تجاذبات معرفية في الخريطة الثقافية
على امتداد تاريخنا الإسلامي كان علماء الدين يشكلون السواد الأعظم في
حركة الفكر والبحث الخطابة، وكانت المساجد كهفاً وملاذاً للعلم والتبليغ الديني،
مما جعل لغة الصفوة هي نفس اللغة التي كان يتحدث بها علماء الدين والدعاة؛ والسبب
في ذلك يرجع -بطبيعة الحال- إلى أنّهم هم الذين شكلوا اللغة السائدة في الأمة،
وعلى ألسنتهم تطورت وتنامت أيضاً
..
بيد أنَّ الزمان اختلف، ولم تعد لغة أهل النخبة -اليوم- كسابق عهدها، بل
تكونت لغتهم عبر جهد معرفي وثقافي متنوعين؛ من خلال تأثير أجهزة الإعلام والصحف
والمجلات والروايات وكتب المعرفة المختلفة، وبفضل طفرة وسائل الاتصالات الحديثة
(عابرة القارات) بحيث أصبح عالم اليوم كقرية معرفية صغيرة تكثفت فيها آراء
واتجاهات وثقافات متنوعة..
وبسبب ثراء الساحة الثقافية وتنوعها، وبسبب الانبهار المعرفي والثقافي،
أضحى الخطاب الثقافي أكثر تعقيداً، وبالتالي شكَّل تحدياً عظيماً لكل من يريد
مخاطبة الناس أو التأثير فيهم، وأسفر ذلك عن وجود حواجز كثيرة بين الخطاب الديني
واللغة المعرفية المعاصرة، فلم تعد للكلمة الملاقاة استقرار في ذهن المستمع وقلبه.
وللأسف ربما يعكس هذا ما يعيشه العالم العربي والإسلامي من استمرار الخطاب
التاريخي السلطوي (الأبوي) والذي يكرَّس في كل يوم، وفي كل محفل. وكما يقول
الأستاذ محمد شومان: "إن تعقيدات الخريطة السياسية العربية بعد ثورات الربيع العربي
وثورة تقانة الاتصال والمعلومات تفرز خطاباً إعلامياً يتسم بالتعدد والصراع، حيث
تتعايش داخله خطابات متصارعة ومتنافسة، وأحياناً متعاونة تنتجها قوى وفاعليات
اجتماعية وسياسية لها مصالح وأيديولوجيات متعارضة".
ولسنا بحاجة إلى أن نذكركم بموقف القرآن الكريم من وصية الله عز وجل لموسى
وهارون عليهما السلام لما بعثهما إلى فرعون: {فَقُولا
لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (طه: 44).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق