الخميس، 9 مارس 2017





فقه أدب التعايش 2: الفقيه والمفكر

إنَّ القضايا المشتركة التي يتنافس عليها الفقيه والمفكِّر هي تلك التي لها علاقة بالمجتمع، وهي - في الغالب - لها دلالات ومعايير تتعلق بمنظومة القيم والسلوك، كحقوق الإنسان، والمرأة، والمواطنة، والقومية، والدستور، والعلاقة مع الغرب ومنتجاته الثقافية والمادية،... وغيرها من المسائل الاجتماعية والسياسية.
وبالتالي فإنّ لكل من الفقيه والمفكِّر رسالته في الإصلاح الاجتماعي، وذلك انطلاقاً مما يحملانه من ركائز معرفية متقاطعة، واختلاف المعايير المتَّبعة في التفكير، مما يجعل رهانهما لحلِّ المشكلة الاجتماعية مختلفاً.
فبينما يستعين الفقيه بكلِّ أدوات التحقيق البيانية من السند والدلالة اللغوية لفهم «النص الديني»، فإنَّ المفكِّر - في المقابل - يوظِّف كلَّ الوسائل العلمية التي تتكفل بها العلوم الإنسانية كعلم الاجتماع والنفس والتاريخ والاقتصاد والإحصاء وغيرها في صورة توليف بين «التجربة البشرية» وموجِّهَات «النص» لتحقيق هدفه في الرهان.
فإذا كان الفقيه يلجأ - مثلاً - لحلِّ مشكلة المخدَّرات بالوعظ والتحذير دون اللجوء إلى الطرق العلمية المساعِدة، فإنَّ المفكِّر يلجأ في علاجه إلى البحث عن الأسباب والعوامل الكامنة وراء هذا الفساد لتغييرها، كأن يرى أنَّ المشكلة الأساسية تكمن في الجفاف العاطفي للأسرة، أو البطالة، أو صعوبة الزواج لغلاء المهور، أو للكثافة السكانية، أو غير ذلك؛ فهو يستخدم الوسائل العلمية في الإصلاح، ويعتمد على التخطيط قبل القيام بخطواته في التغيير.
وكما يختلف الفقيه والمفكِّر في مثل هذه القضايا، فهما يختلفان - أيضاً - في قضايا متجذِّرة وعميقة كمفهوم «التعايش» الذي يرى الفقيه من خلالها حاكمية الدين على هذا المفهوم، بينما يرى المفكِّر أن لا دخل للدين بحكومته على مثل هذا المفهوم بل هو عهد بين الشعب والقانون.
في ظلِّ ذلك يكون لزاماً على أهل البصيرة والوعي من علماء الأمة ومفكريها ومثقفيها، أن يقفوا مليّاً أمام هذه الظواهر ويتداعوا لدرس مخاطرها. ولعل بداية إفرازات هذه الظاهرة انطلقت من التراكمات التاريخية المشبعة بالقراءة «العاطفية»، في حين أنَّ التاريخ لا يُقرأ بعاطفة؛ لأنّ العاطفة في جانبها الإيجابي «المحبة» أو السلبي «الكراهية» تُعمي وتُصم، وإذا استحكمت بالإنسان منعته من الرؤية الصحيحة للأحداث، ولذا فإنَّ القراءة التحليلية لأحداث التاريخ إنما تكون ناجحة بمقدار ابتعادها عن المنحى العاطفي في تفسير الأحداث، واعتمادها المنهج النقدي الموضوعي.
هذه القراءة المشوبة بالعاطفة هي التي ”جعلت بعض الخطوط الاجتهادية تنفتح على بعض المفردات الموجودة لدى هذا الفريق أو ذاك الفريق لتسارع إلى وضعها في سياق الكفر، ثم تعمل للبناء على النتائج التي تترتب على هذا الكفر المفترض من إبعاد إلى نفي وإقصاء، وصولاً إلى ما هو أبعد من الطرد والرفض في الرأي أو ما إلى ذلك. هذا مع العلم أنَّ المجالات الاجتهادية تفرض عدم الحكم بالتكفير إلا من خلال إنكار الثوابت الأساسية بشكل مباشر. أما إنكار الضروري من الدين فلا بدَّ من تتبع مضامينه وخلفياته“.
يقول الله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ فالفقيه والمفكر ظاهرتان حيويتان عندما تتحركان في الواقع، فإنهما تعطيان اندماجاً روحياً وعقلياً وحركياً، من  خلال شعورهما بالقاعدة المشتركة، وبالوحدة التي تضم الطرفين، في تكامل وتفاعل معاً. مما يجعلنا بحاجة إلى توسعة المصادر المعرفية في الحوزة قبل غيرها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

محرم 1447 في الصحافة الكويتية