فاطمة أم أبيها ورسالة عيد الأم
في مناسبة عيد الأم، تقام الاحتفالات بهذه المناسبة تكريماً للأمّ، فهل هذه الاحتفالات جائزة من النّاحية الشرعية؟
نقول: لا مانع من تكريم الأم، وإظهار الاهتمام بالاحتفال بها، ويؤجر الإنسان إن قصد إدخال السّرور عليها بذلك.
وقد أعطى الإسلام للأم مكانة تتميز عن مكانة الأب في معنى البرّ والعاطفة والإحسان؛ لأنّ الأم هي التي تبذل في صناعة الحياة للولد كلَّ الجهد، وتتحمل كل الثقل والتعب وكل الرعاية، فهي التي تحمل الولد وتغذيه من كل جسدها، وهي التي تواجه الخطر على حياتها عند الوضع، ومن ثم يأتي دور الرضاعة والحضانة، حيث يقيد الطفل حرية الأم في الحركة ويضيّق عليها الكثير من المساحة التي تتحرك فيها.
ولا يتطلب تكريم الأمّ ورجحان ذلك، ورود نص خاص يبيح الأمر، بل هو يتوافق مع المفهوم الإسلامي في برّ الوالدين والإحسان إليهما والتواضع لهما ورعاية حقوقهما وتقدير جهودهما وحفظهما، ووقوع ذلك في اليوم الذي اعتبر عند الناس عيداً لها لا يضر ولا يتنافى مع الشرع، فما يتنافى معه، هو أن نشرّع عيداً جديداً له أحكام العيد، وهذا غير حاصل. وبعبارة أخرى، هناك عيد بالمعنى الشرعي الإسلامي، وهناك عيد بالمعنى العام، أي المناسبة التي تعتبر لتكريم شخص أو وطن أو عنوان أو نحو ذلك.
ومن الجيد الاهتمام بالأم والعمل على تكريمها في يوم معيّن، هو يوم عيدها الذي تعارف عليه الناس رغم عدم وروده في شرعنا.
ويرى فقهاء أهل أهل السنّة، أنّ الاحتفال بيوم الأم ضمن الأطر الشرعية، أمر جائز شرعاً، لا مانع منه ولا حرج فيه، والبرّ مطلوب كل الأيام، والإحسان مفروض في كل وقت.
ويرى البعض الآخر أنّ الاحتفال بعيد الأم هو من جملة البدع والمحدثات، وأنّه تقليد غربي.. وأنّه لا يجوز إحداث عيد يحتفل به المسلمون غير عيدي الأضحى والفطر، لأنّ الأعياد من جملة إحياء المناسك والعبادات، قال تعالى: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ} (الحج: 67).
ويجيب البعض الآخر بأنّه ليس في الشرع ما يمنع من أن تكون هناك مناسبة يعبِّر فيها الأبناء عن برّهم بأمهاتهم، فإنّ هذا أمر لا حرج فيه، ولا صلة له بمسألة البدعة، لأنّ البدعة المردودة هي ما أحدثه الإنسان على خلاف الشّرع.
يقول الإمام زين العابدين في رسالة الحقوق: "فَحَقُّ أُمِّكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّهَا حَمَلَتْكَ، حَيْثُ لَا يَحْمِلُ أَحَدٌ أَحَداً، وَأَطْعَمَتْكَ مِنْ ثَمَرَةِ قَلْبِهَا مَا لَا يُطْعِمُ أَحَدٌ أَحَداً، وَأَنَّهَا وَقَتْكَ بِسَمْعِهَا وَبَصَرِهَا، وَيَدِهَا وَرِجْلِهَا وَشَعْرِهَا وَبَشَرِهَا، وَجَمِيعِ جَوَارِحِهَا، مُسْتَبْشِرَةً بِذَلِكَ، فَرِحَةً مُوَبِّلَةً (أي مواظبة ومستمرة) مُحْتَمِلَةً لِمَا فِيهِ مَكْرُوهُهَا، وَأَلَمُهَا، وَثِقْلُهَا وَغَمُّهَا حَتَّى دَفَعَتْهَا عَنْكَ يَدُ الْقُدْرَةِ، وَأَخْرَجَتْكَ إِلَى الْأَرْضِ، فَرَضِيَتْ أَنْ تَشْبَعَ وَتَجُوعَ هِيَ، وَتَكْسُوَكَ وَتَعْرى، وَتُرْوِيَكَ وَتَظْمَأَ وَتُضَحِّي وَتُنَعِّمَكَ بِبُؤْسِهَا، وَتُلَذِّذَكَ بِالنَّوْمِ بِأَرَقِهَا، وَكَانَ بَطْنُهَا لَكَ وِعَاءً، وَحِجْرَهَا لَكَ حِوَاءً (ما يحتوي الشيء ويحيط به)، وَثَدْيُهَا لَكَ سِقَاءً، وَنَفْسُهَا لَكَ وِقَاءً، تُبَاشِرُ حَرَّ الدُّنْيَا وَبَرْدَهَا لَكَ، وَدُونَكَ، فَتَشْكُرُهَا عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ، وَلَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا بِعَوْنِ اللهِ وَتَوْفِيقِهِ".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق