الأربعاء، 26 يوليو 2023


 

عاشورائيات 8

 

 

.. تدبر العواقب ..

في الرواية المعتبرة عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام: إِنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَوْصِنِي. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله: "فَهَلْ أَنْتَ مُسْتَوْصٍ إِنْ أَنَا أَوْصَيْتُكَ". قال: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله: "فَإِنِّي أُوصِيكَ إِذَا أَنْتَ هَمَمْتَ بِأَمْرٍ فَتَدَبَّرْ عَاقِبَتَهُ، فَإِنْ يَكُ رُشْداً فَامْضِهِ، وَإِنْ يَكُ غَيّاً فَانْتَهِ عَنْهُ" [الكافي: ج 8 ص 149].

وفي رواية أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام، عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: "إِذَا هَمَمْتَ بِأَمْرٍ فَتَدَبَّرْ عَاقِبَتَهُ، فَإِنْ يَكُ خَيْراً أَوْ رُشْداً اتَّبَعْتَهُ، وَإِنْ يَكُ شَرّاً أَوْ غَيّاً تَرَكْتَهُ" [الفقيه: ج 4 ص 410].

وفي وصية الإمام علي عليه السلام لولده محمد بن الحنفية: "أَلا وَمَنْ تَوَرَّطَ فِي الأُمُورِ غَيْرَ نَاظِرٍ فِي الْعَوَاقِبِ، فَقَدْ تَعَرَّضَ لِمُفْضِحَاتِ النَّوَائِبِ، وَالتَّدْبِيرُ قَبْلَ الْعَمَلِ يُؤْمِنُكَ مِنَ النَّدَمِ، وَالْعَاقِلُ مَنْ وَعَظَتْهُ التَّجَارِبُ، وَفِي التَّجَارِبِ عِلْمٌ مُسْتَأْنَفٌ" [الفقيه: ج 4 ص 388].

لو تأملنا هذه الوصايا، لرأينا أنّه من الضروري أن يلتزمها الإنسان ويحتكم إليها في كل قضايا الحياة، وفي كل ما يريد أن يأخذ به الإنسان من خيارات؛ لأنّ لكل شيء من الأشياء بداية ونهاية.

قد تكون البداية (جيدة) ولكن النهاية (سيئة)، ربما يجد الإنسان بداية الأشياء حلوة ولكن نهايتها مرة، وكم من الناس الذين فرحوا كثيراً عندما حصلوا على بعض ما كانوا يأملون، ولكن النتيجة كانت حزناً وبكاء.

ومن الواضح أنّ التزام الإنسان بهذا الخط، يجعله يتفادى الكثير من النتائج السيئة في الدنيا والآخرة، لذا لا بدّ للإنسان من أن يدرس ذلك جيداً..

إذا أردت أن تدخل في مشروع شخصي لحياتك، كمشروع زواج -مثلاً- عليك أن لا تنظر إلى ما يشوِّقك في الإنسان الآخر من جمال الوجه أو غنى المال أو ما إلى ذلك..

إذن ما الذي عليك أن تنظره؟!

عليك أن تنظر إلى النتائج التي يمكن أن تحصل لك من هذه العلاقة الإنسانية.

وكيف يكون ذلك؟

أن تدرس الخصائص والعناصر الموجودة لدى هذا الإنسان، هل هي العناصر التي تؤدي بك إلى الحياة الزوجية السعيدة أو لا تؤدي بك إلى ذلك؟

إذن: لا تستعجل في قرارك وتنطلق فيه من موقع عاطفي، أو من ضغوط اجتماعية أو عائلية؛ لأنّ العواقب عندما تكون سيئةً فإنّها قد تدمّر لك حياتك وحياة الإنسان الآخر.

وحتى تنطلق في هذه الحياة، وتعمِّر للآخرة جيداً، فما عليك إلا أن تستفيد من تجارب الحياة لتتقدم، وتسعى في الدنيا وأنت مطمئن، وتترقى في الآخرة بإذن الله لأنّ الميزان الإلهي في القرآن يقول {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا}.

ويتفق معظم علماء الإدارة على أنّ (التخطيط) عملية تتعلق بالمستقبل، وتتنبأ به وتتوقعه ويجب أن تكون (المرونة والدقة) من أهم سمات التخطيط؛ فـ(المرونة) تحسباً لما قد يطرأ في المستقبل من تغييرات غير متوقعة، و(الدقة) لضمان تحقيق الأهداف التي يسعى التخطيط لتحقيقها ومن هنا فالتخطيط هو: "عبارة عن عملية اتخاذ قرارات لتحديد اتجاه المستقبل".

تأملات على مستوى المصلحة العامة:

عندما تتعارض مصلحة الفرد مع المصلحة العامة فإنه يجب خضوع مصلحة الفرد للمصلحة العامة. أي أنه يجب على كل قائد تربوي أن يجعل مصلحة الوطن والأمة في المقام الأول.

ومن هنا عندما ننفذ إلى الواقع الاجتماعي، ولا سيما في المسائل التي لها صلة بتأييد شخصية اجتماعية معينة أو رفضها، بحيث يترتب على أساس ذلك نتائج سيئة أو حسنة.

ففي هذه المسألة علينا أن ندرس العواقب، ونتساءل لو أنّ فلاناً أصبح رئيس جمعية أو رئيس قبيلة وعائلة أو أصبح الشخص المبرَّز في هذا الجانب الاجتماعي أو في ذاك الجانب، ماذا يحدث؟ هل سيصلح أمر العائلة والقبيلة والجمعية أم يفسد؟

إذاً لا بدّ أن تتخذ قرارك من خلال التفكير في النتائج التي يؤدي إليها خيارك أنت. لا تنظر إلى أنّ هذا الإنسان المرشَّح للجمعية أو ما إلى ذلك أنّه ابن عائلتك أو صديقك أو قريبك، أو أنّه من جماعة السياسي الفلاني أو ذاك، بل انظر إليه من خلال مسؤوليتك عن قرارك في القضايا الاجتماعية بما يحقق للمجتمع سلامته وبما يرفع مستواه.

وكذلك الأمر عندما تهم بتأييد شخص في المسألة السياسية أو برفض شخص آخر، فلا يكن همك محصوراً بتحقيق مصالحك، أي كم تنتفع من هذا شخصياً أو لا تنتفع، أو مصالحك العائلية، باعتبار هذا المرشح ابن عائلتك أو ابن بلدك.

إذن فكّر ما هي المصلحة السياسية للأمة عندما ينجح هذا أو عندما يفشل ذاك، لأنّك سوف تتحمل المسؤولية في الدنيا أمام الأمة التي خذلتها في التصويت لمن لا يستحق أن يكون نائباً عنها، أو خذلتها برفض التصويت لمن يستحق أن يكون نائباً عنها.

حتى على مستوى المرجعية يقول الشيخ عباس القمي في ترجمة السيد محمد الطباطبائي الفشاركي: "كان من خواص أصحاب سيدنا الأستاذ المجدد وأهل مشورته في الأمور العامة والمصالح النوعية الدينية إلى أن توفي سيدنا في شعبان سنة 1312هـ، فجاء جماعة من الأفاضل الذين كانوا يعتقدون أنه الأعلم بعد السيد الأستاذ وسألوه التصدي للأمور، فقال رحمه: أنا أعلم أني لست أهلاً لذلك؛ لأنّ الرياسة الشرعية تحتاج إلى أمور غير العلم بالفقه والأحكام، من السياسات ومعرفة واقع الأمور وأنا رجل وسواسي في هذه الأمور، فإذا دخلت أفسدت ولم أُصلح ولا يسوغ لي غير التدريس، وأشار عليهم بالرجوع إلى جناب الميرزا محمد تقي الشيرازي".

وهكذا بالنّسبة إلى التحديات التي تواجه المسلمين من خلال الذين يخطّطون لإسقاطهم، إذ لا بدَّ لنا من أن ندرس خلفيّات هؤلاء والخطّة التي يرسمونها من أجل إسقاط الواقع الإسلامي، ولذلك أراد الله تعالى من المسلمين أن يصبروا: {وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ}، أن لا تندفعوا بطريقة عشوائية، ولكن تماسكوا وادرسوا الموضوع بهدوء؛ لأنّ الإنسان عندما يصبر، فإنه يستردُّ عقله، لذلك فإنَّ دور الصبر هو أن يجعلك تفكِّر، ويجعلك ترسم الخطة وتواجه الخطة الأخرى.

والتقوى هي أن تخطِّط بالوسائل وبالطريقة التي تستطيع من خلالها أن تصل إلى النتائج من أقرب طريق، {فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُور}.

فالصبر لا يُمثِّل ضعفاً للصابر كما قد يُخيّل للناس؛ لأنّ الصبر هو الذي يجعل الإنسان يقود حياته ولا يجعل الحياة تقوده، لأنه يتّصل بمسؤوليّاته في طاعة الله تعالى، وفي البعد عن معصيته في مواجهة البلاء. ولهذا، فإنَّ الله سبحانه وتعالى لم يجعل قيمة من كلِّ القيم في مستوى قيمة الصبر.

لذلك، فكّر عندما يقول لك الشيطان إنّ "في الخمر ربحاً أو في تجارة الميتة أو في المخدرات ربحاً".

قل له كما قال الحر بن يزيد الرياحي عندما عُرض عليه أن يترقى في مناصبه إلى أعلى الدرجات مقابل أن يشارك في الحرب ضد الحسين عليه السلام: "إنّي أخيّر نفسي بين الجنة والنار، فوالله لا أختار على الجنة شيئاً ولو قُطّعت أو حرّقت".

