فقه أدب التعايش ٣ : القراءة العاطفية للتاريخ
التاريخ لا يُقرأ بعاطفة؛ لأنّ في أحد جانبيه «الإيجابي» تترشح المحبة، وفي جانبه الآخر «السلبي» تترشح الكراهية، وكلاهما إن أخذنا بهما من دون تعقل يُعمي ويُصم، فإذا ما استحكمت بالإنسان منعته عن الرؤية الصحيحة للأحداث.
ومن هذا المنطلق فإنَّ القراءة التحليلية لأحداث التاريخ إنما تكون ناجحة بمقدار ابتعادها عن المنحى العاطفي في تفسير الأحداث، واعتمادها المنهج النقدي الموضوعي.
هذه القراءة المشوبة بالعاطفة هي التي جعلت - كما يقول المرجع السيد محمد حسين فضل الله - ”بعض الخطوط الاجتهادية تنفتح على بعض المفردات الموجودة لدى هذا الفريق أو ذاك الفريق لتسارع إلى وضعها في سياق الكفر، ثم تعمل للبناء على النتائج التي تترتب على هذا الكفر المفترض من إبعاد إلى نفي وإقصاء، وصولاً إلى ما هو أبعد من الطرد والرفض في الرأي أو ما إلى ذلك. هذا مع العلم أنَّ المجالات الاجتهادية تفرض عدم الحكم بالتكفير إلا من خلال إنكار الثوابت الأساسية بشكل مباشر. أما إنكار الضروري من الدين فلا بدَّ من تتبع مضامينه وخلفياته“.
وقد أدَّى في نهاية المطاف إلى انقسام حاد في أدبيات الثقافة بين المذهبين الكبيرين الشيعي والسني، في حين يؤكد الفقيه الشيخ محمد مهدي شمس الدين على أنَّ أولويات عناصر القوة هو بالرجوع الى التمسك بوحدة السنّة النبوية، فيقول: >لا يجوز لفقيه أن يقتصر في تعامله مع السنّة النبوية على ما ورد من طريق أهل البيت
فقط ويهمل كل ما روي عن طريق الصحابة. كما لا يجوز لفقيه أن يقتصر في تعامله مع السنّة النبوية على خصوص ما روي من طريق الصحابة فقط ويهمل اهمالاً مطلقاً ما روي من طريق أهل البيت
. وهذه هي إحدى العُقد الأساسية في عملية التقريب بين المذاهب الاسلامية... وينبغي أن تنشط الدراسات الحديثية المقارنة، لتكتشف مجالات وحدة النص، أو وحدة المضمون بين السنّة المروية عن أهل البيت، التي تشكِّل معظم السنّة عند الشيعة، وبين السنّة المروية عن الصحابة والتابعين التي تشكل معظم السنة عند أهل السنة".


ويؤكِّدها ما طرحه المرجع المعاصر الشيخ يوسف الصانعي حيث يقول في حواره، مستعرضاً أهمية مدرسة أستاذه المرجع الكبير السيد حسين البروجردي «ت 1960م»: ”... أما فيما يخصُّ احترام آراء فقهاء السنّة فله جذور تاريخية، فلقد كان هذا الأمر مطروحاً من زمان السيد المرتضى بعنوانه فقهاًَ مقارناً وحقوقاً مقارنة، دوّن السيد المرتضى كتابه المعروف «الانتصار» وذكر فيه أهل السنّة والإماميّة، واستند فيه إلى أدلة يقبلها كلا الفريقين، وهي أدلة حقيقية، ثم وصل الدور إلى الشيخ الطوسي حيث دوَّن كتاب «الخلاف» متناولاً فيه الفقه المقارن، ثم جاء بعده العلاّمة الحلي في كتابه «التذكرة» طارحاً الفقه المقارن... أمّا ما ميّز الفقه في فكر آية الله البروجردي فهو تأصيله للمسائل الفقهية، فقد كان يعتقد بضرورة التعرّف على الآراء الفقهية لعلماء أهل السنة؛ لأنّه كان يعتقد بأنّ الفقه الشيعي كان في بداية الأمر شرحاً للفقه السنّي. وهذا ما ميّز البروجردي فقد كان يؤصّل الفقه وهذا هو المطلوب... وكان يقتدي بالسّلف الصالح في نقله لآراء العامّة، وقد كان هذا عمله مستحسناً“.
بل إنك تجد جملة وافرة من علمائنا من اهتم بالأخذ مما في كتب المذاهب الإسلامية المختلفة، فقد استعان الفقيه الشيخ محمد جواد البلاغي في دراساته وبحوثه بأعمال أهم أعلام أهل السنة ورموزهم الدينية. كذلك نجد المرجع المعاصر الشيخ ابراهيم الجناتي يدرس الفقه والأصول وعلوم القرآن وعلوم الحديث بشكلها المقارن في مدينة قم، ويعتبر الشيخ الجنّاتي من أول الشخصيات العلمية في مدينة قم المقدسة الذين يقومون بتدريس الفقه والأصول وعلوم الحديث وعلوم القرآن بصورة مقارنة من وجهة نظر اثنين وعشرين مذهب اسلامي، من مائة وثمانية وثلاثين رأياً فقهياً وردت في تاريخ الفقه الاسلامي.
وكذلك الحال مع الفقيه المعاصر الشيخ واعظ زاده الخراساني في موسوعته القرآنية الكبرى، وفي عموم آرائه الفقهية، فإنه يتكئ كثيراً على مباشرة آراء المذاهب الفقهية الإسلامية بذهنية منفتحة؛ متأثراً في ذلك بمنهج أستاذه المرجع الكبير السيد حسين البروجردي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق