هذه القوة.
ولذا نبّه القرآن وبشكل حاسم إلى ضرورة الأخذ بالمنهج وعدم التساهل فيه:
قال تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ ولا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}(39)، وقال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(40).

موقع المرأة في المنظومة الإسلامية:

لا يختلف دور المرأة عن الرجل في أساس التشريع، فكلاهما خلق ليقوم بعمارة الأرض واستخلافها وجعلها مكاناً صالحاً لتطبيق منهج الله عز وجل في العدل، ولهذا كان للمرأة حرية التعبير عن الرأي والمشاركة في نهضة حضارة الإسلام على أساس ما رسمه لها الله عز وجل.
ولو أخذنا مثالاً لتوضيح ما نريد قوله، فإننا سنأخذ نقارن بين سلوكين أحدهما هو الفيلسوف أرسطو والذي يلقب بـ (المعلم الأول)، وثانيهما محمد (ص).
إنّ أرسطو مع كونه عملاق الفكر اليوناني إلا أنّه لا يتخلى عن عادات وتقاليد المواطن الأثيني العادي ـ أعني رجل الشارع ـ بصدد ابنته (بثياس) التي يقول عنها في الوصية: "...فإن بلغت ابنتي سن النضوج فعليهم أن يزوجوها إلى نيكانور فإن حدث أن ماتت لا قدر الله! قبل أن تتزوج، أو بعد أن تزوجت، دون أن يكون لها أبناء، فإنني أوصي أن يقوم نيكانور بتحمل المسؤولية، وإدارة شؤون ابني نيقوماخوس بالطريقة المألوفة .. وإذا حدث أن توفي نيكانور لا سمح الله، قبل أن يتزوج ابنتي، أو بعد أن يتزوجها، دون أن يرزق منها بأبناء، فإنّ ما يقترحه من ترتيبات سيكون مشروعاً وسليماً، فإذا أراد ثاوفراسطس أن يعيش مع الفتاة، فستكون له نفس حقوق نيكانور السالفة"(41).
لا بد لنا أن نندهش من خضوع (المعلم الأول) للعادات والتقاليد اليونانية إلى هذا الحد، فهو لا يشير ولو مرة واحدة إلى رغبة الفتاة، أو سؤالها، أو يضيف عبارة "بعد موافقتها" ..
بينما نجد النبي محمداً (ص) لم يتقيد بعادات قومه وتقاليدهم، فبعد أن تقدم إليه الإمام علي (ع) لخطبة ابنته فاطمة (ع)، أتاها رسول الله فقال لها: إنّ علياً قد ذكرك. فقبلت به زوجاً لها(42).
ولم يكتفِ النبي الكريم (ص) بذلك، بل عندما طلب البيعة لنفسه من المسلمين، أخذ البيعة من النساء أنفسهن، ولم يكتفِ بأخذها عبر أبيها أو زوجها أو عبر ولاية أحدهما عليها، ولذا يقول القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(43).
إنّ في فعل الرسول (ص) لثورة يريد من خلاله أن يهوي على عقول أصحاب الطوائف والعلاقات الهمجية، فقد جاء الرسول (ص) والتقاليد قائمة على حقارة المرأة، واتخادها ألعوبة في تاريخ الرجل، فبينما كانت الجاهلية تدس بناتها في التراب لوأدها، كان الرسول الأكرم (ص) يأخذ بعضدها لبناء الأمة الصالحة.
وكان هذا العمل كالسيف الصارم الذي بتر به أوهام الكفر وعاداتها الزائفة، فإنّ المساواة بين الرجل والمرأة متحققة وهي المساواة في القيمة والمنزلة والمسؤولية، يقول تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}(44).وكذلك الجزاء بينهما واحد يقـول تعـالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى}(45).
لا شك أنّ مقارنة وضعية المرأة في الجاهلية بوضعيتها في الإسلام يتطلب منا الإحاطة بالظروف الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي ساهمت في خلق الشروط الملائمة لانتقال المرأة من الوضعية الأولى إلى الثانية. ونعتقد أنّ الإحاطة بتلك الظروف سيستلزم منا إقامة دراسة مستقلة بذاتها، ولذلك سنكتفي بتقديم جدول؛ ليقف القارئ على وضعية المرأة في الجاهلية والإسلام:
حقوق المرأة في الجاهلية

حقوق المرأة في الإسلام

1 ـ إنسان غير معترف به قانوناً.
1 ـ إنسان معترف به قانوناً.
2 ـ المرأة متاع يفرض عليها الزواج والزنا.
2 ـ المرأة لها الحق في اختيار الزوج أثناء كتابة العقد
3 ـ ليس لها الحق في الطلاق.
3 ـ لها الحق في الطلاق.
4 ـ لا ترث بل تورَّث كالأرض والماشية.
4 ـ لها حق الإرث والملكية.
5 ـ لا حق لها في الحضانة.
5 ـ لها حق في الحضانة.
6 ـ لا تتصرف في مالها.
6 ـ تتصرف في مالها.
7 ـ أحياناً كانت تدفن حية (وأد البنات).
7 ـ لها الحق في الحياة.
يتضح من خلال ما تضمنه هذا الجدول أننا أمام مقارنة بين امرأتين تعيش إحداهما في الجاهلية والأخرى في الإسلام. وهي مقارنة تفرض علينا "تمثل تصورين مختلفين لمركز المرأة ومكانتها والاعتراف بحقوقها".
بيد أنّ الإسلام يرى من ناحية أنّ المرأة في عرض الرجل ومثله في الإنسانية، بحيث ساوى بين المرأة والرجل في كل الجوانب التي ترتبط بوحدة الأصل والإيمان والتقوى والجزاء أو العقاب على الفعل وفي التكريم أيضاً، ومن ناحية أخرى يميز بينهما في جوانب أخرى يمكننا تحديدها في أربعة: القوامة، والشهادة، والإرث، والطلاق.
ويمكننا القول بأنّ الجوانب الأربعة السابقة الذكر قد حظيت أكثر من غيرها بالتأويل والتفسير والمناقشة لكونها تمثل البؤرة الساخنة داخل النصوص الدينية المرتبطة بالمرأة؛ تلك النصوص التي تحمل مضامين تعبّر عن الفروق الموجودة بين الجنسين، وهي مضامين شكلت مقر خلاف دائم بين مؤيد ومتهم لها.
وعلى كل حال فالإسلام لا يُغفِل الفوارق الفسلجية والسيكولوجيّة الثابتة ـ بحسب طبيعة الخلقة ـ فيما بين الرجل والمرأة، وربما يكون على أساس هذا الاختلاف وقع هذا التمايز الطبيعي.
وهذا أمر أقرته الطبيعة والمختبرات العلمية:
قال الطبيب (جب هارد): "قلّ من النساء من لا تعتل بعلة في المحاض، ووجدنا أكثرهن يشكين الصداع والنصب والوجع تحت السرة، وقلة الشهوة للطعام، ويصبحن شرسات الطباع، مائلات الى البكاء. فنظراً لهذه العوارض كلها يصح القول، أنّ المرأة في محاضها تكون في الحق مريضة، وينتابها هذا المرض مرة في كل شهر، وهذه التغييرات في جسم المرأة تؤثر لا محالة في قواها الذهنية وفي أفعال أعضائها".
وقال الباحث الطبيعي الروسي (انطون نميلاف) في كتابه الذي أثبت فيه عدم المساواة الفطرية بينهما، بتجارب العلوم الطبيعية ومشاهداته: "ينبغي أن لا نخدع أنفسنا بزعم أنّ إقامة المساواة بين الرجل والمرأة في الحياة العملية أمر هيّن ميسور. الحق أنه لم يجتهد أحد في الدنيا لتحقيق هذه المساواة بين الصنفين مثل ما اجتهدنا في روسيا السوفيتية، ولم يوضع في العالم من القوانين السمحة البريئة من التعصب في هذا الباب مثل ما وضع عندنا، ولكن الحق أنّ منزلة المرأة قلّما تبدلت في الأسرة، ولا في الأسرة فحسب بل قلما تبدلت في المجتمع أيضاً".
ويقول في مكان آخر: "لا يزال تصور عدم مساواة الرجل والمرأة ذلك التصور العميق راسخاً لا في قلوب الطبقات ذات المستوى الذهني البسيط، بل في قلوب الطبقات السوفيتية العليا أيضاً"(46).
وقال الدكتور (ألكسيس كاريل) الحائز على جائزة نوبل: "يجب أن يبذل المربون اهتماماً شديداً للخصائص العضوية والعقلية في الذكر والأنثى، كذا لوظائفهما الطبيعية. فهناك اختلافات لا تُنقض بين الجنسين ولذلك فلا مناص من أن نحسب حساب هذه الاختلافات في إنشاء عالم متمدن"(47).
ومن هنا نقول:
إنّ الحديث عن المرأة لا يمكن أن يكون حديثاً مطلقاً، بل هو حديث يتلون ويختلف من مجتمع إلى آخر. ومن هنا علينا أن نراعي نقطتين أساسيتين:
النقطة الأولى: تشخيص الواقع الذي يعيشه المجتمع الإسلامي ـ هنا أو هناك ـ من حيث المستويات: الثقافية، والتربوية، والعلمية، والاقتصادية
النقطة الثانية: بلورة الأحكام الإسلامية ومدى انسجامها شرعياً بعيداً عن الإغراق العرفي (السطحي).
وحديثنا عن المرأة ـ هنا ـ يصب في ثلاث قنوات: {البيت ـ خارج البيت ـ العمل الوظيفي).