وبالموقف ذاته، عليك مقابلة الناس الذين يدعونك للانتماء إلى الظالمين ولأن تساعدهم وتحارب في سبيلهم وتبرّر ظلمهم، لتكون من أعوان الظلمة، فهنا عليك أن لا تفكر في ما تحصل عليه من ربح سريع، ولكن عليك أن تفكر في الخسارة في الدار الآخرة، وتلك هي الخسارة كل الخسارة، فقد قال الله تعالى: {إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}، فما قيمة أن تحصل على حفنة مال من الحرام مقابل أن تخسر نفسك عندما تضيّع الجنة وتهوي إلى النار؟!

نعم إذا كنت مثل علي بن يقطين الذي قال فيه الإمام الكاظم عليه السلام: "يا عليّ، إنَّ لله تعالى أولياء مع أولياء الظَلَمة ليدفع بهم عن أوليائه، وأنت منهم يا عليّ" [الكشي: 367].

وأنَّه كتب إلى أبي الحسن موسى عليه السلام: "أنَّ قلبي يضيق مما أنا عليه من عمل السلطان، فإن أذنت لي -جعلني الله فداك- هربت منه، فرجع الجواب: لا آذن لك بالخروج من عملهم واتّقِ الله" [قرب الإسناد: 170].

أنصار الحسين:

وهم الذين وصفهم الحسين عليه السلام بقوله: "اللهم إني لا أعرف أهل بيت أبرَّ ولا أزكى ولا أطهر من أهل بيتي ولا أصحاباً هم خير من أصحابي".

كان فيهم زهير بن القين الذي كان يملك المال والعيال والزعامة في قومه، والوجاهة في بلده فما أسره المال ولا العيال.

ينزل الحسين في زرود، وينزل بالقرب منه زهير بن القين البجلي، وكان غير مشايع له ويكره النزول معه، ولكن الماء جمعهم في هذا المكان.

روى السدّي عن رجل من بني فزارة كان يرافق زهيراً في السفر الذي التحق فيه بالحسين، قال: كنّا مع زهير بن القين البجلي رحمه الله حين أقبلنا مكة نساير الحسين عليه السلام، فلم يكن شيء أبغض إلينا من أن نسايره في منزله، فإذا سار الحسين عليه السلام تخلّف زهير بن القين، وإذا نزل الحسين تقدم زهير، حتى نزلنا يومئذ في منزل لم نجد بدّاً من أن ننازله فيه، فنزل الحسين عليه السلام في جانب ونزلنا في جانب، فبينا نحن جلوس نتغذى من طعام لنا، إذ أقبل رسول الحسين عليه السلام حتى سلّم ثمّ دخل، فقال: يا زهير بن القين، إنّ أبا عبد اللّه الحسين بن علي عليه السلام بعثني إليك لتأتيه. قال: فطرح كل إنسان ما في يده حتى كأنّنا على رؤوسنا الطير.

فقالت دلهم بنت عمرو امرأة زهير بن القين: أيبعث إليك ابن رسول اللّه ثمّ لا تأتيه؟ سبحان اللّه! لو أتيته فسمعت من كلامه ثمّ انصرفت.

فأتاه زهير بن القين، فما لبث أن جاء مستبشراً قد أسفر وجهه.

فأمر بفسطاطه وثقله ومتاعه فقدم... وحمل إلى الحسين عليه السلام. ثمّ قال لامرأته: الحقي بأهلكِ فإنّي لا  أحب أن يصيبكِ بسببي إلاّ خير.. وقد عزمت على صحبة الحسين عليه السلام لأفدِّيه بنفسي وأقيه بروحي. ثمّ أعطاها مالها وسلّمها إلى بعض بني عمّها ليوصلها إلى أهلها، فقامت إليه وبكت وودّعته وقالت: كان الله عوناً ومُعيناً ، خار الله لك. أسألك أن تذكرني في القيامة عند جدّ الحسين عليه السلام.

ثمّ قال لأصحابه: مَن أحبّ منكم أن يتبعني وإلاّ فإنّه آخر العهد. إنّي سأحدّثكم حديثاً. غزونا بلنجر ففتح اللّه علينا وأصبنا غنائم، فقال لنا سلمان الباهلي -وفي روايات أخر سلمان الفارسي-: أفرحتم بما فتح الله عليكم وأصبتم من المغانم؟ فقلنا: نعم. فقال: إذا أدركتم سيد شباب آل محمّد عليه السلام فكونوا أشد فرحاً بقتالكم معهم بما أصبتم من الغنائم. فأمّا أنا فإنّي استودعكم الله.

(زاهر بن عمرو الكندي) صاحب عمرو بن الحمق..

لقد توحد الأنصار بالحسين عليه السلام، وتوحدت مواقفهم ودماؤهم وكلماتهم، وتوحد الصدق في عهدهم، ولقد قال لهم الإمـام عليه السلام بكل وضوح: "إنكم تقتلون غداً لا يفلت منكم رجل".

فقالوا: الحمد لله الذي أكرمنا بنصرك، وشرّفنا بالقتل معك.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

محرم 1447 في الصحافة الكويتية