الخميس، 6 أبريل 2017

فقه أدب التعايش - ٩

كيف نقلل من خلافاتنا



الاختلاف والمخالفة هو ”أن ينهج كل شخص طريقاً مغايراً للآخر في حاله أو قوله، والخلاف أعم من الضد لأنّ كل ضدين مختلفان، وليس كل مختلفين ضدين، ولما كان الاختلاف بين الناس في القول قد يفضي إلى التنازع استعير ذلك للمنازعة والمجادلة، قال تعالى: ﴿فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ، ﴿وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، ﴿إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ، ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ. وعلى هذا يمكن القول بأنّ الخلاف والاختلاف يراد به مطلق المغايرة في القول أو الرأي أو الحالة أو الهيئة أو الموقف“.
فالخلاف والاختلاف معناهما واحد، سواء أكان في اللغة أم في الاصطلاح، ويظهر ذلك في كلام بعض العلماء من اللغويين والأصوليين والفقهاء، فهم يستعملون أحياناً اللفظين بمعنى واحد، فكل أمرين خالف أحدهما الآخر خلافاً، فقد اختلفا اختلافاً.
ومبدأ الاختلاف بين بني البشر، قديم قِدَم الإنسان على هذه الأرض، حيث أشار سبحانه بقوله: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. فاختلاف مدارك الناس وطباعِهم، ومصالِحهم، وبيئاتهم من جهة، واختلاف الظواهر الكونية من حولنا من ليل ونهار، وبر وبحر،... من جهة أخرى، يفرض علينا تصحيح نظرتنا إلى حقيقة الاختلاف، إذ هو آية من آيات الله في الآفاق، وفي الأنفس ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْعَالِمِينَ.
ومن تجليات الرحمة في آية الاختلاف، ما أثبتته الدراسات «السكيواجتماعية» من أنَّ القدرات العقلية للفرد، لا يمكنها أن تتطور إلا مع الآخر المختلِف، أي في ظل التدافع المعرفي، والجدال العلمي، بوصفه المجال الأفضل للتطور الذهني والمعرفي، وتؤكد نتائج الأبحاث الميدانية - في مجالي: التربية، وعلم النفس - على أنَّ التقدم المعرفي، وإثراء الفكر، لا يحصل، إلا إذا وجد الأفراد أنفسهم في وضعيات اختلاف ومواجهة، مع أفراد متنوعي المستويات والتوجهات.
والاختلاف لا يمكن فهمه - كما يقول المفكر علي حرب - ”إلا بوصفه نتاجاً للعقل والتاريخ، أي بكونه قد نشأ عن اختلاف الظروف والشروط، وتفرق الأهواء، وتباين الطرق. فهو ليس علامة خطأ أو انحرف، بل شاهد على ناسوتية الشرائع والعقائد، إلا إذا اعتقدنا مع كل فرقة بأنّ مذهبها، وحده، هو الصحيح والمطابق للشريعة الوحي. والتسليم بذلك معناه ومآله أن يضع كل واحد نفسه في دائرة الإيمان، ويصنّف جماعته في حظيرة الإسلام، وأن يرمي، بالمقابل، من يخالفونه في دائرة المغايرة المطلقة، متهماً إياهم بالبدعة والضلالة، أو بالمروق والزندقة“.
فليست مشكلتنا في أننا لا نعرف كيف نتفق، بل المشكلة في أننا أصبحنا ننتج الخلاف، ومن هنا لا نعرف كيف نختلف، ولا نعرف كيف ندير خلافاتنا، لأننا إذا تعلمنا كيف ندير خلافاتنا فإنها لن تتحول إلى شيء يهدم حياتنا وحضارتنا، بل تتحول إلى شيء يغني ذلك كله ويشق الطريق نحو ما نلتقي عليه ويفتح العقل على الحوار فيما نختلف فيه.
فالتنافس من أجل السيطرة، وتسلّم زمام الأمور، أدَّى على مدار التاريخ إلى أسوأ أنواع الصراع؛ يقول ﷺ: ”ما اختلفت أمة بعد نبيّها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها“؛ لأنّها فقدت التَّوازن، وعندما تفقد الأمَّة توازنها، فإنَّ من الطّبيعيّ أن يهيمن أصحاب الباطل على أصحاب الحقّ.
يقول السيد محمد حسين فضل الله: ”نحن نعيش الخلافات في الواقع الإسلامي كله، سواء الخلافات المذهبية أو العرقية أو الحزبية أو ما إلى ذلك، بفعل العصبيات التي استحدثناها، بحيث يستغل أهل الباطل هذا الصراع الداخلي الذي يدفع المسلمين إلى أن يقتلوا بعضهم بعضاً، ويكفِّروا بعضهم بعضاً، ما يفسح المجال أمام أهل الباطل للسيطرة على الواقع كله؛ لأنَّ أهل الحق مشغولون بعصبياتهم وخلافاتهم“.
وفي حديث الإمام عليّ  لأصحابه، يخبرهم عن غلبة جيش معاوية: ”وَإِنِّي وَالله، ِ لَأَظُنُّ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ سَيُدَالُونَ مِنْكُمْ؛ بِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى بَاطِلِهِمْ،  وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ، وَبِمَعْصِيَتِكُمْ إِمَامَكُمْ فِي الْحَقِّ، وَطَاعَتِهِمْ إِمَامَهُمْ فِي الْبَاطِلِ، وَبِأَدَائِهِمُ الْأَمَانَةَ إِلَى صَاحِبِهِمْ وَخِيَانَتِكُمْ، وَبِصَلَاحِهِمْ فِي بِلَادِهِمْ وَفَسَادِكُمْ“.. فهؤلاء القوم وإن كانوا في خطِّ البغي والباطل، إلا أنهم اتَّفقوا على طاعة أميرهم، وأدّوا إليه الأمانة، وأصلحوا أمرهم معه. أمّا أنتم، فقد تفرَّقتم عن الحقّ، وعصيتم إمامكم، وابتعدتم عن أداء الأمانة، وأفسدتم كلّ أمركم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

محرم 1447 في الصحافة الكويتية