دور المرأة في الأسرة:

لا يوجد مجتمع قائم بالفعل إلا وهو مشتمل على بناء أسري بأي شكل من الأشكال، ولقد ألمح كثير من علماء الاجتماع إلى صعوبة إعطاء تعريف شامل للأسرة نظراً لتعدد أنماطها.
ويؤكد علماء الاجتماع على أهمية الوظائف التي تقوم بها الأسرة، والتي ينعكس أثر قيامها بتلك الوظائف على الفرد من: وظائف بيولوجية، وتربوية، ونفسية، واقتصادية، واجتماعية .. فالأسرة الحقيقية هي القادرة على تشكيل الإرادات، واكتشاف الطاقات، والتعرف على القابليات، والميول، والتزويد بالمهارات التي تجعل الإنسان قادراً على التعامل مع الواقع.
فلأهمية الأسرة لم يخصص المشرع الإسلامي حركة الأسرة وإدارتها في جانب المرأة فقط، بل جعل الأدوار والمهمات تأخذ إطار المشاركة في محيط حرٍ نزيه، ولم يقسر على المرأة حق إدارة حركة الأسرة وذلك لأسباب وهي:
1. إنّ الحياة الزوجية تتجسد فيها مبدأ المشاركة بين الزوجين، ولا يصح أمام هذا المبدأ أن يتسلط أحد الشريكين على الآخر. وأما مبدأ القوامة للرجل فهي ليست قوامة شاملة تشمل كل شيء بحيث يكون الرجل هو الأول دائماً، والمرأة هي الثاني دائماً. بل مسألة القوامة مختصة بالدائرة الزوجية، وهي مسألة شخص يتحمل مسؤولية إدارة البيت الزوجي، لأنّ الدائرة الزوجية لا تتسع لشخصين بل لا بدّ من شخص واحد في هذا المجال، ولذلك كانت الولاية للرجل باعتبار بعض الخصائص التي يتمتع بها الرجل تكويناً.
ولو كانت مسألة القوامة (الإدارة) تمثل اختراقاً لإنسانية الإنسان لكان علينا أن نرفض كل المواقع التي يكون فيها المدير المسؤول أولاً، ويكون الآخرون تحت سلطته.
ولا شك أنّ هناك فرقاً جوهرياً بين ولاية الزوج على زوجته، وبين ولاية النبي والإمام والفقيه، فإنّ ولاية النبي والإمام والفقيه على النساء والرجال معاً، ولذلك ليست هناك حالة فيها جانب رجل وامرأة إلا حالة الزواج، ومن هنا فليست القوامة مسألة شخصية، ولكنها ـ كما قلنا ـ إدارة الأسرة.
2. قسر المرأة في زوايا البيت ـ فقط ـ يؤدي بها إلى انحسارها عن وظيفتها في المجتمع الذي أساسه التجانس التكويني والفعلي بين الإنسان وأخيه الإنسان، ذكراً كان أو امرأة.
3. موازنة العوامل النفسية عند المرأة والمحافظة على كيانها الشخصي الإداري بعيداً عن مؤثرات السيطرة.
نعم، هناك مواقع مميزة للمرأة في حركة الأسرة، بل ويتميز على الرجل تميزاً واضحاً وذلك للأسباب التالية:
أولاً: مما لا موضع للجدل أنّ الرسالة الطبيعية للمرأة هي (الأمومة) ولا يكتمل نضج المرأة ونموها النفسي إلا بذلك. وغياب دور الأم يحدث أثراً سيئاً في نفوس الأطفال، ونقصاً في تكوين شخصيتهم، وقد اختصر أحد علماء النفس ذلك قائلاً: "الأمومة ضمان لجيل يمتاز بالاتزان والنضج العقلي".
ثانياً: وصف المشرع الإسلامي المرأة بأنها ( سكن ) في قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}(48). وهذا عنوان تتفاضل فيه المرأة مع الرجل في كونها سبب السكينة والهدوء وإزاحة القلق والاضطراب.
فالأسرة نظام عن طريقه نكتسب إنسانيتنا، ولا يوجد طريقة أخرى لصياغة الإنسان سوى تربيته في أسرة .. ومن هنا يشير الأمام الصادق (ع) إلى أنّ لياقة الأسرة لا تتحدد إلا بقنوات ثلاث: "ثلاثة للمؤمن فيها راحة: دار واسعة تواري عورته وسوء حالته من الناس، وامرأة صالحة تعينه على أمر الدنيا والآخرة، وابنة يخرجها إما بموت أو بتزويج"(49).
ومن هنا تكون الزوجة "المديرة التنفيذية في مؤسسة الأسرة" لما وهبها الله من عواطف رائعة تكيفها في تحمل تربية الأطفال وتتعهد بنموهم البيولوجي والنفسي.
ثم إنّ لياقة الزوجين خاضعة لأساسين مهمين:
1. الرشد الديني والاجتماعي: عندما نتوجه إلى أي دور إداري لا بد وأن تنطبع كلمة الرشد في أفعالنا وشؤوننا. فلا يكفي في حركة الزواج أن يكون الإنسان بالغاً عاقلاً فحسب، بل لا بدّ وأن يتصف بميزة الرشد أيضاً. يقول تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ}(50).
نحن نعلم أنّه لا يشترط ـ فيما يتعلق بالصلاة والصوم وأمثالهما ـ كون الإنسان رشيداً، بل يكفي تحقق العقل وعدم كونه مجنوناً أو غير مدرك برجة كافية لهذه الأحكام.
وإنما يقع (الرشد) في كل ما يقابل (السفه)، فالرشيد هو الذي يملك القابلية على تحمل المسؤوليات والوظائف، وهذه الكلمة يعالجها الفقهاء في مبحث (الحجر) فإنّ الفرد يرفع عنه الحجر إذا كان كامل التمييز وراشداً.
فالإسلام وإن لم يعتبر الرشد من شروط التكليف، ولكنه باصطلاح الفقهاء يعتبر شرطاً لبعض الأحكام الوضعية، وشرطاً لقبول بعض الوظائف والمسؤوليات.. وفي الآية الكريمة يشير عز وجل إلى عدم كفاية البلوغ لوحده في اليتيم ليستقل في تصرفاته، بل يؤكد على ضرورة توافر شرط آخر وهو الرشد، ولا بد من تعريضه للامتحان والتجربة؛ لنكتشف مقدار رشده .. وأظهر شيء هو رصد مبلغ مالي لنرى كيفية تدبيره واستثماره لهذا المال. يقول الصادق (ع): "انقطاع يتم اليتيم بالاحتلام وهو أشده، وإن احتلم ولم يؤنس منه رشده، وكان سفيهاً أو ضعيفاً فليمسك عنه وليه ماله"(51).
وكذلك في مسألة الزواج، لا يرى الإسلام كفاية البلوغ والعقل في البنت والولد ليتمكنا من عقد العلاقة الزوجية بينهما، بل يرى ضرورة وصولهما إلى مرحلة الرشد ليعي وظائف ومسؤوليات هذا التكليف.
فنلاحظ أنّ البلوغ الجنسي لا يكفي بنفسه، بل لا بد أن يتحقق الرشد كشرط لإيداع الثروة بين أيديهم. وأعلى قمة الرشد الديني أن يؤمن الطرفان بدوافع العمل لا بمنافعه من خلال بصيرة المؤمن أن لا عمل إلا بنية صالحة منه، إذ يرفض الإسلام العمل الذي يوجه بعيداً عن هذا الإطار لميول ودوافع خاصة.
ومن هنا يحث الإسلام الدوافع الصالحة للزواج ويحددها بـ (الدين). يقول الرسول الأكرم (ص): "من تزوج امرأة لا يتزوجها إلا لجمالها لم يرَ فيها ما يحب، ومن تزوجها لمالها لا يتزوجها إلا وكله الله إليه، فعليكم بذات الدين".
ولهذا نشأ التناظر الرائع في القرآن الكريم بين الدوافع والمنافع في قوله تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}(52).
ولو تتبعنا آيات القرآن الكريم لعرفنا أنّ الإسلام ينظر إلى الأسرة بدوافعها المعنوية الرسالية بعيداً عن التوجه النفعي الخالص:
{وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}(53).
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}(54).
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}(55).
2. المسؤولية الشرعية والاجتماعية: وتنبثق هذه المسؤولية من خلال درجة رشد الإنسان ووعيه الديني والاجتماعي.
وبغياب هذين الأساسين أو تحركهما في منحنى سلبي يؤذي ذلك إلى عدة أمور:
أ. إنّ غياب الرشد يعرّض الأسرة إلى التهميش والسطحية في درجة الوعي والفكر، مما يخلق حالة من السفه الاجتماعي بصورة مبتذلة، ويؤدي إلى خلق مجتمع فارغ من مقومات النضج الفكري العملي.
ب. إنّ غياب المسؤولية يعرّض الأسرة إلى سلب الحقوق السياسية (المساواة ـ العدالة ـ حق احترام الشخصية ـ حق المشاركة في الحياة العامة ـ اللجوء)، وسلب الحقوق المدنية (التعليم ـ بناء الأسرة).
ومن هنا يظهر خطر ظاهرة (الخادمات) في البيوت التي تنعدم فيها درجة الوعي في الرشد والمسؤوليات. وذلك من خلال عدم وجود تناسق بين شؤون الوافدات كخادمات، وبين شؤون الزوجة كربة بيت وراعية لشؤونه، مما يفقد الطفل حالة التطور في المهارات التي كان يرثها من أمه أو أبيه .. ولا شك أنّ في هذا الجو المختلط سيكتسب مهارات خاطئة وافدة لها عواملها الثقافية والحضارية الخاصة بها من عادات، وتقاليد، وتعليم، وتلقي لا ينسجم فيها مع مجتمعنا هذا.

المرأة والمجتمع:

قبل كل شيء علينا أن نعي التصور الإسلامي لمفهوم الأسرة خلال السرد الموضوعي لآيات القرآن الكريم فإننا نجد ملامحها في ما يلي:
1. إنّ نظام الأسرة تنبثق من معين الفطرة وأصل الخلقة وقاعدة التكوين الأولى للأحياء جميعاً، وللمخلوقات كافة: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}(56).
2. إنّ العالم بأسره ـ في حقيقته ـ ما هو إلا أسرة ممتدة الأطراف ثم نمت واتسعت حتى نشأت منها الشعوب والأمم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}(57).
3. جعل المجتمع العائلي ـ الذي هو نفس الحياة الزوجية ـ قاعدة للمجتمع: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}(58).
4. اعتبر الإسلام العلاقة الجنسية أمراً نظيفاً ومقدساً ويجب أن يمارس بعناية، ودعا الناس إلى تكوين الأسرة بهذه الدعوة الجميلة: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}(59).
فمن المواطن السلبية والتي اعتادتها شريحة كبيرة من المجتمع أن يفصلوا حركة الأسرة عن حركة المجتمع، ويعتبرون حركة الأسرة انتقالية للمجتمع. ومن هنا يضعف توجه كثير من الناس في تفاعله مع حركة الأسرة بالشكل المطلوب .. فينسى أو يتناسى بأنّ حركة الأسرة طريق نكتسب منه إنسانيتنا، بل لا يوجد حضن آخر يعوض عن أهمية الأسرة .. ولهذا لاحظنا أنّ القرآن الكريم ركّز على جانبين مهمين وهما: "مجتمع الأسرة، وأسرة المجتمع".
وبعد ذلك نقول ..
إنّ خطاب التكليف الإسلامي شامل لكلا النوعين عقيدة أو عبادة أو معاملة. أمراً كان هذا الخطاب أو نهياً، حقوقاً أو واجبات .. وجعل الشارع المقدس ميزان الكرامة والفوز هو "التقوى والعمل الصالح" وليس الذكورة والأنوثة؛ لأنهما ـ أي الذكورة والأنوثة ـ أمران قسريان لا يد للإنسان فيهما، ولذلك لا يقبل ـ عقلاً ـ أن يكونا محل مسؤولية وتفضيل، وإنما المسؤولية تقع على الأمور الاختيارية.
ويدل على ميزان التقوى والعمل الصالح قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}(60).
فالقضية -هنا- هي قضية أهلية الأداء، وهي صلاحية الإنسان لأن يؤدي لغيره المطلوبات الشرعية بنفسه، وأن تصبح هذه المطلوبات تصرفاته وما يترتب عليها من آثار .. فالرجل والمرأة متساويان فيها إلا من بعض الاستثناءات الخاصة بكل فرد.
والخطأ الفادح في خلق فوارق جوهرية بين المرأة والرجل أنّ من يسطر التاريخ هو الرجل، مما أوقع التاريخ ضمن ثقافة منحازة واللجوء إلى خلق فارق ثقافي وبيولوجي .. بل تدرجت هذه الثقافة المنحازة في أذهان بعض العلماء والفلاسفة بأنّ جعل المرأة رمزاً للجنس والشيطان .. وساعد تصاعد هذه الأفكار في بعض المجتمعات الإسلامية أيضاً بسبب مظاهر عصر الانحطاط الفكري والاقتصادي والتربوي، فأشعل فتيل الفوارق بينهما بصورة وحشية مما أوقع المرأة في الانطلاق في مظاهر العبودية المقنعة ـ وهي أقصى مظاهر التفرنج ـ وذلك لغياب المشروع الإسلامي في فترة من الفترات.
وقضية أهلية الأداء يشير إليها المشرع الإسلامي بوضوح في قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ...}(61)،حيث تصور لنا دوراً حيوياً للمرأة كفاعلة في استقامة المجتمع من خلال رافد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والذي به تستقيم الفرائض الإسلامية في المجتمع المسلم.
ولا نشك أنّ انكماش المرأة بالكلية في محيط البيت الأسري ـ دونما مشاركة منها في المجتمع ـ يؤدي بها إلى تحجيم كثير من طاقاتها وتقليصها عن فهم كثير من المفاهيم الإسلامية..
فكيف لها أن تحقق الرشد الديني ؟‍!
وكيف تتبلور مسؤولياتها الشرعية ؟‍!
وكيف لها أن تميز دوافع العمل عن منافعه ؟‍!
بل كيف لها ـ وهي تعيش جو الانكماش ـ أن تصنع شباباً ذا جوانب مشرقة ؟‍!
فمن هنا يأتي دور حضور المرأة في المجتمع، عن طريق تواجدها في المنتديات، والحسينيات، والمهرجانات، بل مشاركتها الرجل في صلوات الجماعة ـ كما هو عليه في معظم البلدان الإسلامية ـ .. كل ذلك روافد مهمة تعمق في المرأة درجة الوعي والرشد والمسؤولية ..
ولو رجعنا إلى الإحصائيات التاريخية لأدركنا أثر الإسلام الكبير على المرأة ـ بعد أن كانت آلة للاستضعاف ـ فانتشل حالة الفوضى والتهلهل وعرّف العالم مكانتها وخطرها في موقع الأحداث .. ولا ننسى أنّ أول ناصر دعم حركة نبوة محمد (ص) كانت خديجة، وأنّ أول شهيد قدم دمه قرباناً للإسلام سمية (أم عمار) ..
فقد كانت الصحابيات (رض) يخرجن مع رسول الله (ص) في غزواته لتداوي الجرحى وللتطبيب، أمثال: أم سليط (والدة سعيد بن جبير)، وأم سنان الأسلمية، وأم عطية الأنصارية، وأم أيمن، وليلى الغفارية، وسلمى مولاة الرسول (ص) ... وغيرهن
وكذلك الحال بعد عهد الرسول (ص)، فقد حفظ لنا مواقف رائدة منها:
- موقف الزهراء الخطير (ع) في مساندة زوجها علي (ع) في الأحداث المؤلمة بعد رحيله (ص).
- موقف دلهم بنت عمرو في حث زوجها زهير بن القين على نصرة الحسين (ع).
قال أبو مخنف: "حدّثتني دلهم بنت عمرو امرأة زهير بن القين قالت: فقلت له: أيبعث إليك ابن رسول اللّه ثمّ لا تأتيه؟ سبحان اللّه! لو أتيته فسمعت من كلامه ثمّ انصرفت. قالت: فأتاه زهير بن القين، فما لبث أن جاء مستبشراً قد أسفر وجهه. قالت: فأمر بفسطاطه وثقله ومتاعه فقدم  وحمل إلى الحسين (ع) . ثمّ قال لامرأته: أنت طالق. الحقي بأهلكِ فإنّي لا  أحب أن يصيبكِ بسببي إلاّ خير"(62).
- موقف ابنتها زينب (ع) وكانت سنداً قوياً لا يستهان به لأخيها الحسين (ع) لأحداث ما بعد كربلاء، وكان الشيعة يرجعون إليها في أمورهم.
- أرجع الإمام العسكري أمور شيعته إلى أمه.
روى الصدوق عن أحمد بن إبراهيم قال: دخلت على حكيمة بنت محمد بن علي الرضا، أخت أبي الحسن العسكري (عليهم السلام) في سنة اثنين وثمانين بالمدينة، فكلمتها من وراء الحجاب، وسألتها عن دينها؟ فسمّت لي من تأتم به، ثم قالت: فلان بن الحسن (ع) فسمته.
فقلت لها: جعلني الله فداك معاينة أو خبراً؟
فقالت: خبراً عن أبي محمد (ع) كتب به إلى أمه.
فقلت لها: فأين المولود؟
فقالت: مستور.
فقلت: فإلى من تفزع الشيعة؟
فقالت: إلى الجدة أم أبي محمد (ع).
فقلت لها: أقتدي بمن وصيته إلى المرأة؟
فقالت: اقتداء بالحسين بن علي بن أبي طالب (ع). إنّ الحسين بن علي (ع) أوصى إلى أخته زينب بنت علي بن أبي طالب (ع) في الظاهر، وكان ما يخرج عن علي بن الحسين من علم ينسب إلى زينب بنت على تستراً على علي بن الحسين(63).
لقد استطاع الإسلام بفضل مبادئه وسمو آدابه أن يفجر طاقات المرأة المسلمة ويجعل منها قدوة مثالية لبناء الأمم، في رجاحة العقل وسمو الإيمان وكرم الأخلاق، ولقد سجل التاريخ صفحات رائعة بأمجاد المرأة المسلمة ومواقفها البطولية في نصرة الإسلام، تأخذنا إلى الوقوف عليها بإعجاب وإكبار:
فهذه نسيبة المازنية كانت تخرج مع رسول اللّه (ص) في غزواته، وكان ابنها معها، فأراد أن ينهزم ويتراجع، فحملت عليه، فقالت: يا بني، إلى أين تفر عن اللّه وعن رسوله؟ فردته.
فحمل عليه رجل فقتله، فأخذت سيف ابنها، فحملت على الرجل فقتلته. فقال رسول اللّه (ص): بارك اللّه عليك يا نسيبة.
وكانت تقي رسول الله (ص) بصدرها وثديها، حتى أصابتها جراحات كثيرة(64).
وحجّ معاوية سنة من سنيّه ، فسأل عن امرأة من بني كنانة كانت تنزل بالجحون، يقال لها دارميّة الجحون وكانت سوداء كثيرة اللحم، فأخبر بسلامتها، فبعث إليها. فجيء بها، فقال: ما حالك يا ابنة حام؟
قالت: لست لحام إن عبتني، إنّما أنا امرأة من بني كنانة، ثمت من بني أبيك.
قال: صدقت، أتدرين لم بعثت إليك؟
قالت: لا يعلم الغيب إلا اللّه.
قال: بعثت إليك لأسألك، علامَ أحببت علياً وأبغضتني، وواليته وعاديتني؟
قالت: أوَتعفيني يا أمير المؤمنين.
قال: لا أعفيك.
قالت: أما إذا أبيت، فأني أحببت علياً على عدله في الرعية، وقسمه بالسوية. وأبغضتك على قتال من هو أولى منك بالأمر، وطلبتك ما ليس لك بحق. وواليت علياً على ما عقد له رسول اللّه من الولاء، وعلى حبه للمساكين، وإعظامه لأهل الدين، وعاديتك على سفك الدماء، وشقك العصا وجورك في القضاء، وحكمك بالهوى.
قال: فلذلك انتفخ بطنك.
قالت: يا هذا، بهند واللّه يضرب المثل في ذلك لا بي.
قال معاوية: يا هذه، اربعي، فإنا لم نقل إلا خيراً، فرجعت وسكنت.
فقال لها: يا هذه، هل رأيت علياً؟
قالت: أي واللّه لقد رأيته.
قال: فكيف رأيتيه.
قالت: رأيته واللّه لم يفتنه الملك الذي فتنك، ولم تشغله النعمة التي شغلتك.
قال: هل سمعت كلامه؟
قالت: نعم واللّه، كان يجلو القلوب من العمى كما يجلو الزيت الصدأ.
قال: صدقت، فهل لك من حاجة؟
قالت: أوَتفعل إذا سألتك؟
قال: نعم.
قالت: تعطيني مائة ناقة حمراء فيها فحلها وراعيها.
قال: تصنعين بها ماذا؟
قالت: أغدو بألبانها الصغار، واستحيي بها الكبار، واكتسب بها المكارم، وأصلح بها العشائر.
قال: فان أعطيتك ذلك، فهل أحلّ عندك محل عليّ؟
قالت: ماء ولا كصدّاء، ومرعى ولا كالسعدان، وفتى ولا كمالك.
ثم قال: أما واللّه لو كان علي حيّاً ما أعطاك منها شيئاً.
قالت: لا واللّه ولا وبرة واحدة من مال المسلمين.
واستدعى معاوية امرأة من أهل الكوفة تسمى «الزرقاء بنت عديّ» كانت تعتمد الوقوف بين الصفوف وترفع صوتها صارخة، يا أصحاب علي، تسمعهم كلامها كالصوارم، مستحثة لهم بقول لو سمعه الجبان لقاتل، والمدبر لأقبل، والمسالم لحارب، والفار لكرّ، والمتزلزل لاستقر.
فلما قدمت على معاوية، قال لها: هل تعلمين لم بعثت إليك؟
قالت: لا يعلم الغيب إلا اللّه سبحانه وتعالى.
قال: ألست الراكبة الجمل الأحمر يوم صفين، وأنت بين الصفوف توقدين نار الحرب، وتحرضين على القتال؟
قالت: نعم. قال: فما حملك على ذلك؟
قالت: يا أمير المؤمنين، انه قد مات الرأس، وبتر الذنب، ولن يعود ما ذهب، والدهر ذو غير، ومن تفكر أبصر، والأمر يحدث بعده الأمر.
قال: صدقت، فهل تعرفين كلامك وتحفظين ما قلت؟
قالت: لا واللّه، ولقد أنسيته.
قال: للّه أبوك، فلقد سمعتك تقولين: «أيها الناس، ارعوا وارجعوا، إنكم أصبحتم في فتنة، غشتكم جلابيب الظلم، وجارت بكم عن قصد المحجة، فيا لها فتنة عمياء صماء بكماء، لا تسمع لناعقها ولا تسلس لقائدها. إنّ المصباح لا يضيء في الشمس، وإنّ الكواكب لا تنير مع القمر، وإنّ البغل لا يسبق الفرس، ولا يقطع الحديد إلا بالحديد، ألا من استرشد أرشدناه، ومن سألنا أخبرناه .. أيها الناس: إنّ الحق كان يطلب ضالته فأصابها، فصبراً يا معشر المهاجرين والأنصار على الغصص، فكأنكم وقد التأم شمل الشتات، وظهرت كلمة العدل، وغلب الحق باطله، فإنه لا يستوي المحق والمبطل. أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون. فالنزال النزال، والصبر الصبر، ألا إنّ خضاب النساء الحناء، وخضاب الرجال الدماء، والصبر خير الأمور عاقبة، ائتوا الحرب غير ناكصين، فهذا يوم له ما بعده ».
ثم قال: يا زرقاء، أليس هذا قولك وتحريضك؟
قالت: لقد كان ذلك.
قال: لقد شاركت علياً في كل دم سفكه.
فقالت: أحسن اللّه بشارتك أمير المؤمنين، وأدام سلامتك، فمثلك من بشر بخير، وسرّ جليسه.
فقال معاوية: أوَيسرك ذلك؟
قالت: نعم واللّه، لقد سرّني قولك، وأنى لي بتصديق الفعل.
فضحك معاوية، وقال: واللّه لوفاؤكم له بعد موته أعجب عندي من حبكم له في حياته(65).
وهذه أم وهب ابن عبد اللّه بن خباب الكلبي، قالت لابنها يوم عاشوراء: قم يا بني، فانصر ابن بنت رسول اللّه.
فقال: أفعل يا أماه ولا أقصّر.
فبرز وهو يقول رجزه المشهور، ثم حمل فلم يزل يقاتل، حتى قتل منهم جماعة، فرجع الى أمّه وامرأته، فوقف عليهما فقال: يا أماه أرضيت؟
فقالت: ما رضيت أو تقتل بين يدي الحسين (ع).
فقالت امرأته: باللّه، لا تفجعني في نفسك.
فقالت أمّه: يا بني، لا تقبل قولها وارجع فقاتل بين يدي ابن بنت رسول اللّه، فيكون غداً في القيامة شفيعاً لك بين يدي اللّه.
فرجع ولم يزل يقاتل حتى قتل تسعة عشر فارساً واثني عشر راجلاً، ثم قطعت يداه.
وأخذت أمه عموداً وأقبلت نحوه وهي تقول: فداك أبي وأمي، قاتل دون الطيبين. فأقبل كي يردها إلى النساء، فأخذت بجانب ثوبه وقالت: «لن أعود أو أموت معك».
فقال الحسين (ع): «جزيتم من أهل بيتٍ خيراً، ارجعي الى النساء، رحمك اللّه». فانصرفت. وجعل يقاتل حتى قتل رضوان اللّه عليه(66).
ويمكننا أن نوضح حركة المرأة الشيعية في مختلف المجالات في الجدول البياني التالي(67):

التخصص
العدد
التخصص
العدد
المحدثات عن الأئمة
150
الشاعرات
48
ذوات الفصاحة والبلاغة
20
الفقيهات
12
التضحية والفداء
7
من حضر مع علي في صفين
7
من حضر كربلاء
28


وقد قال السيد الخميني (رض) -يصف تأثير الإسلام على تاريخ المرأة-: "لقد كان النسوة في صدر الإسلام يذهبن إلى الميدان من أجل مداواة الجرحى في الحروب الإسلامية، تبقى النساء مخبآت وتمنع من الخروج ؟! من قال لكم أنّ هكذا شيء يجب أن يحدث ؟! إنهن أحرار كالرجال .. إنّ الإسلام يريد الكمال للرجل والمرأة، فالإسلام أنقذ النساء من تلك الأمور التي كانت سائدة في الجاهلية، تلك الخدمة التي أداها الإسلام للمرأة يعلم الله أنّه لم يؤدها للرجل...".
ولذا كان للوضع المتدني للمرأة في السلّم الاجتماعي أسبابه وعوامله الخطيرة وهي:
1. اضطهاد الرجل للمرأة فيمنع الأب أو الأخ أو الزوج المرأة من حقوقها في التعلم والعمل وممارسة النشاطات الإنسانية في المجتمع.
2. العادات والتقاليد والأعراف والتي تقف عائقاً في وجه تفاعل المرأة في المجتمع وفي مسيرة تقدمه.
ولكنّ هذين السببين وغيرهما غير كافيين لإعطاء تقييم دقيق لهذا التدني، ولهذا يقول أحد الباحثين: "مشكلة المرأة في نظرنا هي بالأساس جزء لا يتجزأ من المشكلة الاجتماعية ككل، وهي في بلادنا جزء لا يتجزأ من مشكلة التخلف الاقتصادي الاجتماعي برمته، إنّ أي معالجة لواقع المرأة العربية بمعزل عن واقع البنية الاجتماعية الاقتصادية في البلاد العربية وبمعزل عن آلية التكوين التاريخي لذلك الواقع، تظل على ما نعتقد هامشية، بعيدة عن أن تمس الجوانب الجوهرية من المسألة".

المرأة والعمل الوظيفي:

قطعت المرأة خطوات كبيرة نحو تحصيل حقوقها وحصلت عليها كاملة في بعض الدول. إلا أنّ لعنة جنسها بقيت تلاحقها في الدول العربية. ونرى ذلك جلياً في عملها (خارج البيت) حيث نرى تصادماً بين مفهومين:
الأول: يشجع المرأة الأم على العمل.
والثاني: يناهض عملها ويرى في ذلك ظاهرة جديدة ومخيفة تهدد الوجود العائلي المستقر.
في الحقيقة إنّ عمل المرأة (الأم) ظاهرة حديثة وقديمة في آن واحد، لأنّها كانت وما تزال تعمل إلى جانب الرجل (الأب) منذ أقدم السنين، فهي ركن أصيل من أركان المجتمع، وعليها تعبر الأجيال الصالحة شرط أن تنجح في التوفيق بين عملها خارج المنزل وداخل المنزل، بحيث إنّ التوازن العام لمبدأ اللحمة العائلية يبقى صلباً ومتيناً.
فكل أم لها الحق بالعمل، لكن عليها أن تدرس هذا الموضوع بجدية لمحاولة التوفيق بين عملها اليومي وجوها العائلي الذي لا يُسمح لها بإهماله خوفاً من حصول انعكاسات سلبية خطيرة.
ولقد تظافرت الآيات والروايات التي تصرح بجواز العمل للمرأة، أما على سبيل المطابقة والتصريح المباشر، أو على سبيل الالتزام، بأن لزم من التصريح بشيء ما القول بالجواز في هذا الأمر..
فأما ما ورد في القرآن الكريم فمنه قوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى}(الطلاق: 6).
فهذه الآية تدل بشكل صريح على جواز أن يستأجر الرجل امرأة لرضاعة ابنه، وهذا يعني بالمؤدى جواز أن تؤجر المرأة نفسها، وهذا ما قامت عليه سيرة المسلمين حتى في العصور المتصلة بعصر الرسول (ص)، حيث كانت المرأة تؤجر نفسها للرضاعة كما فعلت حليمة السعدية، وكما فعل رسول الله (ص) حين استأجر أم سيف لإرضاع ولده إبراهيم.
وأما ما ورد من الروايات فكثيرة:

في مجال الصناعات اليدوية:

1. أم المؤمنين زينب بنت جحش بن رياب، وابنة عمة رسول الله (ص)، أمها: أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم.. فقد كانت السيدة زينب تزاول حرفة يدوية، حيث كانت تدبغ وتخرز وتبيع ما تصنعه وتتصدق على المساكين.
وكان (ص) يقول: >أسرعكن لحوقاً بي أطولكن يداً< وإنّما عنى طول يدها بالمعروف.
قالت السيدة عائشة: فكنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا، بعد وفاة رسول الله (ص) نمد أيدينا في الجدار نتطاول، فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش زوج النبي (ص)، وكانت امرأة قصيرة، ولم تكن أطولنا، فعرفنا حينئذ أنّ النبي (ص) إنّما أراد بطول اليد الصدقة. قال: وكانت زينب امرأة صناعة اليد فكانت تدبغ وتخرز وتصدق في سبيل الله عز وجل(المستدرك على الصحيحين: ج 4 ص 26 ح 6776).
2. وعن جابر بن عبد الله قال: طُلقت خالتي فأرادت أن تجذ نخلها (يقطع ثمارها) فزجرها رجل أن تخرج فأتت النبي (ص) فقال: >بلى فجذي نخلك، فإنك عسى أن تصدقي أو تفعلي معروفاً<( صحيح مسلم: ج 2 ص 1121 ح 1483).
فهذا الحديث يدل على جواز خروج المرأة للعمل الذي لا بد لها منه تخدم فيه زوجها أو تعينه أو تكسب قوتها، فأجاز النبي (ص) لخالة جابر أن تخرج إلى نخلها فتجني ثمارها فتنفع نفسها وتنفع غيرها بالصدقة.
وكانت أسماء بنت أبي بكر، زوجة الزبير، تنقل النوى على رأسها من أرض الزبير وهي بعيدة عنها وكانت تستقي الماء(المغني لابن قدامة: ج 7 المسألة 5696).
3 - كانت ريطة امرأة عبد الله بن مسعود صناعاً، وليس لعبد الله زوجها من مال.
فقالت ذات يوم لزوجها: لقد شغلتني أنت وولدك عن الصدقة فما استطيع أن أتصدق معكم بشيء!
فقال لها عبد الله: والله ما أحب -إن لم يكن في ذلك أجر- أن تفعلي.
فأتت رسول الله (ص) فقالت: يا رسول الله، إني امرأة ذات صنعة أبيع منها وليس لي ولا لزوجي نفقة غيرها، ولقد شغلوني عن الصدقة فما أستطيع أن أتصدق بشيء فهل لي من أجر فيما أنفقت؟
فقال لها رسول الله (ص): >أنفقي عليهم فإنّ لك في ذلك أجر ما أنفقت عليهم<(صحيح ابن حبان: ج 10 ص 57 ح 4247).
فامرأة عبد الله بن مسعود كانت تعمل وتعيل زوجها وتنفق من عمل يدها وصنعتها عليه وعلى أولادها فأخبرها الرسول (ص) أنّ لها في ذلك أجر الصدقة وأقرّها على عملها لمساعدة زوجها الفقير.
وقد قال الإمام الصادق (ع): نهى رسول الله (ص) عن كسب الإماء فإنّها إن لم تجد زنت إلا أمةً قد عرفت بصنعة يد(الوسائل: أبواب ما يكتسب به ب 33).. والنكتة التي تفهم من هذا الاستثناء هي شرف عمل المرأة. فالمرأة التي تتقن عملاً ما تتصف بعزة النفس وتأبى بذل نفسها. ومن الطبيعي أن هذا الاستثناء يشير أيضاً إلى حقيقة أنها إذا كانت ذات شهرة في عملها ويعلم الناس بمهارتها لا تبقى عادة بلا عمل، وإنما يدر عليها عملها عائداً يغنيها عن تدنيس نفسها.

في مجال الغزل والحياكة:

قال الإمام الصادق (ع): قال رسول الله (ص): "علموهن المغزل وسورة النور"( الكافي: ج 5 ص 516، والفقيه: ج 1 ص 374).
وقالت أم الحسن النَّخَعِيَّة: مَرَّ بِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (ع) فَقَالَ: أَيَّ شَيْءٍ تَصْنَعِينَ يَا أُمَّ الْحَسَنِ؟
قُلْتُ: أَغْزِلُ.
فَقَالَ: >أَمَا إِنَّهُ أَحَلُّ الْكَسْبِ<( الوسائل: ج 17 ص 236 ح 22417).
وفي الخبر: مَرَّ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ عَلَى امْرَأَةٍ وَهِيَ جَالِسَةٌ عَلَى بَابِ دَارِهَا بُكْرَةً، وَكَانَ يُقَالُ لَهَا أُمُّ بَكْرٍ وَفِي يَدِهَا مِغْزَلٌ تَغْزِلُ بِهِ، فَقَالَ لَهَا: يَا أُمَّ بَكْرٍ أَمَا كَبِرْتِ أَمَا آنَ لَكِ أَنْ تَضَعِي هَذَا الْمِغْزَلَ؟!
فَقَالَتْ: وَكَيْفَ أَضَعُهُ وَقَدْ سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ (ع) يَقُولُ: >هُوَ مِنْ طَيِّبَاتِ الْكَسْبِ<(م.س: ح 22419).
وكانت السيدة عائشة نفسها تمارس هذه الحرفة(تاريخ بغداد: ج 13 ص 253)، وتقول في شأنه: >مثل المغزل بيد المرأة أحسن من الرمح بيد المجاهد في سبيل الله<.
ويستفاد من روايات أخرى أنّ الصناعات اليدوية كانت حرفة تمارسها جميع النساء في ذلك العصر(الميزان: ج 4 ص 350). وتعود هذه الأعمال في قدمها إلى ما قبل ظهور الإسلام بسنوات مديدة، بل كانت شائعة بين الشعوب الأخر أيضاً.

في مجال التجارة:

ففي حسنة الحسين بن زيد الهاشمي، عن أبي عبد الله (ع) قال: جَاءَتْ زَيْنَبُ الْعَطَّارَةُ الْحَوْلاءُ إِلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ (ص) وَبَنَاتِهِ، وَكَانَتْ تَبِيعُ مِنْهُنَّ الْعِطْرَ، فَجَاءَ النَّبِيُّ (ص) وَهِيَ عِنْدَهُنَّ فَقَالَ: إِذَا أَتَيْتِنَا طَابَتْ بُيُوتُنَا. فَقَالَتْ: بُيُوتُكَ بِرِيحِكَ أَطْيَبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: إِذَا بِعْتِ فَأَحْسِنِي وَلا تَغُشِّي فَإِنَّهُ أَتْقَى وَأَبْقَى لِلْمَالِ... (الكافي: ج 8 ص 153).
ولا شك أنّ هذه الرواية تدل على جواز عمل المرأة، بل وتدل على مخاطبتها الرجال، ومن هذا المنطلق رأى بعض الفقهاء -كالمرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين وغيره- الجواز المطلق من غير كراهة للمخاطبة بين الرجل والمرأة -إن لم يلازمها عنوان ثانوي محرم-، وذلك لعدم تصور خصوصية في المقام لرسول الله (ص).
بالإضافة لهذه الرواية وروايات المغزل، روى الكليني روايتين تدعمان بعضهما البعض، إحداهما صحيحة والأخرى مرسلة -بل يمكن القول بصحة الثانية أيضاً بناء على القول بتصحيح مراسيل محمد بن عمير-.
أما المرسلة فقد ورد عن أبي عبد الله الصادق (ع) أنه قال: دَخَلَتْ مَاشِطَةٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (ص) فَقَالَ لَهَا: هَلْ تَرَكْتِ عَمَلَكِ أَوْ أَقَمْتِ عَلَيْهِ؟ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَعْمَلُهُ إِلَّا أَنْ تَنْهَانِي عَنْهُ فَأَنْتَهِيَ عَنْهُ! فَقَالَ لَهَا: افْعَلِي فَإِذَا مَشَطْتِ فَلا تَجْلِي الْوَجْهَ بِالْخِرَقِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِمَاءِ الْوَجْهِ وَلا تَصِلِي الشَّعْرَ بِالشَّعْرِ(الكافي: ج 5 ص 119).
وأما الصحيحة فقد ورد عن الصادق (ع) في حديث أُمِّ حَبِيبٍ الْخَافِضَةِ قَالَ: وَكَانَتْ لأُمِّ حَبِيبٍ أُخْتٌ يُقَالُ لَهَا أُمُّ عَطِيَّةَ، وَكَانَتْ مُقَيِّنَةً -يَعْنِي مَاشِطَةً- فَلَمَّا انْصَرَفَتْ أُمُّ حَبِيبٍ إِلَى أُخْتِهَا فَأَخْبَرَتْهَا بِمَا قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ (ص) فَأَقْبَلَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ إِلَى النَّبِيِّ (ص) فَأَخْبَرَتْهُ بِمَا قَالَتْ لَهَا أُخْتُهَا، فَقَالَ لَهَا: ادْنِي مِنِّي يَا أُمَّ عَطِيَّةَ إِذَا أَنْتِ قَيَّنْتِ الْجَارِيَةَ فَلا تَغْسِلِي وَجْهَهَا بِالْخِرْقَةِ فَإِنَّ الْخِرْقَةَ تَشْرَبُ مَاءَ الْوَجْهِ(الكافي: ج 5 ص 118).
وقد وردت روايات عديدة حول جواز عمل الماشطة إذا راعت الضوابط الشرعية، وهي لا شك تدل على جواز عمل المرأة، خاصة إذا ضممناها إلى سائر الروايات العامة والخاصة.
وكان يحق للمرأة في عصر الرسالة، بتأييد من الرسول (ص) أن تعمل في التجارة والبيع، فقد جاء في معتبرة عبد الله بن سنان: >إِنَّمَا رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) لِلنِّسَاءِ الْعَوَاتِقِ فِي الْخُرُوجِ فِي الْعِيدَيْنِ لِلتَّعَرُّضِ لِلرِّزْقِ<.

في مجال الأعمال الخدمية:

منها: ما دل على جواز خروج المرأة للحرب لمداواة الجرحى، مع ما في ذلك من أخطار. فقد ورد في موثقة سماعة عن أحدهما -الباقر أو الصادق (ع)- قال: >إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ص) خَرَجَ بِالنِّسَاءِ فِي الْحَرْبِ حَتَّى يُدَاوِينَ الْجَرْحَى، وَلَمْ يَقْسِمْ لَهُنَّ مِنَ الْفَيْءِ شَيْئاً، وَلَكِنَّهُ نَفَّلَهُنَّ<.
فالرسول (ص) أجاز للنساء الخروج للعمل وأعطاهن أجراً على عملهن، وإن لم يكن لهن شيء من الغنائم.
ومنها: ما رواه عبد الله الكاهلي عن الإمام الكاظم: قُلْتُ لأَبِي الْحَسَنِ (ع): إِنَّ امْرَأَتِي وَامْرَأَةَ ابْنِ مَارِدٍ تَخْرُجَانِ فِي الْمَأْتَمِ فَأَنْهَاهُمَا، فَتَقُولُ لِيَ امْرَأَتِي إِنْ كَانَ حَرَاماً فَانْهَنَا عَنْهُ حَتَّى نَتْرُكَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَرَاماً فَلأَيِّ شَيْءٍ تَمْنَعُنَاهُ، فَإِذَا مَاتَ لَنَا مَيِّتٌ لَمْ يَجِئْنَا أَحَدٌ؟!
فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ (ع): >عَنِ الْحُقُوقِ تَسْأَلُنِي؛ كَانَ أَبِي (ع) يَبْعَثُ أُمِّي وَأُمَّ فَرْوَةَ تَقْضِيَانِ حُقُوقَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ<.
وجاء في عوالم العلوم: أنّ رسول الله (ص) أخدم فاطمة ابنته جارية اسمها: فضّة النوبيّة، وكانت تشاطرها الخدمة، فعلّمها رسول الله (ص) دعاءً تدعو به. فقالت لها فاطمة J: أتعجنين أو تخبزين؟ فقالت: بل أعجن يا سيّدتي، وأحتطب. فذهبت واحتطبت.
وكانت امرأة سوداء تنظف المسجد، وعندما توفيت فقدها النبي (ص) فسأل عنها فقيل له: إنها ماتت، فطلب منهم أن يدلوه على قبرها فصلّى عليها.
وروى أبو الشيخ الأصبهاني بإسناده عن عبيد بن مرزوق قال: كانت امرأة بالمدينة تقم المسجد فماتت، فلم يعلم بها النبي (ص) فمرّ على قبرها فقال: ما هذا القبر؟ فقالوا: أم محج، قال: >التي كانت تقم المسجد ؟<. قالوا: نعم، فصفّ الناس فصلّى عليها‏، ثم قال: >أي العمل وجدت أفضل<؟ قالوا: يا رسول الله أتسمع؟ قال: >ما أنتم بأسمع منها<، ‏فذكر أنها أجابته: قم المسجد.
وكان من الصحابيات (الشفاء بنت عبد الله المخزومية) فقد كانت من عقلاء النساء وفضلائهن، أقطعها رسول الله (ص) داراً فنزلتها مع ابنها سليمان، فكانت تأتيها نساء المدينة يتعلمن منها الكتابة، وكانت من بينهن أم المؤمنين حفصة. فكانت دارها مدرسة بالمدينة المنورة. وكانت تخرج مع رسول الله (ص) في غزواته فتداوي الجرحى وكان يأتيها الصحابة في بيتها للتطبيب وقد اشتهرت برقية النمِلة وهي قروح تصيب الجنين. وفي عهد خلافة عمر بن الخطاب ولاها أمر الحسبة.
في مجال تولية الأوقاف والصدقات:
تفيد الروايات المنقولة عن طريق الشيعة والسنة أنّ الزهراء J كانت تتولى أوقاف وصدقات النبي (ص)، وقد نقل المحمدون الثلاثة (الكليني والصدوق والطوسي) رواية صحيحة عن الإمام الباقر تتضمن كتاباً كتبته السيدة الزهراء J، ووقع فيه بعض الصحابة، وهو: >هَذَا مَا أَوْصَتْ بِهِ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ (ص) أَوْصَتْ بِحَوَائِطِهَا السَّبْعَةِ الْعَوَافِ وَالدَّلالِ وَالْبُرْقَةِ وَالْمَيْثَبِ وَالْحُسْنَى وَالصَّافِيَةِ وَمَا لأُمِّ إِبْرَاهِيمَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (ع)، فَإِنْ مَضَى عَلِيٌّ فَإِلَى الْحَسَنِ، فَإِنْ مَضَى الْحَسَنُ فَإِلَى الْحُسَيْنِ، فَإِنْ مَضَى الْحُسَيْنُ فَإِلَى الأَكْبَرِ مِنْ وُلْدِي. شَهِدَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ وَالْمِقْدَادُ بْنُ الأَسْوَدِ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ. وَكَتَبَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ<.
ونقل البزنطي عن الإمام الرضا (ع): >فَلَمَّا قُبِضَ (الرسول (ص)) جَاءَ الْعَبَّاسُ يُخَاصِمُ فَاطِمَةَ J فِيهَا، فَشَهِدَ عَلِيٌّ (ع) وَغَيْرُهُ أَنَّهَا وَقْفٌ عَلَى فَاطِمَةَ J<.
فمن مجموع هذه الروايات والأحداث التاريخية -وغيرها كثير ومستفيض- تدل على خروج المرأة إلى العمل، وإن أدى ذلك إلى مخالطة الرجال، لكن ضمن حدود وضوابط، ولا بد حينئذ من التوقف عند قصة ابنتي نبي الله شعيب (ع) لما فيها من دلالة على تلك الضوابط {وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَينِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَآءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ * فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَآءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَآءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يا أَبَتِ اسْتَأجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ}.
الأول: {قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ}، وفي هذا المقطع بينا سبب ابتعادهما عن الماء أثناء سقي الرجال، فهما لن يسقيا ماشيتهم إلا بعدما يسقي الرعاء مواشيهم، ويغادرون الماء.
وفي جوابهما نرى حرص المرأتين على عدم مزاحمة الرجال، وعدم التغلغل بينهم.
فقد تضطر بعض النساء للعمل، ولكن تختاره بعيداً عن مزاحمة الرجال، كما لاحظنا في عمل المرأتين المؤمنتين، حيث كانتا تأخذان أغناهما إلى أماكن غير التي يأخذ إليها الرجال أغنامهم، وإذا ما اشتركنا مع الرجال في الورود إلى ماء واحد، حرصتا على عدم مزاحمة الرجال، وأبعدتا أغنامهما إلى أن يبتعد الرجال.
الثاني: {وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} وفي هذا المقطع بينا سبب قيامهما بالمهمة الشاقة في رعي الغنم، وكأنهما بهذا الجواب تعتذران عن رعيهما الغنم، فما قامتا بذلك إلا من باب الاضطرار.
الثالث: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} وهنا إشارة إلى أنّ الأديان الإلهية عموماً لا تعارض دخول المرأة إلى الواقع الاجتماعي، وتعاملها مع الآخرين، ولكن بشرط أن يكون تعاملها محاطاً بالأدب والحياء، فهذه ابنة شعيب وهو أحد الأنبياء بعثها أبوها في أمر يجده ضرورياً، وحين لبت كانت متسربلة بالعفة والحياء.
وهنا علينا أن نسأل: هل يحق للمرأة الأم العمل أم لا؟
نجيب: هذا يتعلق فقط بالمرأة التي لها صلاحية الخيار، ولا يحق لنا التدخل في شؤونها التي تعرفها تماماً، والتي من خلالها تستطيع تقرير مصيرها، البقاء في المنزل أم العمل خارج المنزل.
ولذا يتوجب على كل منّا أن يُبعد عنه الأفكار والمعتقدات القديمة التالية:
1 ـ إنّ عمل الأم سوف يؤثر سلباً على تطور الأولاد النفسي والجسدي.
2 ـ أنّ الأم التي تعمل هي أم مضطربة وعصبية، لأنه لا يمكن لها الثبات داخل منزلها فتلجأ إلى الهرب من جوها الذي تعيش ضمنه بحثاً عن العمل الذي يُنسيها بعض مشاكلها.
3 ـ قد يشذ بعض الأولاد من جراء عمل الأم ... والعمل قد ينسيها دورها الأساسي ... كما أن أولادها قد يشعرون بالفراغ الحاصل من جراء عملها.
4 - أنّ عمل المرأة الأم قد يكون طعنة واضحة للعلاقة الزوجية، التي تبدأ بالتفكك والزوال مما يؤثر سلباً على الروابط العائلية، ويؤثر على مستقبل الأولاد.
فهذه المفاهيم غير صحيحة، وعلى كل أُم تعمل خارج منزلها أن لا تصاب بخيبة الأمل وتبدأ بتأنيب ضميرها، وتعتقد بأنها مسؤولة عن كل ما يمكن أن يصيب طفلها من أمراض أو صدمات نفسية نتيجة عملها.
إنّ أكثر الأبحاث العلمية الحديثة قد برهنت عدم تأثير عمل الأم على تربيتها المنزلية، وعنايتها بأولادها، وتأمينها لعناصر الحب والحنان .. كما برهنت نجاح أكثرهن في التوفيق بين عملهن داخل وخارج المنزل.
من جهة ثانية، عليها في حال تصميمها على العمل أن لا تخاف على مستقبل أولادها، وأن لا تفكر في يوم من الأيام بأنهم سيصبحون مجرمين يتعاطون المحرمات، فكم من أم رعت أولادها بشكل سليم ومستمر دون أن يؤثر ذلك إيجاباً على عملية إصلاحهم، فكانوا خارجين عن القانون مجرمين يصعب ردعهم.
إنّ العلاقة المتينة التي تقوم بين الأم وأولادها، لا يمكن أن تتدهور وتنهار نتيجة عمل الأم، فمتانة العلاقة لا تقوم على عدد الساعات التي تقضيها الأم بجانب طفلها، بقدر ما تقوم على صدق وصحة تربيتها، وحبها له.
نعود ونشدد على ضرورة اختيار العمل الذي يتلاءم ومهمة الأم الأساسية داخل المنزل العائلي، مما يسمح لها بتوفير سعادتها وسعادة الآخرين.
الأم التي تتمتع بالحنكة والذكاء تختار ما يناسبها، بحيث لا يؤثر ذلك على قواها الجسدية والعصبية ومن ثم على التوازن العائلي العام.
ولهذا نقول:
إنّ المرأة قد تمتهن عملاً من عمال الكسب أو التطوع في بيتها وبين أهلها، أو في بيت الزوجية -إن كانت متزوجة- كأن تغزل أو تنسج أو تخيط أو تصنع آنية أو غير ذلك، أو تزرع أو تعلم، وهذا كان الغالب على عمل المرأة في الأزمنة القديمة.
وقد تمتهن عملاً يقتضي الخروج من المنزل، والمكث في محل العمل ساعات طويلة. وهذا هو الغالب على عمل المرأة في هذا العصر، حيث قضى التنظيم الجديد للمجتمع وللصناعة وغيرها من الأنشطة الاقتصادية، بالعمل في مجمعات ومؤسسات كبرى، يجتمع العاملون فيها أثناء ساعات العمل.
وهذا التنظيم للعمل يلازمه، غالباً الاختلاط بالرجال الأجانب، أما باعتبارهم زملاء أو رؤساء أو مرؤوسين أو عملاء وزبائن.
ويلازمه أيضاً الاختلاف العرضي الذي ينتج عن الخروج من المنزل إلى ساحة المجتمع، من مصادفة الرجال في الشارع، أو ما يلابس الكون في المجتمع من ملابسات اجتماعية.
وفي حالة ما إذا كانت زوجة وأماً لولد أو أكثر، إنّ عملها في خارج المنزل يقتضي تغيبها عنه، وعن زوجها إذا كان وقت فراغه في وقت عملها.
وهذا يقع البحث في مشروعية عمل المرأة لا من حيث أصله في ذاته، بل من حيث ملازمته بالنسبة إلى الاختلاط مع الرجال الأجانب.
إنّ اختلاط المرأة بالرجال الأجانب في أثناء العمل المهني -بالنسبة إلى الموقف الشرعي- يتصور على نحوين:
1 - تارة يحصل الاختلاط في ظروف وأوضاع مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية في الستر والعفة، فلا يقتصر على شؤون العمل وجدية العمل، بل يتجاوز ذلك إلى أن يكون لقاء عبث ولهو، واستثارة للغريزة تحت ستار العمل.
فتكون المرأة في حالة السفور والتبرج في هيئتها، والميوعة في كلامها وتعاملها مع الرجال في محيط عملها.
وتكون ظروف العمل تقتضي بخلوة المرأة العاملة مع الرجل الأجنبي رئيساً أو زميلاً، بحيث يحتجبان عن أنظار الناس ولا يسمع كلامهما.
وبالجملة: الاختلاط الذي ينتهك فيه ما شرعه الله تعالى في حدود العلاقة بين المرأة والرجال الأجانب، أو يجعل المرأة أو الرجل عرضة لانتهاك حدود الله تعالى في الشريعة.
2 - وتارة يكون الاختلاط ضمن حدود الشريعة الإسلامية وآدابها في علاقات الرجال والنساء في الحياة العامة العملية والاجتماعية.
إذن نوع الاختلاط يؤثر على التكييف الشرعي لعمل المرأة.
فالنوع (الأول) من الاختلاط غير مشروع لحرمة ما يلازمه، سواء كان في مجال مزاولة المرأة لعمل مهني، أو لنشاط اجتماعي أو سياسي، ففي جميع الحالات لا يجوز للمرأة أن تزاول عملاً مهنياً يلازم الوقوع في المحظورات الشرعية.
والنوع (الثاني) من الاختلاط لا دليل على تحريمه في نفسه. بل لقد مرّ من خلال عرض الروايات والسيرة مشروعيته ووقوعه في زمان النبي (ص) وما بعده، واستمر في سيرة المسلمين، في حياتهم العامة، في عهود الأئمة المعصومين E وبمرأى ومسمع منهم.

الضمانات شرعية لتحصين عمل المرأة من الاختلاط المحرم:

وضع الشارع المقدس ضمانات لتحصين المرأة -حين تخرج من بيتها الأبوي والزوجي- من الاختلاط المحرم.
وهذه الضمانات منها ما يشمل الرجال والنساء، ومنها ما يختص بالنساء، ومنها ما يختص بالرجال.
وهذه الأمور -الضمانات التي سنذكرها ليست خاصة بالمرأة العاملة أو المرأة في مجال العمل، بل إنّ ما كان منها خاصاً بالمرأة هو أحكام للمرأة مطلقاً عندما تتصل بالمجتمع خارج الأسرة، وما كان منها عاماً للرجل والمرأة هو ثابت عليهما مطلقاً عندما يلتقيان في أي مجال من مجالات الأنشطة في المجتمع.
فيس هناك شروط خاصة إلا في نطاق الشروط العامة التي تحيط بوضع المرأة في المجتمع، فالإسلام يفرض على المرأة الحجاب، في المجتمع المختلط أو في المجتمع الذكوري، أما في المجتمع النسائي فلا يفرض عليها ذلك، باعتبار أنه لا داعي لحجاب المرأة أمام المرأة.
لقد أمر الله تعالى الناس أن يحافظوا في حياتهم الخاصة والعامة وفي علاقاتهم على نقاوة علاقاتهم من كل فحشاء وريبة.
وهذا يقتضي أن تحرص المرأة العاملة وزميلها ورب العمل، سواء كان شخصاً أو هيئة حكومية أو أهلية، على تهيئة الظروف والمناخات النقية الملائمة والمساعدة على القيام بأنشطة جادة خالية من الملابسات المؤدية إلى ظهور ونمو النزعات المربية والممارسات غير المشروعة، بحيث يتحول مكان العمل إلى مكان للقاء الريبة والعبث، وإنشاء علاقات بعيدة عن علاقات العمل وجديته.
ونتبرك فيما يلي بذكر جملة من الآيات التي تضمنت التوجيه التشريعي في هذا الشأن الذي وضعت الضمانات الشرعية لأجله:
قال الله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ...}.
{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}.
إنّ الفواحش هي المعاصي المستقبحة من قول أو فعل. وما ظهر منها أفعال الجوارح من الأعمال الظاهرة كالقتل والزنى والسرقة ونظرة التشهي والريبة من الرجل إلى الأجنبية ومن المرأة إلى الأجنبي. وما بطن منها هو فعل القلب وأعمال الفكر بالحرام والتخطيط للحرام والحسد ونية السوء.
ولو نظرنا نظرة فاحصة على صحفنا ومجلاتنا الخليجية لرأيتها تنظر إلى المرأة نظرة تقليدية، فهي تركز على قضاياها المتنوعة كزوجة أو ابنة أو مطلقة أو طالبة، فتهتم بقضايا الطلاق والزواج وحقوق المطلقات، وتأخذ موقفاً معادياً من عمل المرأة وتدعوا إلى بقائها في البيت في الوقت الذي تنمي لديها الروح الاستهلاكية من خلال الإعلانات.
فليس من الإسلام أن تنفصل المرأة عن الرجل في الحياة العملية، والواقع التاريخي شاهد بما لا يقبل الشك على مشاركة المرأة للرجل في الحياة العملية، فقد اشتغلت المرأة الإسلامية بمختلف المهن والأعمال، وكان لها حضور فاعل في مختلف ميادين الحياة الاجتماعية، وكانت تسعى بنشاط وجدّ. ومع أنّ متطلبات الزمن لم تكن توجب على المرأة ممارسة تلك الأعمال على الدوام وخاصة الأعمال العسكرية، غير أنّها شاركت فيه بكل فعالية ونشاط.
ومع وجود مصادر كثيرة تتحدث عن حضور المرأة في ميادين الحياة، وعلى الرغم من القدم التاريخي لهذا التقليد الاجتماعي، ولكننا مع ذلك نلاحظ وجود روايات تشير إلى نهي النساء عن مزاولة بعض تلك الأعمال. ويكمن سبب هذا النهي في تعارض المصالح؛ كأن يكون في ممارسة تلك الأعمال أو تعلّمها من قبل النساء تضييع لحق الزوج، أو حصول مفسدة.
ويستدل من كتب التاريخ ومن الروايات الشريفة أنّ المرأة كان لها نصيب لا يستهان به من المشاركة في ميدان الأعمال الاجتماعية. إذ كانت النساء في عصر الرسالة والإمامة يتصدين لحرف وأعمال كثيرة، وينهضن بقطاع أساسي من قوى العمل والتخصص والإنتاج.
كما أنّ المرأة نافست الرجل أيضاً في مجال العلم والتدريس، وتتلمذ عليها أفاضل الرجال وأجازت لهم.
فمن القديم قرأ السيد تاج الدين محمد بن معية الحسيني ـ وهو ممن يروي عنه الشهيد الأول ـ على يد فاطمة بنت الشيخ محمد العكبري، وكانت امرأة فاضلة عالمة فقيهة..
وفي عصرنا الحاضر يروي سماحة المرجع الديني السيد المرعشي عن الفاضلة الفقيهة العلوية الاصفهانية، حيث أجازته بإجازة مفصلة ذكرها السيد المرعشي في ضمن سلسلة إجازاته.
ولم يقف اهتمامها بالعمل عند هذا الحد، بل شاركت في الحروب، وقامت بتمريض الجرحى ورعايتهم طبياً. واهتم البعض منهن في السياسة وأصبحن أعضاء في البرلمانات النيابية وغيرها.. فالمرأة الإسلامية شاركت الحياة العامة مع الرجل سواء في دور العلم أو في مجال العمل.
وسلبية النظرة إلى المرأة العاملة نتاج انتكاس حضاري، مما أثر ذلك على مسيرة الحكم الشرعي تحت ركام من العادات والتقاليد والأعراف والتي يعترف العلماء، في زواياهم العلمية، بأنّها مفاهيم تشكيكية غير محددة سعة وضيقاً، ولهذا نرى وقوع العرف في خلط كثير.
نعم، ربما تزيد مشكلة العمل الوظيفي عند المرأة المتزوجة بسبب التزاماتها الحيوية في الأسرة، ولكن إذا ما اتفق خروج المتزوجة وربة الأسرة إلى العمل الوظيفي فلا بدّ أن توضع استراتيجية في هذا المجال، ويمكن أن نقننها في عدة خطوات:
1ـ أن يتقبل الزوج هذا الحدث وعلى الطرفين أن يدرسا القضية ليهيئا المناخ الملائم كي يتفاديا الأجواء المشحونة في المستقبل.
2ـ أن تقتنع المرأة أنّ عملها الوظيفي ليس أفضل وأنبل من عملها في تربية أبنائها وإدارة أسرتها.
3ـ توافر الأدب والقيم في عملها ومراعاة الاحتشام الشرعي من حجاب وستر وعفة
4ـ أن لا يتعارض عملها مع تربية مولودها، ولها أن تختار السن المناسب لطفلها لكي لا تصل به إلى درجة الحرمان العاطفي.
5ـ أن يكون العمل ملائماً وطبيعة المرأة بحيث لا تقع في مزاحمة الرجال.
ولكن ليس معنى ذلك أن ننسى أو نتناسى الآثار الناجمة عن عمل المرأة، وخاصة في منطقة الخليج العربي.
فقد قام الدكتور عبد العزيز الجرداوي بدراسة >مشكلات المرأة العاملة الكويتية والخليجية واتجاهاتها< وتطرق إلى الآثار الناجمة عن عمل المرأة فحصرها في أمور أربعة:
1ـ انتشار ظاهرة المربيات في الأسرة وآثارها السلبية.
2ـ انتشار ظاهرة الخدم في الأسرة وآثارها السلبية.
3ـ سوء التنشئة الاجتماعية والنفسية للأطفال.
4ـ وجد من خلال الدراسات العملية أنّ المرأة العاملة هي أقل خصوبة وإنجاباً من غير العاملات.
ثم عرض بعض الآثار السلبية لعمل المرأة العاملة الكويتية:
ـ الاستعانة بالخدم 69 %.
ـ قلة الإنجاب 51.4 %.
ـ إهمال 46.8 %.
ـ كثرة المنازعات الزوجية 33.5 %.
ـ قلة الإنتاجية وكثرة الغياب 27.7 %.
ـ تأخر سن الزواج 23.1 %.
ـ زيادة معدلات الطلاق 23.1 %.
لا شك أنّ اختيار المرأة لدورها في الحياة أصبح معقداً إلى حد كبير وذلك لتعرضها لضغوط قوى عديدة:
1- تخضع لضغط التقاليد والطبيعة البيولوجية التي تدفعها في اتجاه الأعمال المنزلية.
2- تخضع للفرص التي أصبحت متاحة أمامها في عالم الوظيفة والعمل والأجر.
ومن هنا فإنها تواجه في اختيارها عقبات نتيجة لأربعة عوامل: >الزواج ـ الأعمال المنزلية الرتيبة ـ إنجاب الأطفال وتربيتهم ـ الوظيفة<.
فالمرأة المعاصرة تواجه عدداً أكبر من المتغيرات بالمقارنة بتلك التي كانت تواجهها في الماضي. فقد كانت الزوجة في الماضي قادرة على إنتاج العديد من السلع التي تستخدمها الأسرة، وقد تحوّل هذا الدور الإنتاجي في الوقت الحالي إلى دور استهلاكي، فهي الآن تجيد فن الشراء.
وأصبحت الزوجة مستقلة إلى حد كبير من حيث التوجيه والمراقبة وأصبح لها حرية أكبر في اختيار القرار.
فعلى المرأة أن تستوعب حركة واقعها وأن تقف بإنصاف وموضوعية إلى ما يحتم عليها الموقف، والوضع جد مهم ويحتاج إلى تكاتف المخلصين من أهل الخبرة، {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}.
وفي الختام علينا أن نقول: إنّ الفكرة التي تحبس دور المرأة في نطاق خاص، أو تحبس دور الرجل في نطاق خاص، هي فكرة غير عملية وغير صحيحة. وقد اعتاد الناس على أن يجعلوا لكل إنسان دوراً بحسب اختصاصه. كما نلاحظ أنّ الناس، في بعض المجتمعات الإسلامية، يحصرون دور الفقيه في العمل الفقهي، ولا يريدون له أن يتدخل في الأعمال الاجتماعية أو السياسية من خلال النظرة التي ترى أنّ الدين لا يتدخل في السياسة. وربما يأخذون على المهندس أن يتدخل في القضايا الخارجة عن اختصاصه إذا كانت لديه إمكانات في تحريك حياته. في هذا الاتجاه. إننا نعتقد أنّ كل إنسان يملك طاقات متنوعة ومتحركة ينبغي له، وقد يجب عليه، أن يحركها بأجمعها لحياة الناس كلها بحسب طاقاته وإمكاناته. وهذا بالنسبة للمرأة قد يكون طبيعياً، لأنّ لها المجال الواسع في ذلك، إذا أحسنت إدارة وقتها واستغلاله كما هو بالنسبة للرجل، لأننا نجد أنّ كثيراً من الأمور التي تستهلك حياتنا يمكننا أن نختصرها وحتى أن نلغي جزءاً منها.
  
الهوامش:
([1]) الروم: 21.
(2) سفر التكوين: الفصل الثالث.
(3) إنجيل متى: الفصل الخامس 7.
(4) إنجيل متى: الفصل السادس 9.
(5) إنجيل يوحنا: الفصل العاشر 137.
(6) الله والإنسان: ص 20.
(7) الحجر: 29.
(8) الإسراء: 70.
(9) المؤمنون: 12 ـ 14.
(10) الأعراف: 10.
(11) البقرة: 31.
(12) البقرة: 30.
(13) الإسراء: 70.
(14) إبراهيم: 32 ـ 34.
(15) طه: 122.
(16) الأنعام: 165.
(17) الأحزاب: 72.
(18) البقرة: 30.
(19) الأنعام: 165.
(20) الشورى: 7.
(21) العنكبوت: 64.
(22) الكهف: 7.
(23) القصص: 77.
(24) البقرة: 214.
(25) مريم: 63.
(26) يرى الإمام السجاد (ع) أنّ المجاهدين قد يعيشون نقاط الضعف البشري التي تجتذب اغراءات الحياة إلى قلوبهم، وتحرك غرائز الحس في نفوسهم، وتوحي بالمخاوف والتهاويل، فتستغرقهم زخارف الدنيا، وتفتنهم بأموالها، فيغيبون في داخلها، وينخدعون بالآمال الطويلة، فينسون الجهاد والتزاماته، والرسالات ومسؤولياتها. فيدعوا لهم بأنّ يجعل الجنة أمامهم في امتدادات أعينهم الباحثة عن الجمال والنعيم الأوفى، كم قد رآها في مساكنهم الخالدة، ولوّح لهم عندما تنطلق الفتنة بما يذوب كلّ سحر لهذه الحياة في أعينهم .. وهكذا هم أبطال التاريخ فقد كان حبيب بن مظاهر يقولها بفخر ليلة العاشر: "وأي موضع أحق بالسرور من هذا؟ ما هو إلا أن يميل علينا هؤلاء بأسيافهم فنعانق الحور" .. وهو نفس الموقف الذي وقفه الحر بن يزيد الرياحي حينما قال: "إنّي أخيّر نفسي بن الجنة والنار والله لا أختار على الجنّة شيئاً ولو أحرقت" ثم ضرب جواده نحو الحسين نحو سعادته الأبدية.
(27) الأحزاب: 72.
(28) البقرة: 30.
(29) الأنعام: 165.
(30) إبراهيم: 32 ـ 34.
(31) الإسراء: 70.
(32) الذاريات: 56.
(33) يس: 60 ـ 61.
(34) النحل: 36.
(35) العلق: 1 ـ 5.
(36) النور: 55.
(37) القصص: 5 ـ 6.
(38) الصف: 9.
(39) طه: 123 ـ 124.
(40) الأنعام: 153.
(41) المؤلفات الكاملة: ص 2464 ـ 2465.
(42) الذرية الطاهرة، للدولابي: ص 95.
(43) الممتحنة: 12.
(44) التوبة: 71.
(45) آل عمران: 195.
(46) الحجاب، للمودودي: ص 256.
(47) الإنسان ذلك المجهول: ص 117.
(48) الروم: 21.
(49) الكافي: ج 5 ص 327
(50) النساء: 6.
(51) وسائل الشيعة: ج 18 ص 409 الحديث 23924.
(52) التوبة: 19.
(53) البقرة: 221.
(54) الروم: 21.
(55) الحجرات: 13.
(56) الذرايات: 49.
(57) النساء: 1.
(58) الحجرات: 13.
(59) الروم: 21.
(60) الحجرات: 13.
(61) التوبة: 71.
(62) تاريخ الطبري: ج 7 ص 290.
(63) كمال الدين: ص 501.
(64) سفينة البحار ج 2 ص 585.
(65) هاتان القصتان (الثانية والثالثة) عن قصص العرب ج 2، وقد نقلتا بتصرف واختصار.
(66) نفس المهموم، للشيخ عباس القمي  بتصرف وتلخيص.
(67) أنظر: أعلام النساء المؤمنات، لأم علي مشكور ومحمد الحسون.

(68) التوبة: 71.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

محرم 1447 في الصحافة الكويتية